ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النص الأدبي و سنن التلقي و التأويل
نشر في الشرق المغربية يوم 07 - 10 - 2012

عبد المجيد علوي إسماعيلي / تمنح الكتابة للنص معنى؛ فهو نسق من العلامات الدالة المرتبة وفق نظام د اخلي مما ينتج سيرورة دلالية. ومن ثم، يعتبر نصا كل خطاب يحيل على ممارسة تدليلية لكونه يؤسس منظومة مرجعية، ويبني أكوانا
دلالية لارتباطه الوثيق بكل مكونات العالم الواقعي، مما يعقد فهم إرسالية النص المكتوب، وفك شفراته أمام القطب الجمالي للنص، ويؤجل –من منظور رولان بارت- مشروع أو حلم اللذة الفنية أو النشوة الداخلية1.
-1بين النص والنص الأدبي :
ومن هذه الزاوية، يطرح النص الأدبي سؤالين مركزيين : ألا يستدعي النص المكتوب قارئا أو قراء(بصيغة الجمع)وإشكالية القراءة بكل تشعباتها وتلا وبنها؟ هل يمكن أن نتحدث عن نص مكتوب واحد أم عن نصوص مكتوبة؟ وما وظيفة كل نص نوعي مكتوب؟ وهل كتب بالكيفية التي تلائم صياغة المقروء؟ وهل ثمة طريقة تلائم كل وظيفة من وظائف المكتوب؟
إن سلطة النص الأدبي، تتجلى أساسا في كونه يقيم علاقة خاصة مع اللغة المعجمية أو القاموسية، فيزيحها من سياقها التداولي الأصلي، ليمنحها بناءا تركيبا ودلاليا جديدا مستمدا من قاعدة أن الإبداع لعب باللغة، ومن أجل اللغة. وعلى هذا الأساس، تبرز حرية المبدع والحضور المنظم لأدوات الكتابة من خلال استحضار العناصر الجمالية الأساس، من جهة، واختيار قواعد وظيفية لنقل الأشياء و الموجودات والاستيهامات من جهة أخرى. وبذلك، يتحدد المتخيل الذي يتخذ شكلا محددا. وعلى هذا الأساس، فالمبدع الحقيقي ليس لديه ما يقوله، انه لا يمتلك في نهاية المطاف سوى طريقة للقول. ومن ثم، تغدو مجمل محمولات الخطاب الأدبي مجرد أحلام، وكوابيس، و أوهام، مجرد كائنات زئبقية تابعة "لأنا" المبدع من خلال إعادة اكتشاف قيمة الخلق الأسطوري. وعلى ضوء ذلك، تجسد الجملة المكتوبة نوعا من النفي لامتدادات المعيش ولو عبر الديمومة التي تشاركه في الجوهر، مما يفتح مجالات خصبة أمام حركة الكتابة وفعل الخيال: أي أن دينامكية نقل الوقائع، من منظور تخييلي جمالي، هو نوع من التفكيك وإعادة التركيب لتلك الوقائع من خلال جدلية الهدم والبناء: هدم ما هو كائن وبناء ما ينبغي أن يكون. وبذلك، فان المبدع يعقد-رغم ارغامات اللغة وإيحاءاتها- صلة غرابة مع الواقع في أفق دفع القارئ إلى المشاركة الفاعلة والمنتجة في لعبة الكتابة التي لا تتحقق إلا من خلال تعرية بطلان الإيهام المرجعي، والتدليل على استيهامات المبدع وإيديولوجيته في كل مكان2.
