في إطار الاحتفال بالذكرى الخمسينية لوفاة الزعيم والقائد التاريخي الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي – رحمة الله عليه – التي تصادف يوم 06 فبراير ، وذلك سنة 1963 بالقاهرة، وقفت مؤخرا على كتاب فريد يترجم للشيخ الشهيد محمد الكتاني بعنوان "أشرف الأماني بترجمة الشيخ سيدي محمد الكتاني" لابنه الإمام أبي الهدى محمد الباقر بن محمد بن عبد الكبير الكتاني، ويقدم لهذا الكتاب الزعيم محمد بن عبد الكبير الخطابي في كلام نفيس وتحليل رائع للواقع المغربي سنة 1962، ولما قرأت هذا التقديم وجدت أن كلمات الخطابي مازالت تصدق على واقع اليوم، وأن تشخيصه للواقع آنذاك مازال قادرا على تفسير أزمة الراهن المغربي التي نعيشها على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية. كما أن هذا التحليل يقدم رؤية للبديل المنشود في سبيل صناعة التغيير وبناء وطن ومجتمع جديد يتسع لكافة أبنائه، مجتمع الحرية والكرامة والعدل، مجتمع النهضة والنماء والتقدم. في هذا الصدد ارتأيت أن أنقل هذه الكلمات الخالدة المعبرة بقلم أستاذ الأجيال سيدي محمد بن عبد الكريم الخطابي، ليستفيد منها الجيل الحاضر في صناعة مشروع التغيير والنهضة والبناء. قال غازي المغرب دوحة العلم والفضل والسياسة محمد بن عبد الكريم الخطابي: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه أجمعين إلى يوم الدين. وبعد؛ فقد كان يهمني أن تتاح لي فرصة لأقول كلمة في قضية الشهيد، الشيخ المربي، والمرشد السالك العالم سيدي محمد بن سيدي عبد الكبير الكتاني، فقد اقترن استشهاد هذا العالم الجليل باستشهاد أمة كاملة، وهي: أمة المغرب، كما هو معلوم عند كل أحد من المغاربة المعاصرين مثلي للشيخ الشهيد، وللقضية بأكملها. (..............) أما ما يتعلق بالقضية الكبرى وأسباب المحنة، وعلاقتها بالاحتلال الفرنسي والسلطان عبد الحفيظ الذي بايعه المغاربة على شرط أن يدافع عن استقلال المغرب ويكافح ضد الاحتلال الأجنبي، فقد كان المؤلف موفقا وأمينا في نقل الحقائق في جميع أجزاء القضية، لا تحيز ولا انحراف ولو بقيد أنملة. بل إني لاحظت أن المؤلف كان متحفظا وبالغ في التحفظ مع أن الأمر كان واضحا في أن الشيخ الشهيد على حق وأي حق، وأن خصومه كانوا على الباطل وكانوا على خطأ في حقه وحق البلاد. وليس من الغريب في حق مثل هذا الشيخ الشهيد، أن يقف مثل هذا الموقف من الفرنسيس، ومن السلطان عبد الحفيظ، ومن العلماء الذين كانوا يقفون في وجهه ويعاكسونه في دعواه للكفاح على الرغم من الخطر الذي كان يهدد البلاد. إنما الغريب هو موقف العلماء وعبد الحفيظ الذين كانوا مسؤولين كل المسؤولية في التهاون بقضية الدفاع عن البلاد وعدم استجابتهم لما يدعو إليه الشيخ من الكفاح، وكان معنى هذا كله: التآمر على الوطن، وإتمام رغبة الفرنسيين الذين كانوا قد أخذوا في غزو المغرب؛ في وجدة ونواحيها وفي الدارالبيضاء ونواحيها، حيث قوبل الفرنسيس بمقاومة شديدة في هاتين الناحيتين من طرف الأهالي والقبائل المجاورة. أما موقف شيخنا الشهيد الكتاني؛ فكان هو القيام بالواجب وتأييد المكافحين والمناضلين، فلو توفق السلطان عد الحفيظ، ولو اهتدى علماء المغرب