منذ الإعلان عن نص مشروع قانون رقم 04.20، المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الجديدة، المودع بمكتب مجلس النواب يوم ثالث يونيو 2020، والذي يُقصي اللغة الأمازيغية من هذه البطاقة بتنصيصه على استعمال فقط الحرف العربي واللاتيني، عبّرت العديد من الفعاليات والجمعيات الأمازيغية عن موقفها الرافض والمستنكر لهذا الإقصاء الذي اعتبرته عنصرية تمارسها الدولة ضد أمازيغيتها. وكرد على هذا الموقف، نشر ما سُمي ب"مصدر أمني" "توضيحا" بجريدة "هسبريس" الإلكترونية ليوم 15 يونيو 2020، ينفي فيه التفسير الإقصائي الذي اُعطي لغياب استعمال الأمازيغية في البطاقة الوطنية حسب مشروع القانون 04.20، موضحا أن «الاعتبار الأساسي الذي يتحكم في إصدار البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية بالحروف العربية واللاتينية هو الوثائق والسجلات المرجعية، خصوصا سجلات الحالة المدنية ورسوم الولادة التي تكتب حاليا بالعربية والفرنسية، ولا تتضمن اللغة الأمازيغية»، ليخلص إلى «أن تضمين هويات المغاربة بحرف تيفيناغ في البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية هي مسألة تقنية بالأساس، ولا علاقة لها بأية اعتبارات أو تفسيرات أخرى»، مضيفا أنه، علاوة على ذلك، فإن «كتابة الهوية الشخصية بحرف تيفيناغ في سجلات الحالة المدنية ورسوم الولادة، يقتضي مواكبة تقنية ومعلوماتية، لا سيما في الشق المتعلق بتطوير تطبيقات معلوماتية تسمح بتدوين وتضمين المعطيات التشخيصية باستخدام حرف تيفيناغ». المانع إذن من كتابة الأمازيغية في البطاقة الوطنية الجديدة استنادا إلى مشروع القانون 04.20، لا يرجع، حسب "المصدر الأمني"، إلى دافع إيديولوجي، وإنما هو مسألة تقنية بحتة. ليس غرضي في هذه الورقة أن أردّ على ما جاء في ورقة "المصدر الأمني"، الذي سبق للدكتور عبد الله الحلوي أن ردّ عليها بصفحته عل "الفيسبوك" ردا حاسما، مُحكَما ومُفحِما. وإنما سأناقش عادةَ وعاهةَ كذلك اللجوء إلى التعِلّات (الذرائع الواهية) كغطاء للمواقف الإيديولوجية المُقصية للأمازيغية والمناوئة لها. إذا صحّ أن يؤجّل تفعيل ذلك الشيء القليل جدا من الترسيم، الذي حصلت عليه الأمازيغية، بسبب صعوبات تقنية أو إدارية أو قانونية أو مالية أو غيرها، فإنه سيصحّ على فرض حسن نية من يبرّر هذا التأجيل بهذه الصعوبات إقصاء الأمازيغية بتأجيل ترسيمها إلى ما لا نهاية، حتى لا يكون لها أي حضور رسمي حقيقي كشرط لنهوض حقيقي بها ورد للاعتبار لها. لماذا؟ لأنني إذا كنت من المسؤولين أصحاب القرار، وأرفض الأمازيغية ولا أريد أن أراها تُستعمل هي أيضا لغة رسمية، فإنني سأجد دائما أمامي العشرات من الصعوبات، الحقيقية، التي أستند إليها كتعِلّات لرفض الأمازيغية وإقصائها من الاستعمال الرسمي. فلإقصائها مثلا من التدريس حتى لا تُستعمل مستقبلا كلغة رسمية، يسهل علي أن أبرّر ذلك باختلاف لهجاتها حسب المناطق والجهات، وبإرهاق التلميذ بتعلّم ثلاث أبجديات للكتابة، وبغياب نصوص أمازيغية تعليمة جاهزة، وبغياب ميزانية مرصودة لها في قانون المالية، وبأنها لغة لم يسبق أن دُرّست… ولإقصاء