قبل أيام خضنا مع الخائضين بمقال عنوانه:" هل أحرجت رسالة ذ الشيباني جماعة العدل والإحسان" في تحليل رسالة الأستاذ عبد الله الشباني، القيادي في جماعة العدل والإحسان وعضو الأمانة العامة لدائرتها السياسية، إلى الأستاذ عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة الحالي وأحد المؤسسين للعمل الإسلامي في المغرب ورجال الدعوة السابقين وهذه الثنائية مقصودة وحاضرة بقوة في رسالة عبد الله الشباني الذي خاطب ابن كيران بصفتيه "رجل الدعوة" و"رجل الدولة" وهو ما يكون خلف حالة من الالتباس في صفوف التيار العلماني في المغرب الذي كانت مشاركته في النقاش الذي أثارته الرسالة متواضعا. حينها طرحنا ثلاثة أسئلة رأيناها جوهرية في فهم الرسالة:إلى من توجه ذ الشباني بالرسالة؟ وما الفائدة والهدف منها في هذه الظرفية بالضبط؟ وما هي أهم مضامينها؟ وللأسف وعوض أن تتحول الرسالة إلى أرضية لنقاش جدي بين مختلف الفاعلين الأكاديميين والفكريين والسياسيين وخاصة الإسلاميين منهم لقيمتها الفكرية والتوثيقية، انصب النقاش على ما حملته من مواقف سياسية معروفة سلفا، وحتى هذه المواقف لم تحض بما ينبغي من نقاش حقيقي لأنها شئنا أم أبينا تعبر عن رأي قطاع واسع من أبناء المغرب وأبناء الحركة الإسلامية في العالم الذين يميزون بين المراجعة والتراجع، أو الذين يرون في العمل السياسي من داخل الأنظمة الاستبدادية القائمة مغامرة كبرى غير محسوبة العواقب والتكلفة، لكن البعض اختار لغة السباب والاستفزاز والتهجم على ذ عبد الله الشباني وجماعته وعلى من حاول أن يقرأ الرسالة قراءة متوازنة –كشخصي المتواضع- وكتب البعض بيقين تام عن تعاطفي مع العدل والإحسان، ومنهم الباحث منتصر حمادة ولست أدري من أين جاء بهذا اليقين؟ كما لست أدري لماذا نصر في أوطاننا المتخلفة على القائل أكثر من القول والرأي فنسارع إلى خندقة الناس وتصنيفهم، وإلصاق النعوت والصفات والأحكام بالأشخاص بدل مناقشة الأفكار والآراء؟ ولماذا نصر على ممارسة الإرهاب الفكري والمعنوي على بعضنا؟ هل سيضاف ابن كيران وحكومته إلى لائحة المقدسات فيصير فوق الانتقاد والمساألة والنصح؟ فحتى من آخذوا على عبد الله الشباني حدة مفرداته نسألهم متى كان ابن كيران عفيف اللسان؟ فسلاطة لسانه شملت العربي والأعجمي ولم يسلم منها حتى أقرب المقربين منه، كما لا أدرك كيف لم يميز بعض البسطاء المبسطين السطحيين-عمدا وقصدا- ومنهم للأسف ذ بوعشرين بين الاقتراح الذي اقترحه عبد الله وقبله الأستاذ ياسين بإعادة الثروة المنهوبة إلى الشعب، كمدخل أخلاقي وعربون سياسي وليس كإجراء اقتصادي يرجى منه حل المشاكل الاقتصادية، فحين طالب مناضلوا حقوق الإنسان في فترة من الفترات باعتذار الدولة والجلادين عن سنوات الرصاص، هل كان الاعتذار حلا لمشكل الاختفاء القسري والتعذيب والاغتيال السياسي في حد ذاته، أم إنه كان مدخلا أخلاقيا وسياسيا رمزيا يؤشر لانتهاء حقبة وبداية أخرى. نغلق قوس الرسالة لنفتحه من جديد مع الحوار الذي أجراه الأمير هشام العلوي مع قناة 24 الفرنسية، وبداية نشير أن الأمير هشام هو ابن دار المخزن وسليل النظام الملكي منشأ ونسبا وإرثا ومصلحة، لذا فلن يزايد على ولائه للملكية وخدمة أعتابها الشريفة لا ابن كيران ولا "ابن الجيران"، وبالتالي فرأيه أيضا في المخزن رأي خبير شجاع جريء من الداخل لم يمنعه الانتماء ولا الآصرة العائلية ولا تشابك المصالح من إسداء النصح للملكية، وهذا واجب كل من يعتبر أن الملكية هي "الضامن" للاستقرار في المغرب، ورغم أني لا أعرف كيف فصل الأمير بين الملكية والمخزن وعلى أي مرتكز علمي أو أكاديمي أو حتى سياسي بنى فصله هذا، إلا أن يكون مقتنعا مثلي أن "المخزن" يملك واقعيا سلطة فوق "المؤسسة الملكية" وأن التماسيح والعفاريت كما سماها