تأسيسا على ما سبق، فان"الكتابة رهان على إنشاء عالم قد تحضر في ثناياه صورة الكاتب، ولكنها تنتهي في المحدود."3
ومن هنا، تتشكل لعبة الصراعات الجدلية والحوارية لرهانات الكتابة، في حين أن "رهان الكاتب هو التفاعل مع الواقع بتحولاته والارتواء من معين المتخيل. ".''4 وبالتالي، تتحدد "بياضات الذاكرة وفجواتها أو مناطق لاتحد يدها لأنها تعمل على تحريك الذكريات الراكدة لتبتكر الحياة من جديد".5
وبهذه الابتكارات اللغوية التي يحدثها النص الأدبي، ينشغل المتلقي عما قبله وعما بعده، مما يكسب النص بعدا ترميزيا أو مغلقا يحتاج من الجهد، و الوسع، والقدرة، على مساءلة صمت المعنى الكامن في النص، باعتباره نصا زئبقيا منفلتا يصعب القبض على دلالاته الهاربة بكل سهولة. بمعنى أن الخطاب الأدبي ،هو بالأساس، خطاب لساني إيحائي ومكثف يخرق القواعد المعيارية السيمانطيقية، فيشغل القارئ بذاته قبل أن يشغله برسالته. وجدير ذكره، أن كل إنتاج نصي عليه أن يقيم في تصور كل متلق صورة دلالية جامعة بين الدال والمدلول، مما يحقق الفهم والإدراك شريطة تحديد مرجعية خاصة، وذلك بمعرفة حقيقة الأشياء والبنية العميقة للخطاب. و رغم تعدد مستويات النص الأدبي، فان حقائقه تظل معلقة، ومؤجلة في انتظار قارئ خبير متمرس بجماليات النصوص التخييلية من أجل فك شفراته ودلالاته، علما أن القيمة المرجعية للخطاب تبقى حاسمة في تحديد وتوجيه مساراته وسياقاته. ومع ذلك، فليس من شأن النص أن يصرح دائما بكل مرجعياته، وان كان يقدم إيحاءات وإشارات دالة مساعدة على ذلك. وفي هذا المقام، تطرح علاقة المعنى بالمرجع، وبالسياق، وباللغة، و بالواقع، و بالتناص (تداخل النصوص، وتدمير المرجعيات، فتطفو على مستوى الخطاب إشكالية العلاقة بين الواقعية النصية والواقعية الرمزية.) .
2-النص الأدبي بين التلقي والتأويل :
يثير سؤال التأويل إشكالات نظرية ومنهجية. وفي هذا السياق، طرح ياوس الأسئلة التالية: أين تبدأ استقلالية التأويل الأدبي؟ كيف كان يعمل؟ وكيف يعمل اليوم للكشف عن الخصائص الجمالية للنصوص؟ويضيف في نفس السياق: "لم تهتم الشاعرية اللسانية، أو السيميائية، التي أتت بعد ذلك، ولا النظريات الأشد حداثة في الكتابة، واللعبة النصية، والتناص لم تهتم كلها بالمضامين التأويلية للمنهجيات الوصفية الحديثة اللهم إلا في حال اتخذت جهارا موقفا مضادا للتأويلية باسم الموضوعية العلمية الشكلانية ".7
وإذا كان كادامير قد قسم التأويل الأدبي إلى ثلاث مراحل (الفهم، التفسير، والتطبيق) ، فانه قد طبق هذه المراحل الثلاث في مجالي التأويل اللاهوتي و القانوني بشكل يوحد بينها. ومن هنا، يمكننا "في الواقع تحديد الإسهام المعرفي للأنظمة التأويلية خلال تاريخها انطلاقا من كيفية تعرفها على وحدة اللحظات الثلاث، وتطبيقها في ممارستها العلمية، أو من طريقة نسيانها لهذه الوحدة بفضل تفضيل لحظة من هذه اللحظات في أبحاثها على حساب اللحظات الأخرى"8 .الإشارة ذاتها التقطتها نظرية الأدب بحيث يتطلب التأويل" أن يبحث المؤول في مقاربته الذاتية، معترفا بالأفق المحدود لوضعيته التاريخية، ويؤسس هذا التأويل هيرمينوطيقية تفتح حوارا بين الحاضر والماضي، وتدخل التأويل الجديد في السلسلة التاريخية لتجسد المعنى."9 . إن تحقيق هذه الرهانات رهين، بالاستناد إلى مفهوم الأفق أو المعيار الجمالي، بوصفه يضبط تأويل نص معين من خلال التأثير الذي يحدثه في القارئ، والذي يدخل معه في لعبة السؤال والجواب. بالإضافة إلى التحولات التي يخضع لها أفق التوقع تاريخيا من خلال دراسة سانكرونية، أو دياكرونية لتاريخ الأدب الجديد: أي تاريخ تلقي الأدب . لهذا، فلا يمكن تصور تأويل علمي ،عند ياوس، دون دراسة الأفق بوصفه:"حدا تاريخيا، وفي الوقت ذاته شرطا لكل تجربة محتملة، ومن حيث هو عنصر مكون للمعنى في الفعل البشري والفهم الأولي للنظام."10 .
