كانت دعوة حزب العدالة و التنمية، بمناسبة مؤتمره الوطني السابع، لعوفير برونشتاين، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال إسحاق رابين، فرصة لإثارة موضوع التطبيع مع إسرائيل، سواءٌ من طرف الدولة المغربية أو من بعض الأحزاب و الحركات و الشخصيات العامة. بالتأكيد أنّ تأسيس إسرائيل على فلسطين يعتبر جريمة بجميع المعايير الإنسانية و الأخلاقية، لما خلّفته و تخلّفه إلى يومنا هذا من مآسي و جراح غائرة، بحرمان الشعب الفلسطيني من أرضه و تشريده في بقاع العالم ليعيش في الملاجئ. و الحدّ الأدنى الواجب أمام هذه الجريمة هو مقاطعة هذا الكيان الغاصب، لأنّ أيّ تعامل معه يصبغ عليه المشروعية و يجعل من وجوده على أرض فلسطين وجودا عاديًا. بخصوص علاقة الدولة المغربية بإسرائيل، فإن الموقف الرسمي يتبنّى المقاطعة و رفض التعامل مع هذه الدولة، إلا أنّ تنامي بعض مظاهر التطبيع مع هذا الكيان يطرح أكثر من سؤال حول مدى جديّة الموقف المغربي. و من بين مظاهر التطبيع التي دأبنا على ملاحظتها، نذكر: - السماح للإسرائيليين من أصل مغربي بزيارة المغرب، رغم أنّ قبولهم بحمل الجنسية الإسرائيلية يجعل شركاء في جريمة إسمها دولة إسرائيل. - السماح للإسرائيليين بإقامة بعض مواسمهم الدينية على أرض المغرب، رغم أنهم يمنعون الفلسطينيين من زيارة القدس و الصلاة في المسجد الأقصى. - التمويل العمومي لبعض الأفلام المغربية التي تتحدث عن هجرة اليهود إلى فلسطين، دون التطرق إلى أنّ هذه الهجرة كانت البداية من أجل تهجير شعب آخر و احتلال أرضه. - بثّ بعض القنوات العمومية لأفلام تعكس وجهة النظر الإسرائيلية. - تعامل الدولة المغربية مع بعض الشركات الأجنبية المساهمة في جرائم إسرائيل على فلسطين (مثل شركة ألستوم الفرنسية التي وقّع معها المغرب مشروع TGV، و التي تعمل على مشروع TGV الخاص بالقدس لصالح إسرائيل و تربط بين بعض المستوطنات). هذه مجرّد أمثلة للتطبيع مع إسرائيل من طرف الدولة المغربية، التي أصبحت – للأسف – متكررة دون أن تثير أي ردّ فعل، و يتمّ الترويج لهذا التطبيع تحت شعار التسامح و احترام معتنقي الأديان الأخرى بممارسة شعائرهم، رغم أنّ الأمر يتعلق بمواطنين إسرائيليين يساهمون في الخدمة العسكرية و أداء الضرائب لدولة احتلال. و يعتبر الشق الاقتصادي من التطبيع مع إسرائيل هو الأخطر، لما يدرّه عليها من موارد تساهم في تمويل أنشطتها الموجهة ضد الفلسطينيين و ضدّ المقدّسات الإسلامية ... و إذا كانت الأرقام الرسمية المغربية لا تتحدث عن أيّة مبادلات تجارية مع إسرائيل، فإنّ المكتب الإسرائيلي للإحصاء قدّر قيمة هذه المبادلات سنة 2011 بمبلغ 25 مليون دولار، أي قرابة 223 مليون درهم، و هو ما يمثّل نسبة ٪ 0.04 من مجموع المبادلات التجارية للمغرب مع الدول الأجنبية خلال سنة 2011. و رغم هذه النسبة الضئيلة، فإن هذه المبادلات لا تنفكّ عن النمو سنة بعد أخرى، و قد بلغت عند نهاية شهر ماي 2012 مبلغ 11.7 مليون درهم، بنمو نسبته ٪ 19.39 بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2011. و هذا المنحى التصاعدي للمبادلات التجارية مع إسرائيل يشكّل مفارقة بالمقارنة مع الموقف الرسمي، و السؤال الذي يطرح و الحالة هذه هو: هل الموقف الرسمي لا يعدو مجرّد شعار للتغطية على حقيقة الواقع الذي تشهد به هذه الأرقام؟ الآن و قد أصبح حزب العدالة و التنمية في الحكومة، و وزير التجارة الخارجية المحسوب على هذا الحزب كان معروفا بنشاطه ضد التطبيع و مشاركته في سفينة مرمرة التي حاولت فكّ الحصار عن غزة، نتمنى أولا أن توضح للشعب المغربي حقيقة الأرقام التي ينشرها بشكل دوري المكتب الإسرائيلي للإحصاء حول المبادلات التجارية مع الكيان الصهيوني؟ هل هي حقيقة أم وهمٌ؟ و ماذا ستفعل في حالة كانت هذه الإحصائيات صحيحة؟