الذين كانوا يخاصمون الشيخ ويخالفونه، لو كان هؤلاء اهتدوا لما كان يدعو إليه الشيخ، لكانت الأمة المغربية كلها من ورائهم بلا شك ولا جدال. والحق يقال؛ فما كان يصح للسلطان عبد الحفيظ وما كان يجوز لعلماء المغرب في هذا الوقت أن يختلفوا مع الشيخ في أداء هذا الواجب المقدس، والنضال ضد المحتل الغاصب الذي كان بداخل البلاد يصول ويجول، ويهدد بزحف جديد والتوغل في داخل البلاد. أقول لو كان هؤلاء كلهم متفقين؛ لاتحدت اّلأمة المغربية كلها معهم في أداء هذه المهمة - مهمة الدافع عن الوطن- ولانهزم الفرنسيس، ولما جرأ بعد ذلك على احتلال فاس – العاصمة – ثم احتلال المغرب كله، ولكانت هذه الأحداث والكوارث التي حلت بالمغرب وبأنباء المغرب ما وقعت وما حدثت. بينما كان الواجب الوطني وواجب الشرف والكرامة والرجولة، يقضي على خصوم الشيخ بتلبية نداء الواجب الوطني، وقع العكس...، وكانت الكارثة ...، باستشهاد الشيخ ظلما، وفتح الباب على مصراعيه لاحتلال الفرنسيين لبلادنا. ومما يؤدي تأييدا واضحا قاطعا أن الحق كان في جانب الشيخ، والباطل كان في جانب الآخرين: ما كنت تكتبه جريدة "السعادة" – لسان حال المستعمر التي كنت أقرؤها – تنتقد الشيخ الشهيد، وتطعن في أنصاره من كبار المغرب الذين كانت الغيرة الوطنية لا تسمح لهم بالتهاون في القضية، وكانت تنسب للشيخ القصور وعدم المعرفة والاطلاع، أما خصومه؛ فكانت تنعتهم بأنهم عقلاء متزنون .. كانت هذه الحقيقة الواقعة في قضية الشيخ الشهيد، وكان ما كتبناه أمرا لا يمكن أن يختلف فيه اثنان، لأن وقائع التاريخ تشهد بذلك، والمنطق السليم يؤيده، وقد وقع ما وقع، والواقع لا يرتفع. وكانت الكارثة بسبب التهاون الواضح، الذي حدث من السلطان عبد الحفيظ وأتباعه من العلماء الذين انحازوا إليه، وكان الشيخ الشهيد ضحية في سبيل أداء الواجب، وغالب خصومه اليوم قد رحلوا عن هذه الدنيا، فهناك عند ربهم يختصمون.. ! قد احتل الفرنسيون المغرب، وقاسينا – نحن معشر المغاربة – ما قاسيناه وما يعلمه كل أحد، فهل اتعظنا اليوم ..؟ إن السلطان عبد الحفيظ قد بايعه المغاربة على الشرط الذي أشرنا إليه سابقا، ولكن السلطان عبد الحفيظ لم يقم الواجب، ولم يدافع عن البلاد، ولم يقم بواجبه أيضا بالنسبة لداخل البلاد، فهو لم يعمل ولم يسْع‘ لتأليف مجلس للأمة في البلاد كما كان واجبا ليشارك في القيام بالواجب، مع أن الظروف التي بويع فيها السلطان كانت تقتضي ذلك، وكان الواجب على عبد الحفيظ أن يجعل الأمة المغربية التي قد تكون ممثلة في مجلسها – لو فعل – أمام مسؤولياتها في الواجبات وفي الحقوق، إن عبد الحفيظ لم يفعل شيئا من هذا، كما أن عبد الحفيظ كسلطان مسؤول عن الأمة، لم يقف في وجه العدو المحتل – كما قلنا سابقا – لتكون الأمة من ورائه، وكانت ستكون من ورائه بلا شك لو قام بواجبه وذهب إلى الميدان .. وقضى عبد الحفيظ فترة ما بين 1908 / 1912 في القيل والقال، والنزاع والخصام في التوافه والبطالة، ونحن اليوم في سنة 1962 وبيننا وبين ذلك العهد خمسون سنة، فهل تغير هذا الوضع الآن ...؟ إن الأمة المغربية ما فتئت بعيدة كل البعد عن المشاركة في إدارة شؤون البلاد رغما عن المشاكل الكبيرة التي تجتازها بلادنا، ولم يفكر أحد من المسؤولين في إنشاء مجلس شرعي يمثل الأمة تمثيلا صحيحا نزيها، لتحل المشاكل المتراكمة الخارجية والداخلية للبلاد ... ولا يزال القانون هو المتحكم... كما لا يزال العلماء في سباتهم العميق، ولا يفكرون في واجبهم على الإطلاق، كأنهم غير مسؤولين عن شيء مما تتخبط فيه البلاد من الفوضى والفساد .. بل لا يزال كل شيء يدعو إلى اليأس لولا النظرية القائلة: ليس في الدنيا شيء اسمه المستحيل.. فيا أبناء المغرب؛ عليكم أن تعلموا أنكم أنتم وحدكم المسؤولون عما جرى في الماضي وفي الحال وفي الاستقبال، فعليكم أن تعلموا هذه الحقيقة وتعالجوا الأمور بما تستحقه من الاهتمام، وتتحملوا القيام بواجبكم، وتعملوا وتعجلوا في التفكير بما يجب عمله وأول شيء هو: إنشاء "مجلس للأمة" لحل المشاكل المتراكمة المستعجلة، والقضاء على الفساد والفوضى التي حلت بالبلاد، وكالتي كانت السبب فيما مضى للاحتلال الأجنبي الذي دام على البلاد خمسين سنة ... ولا يزال هذا الاحتلال بكل معانيه قائما، والذي يجب أن ينتهي بسرعة... ويجب أن يمحى من عقولنا أيضا، قبل أن يقضي علينا تماما كما قضى على اللغة العربية، أما بقاء الوضع كما هو الآن، فمعناه: انتحار، ومعناه: العار والشنار، ومعناه: مخالفة شريعة الإله ومبارزته بالمعاصي ... إن الوطن – يا أبناء المغرب – يناديكم بالتعجيل لتخليصه من الحالة السيئة التي مرت عليها أكثر من قرن وهو يعانيها.. وأنت قد شاهدتم – وأعني الجيل الحاضر – قد شاهدتم بأنفسكم هذا المآسي... وهي نفس المآسي عاشها آباءكم وأجدادكم، وذلك بسبب التخاذل والتواكل الذي كان ولا يزال يعيشه المغرب وأبنائه .. إن الواجب يقضي على الرجال والنساء الموجودين في هذه الدنيا أن ينتبهوا ويعملوا بسرعة لإنقاذ المغرب من الحالة التعسة والمظالم التي يعيشها أبناء المغرب بسبب تفريطهم وتواكلهم، وعدم اهتمامهم... وإذا كان كل واحد منهم – فيما مضى - كان ولا يزال يعتقد أنه غير مسؤول، وغير مكلف بالاهتمام بشأن أمته .. وكل منغمس في البحث عن العيش فقط، من غير أن يهتم بالآخرين، ومن غير أن يفكر في الحالة العامة.. وهذا هو السبب في هذه الحالة التعسة .. وفقنا الله جميعا .. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. تحريرا في 30 / 06 / 1962م محمد بن عبد الكريم الخطابي كان الله له مقتطف من كتاب: ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد المسماة: أشرف الأماني بترجمة الشيخ سيدي محمد الكتاني تأليف: الإمام أبي الهدى محمد الباقر بن محمد بن عبد الكبير الكتاني ( 1319 – 1384 ه) تقديم: الزعيم الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي، تحقيق: نور الهدى عبد الرحمن الكتاني مركز التراث الثقافي المغربي، الدارالبيضاء – دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت الطبعة الأولى، 1426 ه / 2005م، صص: 51 – 55. من خلال هذه الكلمات النادرة والنفسية للزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، يمكن أن نتوقف عند مجموعة من الملاحظات الجوهرية في كلامه، فهو يقوم بعقد مقارنة بين فترتين من تاريخ المغرب يفصل بينهما نصف قرن من الزمان، سنة 1912 