ذ ابن كيران أو"الثعالب العجوزة" كما سماها الأستاذ عبد السلام في رسالته " مذكرة إلى من يهمه الأمر" -التي تحتاج منا اليوم لقراءة متأنية لها،كوثيقة سياسية، على ضوء ما وصلنا إليه بعد مرور عقد من الزمان على حكم محمد السادس- هي المتحكمة في دواليب الدولة، وأنها بلغت حالة من التعفن والتورم ما تحتاج معه إلى استئصال كلي، ينبغي أن يبادر به الملك وكل الغيورين على الملكية، وهو ما لم يتم لحد الآن، إن كل العقلاء يرون أن من مصلحة الملكية في المغرب أن تتطور وأن تقوم بإصلاحات جوهرية عميقة وسريعة أقلها أن تتحول إلى "ملكية برلمانية" مرحليا، في أفق خطوات أكبر تتخلى فيها عن صلاحياتها المطلقة دستوريا وواقعيا، وأن تقتنع أن زمن المناوارات السياسية قد انتهى، فلا الدستور الممنوح الذي يفرغ عمليا من مضامينه كل يوم ولا تغيير الوجوه ولا بعض الإشارات الظرفية صارت قادرة عل تخدير الشعب، ولا حتى حكومة ابن كيران التي جاء بها المخزن ولم يأت بها الشعب ومازلت أقول "الله يخلف على حركة 20 فبراير" التي اضطرت المخزن اضطرار لإنقاذ نفسه بإسلاميي العدالة والتنمية، فحكومة ابن كيران "حكومة اضطرار مخزنية" بامتياز، وأي قراءة غير هذا هي نوع من التضليل المنهجي والسياسي، أي أن رهان الشعب على ذ ابن كيران وإخوانه هو رهان خاسر ليس لأنهم غير أكفاء أو غير شرفاء أو غير نزهاء، بل لأنهم أناس مناسبون في الوضع الخطأ، ولأن مساحة الاشتغال الممنوحة لهم محدودة جدا، ولأن الخطوط تحت الحمراء كثيرة جدا، هذا الكلام كتبناه ونشرناه حين تنصيب الحكومة -انظر مقال هل سيهزم ابن كيران حكومة القصر؟- ولن يزايد علينا أحد، فنحن نقدر الإخوة في العدالة والتنمية كثيرا مع اختلافنا معهم في قراءة الوضع السياسي وفي إمكانية التغيير في ظل الشروط الحالية، فحتى الأمير الذي يبدي رغبته في استمرار الملكية حين أجاب عن سؤال الصحافي الفرنسي هل ستستمر الملكية؟ "إنه سؤال فلسفي، بديهيا لا شيء يمنعها"، يكتم تخوفا شديدا من أن الملكية في المغرب إن لم تتطور إلى ملكية برلمانية بفعل لوبيات المخزن، فقد تؤدي ثمن عدم وعيها بحساسية المرحلة التاريخية إقليميا ودوليا. إن أكبر خدمة يمكن أن يقدمها ابن كيران للملك هي أن يقدم الاستقالة ويدعم حركية الشارع، فشخصيا لم أرى في دعوة الشيباني إلى استقالة الحكومة بعد سنة من فشلها كحكومة سياسية- وللأسف لا يميز البعض بين الإداري التقنوقراطي والسياسي- طلبا طوبويا ساذجا، بل رأيته طلبا ذكيا ودعوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ببساطة أكثر، فحين يعترف كل الوزراء أن الحكومة تتعرض لمقاومة شديدة من أشباح لا يعرفهم أحد، وأن الحكومة غير قادرة لا على تجسيد إرادة الملك ولا على الوفاء بالتزاماتها أمام الشعب في "إسقاط الفساد والاستبداد" فما الحل؟ فهي إما تنخرط في عملية التضليل،إما "أن تكون أو لا تكون" إما "أن تحكم أو لا تحكم" فليس منطقيا أن تحاسب حكومة لا تحكم أو تحكم حكومة لا تحاسب، والأمر ليس مستحيلا فقد تقدم رئيس الوزراء الأردني وهو ابن القصر المخلص "عون الخصاونة" باستقالته لأنه لم يقبل الرضوخ لوصاية "حكومة الديوان". القضية إذن تحتاج إلى جرأة وإلى شجاعة أكبر من شجاعة نشر اللوائح، التي صارت تخرج لسانها وتقول لنا بسخرية قاتلة أموالكم تنهب فماذا بعد؟ القضية أننا نحتاج إلى نخب تتعالى عن انتمائها ومصالحها وتلعب دورها في تنوير الرأي العام، بعيدا عن السياسوية الضيقة فمصلحة المغرب واستقراره فوق الجميع وقبل الجميع. وفي الأخير نتمنى أن ينفي الأمير هشام العلوي انتماءه للعدل والإحسان بعد أن نفى علاقته بحركة 20 فبراير، فيبدو أن كل من يكتب كلاما عقلانيا ومنطقيا وينتقد الملكية والمخزن وابن كيران ويقدم مصالح المغرب الكبرى سيصنف مع العدل والإحسان مباشرة.