مديرية الضرائب تفتح شبابيكها نهاية الأسبوع لتمكين الأشخاص الذاتيين المعنيين من التسوية الطوعية لوضعيتهم الجبائية    تساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    رأس السنة الجديدة.. أبناك المغرب تفتح أبوابها استثنائيًا في عطلة نهاية الأسبوع    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    بيت الشعر ينعى الشاعر محمد عنيبة الحمري    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    الفقيه أحمد الريسوني... الهندوسي: عوض التفكير المقاصدي، الرئيس السابق للإصلاح والتوحيد يخترع الخيال العلمي في الفقه!    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    البطولة الوطنية.. 5 مدربين غادروا فرقهم بعد 15 دورة    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    حملات متواصلة لمحاربة الاتجار غير المشروع في طائر الحسون أو "المقنين"    تدابير للإقلاع عن التدخين .. فهم السلوك وبدائل النيكوتين    الحبس موقوف التنفيذ لمحتجين في سلا    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    "البام" يدعو إلى اجتماع الأغلبية لتباحث الإسراع في تنزيل خلاصات جلسة العمل حول مراجعة مدونة الأسرة    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤسسة التشريعية في مواجهة فيروس كورونا
نشر في هسبريس يوم 10 - 04 - 2020

قال الرئيس البرازيلي السابق الملقب بلولا: "فن الحكم هو أصعب من فن السياسة، عندما لا تكون لدينا مسؤوليات نثرثر وننظر كثيرا، ولكن في زمن الحكم يجب العمل تحت سقف الأموال المتوفرة والإمكانات الحقيقية المتاحة فعليا".
في وقت الأزمات يحتاج البلد إلى اشتغال كل مؤسساته الدستورية بكل طاقاتها وكل إمكاناتها، لتثبت للمواطنين باعتبارهم دافعين للضرائب أنهم يستحقون فعلا التكاليف التي يستفيدون منها، وعلى المؤسسات كذلك أن تمارس السلطة في وقت الأزمات باحترافية وإبداع وفنيات غير مسبوقة. وبهذا الخصوص، يقول نابليون الأول: "إني أحب السلطة، ولكن أحبها كفنان، وأحبها كما يحب العازف كمانه، مما يجعلني أبدع في خلق الاتفاقات والتناسق والمعنى في الفعل العمومي".
يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "من أجل إيجاد الحلول يحتاج البلد إلى الطبقة الإيديولوجية التي تمكن من إعطاء معنى للآفاق، والطبقة التكنوقراطية التي تفصل الإمكانات التقنية الضرورية للتنفيذ، والطبقة المرتبطة بالواقع واليومي، وبالتالي من المفروض ترسيخ التناسق والفعالية الجماعية لهذه الطبقات".
مع أزمة كورونا، شعر المغاربة بشكل فعلي ومرير بغياب ذلك الأفق الإيديولوجي والسياسي والفكري الذي تلعبه الطبقة السياسية من أحزاب وأغلبية وبرلمان، خصوصا في مرحلة الأزمات، وبوضوح أكبر شعر المغاربة بأنهم غير ممثلين.
حضور البرلمان في هذه الأزمة الخطيرة ليس فقط حضورا للخطاب التقني الذي يعدد الإجراءات، بل حضور للخطاب السياسي الذي يوضح النظرة للمجتمع وتغييراته وفئاته المختلفة، لأن السياسة وحدها تمكن من تصحيح ثغرات الخطاب التقني، ولأن السياسة في الأنظمة الديمقراطية التداولية هي التي تعيد صياغة الفعل السياسي بشكل يتجاوز مجموع الإجراءات التقنية وهي التي تمكن في الأخير من اختراع عالم آخر.