والمغرب يتعرض للاحتلال الأجنبي، وسنة 1962 بعد ست سنوات من الاستقلال الذي سماه الخطابي في موضع آخر "احتقلال". وهو في هذه المقارنة يضع يده على الداء الذي أصاب المغرب وعرضه للاحتلال الأجنبي وأوقف مسيرته في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، ويحدد بوضوح الأطراف التي تتحمل المسؤولية عن الوضعية التي وصل إليها المغرب في الزمنين، كما يقدم رؤيته للحل والبديل المناسب لتجاوز الوضعية السيئة للبلاد، ويستنهض همم الشعب لتحمل مسؤولية تقرير مصير بلاده بنفسه، وكأن عقارب الساعة قد توقفت في المغرب، وبقي على حالته من الركود والعجز والتأزم رغم مرور خمسين سنة ذاق خلالها ويلات الاحتلال الأجنبي الغاشم، ويمكن أن نستخلص من كلام الخطابي مجموعة من الإشارات الجوهرية والمفيدة لنا في قراءة ماضينا وراهننا واستشراف مستقبلنا: ⎫ تحمل المخزن المغربي المسؤولية التاريخية الأولى في الاحتلال الأجنبي للمغرب بسبب تهاونه وسوء تدبيره للمرحلة، وعدم تجاوبه وقمعه دعوات الإصلاح والتغيير والمواجهة كتلك التي أطلقها الشيخ الشهيد محمد الكتاني. والثانية بعد مرحلة الاستقلال حيث لم يستطع المغرب بناء دولة ديمقراطية دستورية حديثة تسودها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والثقافية، بل دخل النظام في مواجهات شرسة مع المعارضة (سنوات الرصاص) وقمع الانتفاضات الشعبية، مما سبب الكثير من المآسي والآلام، وعرقل مسيرة التنمية والبناء. ⎫ فضح عجز النخب المغربية من العلماء والمثقفين والسياسيين، وعدم تحملهم المسؤولية في مواجهة المخاطر المحدقة بالبلاد سواء في مجابهة الاحتلال الأجنبي، أو مجابهة الاستبداد والفساد الداخلي. وذلك بسبب ركونها إلى السلطة وإقبالها على الاستفادة من عائدات الريع المخزني فقط، دون أي اهتمام بالآم الشعب ومصائر البلاد. ⎫ غياب الإشراك الحقيقي والفعلي للشعب في تقرير مصيره واتخاذ القرارات الحاسمة في المراحل الحساسة من تاريخه، وتغييبه وتهميشه من خلال عدم إيجاد التمثيل الحقيقي والنزيه له في المؤسسات. ⎫ وضع اليد على الأعطاب الحقيقية التي يعاني منها الشعب، وتحميله المسؤولية في عدم تقرير مصيره ومصير بلاده بنفسه، من خلال لامبالاته وانشغال كل شخص بأنانيته وبحثه عن مصالحه الخاصة والآنية بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، ولجوئه إلى توظيف كل أساليب الوساطة والزبونية والرشوة من خلال قضاء مآرب شخصية مستعجلة دون النظر إلى الصالح العام، وضرورة التلاحم والتكاثف الجماعي والمسؤولية المشتركة عن مصير الوطن والبلاد والمجتمع. وذلك لأن الشعب يعاني من أمراض العجز والتواكلية والسلبية، والأنانية المفرطة وغياب التضامن الاجتماعي الفعال. ⎫ تنبيه الخطابي إلى خطورة الاستعمار الجديد، فإذا كنا قد أخرجنا المستعمر الأجنبي من الباب، فقد رجع إلينا من النافذة. أخرجنا جيوشه، فعاد إلينا يستعمرنا بلغته ومساعداته وخبراته وفكره وخططه، ويحذرنا الخطابي من أخطر احتلال ألا وهو الاحتلال الفكري والثقافي والنفسي، الذي طمس شخصيتنا الذاتية المتميزة وهويتنا المتفردة، وقضى على كل بارقة مجد من خصوصيتنا وتراثنا سواء كانت لغة أو فكرا أو أخلاقا أو