إن نظرية التلقي قد قطعت مع مجموعة من الحقول المعرفية كعلم النفس المعرفي و الذكاء الإصطناعي و التحليل التفكيكي والسيميوطيقي والفلسفة الظاهراتية و التأويلية الجديدة، و هذا التفاعل هو الذي يفسر توظيفها لمجموعة من المفاهيم والمصطلحات المتعددة المراجع و المتباينة الخلفيات، الشيء الذي يحتم ضرورة اللجوء إلى الدراسة الابستمولوجية لتحديد طبيعة التعالق بين نظرية التلقي والنظريات المعرفية الأخرى التي استقت منها بعض مفاهيمها و آلياتها، لإبراز المظاهر التي أغنت اقتراحاتها و أثرت بعض تصوراتها التي تحث على وضع الافتراضات و تحديد المناهج و الاعتماد على تعدد القراءات و اختلاف القراء،و بغض النظر عن هذا المنطلق المعرفي/الابستمولوجي ينبغي التذكير بأن إشكالية التلقي قد انبثقت انطلاقا من تلك الحوارات العميقة و الدقيقة بين المناهج النقدية التي هيمنت في العالم الغربي كالبنيوية والشكلانية و نظريات التواصل اللسانية و غير اللسانية والمقاربات الماركسية والتحاليل النفسية و الإجتماعية للظاهرة الأدبية، هذا بالإضافة إلى تلك الخلفيات المرجعية الأيديولوجية و الفلسفية التي تكمن خلف هذه المناهج، فإذا كانت البنيوية و الشكلانية و السيميولوجيا قد أكدت على أهمية إبراز اشتغال النص الأدبي و توالد معانيه و دلالاته بغض النظر عن إحالاته ومرجعياته الفكرية و التاريخية، و إذا كانت المقاربات الماركسية قد اهتمت بطبيعة العلاقات التي تربط بين النص الأدبي و بين الطبقات الإجتماعية التي أنتجته و أصبحت دعامة له، وإذا كانت المقاربات النفسية و الإجتماعية قد قيدت موضوع بحثها و دراستها الأدبية برصد الجوانب النفسية و الإجتماعية للإبداع و للذات المبدعة، فإن نظريات التلقي الحديثة قد انطلقت من مبدإ أساس هو عدم تفتيت الظاهرة الأدبية و العناية بإشكالية تداول النص الأدبي و الآثار التي يخلفها لدى القراء و المتلقين. لقد أثارت إشكالية الحدود بين الموضوعية و الذاتية نقاشا حادا بين مختلف منظري و نقاد الأدب حيث انقسموا إلى تيارين أساسيين، فمنهم من يولي مركز العناية و الاهتمام للنص الأدبي ولكل ما يتعلق به كسلطة المؤلف و ظروف الإنتاج و غيرها، و منهم من اهتم أساسا بعنصر القارئ باعتباره مؤولا و منتجا لمعاني النص و دلالاته، و لذلك فإننا عندما نتناول مسألة تأويل النص الأدبي سنواجه بموقفين مختلفين: موقف يتبنى سلطة المؤلف و نتاجه، الشيء الذي يحتم ضرورة البحث في قصدية المؤلف و الظروف الإنتاجية التي تحيط به، و موقف يعتمد على قدرات القارئ باعتباره المسؤول الرئيس عن إيجاد المعنى و كشفه وتجلياته1 . ويعني هذا أن هناك استراتيجيتين لتأويل النصوص الأدبية، استراتيجية الإنتاج، و استراتيجية التلقي. ففي إطار الاستراتيجية الأولى، نجد الدراسات النقدية تدافع عن فكرة رئيسية هي الاعتماد على قصد المؤلف في تأويل النص ولذلك نجدها تحث القارئ على البحث في حياة الكاتب و ظروف إنتاج عمله، على أساس أن التأويل الصحيح هو الذي يكون مبنيا على إدراك القارئ لما يقصده المؤلف، يقول أحمد بوحسن: «كان اهتمام الدراسات النقدية منصبا على مفهوم المؤلف زمنا طويلا حتى اعتبر المؤلف أو الكاتب أحيانا مركز العملية الإبداعية والنقدية أيضا، كان المؤلف هو مركز التأويل و الموجه للقراءة والفهم و التفسير، ولهذا أخذ باهتمام الدراسات النقدية و النظرية الأدبية