بحلول هذا اليوم تكون قد مرت سنتين على حلول حركة 20 فبراير في الشارع المغربي، بصفتها حركة اجتماعية أفرزها سياق عربي اتسم بانتفاضات شعبية في بعض الدول العربية ضد حكامها من أجل أن تسوس هاته الشعوب لباس الذل والعار الذي ظلت ترتديه طوال عقود من الزمن. أكيد أن باختلاف الجسم ومناعته تختلف جرعات الدواء، وإن كان المرض واحد. وهذا هو حال ما شهدناه بداية في كيفية الاحتجاج المجتمعي بالمغرب والذي مثلته "حركة 20 فبراير"؛ حيث كانت مطالبها في البدء على الأقل واضحة المعالم الكبرى، المتجسدة في إسقاط الفساد والمفسدين الكبار والمطالبة بملكية برلمانية، وتتوسطهما مطالب أساسية لانزاع حولها متمثلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية...، وقد قامت هذه الحركة بدور مهم في تحريك عجلة الإصلاح بالمغرب، خصوصا في بدايتها التي كانت بداية قوية، أكسبت الشعب المغربي الثقة في النفس، وكشفت اللثام عن بعض المفسدين في البلد وقلصت من حجم رقعة لعبهم وتحركاتهم. إن "حركة 20 فبراير" لو استمرت على هاته الحالة، لكان المغرب سيقطع أشواطا مضاعفة وسيتجاوز مراحل عديدة، لأن خصوصية المغرب – والشعب المغربي - تأبى إلا أن يكون المغرب مملكة، الشيء الذي كان سيجعل أصحاب القرار بين مطرقة الاستجابة لمطالب الشعب المغربي.. والسندان. لكن للأسف، أتى على هاته الحركة حين من الدهر جعلها تحيد عن خطها الكفاحي، بفعل عوامل مختلفة أدت إلى نوع من الضبابية في شكلها ومضمونها؛ حيث لم يعد الإطار الناظم للحركة واضحا، هذا الإطار الملخص في السؤالين التاليين: من نحن؟ .. وماذا نريد؟ الذي يجد صدى له في شعار:"شكون حنا .. آشنو بغينا؟"، وهذا المحيد عن الطريق السليم جعل عجلات الحركة تتآكل دون أن يكون هنالك تخفيف من تلك المطالب الوازنة والثقيلة التي كانت على عاتقها، والتي تحتاج إلى جحافل من المتظاهرين، فتحوّلا السؤالان السابقان إلى "كم نحن؟.. وماذا نريد؟. وهاته الحالة التي آلت إليها حركة 20 فبراير لا يمكن أن نحاسب عليها أناسا بأعينهم بقدر ما يتحمل مسؤوليتها الجميع، لأن عائدها كان سيعم الجميع. نجد أنفسنا اليوم ونحن نسترجع ذكريات الأمس القريب جد متأسفين للوضع الاجتماعي والحقوقي الذي يُطِلّ علينا أحيانا بلباس حسبناه قد رث وبلى، وأننا عوضناه بلباس يليق بجسمنا وهيأتنا. هذه الإطلالة من بين أسبابها تراجع الحركة عن الدور الذي خُلِقت من أجله، وبدهي أن نجد هاته الانتهاكات، لأن السنة الكونية تقول: إن الطبيعة لا تقبل الفراغ، وكذلك الشارع في المغرب لا يقبله. وهذا المد والجزر يعكس عدم تحصل الوعي الجمعي، أو إن شئنا قلنا إنه لازال لم يكتمل النصاب السياسي والاجتماعي لركوب قطار حرية الرأي وكرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية. إن عودة الحركة العشرينية إلى الميادين، للقيام بأدوار طلائعية لا يمكن أن يتحقق دون بلورتها رؤى جديدة للواقع، بتغيير المنظار الذي كنا ننظر به إلى هذا الواقع ؛ حيث بات يفرض خطة جديدة للتعامل معه، تتجاوز النظرة العدمية التي تضع الكل في سلة واحدة، بشكل يجعل "من ليس معنا فهو ضدنا"، وهذا خطأ جسيم يقع فيه الإنسان؛ فيمكن أن يكون من ليس معنا حليفنا، خصوصا وأن لنا خصم واحد، هذا علاوةعلى ضرورة ارتداء زي موحد يسعفنا في تحقيق ذلك الاندغام الذي يغيب حين نحتكم إلى الأهواء والمصلحة الشخصية ومنه تضيع مصالحنا ومآربنا، وهذا طبعا ما يمدد حياة المفسدين. هكذا ننتهي إلى خلاصة أساسية مفادها أن "حركة 20 فبراير" ضرورة مجتمعية وجب لها أن تنهي استراحتها وتستجمع قواها وتتجاوز عثراتها لمواجهة تماسيح وعفاريت عجز السي بنكيران عن مواجهتها لوحده. *طالب باحث