يبدو أن كلية العلوم بالقنيطرة أصبحت تحكمها قوانين خاصة لتنفرد بقرار منع الموظفين من متابعة الدراسة معللة قرارها بمنطق " الديب حلال الديب حرام الترك احسن". فالاستقلالية في التسيير لا تعنى الإجتهاد في وجود النص القانوني. لقد كان الدستور الجديد للمملكة المغربية واضحا في التنصيص على مجموعة حقوق أساسية للمواطن المغربي. وكون هذه الحقوق منصوصا عليها في الدستور، فلا أحد يجرؤ على مصادرتها أو حتى مجرد التفكير في خرق أي بند منها. وإلا فما معنى التنصيص عليها في الدستور ؟ وهؤلاء الناس الذين يُعطون أنفسهم حق مصادرة حقوق الغير، يصعب تخيلهم في مواقع المسؤولية. لأن مثل هذه المواقع هي بالدرجة الأولى مواقع حساسة وتعكس صورة البلد. وحين يتصرف أي مسؤول بعكس ما ينص عليه القانون، يترك انطباعا لدى الآخرين، مفاده : أنني وحدي القانون ... أو أنا من أملك سلطة تفسير القانون حسب ما أراه وأريده وأهواه . أي لا يترك للآخرين أي مجال للتفاوض أو الانتقاد أو التصويب أو المراجعة. إنه أمر خطير حقا. أن يصبح مصير المواطنين ومستقبلهم مرهونا بيد شخص واحد يخول لنفسه أن يكيف القانون حسب ما يراه هو ، لا حسب ما يهدف إليه المُشرع أو واضعو هذا القانون. وحتى وإن بدا أن المتضررين في نهاية المطاف هم المستهدفون مباشرة بقرارات مثل هذا المسؤول. فالواقع أن المجتمع أو كل المواطنين متضررون في نهاية المطاف. وهذا ما قد يوحي أن دولة الحق والقانون لا تعني شيئا في حس مثل هؤلاء المسؤولين. لأنهم يقولون بلسان الحال والمقال، نحن الحق ونحن القانون. والحق ما نراه نحن، والقانون ما نفرضه بسلطتنا ورؤيتنا للأمور. لقد نص دستور المملكة الجديد في الباب الثاني المتعلق ب (الحريات والحقوق الأساسية) ، وبالضبط في الفصل 31، على مجموعة من الحقوق ، ومن بينها الحق في التعليم : (تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحقوق التالية: -..... الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛ ) ، بقية الحقوق تُراجع في الفصل المذكور. هو نص واضح ولا يقبل أي تأويل. فبنص الدستور، فإن الحق في التعليم ميسر الولوج وبجودة أيضا، هو مضمون لكل المواطنين والمواطنات. ولم تذكر أية صفة تقيد أو تخصص أحوال هؤلاء المواطنين والمواطنات. وبناء عليه، تقدم مجموعة من الموظفين والموظفات ( هم مواطنون مغاربة ولا أحد يشك في ذلك ) بترشيحاتهم لاجتياز الاختبارات الكتابية والشفوية لولوج سلك الماستر والماستر المتخصص. وقد نجح ثلة منهم، وظهرت أسماؤهم في اللوائح النهائية للطلبة المقبولين كي يباشروا دراستهم الجامعية. أي أنهم في وضعية سليمة من الناحية البيداغوجية ، وطبقا لمقتضيات كناش التحملات التي تنظم أسلاك الماستر. لكن حين وضعوا ملفاتهم ووثائقهم للتسجيل ، واستكمال المرحلة الإدارية، فوجئوا أن إدارة كلية العلوم، في شخص عميدها، ترفض ملفات بعضهم أصلا. والملفات التي تم قبولها في الأول، صدر "إعلان" غير موقع ( لا تعرف الجهة التي أصدرته) يطلب منهم سحب ملفاتهم. قد يتساءل البعض : بأي مبرر يتم منع هؤلاء المواطنين ، الذين كل ذنبهم أنهم موظفون، من مواصلة دراستهم الجامعية ، خاصة في سلك الماستر والماستر المتخصص ؟ هنا يأتي الجواب صادما حقا . فأما الطلبة فإنهم مطالبون بإحضار شهادة عدم العمل لكي يُسمح لهم بالتسجيل. وأما الموظفون فهم مطالبون بوثيقة لا يمكن لأية جهة إدارية أن تصدرها. هذه الوثيقة التي يفرضها السيد عميد كلية العلوم، تسمى "التفرغ الكامل" . ولا يمكن لأي موظف في القطاع العام ولا في القطاع الخاص أن يحصل على مثل هذه الوثيقة ( أو لبن العصفور ). وهكذا يطبق السيد العميد وجهة نظره أو قراءته الخاصة للفصل السابق من الدستور. طبعا ، لكي يبرر قراره هذا، فإنه يقول : هناك مذكرة وزارية صادرة بتاريخ 10 أبريل 2012 ، وهي تنص على "التفرغ الكامل " للطلبة الراغبين في مواصلة دراستهم بسلك الماستر. وطبعا فإن التفرغ لا يعني وضعا معينا للموظف، وهو لا يحيل على أية وضعية إدارية بعينها يكون عليها الموظف. بل كل ما يؤكد عليه ،هو ضرورة حضور الطالب ( موظفا كان أو غير موظف ) للحصص الدراسية المبرمجة. وهذا ليس فهما خاصا ولا تأويلا فرديا للمذكرة. ولكن هو فهم من أصدر المذكرة أصلا، نقصد السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر. وكل المسؤولين بالوزارة الذين تسنى للموظفين المعنيين اللقاء بهم يقولون بأن المذكرة لا تعني الموظف من قريب ولا من بعيد. بل القصد هو الحرص على فعالية وجودة التكوين. والحضور للعروض والدروس التطبيقية وباقي الدروس ضروري لبلوغ هذا الهدف. بعبارة أخرى فالهدف الرفع من جودة التعليم والتكوين لفائدة المواطنين، وليس إقصاء فئة من هؤلاء المواطنين من التكوين بداية. السيد رئيس جامعة إبن طفيل ، ودائما حسب الموظفين المعنيين بهذا القرار غير المؤسس لا قانونيا ولا دستوريا، يؤكد شأنه شأن السيد وزير التعليم العالي أن الموظفين الحاصلين على تراخيص متابعة الدراسة الجامعية من الإدارات المشغلة والمقبولين في اللوائح النهائية ، من حقهم مواصلة دراستهم والتسجيل كباقي الطلبة الآخرين. ويشاطره الرأي نفسه السيد نائب الرئيس. ومع ذلك فلا سلطة لهما على السيد عميد كلية العلوم ، هذا الأخير وحده يرفض بالمطلق أي فهم غير فهمه هو ، ولا يدع أي مجال للتفاوض أو المراجعة. أكثر من هذا ، فإن بقية عمداء الكليات الأخرى بالمغرب ، لا أقول سمحوا ولكن طبقوا القانون وتماشوا مع روح دستور المملكة، وهكذا تمكن الموظفون الطلبة من التسجيل وباشروا دراستهم الجامعية بكل الأسلاك. وهو ما يطرح سؤالا كبيرا وعريضا جدا : هل يحق لأي مسؤول ، في أي موقع كان، أن يطبق فقط فهمه الشخصي والخاص للقانون ؟ هل يُغيّبُ هذا المسؤول كل القرارات وكل القوانين وتعليمات كل من فوقه كي ينفرد بوجهة نظره هو وحده ؟ هل يمكن الاعتماد على مذكرات تنظيمية، أسيء فهمها واستخدامها ، لمنع مواطنين من حق يكفله الدستور والقانون ويصرح به الوزير المسؤول عن القطاع ؟ إن الاستمرار في مثل هذه الممارسات يعطي صورة سيئة ، لا عن الكلية أو الجامعة فقط. بل عن الوطن ككل. لأن سيادة القانون تعني انضباط كل المسؤولين وخاصة مَنْ هُم في مواقع القرار الحساسة، للقانون ولا شيء غير القانون. وإلا فإن منع الموظفين من التسجيل بكلية العلوم بالقنيطرة ، بعد نجاحهم وقبولهم بشكل نهائي، وفرض شروط تعجيزية عليهم لحشرهم في الزاوية الضيقة، وإقصائهم بشكل لا قانوني ولا يمت حتى لأخلاق وفلسفة العلم داخل الجامعة بأية صلة، إن هذا المنع يعتبر تطاولا على القانون وتجاوزا للاختصاص وشططا في استعمال السلطة. لا بد أن يتخل المسؤولون عن القطاع، وكل من يعنيه أمر التعليم والتكوين بالمغرب ووضع الجامعة ورسالتها، لا بد أن يتدخلوا لتطبيق القانون وتوضيح الأمور. حتى لا ينفرد مسؤول واحد بتطبيق ما يراه هو وحده قانونا، فيفعل ما يشاء. فهي في نهاية المطاف كلية للعلوم ، وليست كلية فلا ن أو علان. وبه وجب الإعلام، والسلام