عامة، و نتيجة لذلك ظهرت دراسات و مقاربات جعلت منطلقها هو المؤلف، وهكذا التقت عنده المناهج التاريخية و النفسية و الاجتماعية و الثقافية والدراسات البيوغرافية، حتى ترسخ في الأذهان ما يمكن تسميته بسلطة المؤلف في الدراسات الأدبية أو الدراسات التربوية للأدب.»2 و يفهم من هذا القول ضرورة اعتبار النص الأدبي مرآة لمؤلفه تنعكس من خلالها ذاتيته النفسية و الأيديولوجية والاجتماعية، الشيء الذي يحتم على القارئ تحويل قراءته إلى مجموعة من الأخبار و المعلومات المتعلقة بسيرة المؤلف الشخصية وبالظروف و الحيثيات التي تزامنت و عملية إنتاجه لنصه. وبهذا الإجراء يصبح النص الأدبي مجرد وثيقة تعكس الأوضاع الاجتماعية و النفسية و الفكرية للمبدع، و بموجبه أيضا سيتحول الناقد إلى مؤرخ أو عالم نفس أو عالم اجتماع.(3) إن سلطة المؤلف هذه ستظهر تجاهها ردود فعل عنيفة من لدن البنيويين و الشكلانيين الروس الذين حثوا النقد على موت المؤلف و إعطاء الاهتمام لمفهوم النص و لمفهوم الكتابة اللذين يشكلان بدوريهما سلطة تقابل سلطة المؤلف، حيث أبعد هذا الأخير من مجال الدراسات النقدية ليتم التركيز على مفهوم النص فقط، إن هذا الاهتمام الأخير هو الذي سيؤدي إلى افتراضات أولية حول القراءة في علاقتها مع الكتابة كما سيتحدد ذلك بشكل جلي عند بارث مثلا. إن هذا النقد المحايث يسعى في كافة تصوراته اللسانية و البنيوية و السيميائية و السردية إلى مقاربة النص الأدبي باعتباره بنية مغلقة، تكتفي بذاتها و لا تحيل على وقائع تتجاوز اللغة لترتبط بالذات المنتجة أو بظروف الإنتاج، و ذلك على أساس أن القارئ يجب أن يتأثر و يتجاوب مع مكونات النص و كيفية اشتغالها الداخلي، ومن ثمة فإن هذا الاتجاه النقدي أخذ ينظر إلى العلاقة بين النص و القارئ باعتبارها علاقة تسير في اتجاه واحد من النص إلى القارئ حيث تتم عملية التلقي انطلاقا من فك القارئ لشفرات النص و رصد عناصره و مكوناته التي تساهم في تشكيله و بنائه. و إذا كانت استراتيجية الإنتاج تعتمد على مستوى التلقي البحث في ظروف الإنتاج و دور المؤلف و مكونات النص فإن استراتيجية التلقي بدأت تركز اهتمامها على دور القارئ الذي أصبح جزءا لايتجزأ من كل عملية تأويلية للنصوص الأدبية محاولة الإجابةعن أسئلة من قبيل: كيف يمكن التعامل مع النص من جهة و مع القارئ من جهة ثانية ؟ وهل هناك إمكانيات لحل التوتر الذي يميز علاقة أحدهما بالآخر؟ (4) و يعني هذا أن عملية قراءة النصوص التي قد تظهر لنا عملا عاديا ومألوفا هي في حقيقتها إجراء غامض و غير محدد بشكل واضح، لأن القراءة ليست هي الحوار المتكافئ بين الكاتب و القارئ و لكنها ذلك اللقاء بين المتلقي و المبدع الذي لا يقف عند حدود النقاش أو الخلافات الفكرية بقدر ماهو اكتشاف للجديد في الذات المبدعة أو القارئة، الشيء الذي يؤكد أن النصوص لا تشتغل بنفس الطريقة بعدما يتم انتقالها من الكاتب إلى القارئ وأنها لاتولد نفس الدلالات حينما يقرأها ويؤولها متلقون متعددون ومختلفون ثقافيا واجتماعيا ولغويا. إن الكاتب في الحقيقة عندما يكتب لقارئ أو لجمهور من القراء يستهدف ربط الصلة بالقارئ والدخول معه في حوار للكشف عن نواياه المبيتة، ولذلك يرى «روبير سكاربيث» أن حياة الأعمال الأدبية تبدأ من اللحظة التي تنشر فيها حيث تقطع صلتها بالكتاب لتبدأ رحلتها مع القراء، بمعنى أن جمهور القراء