قام المجلس الأعلى للحسابات بمراقبة تدبير الوكالة الرسمية للأنباء خلال الفترة من 2006 إلى 2010 وضمن ملاحظاته وتوصياته في تقرير 2011 الذي نشر على الإنترنت يوم 23 يناير 2012. المؤسسة التي يرأسها إدريس جطو لم تفحص فقط المعطيات المالية للوكالة بل سلطت الضوء أيضا على كيفية تسييرها ومدى إنجازها لمهامها الرئيسية. تقرير: كريستوف غيغان* من دون مقدمات طويلة، توقف التقرير عند مشكلة الخط التحريري المعروف بميله إلى التضليل والدعاية منذ أن قرر الملك الراحل الحسن الثاني تأميم الوكالة في عام 1974. إن هذا المشكل ينبع أصلا من النظام الأساسي لهذا المرفق العمومي والذي يتضمن هدفين متناقضين: فالوكالة مطالبة من جهة بالبحث عن عناصر المعلومات الكاملة والموضوعية في المغرب وفي الخارج، و مطالبة من جهة أخرى بالامتثال للسلطات العمومية وبث المعلومات التي ترغب هذه الأخيرة في نشرها. بكل بساطة فإن النظام الأساسي يرغمها على هذا الخلط الذي تصبح معه الموضوعية في معالجة المعلومات أمرا مستحيلا، فالوكالة مجبرة على بث البيانات الرسمية (خاصة تلك الصادرة عن وزارة الداخلية) كما هي دون قيمة مضافة ولا تعليق. يقول التقرير : "من خلال تحليل الخط التحريري للوكالة، تبين أن جل مصادر الأخبار تستمد من المؤسسات الحكومية والهيئات السياسية. هذه الوضعية تؤثر على الخط التحريري للوكالة بحيث يجعلها رهينة في استقائها للخبر للهيئات الرسمية بدل سعيها لتنويع مصادر الخبر" وفي فقرة يركز التقرير على غياب الموضوعية في تغطية للأحداث (قاعدة تنوع وتعدد المصادر والشهادات): "وعلى سبيل المثال فهذا المبدأ لم يُحترم عند تغطية بعض الأحداث المرتبطة ببعض المهرجانات معينة ومسلسل المراجعة الدستورية." الوكالة تنفي جملة وتفصيلا.. المدهش أن ردود المدير العام للوكالة، خليل الإدريسي الهاشمي، والتي تضمنها التقرير أيضا، تنبع من قاموس لغة الخشب وتنكر جملة وتفصيلا ما خلص إليه التقرير. لقد ورد في جوابه ما يلي "إن وكالة المغرب العربي للانباء تحترم التوازن في قصاصاتها وتعطي أكثر فأكثر الكلمة لكل مكونات المجتمع. وهي تغطي كل التظاهرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بكل موضوعية وفي احترام لمبادئ التعددية والتنوع." أما في ما يتعلق بالأمثلة التي أوردها التقرير (الانحياز في تغطية المهرجانات وخلال المراجعة الدستورية)، فإن خليل الإدريسي الهاشمي يزعم دون تردد ولا خجل أن الوكالة "خصصت ضمن نشرتها حيزا حتى للأحزاب السياسية التي أعلنت مقاطعتها للاستفتاء" بل إنه أضاف مبتهجا "وكان ذلك بمثابة سابقة وطنية تم التنويه بها من قبل الرأي العام و الملاحظين". لقد حاول موقع "لكم. كوم"، أن يعثر ولو على قصاصة واحدة لوكالة (لاماب) تتحدث عن نداء لمقاطعة الاستفتاء الذي أجري في 30 يونيو 2011 لكن دون جدوى، (والموقع يرحب بمساعدة القراء الكرام للبحث عن قصاصة واحدة من هذا القبيل). لكن المؤكد هو أن الصحفيين العاملين في الوكالة تظاهروا بأنفسهم في شهر مارس 2011 بالرباط أمام المقر الرئيسي مطالبين باستقلال الخط التحريري، وهتفوا بشعارات من قبيل: "من أجل وكالة وطنية مهنية وليس وكالة مخزنية وتعتيمية". في رسالة مفتوحة نشرتها الصحافة، عبر أحد الصحفيين عن غضبه وحسرته فكتب: "هذه رسالة مفتوحة، موجهة ليس فقط لأولئك الذين يديرون لاماب، ولكن أيضا لجميع الذين يتملكهم الحزن لرؤية مؤسسة إعلامية عمومية تغرق في مستنقع الرقابة وتتخبط في التناقضات، وهي ضحية إطار قانوني يعود لسنوات الرصاص جعل منها أداة للدعاية. إن لاماب اليوم لا تستطيع التكيف مع العصر، ولذلك فهي موضع انتقاد شديد من طرف العاملين بها قبل غيرهم". إن