أمام الهجوم الكاسح الذي تعرض له العالم وبلادنا، راقب المتتبعون دور وأداء مؤسساتهم الدستورية. وبالتالي تنبه المغاربة إلى حقيقة مرة إنه إذا اجتاحت البلاد جائحة خطيرة، فيجب على الفيروس احتراما للقواعد الدستورية أن يضرب في وقت يكون فيه البرلمان في حالة انعقاد، أي خلال الدورتين، أما خارج الدوريتين فنحتاج إلى مرسوم وشكليات وزمن، هذه الشكليات وهذه المساطر تعيق سرعة الحركة المطلوبة لمواجهة الأزمات غير المتوقعة، وإذا تم احترام هذه الإجراءات وهذه الشكليات، فإن من ضرب يكون قد ضرب ومن هرب قد هرب، ومن مات قد مات، كما يقول المثل المغربي.
أزمة كورونا أثبتت أن النظرة إلى الدستور باعتباره المنظم لكيفية اشتغال المؤسسات الدستورية (وخصوصا البرلمان) في حاجة إلى إعادة نظر، كما أثبتت هذه الأزمة أنه يجب العمل على صياغة بعض القواعد الدستورية وتغيير بعضها، بل أثبتت أزمة كورونا كذلك أن الأزمات الكبرى تحتاج إلى الوزن الثقيل داخل المؤسسات والحضور النوعي والتواجد على الأرض، وهو ما كان غائبا بالنسبة للمؤسسة التشريعية.
1. فيروس كورونا يدفع العقل الدستوري إلى إعادة النظر في كيفية التعامل مع الوثيقة الدستورية وقت الأزمات غير المتوقعة
أمام الأزمات غير المتوقعة، يجب التفكير في حلول غير متوقعة (a crise inédite, réponse inédite). لم يكن أحد يتوقع مجيء وباء عالمي معد وخطير يهدد استمرارية الدولة واستمرارية مؤسساتها الدستورية، ويفرض منطق السرعة في اتخاذ القرار والفعالية والأخذ بعين الاعتبار شروط الواقع (لأن فيروس كورونا ضرب القاعدة العامة وضرب استمرارية القاعدة القانونية في الزمن وضرب قدسية الصيغة الدستورية والقانونية ونية المشرع وضرب شكليات القواعد الدستورية والقانونية المرتبطة بالزمن والهيئات...، وضرب حتى إمكانيات الاجتماعات الموسعة التي تشكل أسس الديمقراطية، وبالتالي كان هذا الفيروس ضد الديمقراطية وفرض على الجميع الوحدة وفي حالة العكس التقليص، وفرض على المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية الاتفاق على حتمية تقليص الحضور في اليوم الدستوري، أي الجمعة الثانية لأبريل، ضدا على الدستور. وبالتالي، وضعنا فيروس كورونا جميعا أمام ضرورة التفكير في كيفية التعامل مع القواعد الدستورية والقانونية.
أول إجراء فرض علينا فيروس كورونا تبنيه هو ما أشار إليه الجنرال ديغول عند الاستعداد لتمرير دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية، حيث أكد أن تحرير القواعد الدستورية يجب أن يكون بشكل مرن ومفتوح على مجموعة من التأويلات، لتستطيع هذه القواعد الدستورية الصمود أمام الزمن من جهة، ومن جهة أخرى لتستطيع هذه القواعد المرنة منح قدرة على الحركة للمؤسسات الدستورية، وخصوصا الرئاسية والبرلمانية (ميشيل دوبري وجون لويس دوبري في كتابهما "السلطة السياسية").
فيروس كورونا فرض على جميع الدول، ومنها المغرب، ضرورة التوفر مستقبلا على قواعد دستورية مرنة تحتمل التأويلات وتتيح حرية وهامش للفعل حتى لا تشل المؤسسات الدستورية وتعيق استمرارية الدولة، بخلاف ما ذهب إليه مجموعة من أساتذة القانون الدستوري في المغرب إبان قراءاتهم لتطبيقات وتأويلات دستور 2011 (الأستاذة رقية مصدق في كتابها "متاهات السلطة التأسيسية هل تتعايش الملكية الدستورية مع دستور تقديري")، ولولا المرونة في التفسير لما استطعنا افتتاح الدورة الربيعية لسنة 2020.
