*كاتبُكَ المبجَّل : باستمرار، يلاحقني التساؤل التالي : هل من الضروري امتلاك عشق كاتب معين،أو كتَّاب؛تبعا لترتيبهم الأقرب إلى قلبكَ أيها القارئ؟مثلما جرت العادة،أم ليس ذلك بحتمية؟وإذا افترضتَ أحقية ومشروعية المنحى الأول،فالسؤال التالي،ضمن متواليات أسئلة كثيرة،تداهم على الفور سكينتكَ؛ كما يلي :كيف السبيل صوب هذا السر؟كيف تهذِّب نفسيا،قطعة من روحكَ،كي تجعلها مكانا رحبا؛يشغله هذا الاسم دون غيره؟. قيل بهذا الصدد،عن جدوى اكتساب بعض جوانب التمرن،وأنتَ طري في مقتبل العمر،بالسعي إلى أخذ موقع ضمن سياق المقروئية،عبر بوابة استحضار المصادر الجوهرية للمعرفة الإنسانية،عوض التيه بلا طائل،وسط دروب الهوامش.هذا مافعله المؤسِّسون،مثلما أخبرتنا تضمينات حواراتهم،أو اكتشفنا أمرهم ضمنيا بين ثنايا سِيرهم أو نصوصهم،ثم تغذية وإثراء هذا المنهل،باقتفاء خطوات وآثار نموذج معين،يصاحبكَ كصديق بل يغدو ظلكَ الأمين.تنظر إليه طبعا،بمنظور المرشد والمربي.لكن،من حقكَ تجاوزه في أيِّ لحظة، دون الشعور بآثام عقدة قتل الأب،حسب مدى فعالية قدراتكَ الذهنية في اللحاق به أولا،ثم الانتقال إلى مستوى ثان،من آفاق التأمل والتفكير،غير مطروقة سلفا. * تجربة القراءة وأسئلة الحياة : نقرأ كي نولد إلى الأبد، نُنْعش حيواتنا، نتجرد عن قَدَرية موتنا، نتصدى لمختلف أشكال التعديم. تلهمنا سبل القراءة،ممكنات ذواتنا والآخر والعالم والمصير.طبعا،يختلف مفهوم القراءة وتجلياته، لدى القارئ الواحد،وكذا علاقته بالجماعة. بدون شك،تتعدد المحددات المفهومية للقراءة،حسب نوعية المجموعات المجتمعية،ودرجات وعيها بذاتها،ثم أساسا يتخذ هذا المفهوم،تبعا لاعتقادي،وضعا دقيقا جدا،لدى الكاتب ويشتد وقعه أكثر عند الكاتب المحترف.هكذا، تطرح إشكاليات من قبيل : أولوية القراءة والكتابة؟ ماهي حدود التداخل بين وازع الكتابة وحمولة القراءة؟هل يعيد الكاتب،صياغة مستويات التناص وتداخل النصوص،لما قرأه بوعي أو غير وعي؟أم يكتب أساسا رغباته الدفينة صوب ما يتطلع إلى قراءته،بما أنه يستحضر بكيفية محايثة قارئا مفترضا،ينطبق عليه منذ البداية هذا الوصف؟كيف تتفاعل عنده هويتيْ القراءة والكتابة؟ما الحيز الذي تشغله القراءة والكتابة،داخل مضماره الإبداعي؟. تحضر هنا،روايات عامة متباينة حول المبدعين ،فيما يتعلق بمختلف الحقول : * من يقرأ قليلا، ويكتب كثيرا؛ * من يقرأ كثيرا، ويكتب قليلا؛ * من لا يقرأ، ويكتب، ربما؛ * من يهتم أساسا بإثراء الهوامش و إغنائها، تعليقا على نصوص مقتضبة ومختزلة جدا. أخيرا،نتيجة تشكل أنساق فيض المعلومة،جراء مفعول الثورة الرقمية،وانسياب الهويات بتدفق جامح،صار هناك "نص"عمومي مشترك الهوية،نظريا،متاح بلمسات أزرار طفيفة،يأخذ في لمحة بصر،هويات زئبقية،مما أحدث انقلابا جذريا على مفاهيم الإبداع، الخلق، التأمل، الجِدَّة. إذن،من التجليات السلبية للمنظومة الرقمية المشتغلة منذ عقدين، اغتيال روح الإنسان لصالح البناء المنطقي الصوري للوغاريتمات رياضية،توجه شموليا تفكير الجميع،فأودت إلى قتل روح التفكير، لصالح القولبة والتنميط. *تجنب قدر ما أمكنكَ الوضع،لقاء كاتبكَ المفضل : لاتلتق كاتبا،لاسيما الأثير لديك،وقد مثَّل دائما نموذجا ومرجعية.