سلوكا أو عزما ومجدا، ليحل فيه الجهل والغرور والتغريب والانحلال والفساد، ويهدم كل القيم الإيجابية في مجتمعاتنا من تضامن وأخوة وتآزر وتناصر وتعاون، ويحل بدلها قيمه الاستهلاكية الدوابية وفلسفته الإلحادية المادية. ⎫ بروز النزعة الوطنية بشكل واضح عند الخطابي، من خلال حديثه عن الأمة المغربية ونحن معاشر المغاربة، مما يدل بكل تأكيد على عمق الانتماء الوطني لدى هذا الرجل الوطني الغيور على بلاده، ودعوته لجميع المغاربة للتكاثف والاتحاد ومواجهة مصيرهم بأنفسهم مستقلين عن أية إرادة خارجية، متحدين ومتفقين على غاية واحدة وهي إنقاذ البلاد من الكارثة، وإعلاء شأن الوطن، وبناء المجتمع الجديد الجدير بالمغرب وأهله وتاريخه. وإذا كان الخطابي قد عقد مقارنة بين فترة الاحتلال الأجنبي للمغرب سنة 1912، وفترة ما بعد الاستقلال سنة 1962، وخرج بالخلاصات السابقة التي أبرزناها. ألا يحق لنا نحن في زامننا وواقعنا الراهن أن نعقد مقارنة بين مغرب 1912 و 1962، ومغرب 2012 – 2013، ونتساءل بعض الأسئلة المكتومة في صدورنا القلقة في زمننا وواقعنا، ونسأل الخطابي لعله صدى صوته عبر التاريخ يتردد علينا ليعطينا الإجابات الشافية حول أمراضنا وسبب أزماتنا، وما هو الحل في نظره. فنسأل هل تغير شيء في واقعنا وزمننا عن زمن وواقع 1912 و 1962؟ أم أن الحال كما قال الشاعر المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد نتساءل عن المسؤول والمسبب فيما وصلنا إليه من أزمات وأعطاب على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية؟ عما انحدرنا إليه من واقع التخلف والفساد والاستبداد؟ نتساءل عن دور النخب المغربية من علماء ومثقفين وأحزاب ونقابات وجمعيات، أين هي؟ هل تؤدي دورا لصالح الشعب ومصير البلاد والوطن؟ أم لا يهمها إلا امتيازاتها ومصالحها وأنانيتها؟ نتساءل عن ديمقراطيتنا، هل هي فعلا ديمقراطية؟ هل الشعب عندنا يشارك مشاركة حقيقية وفاعلة في صناعة مصيره واتخاذ قراراته؟ هل من يمثلون الشعب يمثلونه تمثيلا صحيحا نزيها؟ نتساءل عن الاحتلال الأجنبي لبلادنا، هل فعلا أخرجناه من أرضنا؟ أم لا يزال يستوطن أجزاء غالية علينا من هذه الأرض؟ بل السؤال الأهم، هل أخرجناه من أنفسنا وعقولنا وفكرنا ولغتنا وقرارنا الوطني والسيادي وقوتنا واقتصادنا وأموالنا؟ نتساءل عن الشعب، هل الشعب حاضر أم غائب أم مغيب؟ هل يقوم الشعب بدوره الحقيقي في الرقابة والمحاسبة وتقرير مصيره بنفسه؟ أم أن هذا الشعب لا وجود له إلا في المتخيل السياسي؟ لأننا في آخر المطاف كل فرد فينا يبحث عن منفعة نفسه ومصلحة ذاته ولا يهمه أحد من بعد ذلك، أي يقول بلسان الحال لا المقال: أنا ومن بعدي الطوفان !!! بعد الجولة الفكرية المتمعنة في كلمات الخطابي وأرائه ومواقفه، والتي ستظل شامخة على مدى الزمان تنير درب الأحرار والمضطهدين، تدغدغ حلم الحالمين بغد الحرية والكرامة والعدل. لا يسعني إلا أن أقول في ختام هذه المقالة، إلا أن الخطابي سيظل حيا فينا نحن معشر المغاربة برجولته وبطولته وعبقريته وإيمانه، وستظل كلماته ومواقفه منارة للأجيال تقودها في درب النضال والكفاح من أجل غد أفضل وأجمل وأحسن، غد الرقي والنماء والازدهار.