ثاني إجراء دفعنا فيروس كورونا إلى تبنيه كذلك، هو مبدأ تعاون السلط وتوازنها، فإذا كان الفلاسفة الليبراليون أمثال لوك وروسو ومونتسكيو دافعوا عن فصل السلط وتراتبيتها وأولوية الجهاز التشريعي على الجهاز التنفيذي، فإن أزمة كورونا أثبتت لنا فعالية وواقعية مبدأ توازن السلط وتعاونها بما يخدم تحقيق الأهداف العامة للفعالية والانسجام والتعاون والقدرة على الانتصار على المشاكل والأزمات.
كل المؤسسات الدستورية في ظل أزمة كورونا مسؤولة أمام المواطنين عن ضمان قوتهم وحياتهم وصحتهم ومنحهم الطمأنينة وتوقع غد أفضل، غد يتجاوز كبوات الحاضر التي أفرزتها أزمة كورونا، لأن التحديات تضع المؤسسات الدستورية أمام مسؤولية مشتركة تتمثل في القدرة على التواجد بشكل جماعي.
أثبتت أزمة كورونا كذلك أن المدرسة المتشددة التي تطالب بالانضباط الحرفي للقاعدة الدستورية والقانونية، والتي تؤكد على ما قاله الباحث ميشيل طروبير: "تفسير القاعدة الدستورية هو في حقيقة الأمر إعادة صياغة هذه القاعدة، وبالتالي هي قاعدة جديدة تتجاوز القاعدة القديمة"، أو ما قاله السياسي ورجل الدولة الإيطالي: "للأعداء القانون يطبق، وللأصدقاء القانون يفسر"، المدرسة المتشددة للنص الدستوري تتعرض اليوم لضربات فيروس كورونا، لأن الفيروس أثبت لنا حقيقة أساسية أن وقت الأزمات يجب نهج طريق المرونة في التفسير، مما يستدعي الانتقال إلى مدرسة الدستور يفسر، خصوصا وأن هذا التشدد لا يساعد المؤسسات الدستورية على تجاوز الأزمة ويحدث لديها ارتباكا وترددا وبطئا في التحرك، وقد يشلها تماما. وبالتالي، فإن التفسيرات المتشددة للنص الدستوري تبقى متجاوزة وتجعل البلد يصطدم بالحائط (التفسير المتشدد قد يشل العمل البرلماني في مرحلة هجوم فيروس كورونا).
أزمة كورونا أثبتت لنا وجود طريق آخر هو الاتفاق بين المؤسسات (حتى وإن خرق هذا الاتفاق المقتضيات الدستورية)، وهنا نستحضر المثل الفرنسي الشهير: "أمام الأزمات غير المتوقعة يجب البحث عن حلول غير متوقعة"، وهو ما أكد عليه الباحث فرانسوا لوشير عندما قال إن رئيس الجمهورية الفرنسية وإن عمد إلى تجاوز المقتضيات الدستورية، إلا أن هذه الأخيرة لا تكون قد تعرضت للخرق، يكفي فقط أن يكون رئيس الدولة والأغلبية البرلمانية والوزير الأول متفقين على هذه الإجراءات، وهو ما عمل المغرب على تطبيقه من خلال الاتفاق بين المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية (افتتاح الدورة الربيعية بشكل مقلص).
2. فيروس كورونا أثبت لنا بالملموس أن نظام الدورتين قد ولى زمانه إلى غير رجعة
لقد صاغ المشرع الدستوري المغربي سنة 2011 الفصل الخامس والستين من الدستور بعقلية المشرع الدستوري الفرنسي سنة 1959، مما يؤكد أن هذا الفصل تمت صياغته بعقلية وظروف عاشتها فرنسا أواسط القرن الماضي، العقل القانوني الفرنسي الذي صاغ دستور 1959-ميشل دوبري-كان يبحث عن هدف استراتيجي من خلال هذه الصياغة، وهو عقلنة أو إن صح التعبير تقليم أظافر الجمهورية الرابعة التي كانت تتميز بديكتاتورية السلطة البرلمانية.
