رفعت أم لم ترفع الحكومة المغربية من أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية ؟ وهل من الحكمة أن تقدم الحكومة، والمغرب على أبواب الذكرى الثانية لاندلاع الحركة الاحتجاجية، على مغامرة الزيادة في الأسعار."إلى حد الساعة ليس هناك قرار للزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية"، يقول نائب من المولاة. "انعكاسات وخيمة" تنتظر المغرب، يحذر نائب من المعارضة دون أن يستبعد تكرار سيناريو انتفاضة 84. ولكن، هل من سبيل أمام الحكومة للتوفيق ما بين مصالح الناس والتخفيف من أعباء الخزينة العامة؟ 'فئة غير معنية‘ يأتي الحديث عن الزيادات الجديدة في خضم جدل سياسي واسع عن ضرورة إصلاح 'صندوق المقاصة‘ وهو نظام يهدف دعم الدولة للمواد الاستهلاكية الأساسية والمواد التي تدخل في عملية إنتاج عديد من المنتجات الاستهلاكية. ويمتص هذا الصندوق سنويا ما يقارب 53 مليار درهم (5.5 مليار دولار) وهو ما يمثل حوالي 16% من ميزانية الدولة. وفي اتصال مع إذاعة هولندا العالمية أكد رئيس لجنة المالية بمجلس النواب والنائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن ليس هناك قرار حكومي حتى الآن بخصوص الزيادة في الأسعار، وتحدث في المقابل عن "تحرير" الأسعار كإجراء تقتضيه عملية إصلاح صندوق المقاصة الذي تستنزف محتوياته الفئات الميسرة، مشددا على أن الجميع، معارضة وموالاة موافقون على ضرورة إصلاح هذا الصندوق: "هناك الآن إجماع من طرف جميع الفرق النيابية ومن طرف جميع الأحزاب السياسية على ضرورة إصلاح صندوق المقاصة لما له من أثر على ميزانية الدولة من جهة، وما له من جوانب سلبية تتعلق باستفادة فئة غير معنية من 40 – 50% من مجال الدعم". غياب التصور ومن جانبها تتهم المعارضة حكومة الإسلاميين بأنها تفتقد لتصور واضح عن كيفية إصلاح هذا الصندوق المثير للجدل. وفي هذا الصدد أكد عبد الهادي خيرات من الفريق الاشتراكي (معارضة) في معرض جوابه على عرض رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في البرلمان يوم الاثنين، أن "كلفة المعيشة" عرفت منحى تصاعديا في "جميع المواد الاستهلاكية وجل الخدمات الاجتماعية". وشدد خيرات المعروف بمواقفه الجدالية على أن ارتفاع الأسعار ستترتب عنه "عواقب وخيمة على المقاولة المغربية" لأن المستهلك المغربي سيتحول للبضاعة "المهربة" من الصين ومن تركيا بحسب رأيه. "نحن نريد أن تقدموا لنا تصوراتكم حول السياسة المقررة من أجل الحد من ارتفاع الأسعار". بهذه العبارات خاطب عبد اللطيف وهبي باسم فريق الأصالة المعاصرة (معارضة) رئيس الحكومة السيد بنكيران يوم الاثنين أمام البرلمان. واتهم السيد وهبي حزب رئيس الحكومة ب "احتكار" القضايا الكبرى مثل إصلاح صندوق المقاصة. "كيف يعقل أن حزبكم داخل الحكومة يحتكر إحدى القضايا الأساسية وهي قضية صندوق المقاصة، حتى على زملائكم في الأغلبية". 'تهيئ نفسي‘ وداد ملحاف إحدى الناشطات في حركة 20 فبراير ترى أن الزيادة قادمة وأن الجدل الدائر حاليا هو لتهيئة الخواطر ليس إلا: "ما هذا الجدل إلا مجرد تهيئ نفسي للمغاربة لتقبل الأمر ويمكن كذلك اعتباره بمثابة جس نبض المواطنين، لذلك فلا حكمة من الزيادة في الأسعار، أما بالنسبة لحركة 20 فبراير فأظن أن المطالب لا يمكنها أن تُجتزأ أو أن تكون مناسباتية وإنما هي مطالب لها راهنيتها في كل الأزمنة مادامت لم تتحقق". تدعم وداد إصلاح صندوق المقاصة لكن "شريطة ألا يكون على حساب الطبقة الفقيرة والمتوسطة لأن هناك فئات تستفيد من هذا الدعم رغم كونها لا تستحق ذلك". وتقترح وداد كبدائل للتخفيف من أعباء الخزينة العامة للدولة، إيجاد حلول لقضايا "التهرب الضريبي وكذا قضايا نهب المال العام لذلك فمن واجب الحكومة السعي أولا إلى استرجاع هذه الأموال، وهناك كذلك تفاوت كبير في الأجور بالنسبة للموظفين في المناصب العليا لذلك فرض الضريبة على هذه الأجور الخيالية يمكنه أن يخفف من عبء الموازنة لأن الطبقة المتوسطة والفقيرة غير مستعدة لا حاليا ولا مستقبلا لأية زيادة مادام الإصلاح الجذري في المنظومة الاقتصادية متوقفا". 'تشويش‘ ما تحدثت عنه المعارضة في البرلمان أثناء الجلسة الشهرية مع رئيس الحكومة هو "مجرد إشاعات"، يقول السيد خيرون في تصريح لإذاعة هولندا العالمية، الغرض منها "زرع نوع من البلبلة وزرع كذلك نوع من عدم الثقة في الحكومة الحالية التي تقود إصلاحات هيكلية مهمة". ويوضح السيد خيرون أن 'ورش‘ إصلاح صندوق المقاصة ورش كبير يتطلب إنجازه سنوات قد تصل إلى أربع سنوات ولن يمس في جوهره "القدرة الشرائية" للمواطنين، بل على العكس سيصل الدعم "مباشرة" لمن يستحقه من الطبقات الشعبية "الهشة والمعوزة". بيد أن السيد خيرون لا يستبعد أن يسبب تحرير الأسعار وإصلاح صندوق المقاصة في "إشكالات اجتماعية وسياسية"، مثلما جرى في بلدان أخرى قامت بإصلاحات مشابهة لأنظمة الدعم: "الدول التي قامت بإصلاح مجال الدعم، كلها عرفت إشكالات اجتماعية وسياسية في هذه البلدان، سواء في بلدان أمريكا اللاتينية أو غيرها من البلدان التي مست مجالات الدعم بتعديلات وإصلاحات معينة. التخوف حاصل طبعا على المستوى الوطني، ولكن الآن نحن نتحدث عن مجال الدعم الذي لا يذهب بتاتا للفئات المستهدفة (...) والهدف من الإصلاح هو تعزيز الاستهداف للطبقة المعنية بمجال الدعم". --- ينشر باتفاق تعاون وشراكة مع موقع إذاعة هولندا العالمية