الضغط الشعبي الذي ولد مع حركة 20 فبراير فشل في تغيير الوضع. قبل أيام قليلة فقط من الاستفتاء على الدستور (27 يونيو 2011) عين الملك خليل الهاشمي الإدريسي في منصب مدير عام الوكالة، وهو معروف بولائه المفرط للسلطة. بعد تعيينه أطلق المدير الجديد وسلطات الوصاية مشروعا كبيرا لتحديث الوكالة يشمل الموارد البشرية والتسويق وقسم المبيعات ولكنهم احتفظوا بالنظام الأساسي الذي يعود إلى عام 1974، فكانت النتيجة استمرار إنتاج التضليل. في توصياته، طلب المجلس الأعلى للحسابات "مراجعة قانون إحداث الوكالة لملاءمة مهامها بمستجدات المشهد الإعلامي والسمعي البصري وإعادة النظر في تأليف المجلس الإداري لكي يساير التطورات التي عرفها قطاع الاتصال ويواجه تحديات المرحلة." كان جواب المدير العام بسيطا وموجزا:"تم أخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار." أما وزير الاتصال فقد أعطى بعض التفاصيل مشيرا إلى أنه تم إدماج مشروع قانون الوكالة ضمن المخطط التشريعي الحكومي 2012-2016. من جهة أخرى فقد ضمن المدير جوابه هذه الفقرة: "إن مهمة الوكالة باعتبارها مرفقا إعلاميا عموميا محكومة بقانونها الأساسي، فقصاصاتها ذات طبيعة إخبارية صرفة ولا تعكس رأيا ". وهذا يتعارض مع ما أصبحت تنشره الوكالة من تحليلات عن طريقة تواصل رئيس الحكومة وشعبويته. (في عهد المدير العام الجديد للوكالة ابتدع فكرة كتابة آراء تعبر عن الرأي الرسمي للسلطة وتنتقد الآراء الأخرى دون أن تمنحها فرصة الرد. انظر مقال الهاشمي هنا حول البيعة) التقرير يشير بسرعة إلى "المذكرات الإخبارية" ومن بين النواقص التي أثارها تقرير المجلس ضعف المردودية لدى بعض مراسلي الوكالة على الرغم من ميزانيتها السنوية التي تقارب 200 مليون درهم في عام 2010، ويخصص معظمها للتسيير. فقد سجل التقرير قلة عدد القصاصات المرسلة من طرف بعض المكاتب الإقليمية والدولية فأشار إلى "غياب الإنتاج الصحفي خلال عدة شهور، كما هو الحال على سبيل المثال لمراسل مدينة برشلونة الذي لم ينتج أي خبر ما بين شهري غشت وديسمبر 2010." كما أشار إلى مراسل مدينة السمارة. وقد أوضح التقرير أنه لم يأخذ بالحسبان إنتاج "المذكرات الإخبارية"، فما هي هذه المذكرات إذن؟ لم تفصح السلطة الوصية رسميا عن معناها كما أن تقرير المجلس لم يتناولها بالتفصيل. هذه المذكرات، حسب مصدر من داخل الوكالة، عبارة عن تقارير ينجزها صحفيو الوكالة ولكنها لا تجد طريقها للجمهور. "من حيث المبدأ، كل المذكرات ترسل إلى المدير العام الذي يقرر حسب تقديره وحسب الموضوع، أن يوجهها لم يريد. إنها معلومات لا تُنشر، بل ترسل إلى عدد محدود جدا من القراء لتزويدهم بالمعطيات والمستجدات حول المواضيع الساخنة، ومن بين هذه القلة من المحظوظين نجد مسؤولي المخابرات DGED، ووزارتي الداخلية والخارجية، وفي بعض الأحيان الديوان الملكي، في الحالات الأكثر حساسية." وقد تناولت هذا الموضوع صحيفة تيل كيل في عدد خاص. صحفيون - جواسيس ليست العلاقة الوطيدة بين وكالة المغرب العربي للأنباء والأجهزة الأمنية سرا من الأسرار، والجميع يتذكر حادثة طرد المسؤول عن مكتبها في نواكشوط من طرف السلطات الموريتانية في نهاية عام 2011. قبل ذلك، في عام 2008، أثبت القضاء الإسباني هذه العلاقة. على إثر مقال للصحفي علي المرابط بعنوان "جيش من الجواسيس" والذي نشرته صحيفة "الموندو" الإسبانية، رفعت الوكالة دعوى قضائية ضد لمرابط متهمة إياه بالقذف، فأدانته المحكمة ابتدائيا لكنه ربح الدعوى استئنافيا حيث اعتبرت المحكمة الإسبانية أن العلاقة بين الوكالة والمخابرات المغربية DGED تحصيل حاصل... --- المصدر: عن موقع "لكم. كوم" النسخة الفرنسية