المبرر،ربما، صدمتكَ على أرض الواقع شخصيته،غير التي عاهدتها خياليا عبر مسافات كتاباته،فتجد تصرفاته وسلوكاته الفورية،مغايرة تماما،للتمثل الذهني الذي ساد،فترة طويلة قبل لقائك به. في هذا الإطار،يكشف لنا حيز من أدبيات الارتسامات والانطباعات تعليقات مضجرة من قبيل :متعجرف، سخيف، متهتك، تافه، بخيل،أكول...إلخ.ثم،يتغير كليا،منحنى الأحاسيس بين زمني الماقبلي والمابعدي، بحيث استعصى منذئذ على القارئ "المصدوم"، الحفاظ على ذات الصورة المثالية. بالتأكيد،قبل أن يصير،هذا الكاتب كاتبا،فقد سَكَنه بداية ودائما،الفرد بكل بيولوجيته ومحفزاته العضوية.غير،أن الصفة الرمزية،أتاحت في حقه قسمات فوق- بشرية. * القراءة والرياء : هناك حقا،من تستغرقه قراءة التفاصيل وإحالات التفاصيل،بحيث ينبعث من بين ذلك،كيان قارئ فطن، يقظ، ذكي، منتبه، إلخ. عين القارئ، الذي استهدفته بالاحتفال جلّ تنظيرات متون الشعرية الحديثة، منذ الإعلان عن موت المؤلف،وتخليد انبثاقات النص اللامتناهية، المرتكز وجوده على قارئ/مبدع،فاعل بالدرجة الأولى وليس فقط منفعلا أو محايدا أو مستسلما أو بارد المشاعر.قارئ متوقد المزاج،يلتقط بالإشارة، ويستشرف بثقابة نظر وحصافة،مابين سطور الكلمات.قارئ خلاَّق،يعيد تدبيج مايقرأه. إذن،تظل إشكالية القارئ،رغم مختلف الانزياحات نحو هذا الجانب أو ذاك،النواة الناظمة لهندسة النص،وفق هوياتها المتعددة.ومثلما،تُطرح بداهة التساؤل، بخصوص ماهية الكاتب،يحدث نفس الأمر بالنسبة للقراءة : مجرد هواية هي،أم مشروع؟ثم كيف السبيل نحو وضع اليد على أسرار القراءة،التي تعكس حقا علاقة حب خالص مع ذاتكَ؟من ثمة،تبلور نوعية تصور القارئ للقراءة :لماذا نقرأ؟ تأطير القارئ لهذا السؤال بتأويل واع،يحول دون سقوطه بين براثن أمراض الادعاء والرياء،التي تأخذ مظاهر غير سوية،بعيدة عن مسوغات القراءة المؤسِّسة،من قبيل :ثقافة العناوين البراقة؛التي تقف عند حدود الغلاف !وقد استفحل تقليدها مع اليسر الإخباري الذي أتاحته مواقع التواصل الاجتماعي،في خضم سيطرة موضة هذه "الحروب" ذات الاستعراض الريائي،الدائرة رحاها بين الناس،من الصباح إلى الصباح دون توقف،على الصفحات الافتراضية،واشتداد المنافسة المجانية والسهلة،بين إعلانات الاستمالة والإثارة،لمجرد حصد حفنة أصابع الإعجاب الوهمي،أدى في المقابل إلى تبخيس فظيع لقيمة فلسفة العديد من المفاهيم في طليعتها حيثيات القراءة، ودواعيها . *ماجدوى الكتابة بدون مكابدة التطهير؟ ليس كل الكتّاب،مؤهلين كي ينتشلوا أنفسهم من نعت :"كمثل الحمار يحمل أسفارا"، مادامت القضية تتجاوز ببون شاسع،مجرد مراكمة معارف بغير آفاقها.دون الدخول ثانية في دوامة،تلك التفاصيل المطروقة فيما يتعلق بممكنات موقعة الكاتب ضمن هذا الإطار أو ذاك؛ حسب ثالوث: مرجعيته،وظيفته،مشروعه. أقول،حسب ظني،ليس المطلوب من الكاتب تغيير العالم،مثلما يسهل الاعتقاد،بل المهمة الأولى والأصعب، تغيير ذاته حتى تصير نفسها،ثم خلال مكابدته تلك،يبثُّ الايجابي ضمن محيطه القريب. *الكاتب والديبلوم والوظيفة؟ يبقى الكاتب، قبل كل شيء، كاتبا وفقط، دون حاجته إلى مبررات إضافية،إدارية أو غيرها؛سوى مشروعية الكتابة.حتما،يلزمه في مرتبة ثانية،بغية تعضيد وتكريس إشعاع موهبته، سياق سوسيو-مجتمعي وثقافي؛ بنَّاء ومحفز،يمده بالشروط الضرورية، قصد نجاحه في تحويل مايكتبه إلى قوة مادية ذات فعالية اجتماعية ملموسة،لاتتوقف عن تفعيل نتائج تلك الجدلية المستمرة بين مجتمع يرتكز على رؤى أوراش الكتابة،وكاتب يثير بأسئلته تطور مجتمعه.