وعليه ، فمواجهة مشاكل نظرية مع النص ،لا تتأتى ، إلا من خلال نافذة القراءة باعتبارها نشاطا ذهنيا وإبداعيا يقوم به القارئ الذي يحول النص من نطاق الكمون إلى نطاق التحقق. يقول ج سارتر: " إن الفعل الإبداعي لحظة غير مكتملة في العمل الأدبي، لأن عملية الكتابة تفترض عملية القراءة كتلازم جدلي، وهذان الفعلان المرتبطان هما: المؤلف والقارئ."11 . وهذا معناه أن الكتابة و القراءة وجهان لعملة واحدة ،أو فعلان متلازمان: فليس هناك من معطى لفصل أحدهما عن الآخر، فالأثر لا يخرج للوجود إلا موصولا بعملية القراءة مادام النص نداءا وما على القراءة إلا أن تلبي هذا النداء"12 والأدهى من ذلك، فان التعاقب التاريخي لقراءات للعمل الأدبي الواحد تولد إنتاجية نصية ،بفعل اندماج أفق النص بآفاق القراء، فيتم تجاوز منطوق النص إلى المسكوت عنه أو اللامقول باعتباره خزانا أو منجما ولودا من الدلالات. ومن ثم، يتمثل دور القارئ في تنشيط الحوار الخلاق مع النص من أجل تطوير فن القراءة وفن الكتابة معا. والقارئ الإيجابي ،أو القارئ الفعَّال، مشروط طبعا بشروط ثقافية ومعرفية تسمح له بتحريك آليات النص وتجاوز إكراها ته؛ ولذلك يقول(أمبرطو إيكو U. Eco ) مثلا: " أنا بحاجة إلى قارئ يكون قد مر بنفس التجارب التي مررت بها في القراءة تقريبا."13 . وهذا معناه أن الكاتب والقارئ شريكان أساسيان واعيان بآليات مهنة صناعة الإبداع، ومنهجية النفاذ إلى عوالمه الداخلية. فإذا كان الكاتب قد شكل أو كون النص، فان القارئ هو الذي يؤوله، ويمنحه معنى بوصفه حصيلة اندماج ظرفي بين النص و القارئ في لحظة تاريخية ونفسية محددة: فالمعول عليه –من منظور الجاحظ-في استقبال النص هو استحسان السامع (الاستجابة) ، أو الانصراف عنه (التخييب) ، وعلى الأديب أن يحرص على إرضاء ذوق الجمهور إذا أراد أن يكون أديبا أصيلا. فالقراءة، إذن، تنشيط لإنتاجية النص، وقدح لزناده الإبداعي، وتحقيق لتداو ليته من خلال انخراط القارئ في فعل القراءة ،وملامسته لمستويات النص اللغوية والأسلوبية وتجاوز اكراهاته البنائية، وفك سننه ومعرفة سياقاته.14 وفي هذا السياق، يمكن أن نشير إلى موقف علم الاجتماع الأدبي الذي اهتم بالجمهور القارئ في علاقته بالكاتب، أو الكتاب، انطلاقا من منهج تجريبي إحصائي، يحاول تسليط الأضواء على "إنتاج الأدب أي الكتاب وموقعهم التاريخي( السير، الأجيال.) ، والاجتماعي(الانتماء الجغرافي، والطبقي، والوضع الاقتصادي لممتهن الأدب.) ، توزيعه( أي طبعه، وتسويقه، وتطور صناعة الكتب. ) ،واستهلاكه(أي قراءته ورواجه." 15.
