قال عمر بندورو أستاذ القانون الدستوري وحقوق الإنسان بجامعة “محمد الخامس بالرباط” سابقا، إن محاربة جائحة “كورونا” مجال محفوظ للملك، ذلك أن جميع السياسات المتبعة لمواجهة الوباء تخرج من القصر الملكي، ووزارتي الداخلية والصحة، مما أدى إلى تهميش رئيس الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية، مع إعطاء سلطة خاصة للأجهزة الأمنية. وأكد بندورو في حوار مع “لكم” أن الحكومة المغربية هي حكومة صورية، ذلك أن الحكومة الحقيقية التي تسير البلاد هي حكومة البلاط الملكي التي تتكون خاصة من المستشارين الملكيين.
وشدد بندورو على أن العقلية غير الديمقراطية هي المسيطرة على عمل الحكومة والبرلمان دون احترام الدستور، وهذا ما حصل عندما أقرت الحكومة حالة الطوارئ الصحية عبر بلاغ قبل أن تتدارك خطأها، إلى جانب احتساب مجلس النواب لأصوات البرلمانيين الحاضرين من كل فريق أو مجموعة نيابية باعتبارها تمثل جميع أصوات الغائبين، وهذا ما يمثل مسا خطيرا بالدستور. وفيما يلي نص الحوار كاملا: كيف تقيم تعامل الدولة مع جائحة “كورونا” منذ انطلقت إلى الآن، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي؟ أعتقد أن الحجر الصحي كان ضرورة لا مفر منها من أجل تفادي هذه الجائحة، خاصة وأن البنيات الصحية التي يتوفر عليها المغرب لا تساعده على مواجهة الوباء في حالة انتشاره، بالإضافة إلى ذلك فالمغرب ساير أغلب البلدان التي اتخذت نفس القرار، وقد أتبث الحجر الصحي فعاليته إلى الآن في الحد من انتشار “كورونا”. وإذا كان إقرار الحجر الصحي أمرا مهما، فإن الإشكالية المطروحة مرتبطة بالمسطرة القانونية المتبعة للإعلان عنه، فالحجر الصحي يؤدي إلى تقليص الحريات الأساسية للمواطنين، وهذا التقييد لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الدستور والقانون، غير أن الحكومة أقرته عبر بلاغ لوزارة الداخلية، وبعد مرور أيام تداركت الخطأ وهيأت مرسوم قانون من أجل إعطاء الشرعية لقرارها. وعدم احترام الحكومة لمبدأ الشرعية يطرح إشكالية دولة القانون التي تقتضي الانضباط للدستور والقانون، وتطرح إشكالية تعامل السلطة مع المواطن الذي تعتبره كعنصر هامشي، لأن اهتمام السلطة منصب على عدم تحول الوباء إلى أزمة اجتماعية تمس باستقرار النظام، وهنا نلاحظ تقوية الأجهزة الأمنية التي ينوه بها كل أعضاء الحكومة. وفيما يخص المرسوم بقانون رقم 2.20.292 ل 23 مارس 2020، والذي صوت عليه البرلمان فهو يطرح إشكالية دستورية حقيقية، لأنه ينص في مادته الثالثة على إمكانية قيام الحكومة باتخاذ جميع التدابير اللازمة ليس فقط بموجب مراسيم وقرارات، ولكن أيضا بواسطة مناشير وبلاغات، ولا يمكن في دولة القانون أن يتم تقليص الحقوق والحريات بموجب مناشير أو بلاغات، بل بموجب نصوص قانونية تنشر في الجريدة الرسمية، حتى يتم تعمميها على جميع المواطنين. منذ بدأت الأزمة وجميع الفاعلين السياسيين بما فيها الحكومة والبرلمان والأحزاب يختبؤون وراء الملك ويشيدون بتوجيهاته، هل يعني هذا أنهم غير قادرين على تقديم برامج ومشاريع لمواجهة هذه الجائحة،؟ أم أن هناك حدود مرسومة لا يمكنهم تجاوزها؟ طبيعة النظام السياسي المغربي تقتضي عندما يأخذ الملك المبادرة في قضية ما أن تعمل الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية الموالية لها، بالتنويه بالمبادرة الملكية وشرحها في كل الاجتماعات الرسمية، وعبر مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية. بالإضافة إلى ذلك أصبحت محاربة جائحة “كورونا” مجالا محفوظا للملك، وأصبحت السياسات المتبعة تخرج من القصر الملكي، ووزارة الداخلية والصحة، مما أدى إلى تهميش رئيس الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية، مع إعطاء سلطة خاصة للأجهزة الأمنية. هل تعني هذه الأزمة وكل ما سبقها من أحداث خاصة الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب وكشفت ضعف الوسطاء التقلديين، أن الملكية البرلمانية تم إقبارها ومن يتحمل المسؤولية في ذلك؟ الأحزاب المشاركة في الحكومة والأحزاب الموالية للقصر لم تطلب أو تطالب يوما بإقرار الملكية البرلمانية، هذا المطلب رفع من بين مطالب “فدرالية اليسار”، وطيف واسع من الحقوقيين والمنظمات المتشبثة بالديمقراطية. وجهت اتهامات كثيرة للبرلمان (مجلس النواب بالخصوص) بخرق الدستور خاصة بعدم اعتماده على التصويت الإلكتروني، واحتساب برلمانيين غير حاضرين في الجلسات كمصوتين، ألا يدل هذا إلى جانب العديد من القوانين “المحتجزة” في هذه المؤسسة كالقانون الجنائي ومقتضيات الإثراء غير المشروع، أن البرلمان بنفسه غير جاهز للملكية البرلمانية؟ عندما يكون النظام السياسي غير ديمقراطي، فإن المؤسسات المنبثقة عنه تعمل على عدم احترام الدستور والقانون، فقد سبق للبرلمان بالتوافق مع الحكومة أن صادق على قوانين غير دستورية منذ إصدار دستور 2011، وهناك دراسات عديدة في هذا المجال. حاليا قرر مجلس النواب خلال التصويت على مشاريع القوانين احتساب أصوات الحاضرين من كل فريق أو مجموعة نيابية باعتبارها تمثل جميع أصوات الغائبين، وهذا الإجراء فيه خرق خطير للدستور وللقانون الداخلي لمجلس النواب، اللذان ينصان على أن حق التصويت شخصي ولا يمكن تفويضه، وهذا ما يشير إليه الفصل 60 من الدستور، والمادة156 من القانون الداخلي لمجلس النواب. لقد قام مكتب مجلس النواب باعتبار حالة الطوارئ الصحية حالة استثنائية للتذرع بعدم احترام الدستور والقانون الداخلي لمجلس النواب، وهذا الإجراء يواكب ما قامت به الحكومة كذلك، عندما أعلنت حالة الطوارئ الصحية بناء على بلاغ كما أسلفت سابقا، علما أن حالة الطوارئ الصحية لا يمكن أن تسمح بعدم اتباع المساطر المنصوص عليها في الدستور، وعلى سبيل المثال الدول الديمقراطية التي أعلنت عن حالة الطوارئ الصحية احترمت القواعد المنصوص عليها في دساتيرها دون أن يعرقل ذلك العمل على الحفاظ على صحة المواطنين. باختصار العقلية غير الديمقراطية هي المسيطرة على عمل الحكومة والبرلمان دون احترام الدستور، والملكية البرلمانية هي التي ستعمل على تغيير العقليات وتهيئ نخبا قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، والديمقراطية السياسية، باعتبارها مطالب شعبية. لا شك أنك تابعت النقاش الدائر حول مشروع قانون 22.20 الذي تحول لكرة نار حارقة تتقاذفها الأغلبية الحكومية، من يتحمل المسؤولية السياسية في هذا المشروع؟ وهل يتعلق الأمر بصراعات وتصفية حسابات سياسية داخل الحكومة خاصة بعدما تبرأ منه عدة وزراء على رأسهم الرميد؟ خطورة هذا المشروع تكمن في تسليطه للرقابة على كل وسائل التواصل الاجتماعي ومنع المغاربة من التعبير عن آرائهم، واتخاذ مواقف سلمية ضد أصحاب المصالح وفضح تحالفاتهم، فبهذا المشروع تريد الحكومة سد أفواه المغاربة ومنع حرية الرأي والتعبير، والسير إلى الأمام في توطيد دعائم نظام سلطوي لا يقبل الرأي الآخر. ويجب الإشارة أن هذا المشروع تمت المصادقة عليه في مجلس الحكومة من أجل عرضه على أنظار البرلمان، وخروج هذا الوزير أو ذاك ما هو إلا موقف سياسوي وشعبوي، خاصة بعد التنديد به من طرق الهيئات الحقوقية، وبعد الضغوطات التي مارسها المغاربة مما أدى إلى تأجيل النظر فيه. مشروع قانون 22.20 ليس الوحيد الذي خلق المشاكل داخل الأغلبية الحكومية، قبله كان القانون الإطار، والقانون الجنائي المتعثر بالبرلمان إلى الآن، هل يعني هذا أننا أمام حكومات وليس حكومة واحدة مادام أننا لا نعرف في الأصل حتى من يصنع مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة وتعارضها أغلبيتها داخل البرلمان؟ مسطرة إعداد مشاريع القوانين واضحة وتتحكم فيها الأمانة العامة للحكومة تحت مراقبة القصر الملكي، فليس هناك مشروع قانون لا يأخذ منه الإذن من البلاط، حتى المبادرة من أجل إعداد المشاريع تخضع أحيانا إلى نفس المسطرة، ولذلك فالمشاكل تطرح داخل البرلمان عندما يتم التعرف على محتوى مشاريع القوانين، وتصل إلى الرأي العام وتتعرض للانتقادات من لدن المجتمع المدني. والنقاش داخل البرلمان وحتى معارضة بعض النصوص مسموح به في النظام البرلماني المغربي، لكن على أساس أن لا يتعدى الحدود المسموح بها، وأفواه الأغلبية البرلمانية الموالية للحكومة تغلق عندما تأتي أوامر من القصر الملكي ويتخذ القرار بالمصادقة على مختلف النصوص القانونية. في نهاية المطاف الحكومة المغربية هي حكومة صورية والحكومة الحقيقية التي تسير البلاد هي حكومة البلاط الملكي التي تتكون خاصة من المستشارين الملكيين. كثر الترويج مؤخرا لمسألة تأجيل الانتخابات الذي تفصلنا عنها أقل من سنة مقابل تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة كفاءات، هل هذا وارد الحصول؟ وإن حدث من المستفيد منه؟ أولا تأجيل الانتخابات التشريعية إن تم سيكون إجراء غير دستوري لأنه غير منصوص عليه في الدستور. أما فيما يتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية فيجب أن نحدد ما المقصود بها، هل يتعلق الأمر بإدماج حزب “الاستقلال” وحزب “الأصالة والمعاصرة” في الحكومة الحالية؟ وهل يمكن أن يطال الأمر أحزب “فدرالية اليسار” أيضا. إذا كان الأمر يتعلق بأحزاب “الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال”، فالإرادة الملكية وحدها كافية ليقبل الحزبان المشاركة في الحكومة الحالية، أما حكومة وحدة وطنية تضم كذلك أحزب “فدرالية اليسار” فهي في نظري مستبعدة تماما في إطار النظام السياسي الحالي. بالعودة إلى موضوع كورونا، ماهي الدروس التي يجب استخلاصها من هذه الأزمة؟ وماهي أهم الإصلاحات التي يجب مباشرتها بعد انقضائها؟ أولا يجب على الدولة أن تعمل على إعادة النظر في السياسة الصحية المتبعة لأن الإمكانيات الحالية لا تسمح بمقاومة انتشار الأوبئة، لذلك يجب تقوية الموارد البشرية والمالية في مجال الصحة العمومية، عبر زيادة عدد المستشفيات والأطباء والممرضين، ويجب كذلك تعميم الضمان الصحي للمغاربة. تذهب الكثير من الآراء أن مغربا آخر سيتشكل بعد هذه الأزمة؟ هل في الأمر مبالغة خاصة أن الدولة لم تتفاعل إلى الآن بإيجابية مع المطالب الداعية لإحداث انفراج سياسي والإفراج عن المعتقلين السياسيين؟ وألن تؤدي هذه الأزمة إلى تقوية دور الدولة المركزية وخاصة جناحها الأمني؟ التخوف وارد من ميل الدولة لتقوية هيمنتها على المجتمع وخاصة الأجهزة الأمنية، وذلك بالتشديد على مراقبة حركات المواطنين، وتقييد المزيد من الحقوق والحريات، وخاصة حرية التعبير وحرية التجمعات العمومية، ومشروع قانون 22.20 ماهو إلا علامة على ما تريده الدولة في المستقبل في ميدان الحريات. ولكن أتمنى شخصيا أن يكون مغرب ما بعد “كورونا” مغربا جديدا، تعمل الدولة فيه على إعداد إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، من أجل تقوية استقرار البلاد. يجب على الدولة أن تبدأ بعفو شامل على معتقلي الحراك، ومعتقلي الرأي من صحفيين ومدونين عبروا عن آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتخلي عن المتابعات إزاء العديد من الحقوقيين، وإيقاف حملات التشهير التي تمس عددا كبيرا من الحقوقيين والمناضلين السياسيين وأفراد عائلتهم.