استعمالها في بطاقة التعريف الوطنية، يسهل علي أن أبرّر ذلك بغيابها من سجلات الحالة المدنية، التي هي مرجع البيانات الشخصية المدوّنة في البطاقة الوطنية، كما قال "المصدر الأمني"، وبغياب البرامج الملعوماتية التي تشتغل بتيفيناغ، ولعدم معرفة الموظفين المكلفين بإعداد البطائق الوطنية للكتابة بتيفيناغ… ولإقصاء استعمالها في الفضاءات العمومية، يسهل علي أن أبرّر ذلك بانتظار توحيد العبارات والمصطلحات، وهو ما أبرّره بدوره بانتظار تشكيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي سيتولّى، بعد أن حلّ معهد "ليركام"، هذه المهمة… ولرفض تطوير وتوسيع استعمالها في مجال الإعلام والاتصال، يسهل علي أبرّر ذلك بغياب الدعم الذي تخصّصه الدولة لهذا الغرض طبقا للمادة 12 من القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية… ولرفض استعمال الترجمة من وإلى الأمازيغية في المحاكم عملا بالفقرة الثانية من المادة 30 من القانون التنظيمي المشار إليه، يسهل علي أن أبرّر ذلك بعدم وجود تراجمة معتمدين، محلفين ورسميين… ولإقصاء استعمالها في البرلمان، كما تقضي بذلك الفقرة الأولى من المادة التاسعة من نفس القانون التنظيمي، يسهل علي أن أبرٍّر ذلك بعدم توفّر الموارد التقنية والبشرية للترجمة الفورية التي تشير إليها الفقرة المذكورة… ولإقصائها من الاستعمال بالقطع والأوراق النقدية، تطبيقا للمادة 22 من نفس القانون التنظيمي، يسهل علي أن أبرّر ذلك بأن إدراج لغة ثالثة ضمن القطع النقدية، يحتاج حجما أكبر ومادة معدنية أكثر، وذلك مشكل تقني يحتاج إلى وقت لإيجاد الحل المناسب له، وهو ما يجعل كتابتها على الأوراق النقدية متعذّرا إلى أن يُحلّ مشكل كتابتها على القطع النقدية، على اعتبار أنهما مظهران لعملة وطنية واحدة، يجب أن تكون كتابتهما واحدة وموحّدة كذلك… وهكذا فكلما أريد، رغبة في إقصاء الأمازيغية، ومن موقعي كمسؤول صاحب سلطة وقرار، تأجيلَ إلى ما لا نهاية تفعيل مقتضى قانوني لصالحها، فلن أُعدم عشرات الموانع التي تحول دون ذلك التفعيل. وهي موانع تبدو في ظاهرها حقيقية، منطقية ومعقولة، مما يضفي على التأجيل إلى ما لا نهاية لتفعيل ذلك النزر من الطابع الرسمي الذي حظيت به، صوابا وجديّة ومعقولية، لا يظهر معها أبدا أن وراء ذلك نية حقيقية لإقصاء الأمازيغية وحرمانها من حقوقها القليلة التي خوّلها لها الدستور والقانون. ماذا يعني هذا اللجوء، كل مرة، إلى مثل هذه التعِلّات لتعطيل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟ يعني أن الغائب الحقيقي، الذي يفسّر هذا التعطيل، ليس هو غياب الشروط التقنية، ولا التجهيزات المادية، ولا البرامج المعلوماتية، ولا الموارد البشرية المؤهلة، ولا الاعتمادات المالية الضرورية…، وإنما هو الإرادة السياسية التي تملك سلطة القرار والتنفيذ. وإلا كيف نفسّر أن ترسيم الأمازيغية، الذي مر عليه أزيد من تسع سنوات، لا زال يؤجّل تفعيله لوجود عوائق تقنية أو مالية أو بيداغوجية أو إدارية…؟ فعلى فرض أن هذه العوائق هي موجودة، وحقيقية وليست مجرد تعِلّات تبريرية، فالسؤال هو: إذا كانت الدولة لم تأخذ، عندما قّررت ترسيم الأمازيغية، هذه العوائق بعين الاعتبار لتعمل على رفعها لتعبيد الطريق أمام تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، فمعنى ذلك أنها لم تقرّر، قصدا ونية، ترسيم الأمازيغية، حقيقة وعمليا، لأن قرار الترسيم مع قرار بقاء موانعه قائمة، هو في النهاية قرار بعدم الترسيم. ولهذا فإن هذه التعِلّات هي مجرد تغطية على إرادة إقصاء الأمازيغية ومنع ترسيمها الحقيقي. ومن هنا فإن النهوض بالأمازيغية، تفعيلا لترسيمها ورفعا من مكانتها وردا للاعتبار لها، يشترط النهوض أولا ضد هذه التعٍلّات، وذلك بوقفها وإلغائها، لأنها توقف وتُلغي النهوض الحقيقي بالأمازيغية، وتُستعمل لتبرير استمرار إقصائها. كل هذا يبيّن أن الدولة لا زالت مرتبكة ومتردّدة بخصوص الاعتراف الحقيقي والعملي بالأمازيغية. ولهذا فإن ما تمنحه لها باليد اليمنى (إنشاء معهد لها، تدريسها، ترسيمها، استعمالها في الفضاء العام…)، تسحبه منها باليد اليسرى باختلاق تعِلّات لتبرير هذا السحب، مثل تعِلّة المسألة التقنية بخصوص استعمال الأمازيغية في بطاقة التعريف الوطنية. مع أنه ليس من الضروري، لكتابة الاسم الشخصي والعائلي، وحتى مكان الولادة ومحل السكنى، بالأمازيغية ضمن بطاقة التعريف الوطنية، أن يكون ذلك مدوّنا مسبقا في السجل الأصلي للحالة المدينة بنفس اللغة الأمازيغية. لماذا ليس ضروريا؟ لأن الاستعمال الرسمي للأمازيغية في بطاقة التعريف الوطنية، وكذلك في القطع والأوراق النقدية، هو، رغم أهميته الكبيرة، استعمال رمزي فقط وليس استعمالا وظيفيا. أما الاستعمال الرسمي العادي والحقيقي، أي الوظيفي، فهو أن تحرّر باللغة الأمازيغية وثائق مثل: محاضر الشرطة القضائية، الوثائق العدلية والتوثيقة، الشواهد الإدارية، تقارير الخبرة، الأحكام القضائية، الاستدعاءات الموجهة من طرف الإدارة إلى المواطنين، ملفات الضرائب… وعليه فإن تثبيت الاسم الشخصي والعائلي، وحتى مكان الازدياد ومحل السكنى كما أشرت، بحروف تيفيتاغ الأمازيغية، على بطاقة التعريق الوطنية وما يسهّل ذلك أنها كتابة صوتية تُكتب كما تُنطق ، لا يحتاج إلى سجّل الحالة المدنية بالنظر إلى أن المرجع القانوني المعتبر لرسم الاسم يبقى، إلى حين تعميم الكتابة بالأمازيغية في سجلات الحالة المدنية، هو الرسم العربي واللاتيني، مع استعمال الكتابة الأمازيغية فقط للترسيم الرمزي كما قلت. ولهذا فإن رجال الشرطة أو الدرك الملكي، عندما يريدون فحص بطاقة تعريف وطنية للتحقّق من هوية صاحبها، فهم بالتأكيد سيتجاهلون اسمه المكتوب بالأمازيغية، ويعتمدون فقط على الرسم العربي واللاتيني لاسمه، المأخوذين من سجل الحالة المدنية. فأين المشكل، إذن، إذا كتبنا الأسماء الشخصية والعائلية بالأمازيغية على بطاقة التعريف الوطنية، رغم أن هذه الأمازيغية غائبة من سجل الحالة المدنية، ما دام أن هذه الكتابة الأمازيغية ليست هي المرجع القانوني المعتمد للتحقق من مطابقة الاسم لما هو مدوّن في السجل الأصلي؟ أما إذا طبّقنا التعِلّة التي جاءت في كلام "المصدر الأمني" المشار إليه، فسينضاف إلى ذلك مشكل آخر، وهو أن يكون المراقبون لبطاقة التعريف الوطنية، من شرطة ودرك وموظفين، يجيدون الأمازيغية ومتمكّنين من قراءتها وكتابتها حتى يقرأوا ما كُتب بها على بطاقة التعريف الوطنية في إطار التحقق من الهوية. وهذا ما سيؤجل بدوره استعمال الأمازيغية في بطاقة التعريف الوطنية بتعِلّة انتظار تلقّي رجال الشرطة والدرك وموظفي الإدارات العمومية تكوينا في الأمازيغية يسمح لهم بقراءة بطائق التعريف الوطنية. لو أن "المصدر الأمني" استند، كتعِلّة لعدم كتابة الأمازيغية على بطاقة التعريف الوطنية، إلى الفقرة 2 من المادة 31 من القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والتي تقول بأن أحكام المادة 21، المتعلقة باستعمال الأمازيغية في البطاقة الوطنية، من هذا القانون التنظيمي يبدأ العمل بها «داخل أجل عشر سنوات على الأكثر ابتداء من تاريخ نشره بالجرية الرسمية»، لبدا الأمر على الأقل مسوَّغا من الناحية القانونية. ولكن ذلك كان سيثير السؤال التالي: ما دام أن المدة هي 10 سنوات على الأكثر، فلماذا لا يُشرع في تطبيق أحكام تلك المادة منذ السنوات الأولى لهذه المدة؟ وهنا كان سيُلجأ إلى مثل تلك التعِلّات التي أشرنا إليها لتبرير تأخير تطبيق أحكام المادة 21. والنتيجة أن التعِلّات حاضرة دائما لتبرير التأخير المبرّر للإقصاء. أما الخطير في تعِلّة "المصدر الأمني"، فهو أن إقصاء الأمازيغية من بطاقة التعريف الوطنية، إذا كان يرجع، كما يقول هذا "المصدر الأمني"، إلى أن بيانات هذه البطاقة تُنقل من سجل الحالة المدنية المكتوب فقط بالحرف العربي واللاتيني، فمعنى هذا أن بطاقة التعريف الوطنية لن تحمل أبدا كتابة بالأمازيغية، إعمالا للمادة 21 من القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. لماذا؟ لأنه شبه مستحيل مراجعة عشرات الملايين من سجلات الحالة المدنية وتجديدها بإضافة كتابة بياناتها بالأمازيغية. وهكذا تكون تعِلّة "المصدر الأمني" معطّلة، بل مانعة، لمقتضى دستوري وقانوني يخصّ الأمازيغية. وهذا هو العبث والاستهتار بالقانون والدستور في التعامل مع الأمازيغية، وبشكل "سيزيفي": فكلما أوصلنا صخرة الأمازيغية إلى الأعلى (ترسيمها الدستوري)، كلما أنزلناها إلى الأسفل لتعِلّات "تقنية"، ثم نعاود رفعها من جديد إلى الأعلى. وخلال هذه المراوحة العبثية بين الرفع والإنزال، يكون الزمن قد فعل فعله، وهو ما يراهن عليه دائما المناوئون للأمازيغية. وهذا العبث والاستهتار بالقانون والدستور في التعامل مع الأمازيغية يكشف عن استمرار حضور ذهنية إقصاء الأمازيغية، الموروثة من "الحركة الوطنية" وأسطورتها المعلومة، التي هي "الظهير البربري" الذي اختلقته لتبرير هذا الإقصاء. فهذه الذهنية، المقصية للأمازيغية والمعادية لها، لا تزال منتشرة داخل دواليب الدولة ومؤسساتها وبين مسؤوليها. وهي تعبّر عن ممارسة عنصرية عادية (انظر موضوع: "الأمازيغية والعنصرية العادية" ضمن كتاب "في الأمازيغية والنزعة الأمازيغوفوبية") ضد الأمازيغية. هي عادية لأنها تتخذ التعِلّات غطاء لها يخفي دوافعها الحقيقية، ويُظهر الأمر كما لو كان عاديا يرجع إلى أسباب "تقنية" أو غيرها، وليس إلى إرادة الإقصاء.