خَلُصت دراسة، أجراها، مؤخرا، الباحث المغربي، محمد مصباح، بالمعهد الألماني للدراسات الدولية-برلين، إلى أن التيارات السلفيية المغربية، أصبحت معتدلة ومستعدة للدخول للحياة السياسية الرسمية، بعد إنطلاق الربيع العربي. وتوقع الباحث أن يلعب السلفيون المغاربة دورا مهما في تشكيل المشهد السياسي المغربي في المستقبل، خاصة بعد قبولهم بالتعددية السياسية، وتعاون أكبر من جانبهم مع الإسلاميين المعتدلين، زيادة على مواقفهم المعتدلة إزاء القوى العلمانية، والأكثر أهمية، يضيف نفس الباحث، أن التيارات السلفية المغربية أعلنت رفضها الواضح للعنف في الصراعات السياسية الداخلية، مستحضرا عددا من القرائن اعتبرها مؤشرات قوية على أن السلفيين يسيرون في اتجاه التطبيع مع الحياة السياسية الرسمية، وهو ما عبرت عنه، بحسبه، مواقف السلفيين الإيجابية من الديمقراطية والقبول بالملكية بدلا من الخلافة الإسلامية، مع ما يُستشف من تخفيف نبرتهم إزاء مشاركة المرأة في الحياة العامة، إضافة إلى تعبيرهم عن تضامنهم ودعمهم بشكل واضح وعلني لحزب العدالة والتنمية، ورغبتهم في تأسيس جمعيات مدنية والقبول بدستور 2011 ودعوة الناس للتصويت عليه، مع الحوارات الدورية التي أصبحوا يقومون بها مع التيارات العلمانية في الجامعات ووسائل الإعلام. وعزا الباحث تحول التيارات السلفية المغربية من تيارات ترى في الديمقراطية "كفر وصنم" إلى تيارات مستعدة أكثر فأكثر للعب دور سياسي والتأثير في السياسات العمومية، في إطار قواعد اللعبة الديمقراطية، إلى أربع عوامل أساسية أجملها في: استمرارية النظام وشرعيته الدينية، مشيرا إلى أن الملك ما زال قويا في المجال السياسي والديني، باعتباره الشخص الوحيد التي يجمع بين السلطة الدينية والسياسية في المغرب، وهو رئيس المجلس العلمي الأعلى ويعين أعضائها، ويشرع بشكل حصري في المجال الديني بناء على الفصل 41 من الدستور، ووزير الأوقاف تابع له وليس إلى رئيس الحكومة، فيما كان العامل الثاني مرتبط باسترتيجية العصا والجزرة التي تنتهجها الدولة إزاء السلفيين، بحيث تم التسامح نسبيا مع التيار التقليدي وإدماج بعض عناصره، مع قمع العناصر التي توصف بالراديكالية، عبر اعتقال المئات من الاشخاص وإغلاق عشرات المساجد غير المرخصة والجمعيات ودور القرآن، في حين شكل نجاح الإسلاميين في الوصول إلى السلطة، وخصوصا حزب العدالة والتنمية في المغرب العامل الثالث في هذا التحول، اما العامل الرابع والأخير يقول نفس الباحث فقد ارتبط بتأثير الربيع العربي، وتبعاته الإجتماعية والسياسية على المواطن المغربي الذي استطاع لأول مرة الخروج بشكل سلمي للمطالبة بحقوقه ضد الحاكم المستبد، وهو ما يعتبر مستجدا لم يسبق له ان حدث في التاريخ الإسلامي، على الأقل في العالم السني، وهو ما دفع بالسلفيين إلى التكيف مع الأوضاع الجديدة ومسايرتها. ورغم هذا الجنوح من التيارات السلفية نحو الحياة السياسية الرسمية إلا أن الباحث يرى أن النظام السياسي الحكام في المغرب غير مستعد للسماح حاليا للتيار السلفي المغربي بتأسيس حزب سياسي سلفي، إلا في حالتين: إذا كان ذلك سيكون سببا في إضعاف حزب العدالة والتنمية من خلال إضعاف قاعدته الشعبية، أو إذا تم اندماجهم تدريجيا في حزب سياسي ضعيف تثق فيه الدولة، مثل حزب النهضة والفضيلة، بحيث يكون بالون اختبار لاشتغال السلفيين كفاعل سياسي مباشر، بالمقابل يمكن لها أن تسمح ببعض الجمعيات السلفية الدعوية ان تشتغل على الأقل إذا لم تتدخل في القضايا السياسية تزعج السلطات. ونبه الباحث إلى خطورة قمع الدولة لأنشطة السلفيين السياسيين، مشيرا إلى أن من شأن ذلك تحول تلك التيارات السلفية المعتدلة إلى تيارات سلفية راديكالية، مطالبا الدولة المغربية بالإنخراط في الحوار مع العناصر المعتدلة داخل التيار السلفي في القضايا الخاصة بالحريات والحقوق وحكم القانون، وبأن تعترف بماضي تجاوزات حقوق الإنسان وتأسيس هيئة إنصاف ومصالحة جديدة لتصحيح الأخطاء التي حصلت بعد أحداث 16 ماي.