نظام الدورتين استهدف من ورائه ديغول تقسيم الزمن الدستوري للبرلمان إلى زمنين، زمن للاشتغال وزمن للراحة. وبالتالي، كان ديغول وفريقه يستهدفان ترسيخ ثنائية الزمنين في فرنسا؛ زمن للديمقراطية البرلمانية (زمن تشتغل فيه الحكومة تحت المراقبة الفعلية للبرلمان)، وزمن للديمقراطية التنفيذية (زمن تشتغل فيه الحكومة وحيدة وإن استدعت الضرورة ذلك يمكن لها أن تستدعي البرلمان). الهدف من إرسال البرلمان إلى العطلة كان هو فسح المجال للجهاز التنفيذي للاشتغال، فاشتغال البرلمان المستمر كان يضع الحكومة الفرنسية تحت المراقبة اليومية المزاجية والدستورية للبرلمان، وكانت الحكومة تتواجد بشكل شبه يومي بدهاليز البرلمان، مما كان يبعدها عن ممارسة مهاما التنفيذية حسب العقل السياسي والعقل الدستوري للجمهورية الخامسة.
نظام الدورتين في الحقيقة كان يتناقض مع قاعدة استمرارية المؤسسات في الاشتغال بشكل مستمر ودائم. من سنة 1959 إلى سنة 1995، مرت الكثير من المياه تحت الجسر، (الفعل الأغلبي لعب دورا إيجابيا في ترسيخ نفوذ الجهاز التنفيذي-أفول نجم المؤسسة التشريعية-التعطيل الذي تعرفه المسطرة التشريعية-تراجع الدور الرقابي للبرلمان وحلول الإعلام كمراقب قوي)، مما سيدفع الطبقة السياسية الفرنسية إلى مطالبة المشرع الدستوري الفرنسي بإعادة النظر في نظام ثنائية العطالة والاشتغال (نظام الدورتين)، وبالتالي العودة إلى نظام الديمقراطية البرلمانية.
وسيعمد ديغولي آخر وهو فليب ساغان إلى اقتراح مشروع تعديل دستوري على الرئيس جاك شيراك يعيد الحياة البرلمانية إلى نظام الدورة الواحدة التي تستمر من أكتوبر إلى يونيو.
في المغرب، أثبت فيروس كورونا أننا في حاجة إلى وجود كل المؤسسات الدستورية في وضعية النشاط الدستوري الفعلي. وبالتالي، يتطلب الأمر في المغرب كذلك القيام بتعديل دستوري يعيد الحياة الدستورية للبرلمان بشكل مبدئي وبشكل يضمن استمرارية المؤسسة التشريعية في أداء مهامها خلال المدة التشريعية بالكامل (دون الحاجة إلى مرسوم أو ثلث أعضاء البرلمان أو أغلبية أعضاء مجلس المستشارين).
كما أثبتت هجمات فيروس كورونا أن البلد في حاجة إلى وسائل الفعل التي يمنحها الدستور للمؤسسات. وبالتالي، لمواجهة الأزمة، البلد في حاجة إلى من يصنعون القانون وإلى من يوقعون الظهائر وإلى من يصدرون المراسيم وإلى من يوقعون القرارات، أي إن البلد في حاجة إلى كل وسائل الفعل الدستورية والقانونية. وبالتالي، البلد في حاجة إلى كل مؤسساته الدستورية.
المؤسسة الملكية يكلفها الدستورية بمهمة ضمان استمرارية الدولة...، وبالتالي يضعها الدستور تحت تصرف الزمن الدستوري الطويل والمستمر (استمرارية الدولة)، وحتى وإن استفادت من لحظات لتخصيصها للزمن الشخصي (يقول فرانسوا هولاند في كتابه "دروس السلطة": لم تترك لي الحياة الرئاسية وقتا للزمن الشخصي، الزمن الشخصي كان قليلا ونادرا وقصير المدى)، تبقى هذه اللحظات قابلة لهجوم الزمن العمومي. وبالتالي، وعند هجوم فيروس كورونا المفاجئ أظهرت المؤسسة الملكية وجودها الفعلي داخل الزمن الدستوري والعمومي، مما خلق ارتياحا لدى الرأي العام الوطني وجعله مطمئنا إلى وجود ربان دائم في الطائرة (il y a vraiment un pilote dans l'avion).