ويقسم اسكاربيت الجمهور إلى ثلاثة أقسام: الجمهور المحايث "وهو ذاك الذي يستحضره كل كاتب في وعيه أثناء الكتابة حتى ولو كان هو نفسه." . والجمهور الوسط ،على أساس أن الأصول الاجتماعية التي ينحدر منها الكاتب تمارس عليه –بلغة بارت- أنواعا من الارغامات والضغوطات التي يمكن تحديدها في ثلاثة عناصر يدخل في إطارها الكاتب و الجمهور الوسط في علاقة و روابط هي كالتالي: "وحدة اللغة، فالكاتب يستعمل المفردات و التراكيب التي يعبر بها مجتمعه عن أغراضه".و"وحدة الثقافة أي التراث الثقافي المشترك والعقيدة الفكرية الموحدة".و"وحدة البداءه أي مجموع الأفكار والمعتقدات ،وأحكام القيمة التي يفرزها الوسط فيتقبلها كأمور بديهية لا تحتمل التبرير أو الاستدلال. فكل كاتب يمارس عمله في ظل إيديولوجية جمهوره-وسطه بحيث يمكن أن يقبلها، أو يعدلها، أو يرفضها ،كلا أو جزءا، لكنه لا يستطيع الإفلات منها."16 .و الجمهور الواسع الذي يتحرر من كل التحديدات الضيقة زمنية كانت أو جغرافية أو اجتماعية ".17
إن وجود العمل الأدبي ، وتحققه بالفعل لا بالقوة، رهين بقراءته. فالكتاب لا يتحقق وجوده إلا بالقراءة، من جهة، والكاتب لا يمارس فعل الكتابة إلا بهدف أن يقرأ إنتاجه أو إبداعه من جهة أخرى. وهذه القراءة(القراءات) مرتبطة ،بقراء متعددة أنماطهم وطاقاتهم، بفعل تنوع معطياتهم النفسية والاجتماعية، ومعتقداتهم الدينية والإيديولوجية. وبمكن القول إن النص الإبداعي –بصفة عامة- ينطوي على خلفيات تأويلية، وهذا ما تقوم به القراءة العارفة أو الواعية. فرغم اختلاف مستويات القراء وطبقاتهم الاجتماعية والمهنية، وفئاتهم العمرية، والشروط العامة التي يشتغلون في إطارها، فان الأعمال الأدبية تحافظ على سيرورتها وامتدادها، متحدية نسقها التكويني الأصلي، خالقة آفاقا دلالية جديدة من خلال فعل التلقي المتعاقب." فليست القراءة عملية آلية داخل الرسالة التي يعتقد المؤلف بثها، بل هي إسقاط لتجربة القارئ الذاتية على تجربة العمل، وتلقيح للمدلول الفكري الذي تنقله الأداة اللغوية بمعنى جديد. "18.
وعلى هذا الأساس، يمكن أن نميز –مع اسكاربيت- بين نوعين من القراءة: قراءة عارفة، وقراءة مستهلكة: "فالأولى تتجاوز العمل الأدبي لتدرك الظروف المحيطة بإنتاجه، وتفهم نواياه، وتحلل أدواته، وتعيد تشكيل نظام الإحالات الذي يعطيه العمل بعده الجمالي. إنها قراءة حكيمة محفزة، والثانية تذوقية تنبني على الإعجاب (أو عدمه) بالعمل."19 .أضف إلى ذلك، فالنص في حاجة إلى التحيين من قبل القارئ. ولهذا السبب، يظل ناقصا ومتوقفا على خارجه. ولا يعني التحيين مجرد انجاز قراءة حاضرة لمكتوب سابق، بل انه يشير عند (امبرطو ايكو) إلى حاجة النص إلى" قدرات معينة من لدن القارئ كي يتحقق النص. ولا تنحصر هذه القدرات فقط في الجانب اللغوي الصرف، بل تتعداه إلى ما هو اشمل من ذلك بسبب الطبيعة المعقدة للنص المقروء. ولذلك، " يتميز النص عن باقي أنواع التعبير بتعقده الكبير، ويعود ذلك أساسا إلى أن النص مليء بالمسكوت عنه، فالنص يقوم على جانبين: جانب المنطوق وهو الذي يشغل سطحه وظاهره، وجانب المسكوت وهو الذي يستدعي القدرة" التناصية "للقارئ كي يتم تحيينه أثناء القراءة ." 