يمثل حالة انتظار للآثار الأدبية ليخرجها من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل انطلاقا من عملية القراءة التي يميز «إسكاربيث» داخلها بين القراءة المستهلكة والقراءة العارفة ، تقوم الأولى على إجراء تذوقي ينبني على الإعجاب أو عدمه بالعمل الأدبي، بينما تتجاوز الثانية هذا العمل لتدرك الظروف المحيطة بإنتاجه ولتفهم نواياه من خلال تحليل أدواته وإعادة تشكيل نظام الإحالات داخله، وهذا ما يجعل منها قراءة محفزة ومانحة للعمل الأدبي أبعاده الجمالية. إن هذه القراءة الأخيرة هي التي تفسر مسالة مواصلة بعض الأعمال الأدبية القديمة حضورها في المجتمعات المعاصرة على الرغم من تلك المسافة الزمانية الطويلة التي تبعدها عن سياقها التكويني، كما تفسر خاصية التعدد الدلالي و قابلية التأويل التي يتسم بها النص الأدبي، و ذلك على أساس أن القراءة العارفة تغير- بتغيرها في الزمان والمكان - الآفاق الدلالية للأعمال الأدبية، مما يعني أن القراءة ليست عملية آلية داخل المرسلة التي يعتقد المؤلف إرسالها بقدر ماهي إسقاط لتجربة القارئ الذاتية على تجربة العمل و تلقيح مدلولاته الفكرية التي تنقلها اللغة بمعاني و دلالات جديدة،(5).. إن ثنائية القارئ/النص قد حظيت باهتمام «رولان بارث» انطلاقا من ردود فعله على نظرية الأدب و النقد الأدبي اللذين بالغا في العناية بالمؤلف على حساب المتلقي، مقترحا بديلا منهجيا يعيد النظر في علاقة الأدب بالتاريخ من خلال إعادة النظر في دور القارئ و فعل القراءة الذي لم يعد عبارة عن دراسة محايثة للنص الأدبي تقتصر فقط على وصف و تصنيف عناصره الداخلية، بقدر ماهو عملية تأويلية خلاقة تتسم بالتعدد و اللامحدودية بموجب إمكاناتها التي لا حصر لها و التي تتفق مع طبيعة النصوص الأدبية التي تتحمل هي الأخرى عددا لا نهائيا من التأويلات بفضل ما في خصائصها البنائية و الدلالية من كثافة إبداعية. ومن هنا يظهر أن بارث يؤمن بأهمية اختلاف القراءات نظرا لاختلاف القراء، فإذا كانت دلالات النصوص لا حدود لها فإن التأويلات و القراءات لا حدود لها كذلك، خصوصا و أن القراءة في اعتقاده هي جواب عن سؤال الكتابة و ملء لفراغاتها و بياضاتها (6) . و فضلا عن هذه الاعتبارات العامة نجد لدى «بارث «تصورا خاصا حول طبيعة العلاقة بين النص و القارئ، إذ يعتبرها علاقة لذة أو اشتهاء متبادل، لكن هذه العلاقة لا توفرها إلا نصوص أدبية معينة هي تلك التي تثير في القارئ الشعور بالضياع و الارتباك إلى درجة الملل و تعمل على زعزعة قواعده التاريخية و الثقافية و النفسية، و تقلل من ثقة ذوقه و قيمه و ذكرياته، بل تصل إلى درجة تأزيم صلته وعلاقته باللغة (7) . و انطلاقا من هذا التصور يقترح «بارث» تصنيفا لقراءة اللذة أو المتعة مستعيرا مفاهيمه من حقل معرفي هو التحليل النفسي كالتالي: - القارئ المهووس وهو الذي يتلذذ بإنتاج خطاب مواز للنص ، وينطبق ذلك على الناقد أو اللغوي أو السيميائي الذي يعمد إلى بناء لغة نقدية واصفة أو ميتا?خطاب. - القارئ الهستيري و هو ذلك القارئ الذي يقذف بنفسه في دوامة النص و لغته التي لا حقيقة لها و لا حدود. القارئ البارانوياكي وهو الذي ينتج على هامش قراءته نصا هذيانيا. -القارئ الفيتيشي، وهو ذلك الذي يتلذذ بمناطق في بنية النص و جسده (8) . و على الرغم من هذه التحديدات التي تصنف القراء داخل متع القراءة فإن «بارث» يلح دائما على ضرورة الربط بين القراءة والكتابة، الشيء الذي يحتم قلب أسطورتها انطلاقا من إعدام المؤلف بهدف الإقرار لسلطة القارئ و أهميته لعملية إنتاج النص، لتصبح القراءة بذلك إعادة لكتابة النص و ليس استهلاكا سلبيا لإنتاج أدبي نهائي و جاهز، ومن ثمة فإن نظرية القراءة ?