المؤسسة التنفيذية كانت متواجدة كذلك داخل الزمن العمومي (التواجد المستمر-تفويض الإمضاء-تفويض السلطة)، ورأينا المراسيم والمناشير، مما أثبت للمجتمع والرأي العام أن السلطة التنفيذية برأسيها حاضرة ومجندة ومتواجدة في الزمن الدستوري والعمومي الفعلي.
خطورة فيروس كورونا ووضعية الحجر الصحي منعتا الشعب الاجتماعي من الاحتجاج والخروج إلى الساحات، مما كان يفرض على البرلمانات الحقيقية والفعلية القيام بالدور الموكول للشعب الاجتماعي والشعب الرأي، وبالتالي الاشتغال بشكل فعلي وواقعي وعلى مدار السنة داخل الزمن الدستوري والعمومي الفعلي، ولكن البرلمان المغربي كان عاجزا عن القيام بدور الشعب الدولة للأسف.
أزمة كورونا أثبتت للمغاربة أن مؤسسة مهمة تكلف الكثير من الأموال تستفيد من زمنين، زمن عمومي (وحتى داخل الزمن العمومي يكثر الغياب، ويخصصه بعض النواب للنوم –وحتى النواب الذين لا ينامون يؤدون فقط مهام المتفرجين والمصوتين)، وزمن خاص. وبالتالي، خلال الزمن الخاص قد لا تكون المؤسسة التشريعية في خدمة من صوت عليها ومن يمنحها التعويضات والتقاعد، وهذا شيء لم يعد مقبولا إطلاقا، صوصا وأن هجمات فيروس كورونا المستمرة أثبتت لنا جميعا أننا أمام خصم لا يعترف بالتقسيم الزمني الذي يحكم اشتغال غالبية مؤسساتنا (الليل-النهار-اليوم المفتوح-اليوم غير المفتوح-أوقات الرخصة-أوقات العمل)، لأن هذا التقسيم الزمني غير موجود أصلا لدى هذا الفيروس اللعين.
وبالتالي، يفرض الفيروس اللعين على المؤسسات التواجد الفعلي والواقعي داخل الزمن الدستوري والعمومي بشكل مستمر طوال المدة التشريعية، مما يتطلب عاجلا إعادة النظر في نظام الدورتين، حتى نكون مسلحين في المستقبل بالوسائل التي تمكننا من مواجهة الأزمات التي تتطلب تواجد كل المؤسسات الدستورية داخل الزمن الدستوري للمملكة.
3. فيروس كورونا يرسخ الديمقراطية الحاكمة
يقسم الباحث الفرنسي الكبير بيير روزنفون الديمقراطية إلى أربعة أصناف: الديمقراطية-المواطنة، وهي الديمقراطية المرتبطة بالانتخاب. أما الشكل الثاني للديمقراطية، فأطلق عليه اسم الديمقراطية-النظام، وهي المرتبطة بالمؤسسات والأشكال التي تستهدف وضع أسس وأشكال الإرادة العامة. والشكل الثالث للديمقراطية هو الديمقراطية-الشكل، التي تجد تفسيرها في ما يطلق عليه بثورة المساواة. أما الشكل الرابع والأخير للديمقراطية، فسماه الباحث الديمقراطية الحاكمة، وتتجسد في نظره من خلال بروز وتجسيد الرئاسيات الحاكمة في الأنظمة الديمقراطية.
غياب البرلمان وعدم وجود البرلمان على الأرض، وغياب الوزن الثقيل السياسي (برلمان مشكل من رجال عاديين والمغاربة المتوسطين أو المغاربة الأقل من المغاربة المتوسطين) عن البرلمان، جعل البرلمان المغربي غير قادر على لعب الدور الموكول إليه من طرف المشرع الدستوري المتمثل في ممارسة مهام التشريع والمراقبة والتقييم (الفصل 70 من الدستور المغربي).
