1/ الإلحاق والتّطويع واستخدام الدين: عندما نصف الدولة العربية الحديثة ب " الأوتوقراطية "فذلك تعبير عن إلحاقها وتطويعها واستخدامها للدين في شرعيتها(المغرب نموذجا)، مثلما تستخدم الأحزاب والنقابات لتفريغها. إنها تستخدم من دون مواربة ، المجتمع لصالح " وثنيتها " القابعة فوقه، فلم تكن هذه الدولة في أي يوم من الأيام ذات نزعة تقديسية للعلم لتكتسب صفة" العلمانوية " ، بل لم يهمش العلم والعلماء والمثقفون والمفكرون في أي يوم من الأيام كما همشوا في ظل هذه الدولة الحديثة " المزعومة " . لم تقدّم تنازلات أمام المد الاسلاموي، كما قدمته هذه الدولة ، ولم يتفش الجهل والأمية، واحتقار العلم والتعليم كقيمة اجتماعية تقود إلى الفقر والبؤس، وهيمنة الجهلة والرعاع والجهلة والأوباش، إلا في ظل هذه الدولة" العلمانوية ". بل إن نكوص الدولة العربية(ومنها المغربية) عن قيم العلم والتقدم والعقلانية والتنوير، أتاحت للدين أن ينبعث بأشد أشكاله، تدميرا للوحدة الوطنية والثقافة الوطنية، فراح يفتت (وهذا هو الحاصل الآن) كعامل موحد للهوية الوطنية والثقافة، إلى أشلاء طوائف، وفتات مذاهب وثفالات عشائر وقبائل وملل ونحل. 2/ في " الثورية " السياسية والمحافظة "أيديولوجيا ": إذا كان مصطلح " العلمانوية" في التجربة السياسية العربية، يشير في مرجعيته الدالة إلى الناصرية (والبعثية أيضا )،فلا مناص من أن نتفق مع المفكر الماركسي ياسين الحافظ، على أن سبب اختناق الناصرية، ثوريتها السياسية، ومحافظتها الإيديولوجية، وملاحقتها الإخوان المسلمين سياسيا، وزرعهم في مؤسسات الدولة، ثقافيا وفكريا. وإذا كان هذا سيحيلنا إلى الدولة التي خلفت(النموذج الناصري)، فإن هذه الدولة منذ(الرئيس المؤمن) أنور السادات، وحتى اليوم(مع العبقري السيسي؟) تسلك سلوك المستضعف أمام هذا المد. حيث لم يهيّأ لها مهابة زعامة عبد الناصر، ولذلك لجأت إلى نوع من البراغماتية المبتذلة.حيث وظفت التيارات الإسلامية في مواجهة اليسار دائما (كما الحال في المغرب) ، وعندما تتهالك فلا تجد ما يمنعها من الإنصياع، فتعلن(اسلامويتها) كالنميري ابن المدرسة الناصرية بالأصل، عندما تخوض حروبها فهي تضع(العمامة) مستحضرة النماذج الإسلامية (عمر-علي – خالد) وهي في كل الأحوال، لا تترك مناسبة دينية او شعائر دون أن تتمسح بها،خاشعة، نائبة إلى الله، وتتلى الخطب عن نصرتها للإسلام وذودها عن حياضه. بل إن مؤسساستها التقليدية العتيقة، تتيح لكتب ومنشورات وأدبيات التيار الإسلاموي، أكثر مما تتيحه لأي تيار آخر،فعدوانية الدولة الحديثة ليست عدوانية "علمانوية" بل هي عدوانية رعاعية متغطرسة وعدوانية جاهلة متخلفة.