في نظر بارث ? لا تنفصل مطلقا عن نظرية الكتابة، لأن القراءة « تعني الإهتداء ? على مستوى الجسد لا الوعي ? إلى الكيفية التي كتب بها النص، الشيء الذي يدل على تحول من مستوى المنتج إلى مستوى الإنتاج» (9). إذا كان اهتمام «بارث» بالقراءة يتسم ببعض الخصائص التي تؤكد على جوانب المتعة أو اللذة التي تولدها النصوص الأدبية في ذهنية القارئ/المؤول فإنه كان يتمنى دائما أن يؤسس نظرية سيميولوجية للقراءة تلتقي في تصوراتها و طروحاتها مع النظريات السيميوطيقية الأخرى التي أولت عنايتها لمفهوم التلقي و التي تعتمد ضمن استراتيجياتها القرائية على مجموعة من الخطوات الإجرائية كفرضيات القراءة و التوقعات الإستدلالية الممكنة و تفاعل العوالم المحتملة وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن نظريات سيميولوجية التلقي قد ظهرت في الستينيات بمثابة رد فعل على بعض المناهج والمقاربات النقدية أجملها «أمبرطو إيكو» كالتالي: _ المناهج البنيوية المتصلبة التي كانت تدعي القدرة على إدراك الأعمال الأدبية في حدودها الموضوعية على أساس أنها مادة لغوية محضة. _ النظريات الدلالية الشكلية المتعنتة التي تدعي الاستغناء عن كل إحالة على المقام و الظروف المحيطة بالتداول و على السياقات التي يتم من خلالها بث الدلائل و الملفوظات. _ امبريقية / تجريبية بعض المقاربات و المناهج السوسيولوجية (10). ينطلق «إيكو» في إطار سيميوطيقا التلقي من التمييز بين نوعين من التأويل : التأويل الدلالي و التأويل النقدي، ينتج الأول عن العملية التي بموجبها يمنح القارئ دلالة للنص من خلال التجلي الخطي، في حين تفسر بواسطة الثاني الأسباب البنيوية التي تجعل النص قادرا على إنتاج هذا التأويل الدلالي أو ذاك، و على الرغم من كون النصوص الأدبية يمكن أن تؤول دلاليا و نقديا في الآن ذاته، فإن بعضها فقط_ و خصوصا تلك التي تتحقق فيها الوظيفة الجمالية ? هو الذي يسمح بتعايش و تداخل هذين النوعين من التأويل (11)، و إذا كان النص الأدبي هو حصيلة عنصرين هما : التمظهر الخطي و مجموع التأويلات المقترحة له فإن اعتبار أي نص ثابتا بالنسبة إلى تأويلاته يستوجب بالضرورة إمكانية قيام لغة نقدية واصفة تمكن من المقارنة بينه و بين التأويلات الجديدة التي تساهم في إثراء فهمنا للنص المقروء. إن فعل القراءة يعتبر في تصور إيكو تدخلا حثيثا يعمل على تنشيط النص الأدبي الذي يعد بمثابة «آلة كسول» تحتاج إلى «قارئ نموذجي» يقوم بعمليتي التأويل و التوليد مثلما قام الكاتب بعمليتي البناء و التكوين، و لهذا فإن النص الأدبي في حاجة دائمة و مستمرة لقارئ قادر على تحيينه بالطريقة التي كان الكاتب يفكر بها، إن القراءة في نظر» إيكو» هي إذن عملية استكشافية و تأويلية في الآن ذاته، فالقارئ يكتشف بالتدريج عالما يعرفه بشكل جزئي، يسقط فيه معارفه و قدراته و مهاراته انطلاقا من ميكانزمات قرائية نشيطة تعتمد على ثلاث مقولات أساسية هي : الموسوعة ، والموقع المفترض ، والعالم الممكن12. ويعني هذا أن القارئ يعتمد استراتيجية متكاملة و منسجمة لفهم النص فهما إيجابيا و لتأويله تأويلا صحيحا يتلاءم و الآفاق المعرفية و التاريخية و الإجتماعية لهذا النص، ويستجيب في الوقت نفسه لتطلعات القراء وتوقعاتهم(13). يذهب «إيكو» إلى أن النص الأدبي يهدف إلى تشكيل قارئه النموذجي الخاص، حيث يشترط في القارئ المجسد أن يقوم بمهمة استشفاف نوع القارئ النموذجي الذي يفترضه النص عن طريق الحدس، ومن ثمة فإنه على القارئ المجسد أن يقوم بصياغة فرضيات حول مقاصد الكاتب النموذجي لا مقاصد الكاتب المجسد(14)، إن هذا التحديد يدفعنا إلى وضع مجموعة من الأسئلة نذكر منها: هل القارئ النموذجي يعتبر مجرد قناع للكاتب نفسه؟ هل من حق الكاتب أن يطالب بتعميم تجربته الخاصة على كل القراءات رغم تعددها و تباينها ؟ هل يشكل الربط القسري للقارئ بالنص و مطالبته باحترام المعنى الذي يقصده المؤلف نوعا من المصادرة على ما يرجى و ينتظر من فعل القراءة ؟ يتضح من هذه المظاهر والتصورات التي حاولت رصد إشكالية التلقي سواء في علاقتها بالمبدع أو بالإبداع مدى التأكيد على عنصر التلقي في الظاهرة الإبداعية على الرغم من اختلاف وجهات النظر في ضبط هذه العلاقة حيث نجد بعض النقاد و الدارسين يعتبرون تلقي النص الأدبي مجرد تكرار لعملية الخلق التي يقوم بها المبدع في حين يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك معتبرا عملية التلقي إعادة إنتاج كاملة لعملية الإبداع التي يقوم بها الفنان على الرغم من تلك الحدود الفاصلة بين الخلق و الاستيعاب بينما نجد دارسين آخرين يؤكدون على أن النص الإبداعي لا يمكن أن يتلقاه على نحو متكافئ إلا متلق يطابق عالمه النفسي و المعرفي عالم مبدع هذا النص، الشيء الذي يشترط معه امتلاك القارئ لقدرة المبدع في التجسيد و التخييل و التفكير 15، و على الرغم من اختلاف هذه التصورات القرائية فإنها تتفق في تحديدها لطبيعة النص الأدبي و لوظيفة القارئ و القراءة، فالنص يتسم بالتعدد و التحول الدلاليين مما يجعله يتضمن معان و دلالات متعددة و متغيرة بموجب تعدد و تباين القراءات المتعاقبة في الزمن، وفضلا عن هذا فإن النص الأدبي يظل مجرد فضاء دلالي يحتاج بشكل مستمر إلى قراء محتملين يعملون على تحيينه و تحقيقه الشيء الذي يجعل كل قراءة جديدة إعادة كتابة له لا تماهيا معه أو انمحاءا فيه (16). الهوامش 1 الجيلالي الكدية : تأويل النص الأدبي: نظريات و مناقشة _ من كتاب قضايا التلقي و التأويل _ منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية الرباط _ سلسلة ندوات و مناظرات رقم 36 (1995) ص: 43 2 أحمد بوحسن : _ م س _ ص:16 3 رشيد بن حدو: _ م س _ ص: 471 4 الجيلالي الكدية: _ م س _ ص: 40 5 رشيد بن حدو: _ م س_ ص: 477_479 7_Roland Barth? sur Raame- seuil (447) (1963) P: 35 Barth Roland : le plaisir du texte? seuil -(486) points (1982) P:10 _ 8 _ رشيد بن حدو: _ م س _ ص: 486 38 ? Barth Roland: le grain et la voix-seuil (486)points(1981) p:180 10 _ أمبرطو إيكو: ملاحظات حول سيميائيات التلقي _ ترجمة محمد العماري _ مجلة علامات العدد 10 (1998) ص: 27 _ 28 11 _ نفسه _ ص: 33 12 _ محمد خرماش: _ م س _ ص: 54 13 _ مصطفى شادلي: _ م س _ص: 131 14 _ أمبرطو إيكو: _ م س _ ص: 36 15 _ فؤاد المرعي: _ م س _ ص: 355 16 _ رشيد بن حدو: _ م س _ ص: 499