في مواجهة أزمة كورونا اتضح للجميع أنه لا يمكن اتهام إحدى المؤسسات بتصدر المشهد ووجودها وحيدة فعليا، إذا كانت باقي المؤسسات عاجزة ومشلولة وغير قادرة على المساهمة في الفعل الجماعي بالإبداع والابتكار. قال فلورون فاديلو: "إننا نشهد اليوم في فرنسا انهيار السياسة أمام الرئاسية التكنوقراطية لماكرون"، وفي المغرب ثبت بالملموس ضعف وعجز إن لم نقل شلل السياسة والمؤسسات السياسية، وخصوصا البرلمان.
كما أن المؤسسة التشريعية تبقى وحدها المسؤولة عن عدم القدرة على لعب دور الوزن الثقيل السياسي والفعلي أمام الوزن الثقيل والفعلي الذي رسخته وأتقنته المؤسسة الملكية. كما أثبتت أزمة كورونا أن لا مؤسسة تمتلك العذر لعدم القدرة على الوجود على الأرض، وبالتالي لا عذر للمؤسسة التشريعية لوجودها خلال هذه الأزمة "hors sol" كما يقول المثل الفرنسي الشهير، لأن الأزمة أثبتت أن الكل عليه أن يلعب دوره كاملا ويحتل المساحة المخصصة له في الديمقراطية والقاعدة الدستورية.
كما أن الأزمة أثبتت أن لا أحد مسموح له بالتباكي على نظام لاتخاذ القرار مركزيا ووحيدا إذا كان هو عاجزا عن فتح النقاش والتعبير عن مشاكل ومشاغل الفئات المختلفة وحشد الدعم لآرائه وتصوراته المختلفة، وعاجزا عن تقويم وتصحيح وإغناء القرارات المتخذة والمساهمة في التواصل لتوضيح وتبرير الفعل العمومي ورسم الخطوط العريضة للغد القادم، وهذا هو الدور الذي عجزت عن لعبه الأحزاب والبرلمان واتضح بشكل كبير خلال هذه الأزمة.
4. مواجهة أزمة كورونا من خلال التعليمات الملكية والمراسيم القوانين والمراسيم العادية والمناشير
رغم أن المشرع الدستوري حدد بدقة مجال تدخل البرلمان ومنح حرية في المجالات الأخرى للتدخل للسلطة التنظيمية من خلال السلطة التنظيمية المستقلة. وحتى في مجال تدخل البرلمان، منح المشرع الدستوري مجالا لتدخل السلطة التنظيمية من خلال السلطة التنظيمية التنفيذية. وأمام العطالة والعجز البرلماني وخطورة هجمات وباء كورونا، فتح البرلمان المجال للسلطة التنفيذية للتدخل للتشريع في المجال المحدد من طرف المشرع الدستوري كمجال للسلطة التشريعية. وبالتالي، انتقل البرلمان من ممارسة مهامه التشريعية والرقابية والتقييمية إلى ممارسة الدور الذي تتركه له مسطرة المرسوم القانون، وهو دور الإذن بالإصدار (المادة 70 من الدستور).
هذا التدخل وإن كان مطلوبا أمام عجز المؤسسة التشريعية، إلا أنه غيب النقاش الديمقراطي، خصوصا وأن المواطنين كانوا ينتظرون تحرك البرلمان من أجل مواجهة فيروس كورونا، لا سيما وأن البرلمان ما قبل كورونا كان برلمانا للأغنياء ورجال المال والأعمال بامتياز، وكان يشرع في الغالب لمنح المزيد من شرائح اللحم لدولة الأغنياء والشركات (كما يقول السياسي الفرنسي رايلوند كيرول)، كما أن برلمان رجال المال والأعمال واللوبيات، كما يقول الباحث ليزيك كولاكووسكي (عهد سيطرة المال هو عهد ديمقراطية الفوارق الاجتماعية واللامساواة).