20. لذا، فان "النص يستلزم من قبل القارئ مجموعة من الحركات (العمليات) التعاونية النشيطة" بهذا المعنى، تكون القراءة مكونا داخليا للنص، فكما أن المنطوق يستند إلى المسكوت عنه الذي يمنحه معناه، كذلك يستند النص إلى القراءة كي يكتمل معناه ويتحقق. وتبدو الفراغات والبياضات المتخللة للنص شيئا لازما لسببين اثنين: اقتصادي وجمالي. فالنص لا يمكنه أن يقول كل شيء دون أن يتحول إلى خطاب تعليمي وتلقيني، كما أن شروط تحققه الجمالي يدعوه إلى أن يحتفظ للقارئ بحيز ينشط فيه تأويليا."21 . تأسيسا على ما سبق، يظهر أن النص يحتاج كثيرا إلى مساعدة القارئ، والى تدخله النشيط حتى يتمكن من ملء فراغاته ومناطق لاتحد يده، والخروج من صمته، وتحقيق جماليته ما دام النص آلية بطيئة (اقتصادية) تعيش على فائض قيمة المعنى الذي يدخله فيه المتلقي.22 أكثر من ذلك، لا يكتفي النص بانتظار هذا التدخل فحسب، وإنما يعمل ،من جهته، على خلقه وإيجاده23 يترتب عن هذا التحرك النشيط لبناء صورة محددة للقارئ، أن كتابة النص، وقراءته، وتأويله، تتم ضمن إطار استراتيجي يتوقع فيه الكاتب قارئه، ويترقب فيه ردود أفعاله الممكنة ليستبقها ،أو يؤخرها، معتقدا أن القدرات التي تمنح كلماته معناها هي نفس القدرات التي سيلجأ إليها القارئ أثناء عمله التأويلي،24 وهذا القارئ الذي يسعى المؤلف إلى بنائه (القارئ النموذجي) ليس ذاتا فردية، وإنما هو إستراتيجية نصية، أي سلسلة من العمليات النصية المرتقبة التي يتعين القيام بها كي"يتم تحيين تام للمعنى الكامل للنص."25 .
1BARTHES R LE PLAISIR DU TEXTEHN ENCYCLOPEDIA UNIVERSALIS TOME 15 P 1014 -10 15
2 RISSET J QUESTIONS SUR LES REGLES DU JEU IN THEORIE D ENSEMBLE ED SEUIL PARIS 1968 P 255
الكاتب الخفي والكتابة المقنعة محمد عز الدين التازي سلسلة شراع المغرب ع72- 4 يونيوص 3
نفسه ص 4-4
نفسه ص 7-5
6Philippe de Lajarte: le travail littéraire. à la mémoire de M, Foucault, Degrés 41:Printemps 85
7 GAUSS HR POUR UNE HERMENEUTIQUE LITTERAIRE TRADUIT DE L ALLEMOND PAR MAURHCE JACOB ED GALLIMARD 1988 P 54
8 IBID P 55
9- 107ص 1986 آذار 38 نظرية التلقي و التواصل الأدبي ترجمة سعيد علوش مجلة الفكر العربي المعاصر ع ياوس
10 -59ص 1988 صيف 3ياوس علم التأويل الأدبي حدوده ومهامه ترجمة د بسام بركة العرب والفكر العالمي ع
11 المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب 23-د رشيد بنحدو العلاقة بين القارئ و النص في التفكير الأدبي المعاصر عالم الفكر المجلد الكويت 474ص 1994 س 1- 2ع
13- U. Eco: Lector in Fabula.ED BERNARD GRASSET Paris 1985, P: 11. 12 محمد غنيمي هلال دار العودة بيروت د ط ص 50-1984 –سارتر ما الأدب؟ ترجمة وتقديم وتعليق
14 - الجاحظ البيان و التبيين تحقيق عبد السلام هارون لجنة التأليف و الترجمة و النشر (1/203 دط)1948
15-Michael Riffaterre: Essais de stylistique structurale, Paris 1971, P: 46
16د رشيد بنحدو العلاقة بين القارئ والنص في التفكير الأدبي المعاصر مجلة عالم الفكر م س ص476
17 م س ص476 477
18 نفسه
19 نفسه ص 479
20 U. Eco: Lector in Fabula P 73
21 IBID P 74
22 IBID P 74
23 IBID P 76
24 IBID P 81


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.