جائحة كورونا والحجر الصحي فرضا على البرلمان تغيير البوصلة نحو الفقراء والمهمشين الذين لا رصيد لهم ولا حسابات بنكية تقيهم شر الأزمة ولا يملكون إلا سواعدهم، تغيير البوصلة كان يفرض على البرلمان تخصيص سلاحه التشريعي للفقراء الذين لا يأكلون شرائح اللحم (بدل المزيد من شرائح اللحم لمن يأكلون شرائح اللحم)، وأن يعمل على النجاح في تقديم مشاريع القوانين التي تهتم بإعادة التوزيع ومشاريع القوانين التي تهتم بإقرار الحماية والمشاريع التي تهتم بإقرار ضريبة على الثروة ولو من باب رفع الضغط على الأغنياء للمساهمة في صندوق تدبير جائحة كورونا (من خلال الإبداع في إجازة اجتماع البرلمان بشكل مقلص).
كما أن غياب المؤسسة التشريعية عن الفعل، كان يبرز حقيقة مرة، يقول أنطوان بيك، عن تيار كوديوت (نسبة لصانع الأحذية العسكرية للجيش الفرنسي في القرن التاسع عشر Alexis godillot)، لم يكن هذا الصناعي يبدع بل كان ينفذ ما يطلب منه لصنع أشكال مشابهة ومماثلة ولا جديد فيها، دخل هذا الاسم إلى القاموس السياسي الفرنسي إبان الجمهورية الخامسة، حيث صرح أحد نواب الأغلبية قائلا: "نجن نمثل كوديوت (بروتكان) الجنرال ديغول"، أي نحن لا نفكر لا نبدع لا نختلف نحن ننفذ ما يطلبه الجنرال، كما أن السياسي الفرنسي بيير شوفنمون في سنة 1981، أطلق تصريحه الشهير: "إننا في الحزب الاشتراكي نفضل النائب كودوت الذي يلبس حذاء كوديوت على النائب الذي يلبس الكعب العالي"، (الانضباط لتعليمات الحزب الاشتراكي)، والبرلمان في المغرب كان أسير الأغلبية وعاجزا وبطيئا مثلها.
المؤسسة التشريعية في المغرب لم تعمد فقط إلى لعب دور الكوديوت للسلطة التنفيذية، بل لعبت دور المتفرج على الأحداث وفوضت سلطتها واختصاصاتها للسلطة التنفيذية واكتفت بالحضور الشكلي والحضور العادي والحضور الروتيني داخل زمن الدورات، واهتمت بمصالحها وأمورها الشخصية والذاتية في مرحلة العطلة الدستورية.
الخلاصة
في الأزمات الكبرى يلاحظ المجتمع المؤسسات التي تنجح في أداء مهامها والمؤسسات التي لا تفعل شيئا، ووجب الاعتراف في الأخير بأن برلمان الرجال العاديين وبرلمان الرجال الأقل من المتوسطين هو برلمان المهام العادية والمهام الأقل من العادية.
الأزمة التي سببها فيروس كورونا اللعين كانت أزمة كبيرة ومعقدة ومركبة وتحتاج إلى مؤسسات استثنائية تتوفر على الوزن الثقيل السياسي والنقابي والثقافي والتكنوقراطي والرجال النوعيين والرجال الاستثنائيين، وتحتاج كذلك إلى المؤسسات التي توجد على الأرض، وبالتالي كان غياب البرلمان تحصيل حاصل.
ووجب الاعتراف في الأخير بأن نظام الدورتين (كما لو أن الحياة الوطنية تمشي هي كذلك بنظام الدورتين)، يجسد المقولة الشهيرة لروني بارجفيل: "رجال الدولة ليس لهم الوقت ولا العادة للتوقع، إنهم يعيشون يوما بيوم، كل الأحداث تتجاوزهم، والمشاكل التي يعمدون إلى حلها هي مشاكل البارحة وما قبل البارحة، والتي لم يستطيعوا فهمها بعد".
وبالتالي، لو انتظر الشعب المغربي تحرك البرلمان في أزمة كورونا، لكان عليه انتظار انتهاء الأزمة ووقت بعد انتهاء الأزمة ليفهم السادة النواب الأزمة ويجدون حلولا لمن بقي من الشعب على قيد الحياة ومن بقي من الشعب في مراكز العناية المركزة.
*باحث في القانون الإداري والعلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.