قال حسن نجمي عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إن حزبه “يعيش حاليا حالة باتولوجية (مرضية) واضحة، وقد لا تحتاج إلى كثير من التشخيصات بقدر ما تحتاج إلى علاج جدي مستعجل، لأن للمشكل جذورا بالتأكيد”. وابدى نجمي تأسفه على ما أسماه “غياب المؤسسة الحزبية المغربية، اللهم بعض أنواع الحضور الطفيف للمناضلين الحزبيين النشطاء في منظمات المجتمع المدني”.
واتهم نجمي، في حوار مع موقع “لكم”، لشكر ب “الاستفرد بالقرار في مشروع القانون 20.22 والمس بشروط الحكامة التنظيمية، ووضع أعضاء المكتب السياسي والقاعدة الاتحادية كلها أمام الأمر الواقع، في حين أن هناك عدة مخارج لتحصين الحزب وحماية شرفه وسمعته وتاريخه ومرجعيته الفكرية والحقوقية، لأننا مؤتمنين وتربطنا الأمانة وأخلاق المسؤولية، فضلا عن قوانين الحزب التي وضع نصها أخونا الكاتب الأول نفسه لنفسه ولإخوانه”. ونفى نجمي أن يكون له “أي مشروع شخصي” قائلا: “لست متزعما لأي حركة انشقاقية أو تصحيحية، ولست أفضل أخواتي وإخواني أعضاء المكتب السياسي الآخرين الذين رفضوا مشروع القانون الجديد الذي أطلق عليه المغاربة صفة “قانون الكمامة”. كما لا أدعو للانشقاق عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كل ما فعلته هو أني أعبر رأيي الشخصي وصوتي الخاص ولا أمثل إلا نفسي في ما كتبته وعبرت عنه”. وتساءل نجمي قائلا: وما الذي يضير الأخ الكاتب الأول لحزب اشتراكي ديمقراطي تقدمي يساري حداثي منفتح له تراث ديمقراطي حقوقي أن يعبر أحد أعضاء المكتب أو مجموعة من أعضاء المكتب السياسي عن اعتراضهم أو رفضهم أو تحفظهم أو تخوفهم؟. أين يكمن المشكل إن فكرت بحرية، وعبرت عن رأيي بحرية؟ هل من قبيل الخطأ أن يمارس عضو قيادي في حزب ساري أبسط حقوقه في العضوية والإنتماء كأن يقول لا ولقد قلتها وعشت حياتي أقولها وأكررها”. أما بالنسبة للاتهامات التي واجهته بخصوص سعيه وراء مناصب أو مكاسب أو طموحات شخصية، رد على ذلك بقوله: “لو كنت من أولئك الذين يقفون في الصف ويخشون أن تتأخر عليهم “النوبة” لكنت أكرر كل عبارات التمجيد والولاء الشخصي، ولكنت كررت الحقائب والكراسي كما أتيح ذلك لعدد وافر من الذين لا يستحقون”. وكشف نجمي أن علاقته بلشكر لأول مرة كانت عام 1978، وأن “الكاتب الأول لم يكن أحد أطر حزبنا الفكرية والإيديولوجية، وكان يجد نفسه في العمل التنظيمي وفي استعمال يده خلال السجالات الطلابية وغير الطلابية. ثم ارتبطت تجربته ومصيره بالساحر محمد اليازغي الذي كانت له نزعته الثعلبية قبل أن ينقلب عليه كما ينقلب الجند على الجنرال”. ويخشى نجمي على “الاتحاديين الذين لا يعرفون حقائق الأشياء أو يصدرون الأحكام الجاهزة من بعيد دفن حزبهم بمقبرة التاريخ دون وعي منهم، خاصة النزهاء والشرفاء والحكماء منهم لا الدخلاء منهم”، بحسب تعبيره. وخاطب الاتحاديات والاتحاديين قائلا: “أنقذوا حزبكم قبل فوات الأوان. فمن استطاع منكم فبلسانه أو بقلبه وهو أضعف الإيمان”. ودعا ل”تجديد خطاب الاتحاد الاشتراكي وإغناء مفاهيمه وإدخال التعديلات الضرورية على لغته، والعودة إلى الالتزام بجرأة المواقف والتعبير عن رأي قاعدته الاجتماعية والحزبية لا عن رأي الأشخاص أو الأمزجة الشخصية”. وشدد نجمي على ضرورة العودة إلى “روح المصالحة التي طرحناها وشرعنا فيها، وتم إجهاضها للأسف، لأنها الوصفة الوحيدة الممكنة التي ينبغي أن نستثمرها لإعادة روح الثقة إلى المناضلين الغاضبين والمقصيين والمبعدين عن حزبهم وعن بيتهم الاتحادي في كل المدن والقرى والمواقع والقطاعات ليحضر الجميع في لحظة تاريخية تجدد الحزب وتجدد الأنفاس”. ومن أجل ما وصفه ب”المصالحة الحقيقية الموضوعية الجدية”، دعا نجمي لتأطيرها ب”وثيقة نظرية وفكرية وأخلاقية وأجندة بمواعيد ومهام محددة وبإشراف لجنة التحكيم والأخلاقيات وصولا، قبل فوات الأوان، إلى تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر وطني استثنائي أو مؤتمر حادي عشر (11) كما يريد إخوة آخرون في المكتب السياسي وأن تتشكل هذه اللجنة التحضيرية من كافة الفعاليات الاتحادية الحاضرة اليوم في قيادة الاتحاد على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي ودعوة إخوة آخرين لا بد منهم”. وفيما يلي نص الحوار ماذا يعني لك الحجر الصحي؟ بالتأكيد، لقد كانت فترة الحجر الصحي جديدة تماما في حياتي وحياة أسرتي. وها أنا مقيم في شقتي بالرباط أروض الأفكار والعالم من خلال ما أقرؤه وما أكتبه، هنا حيث أعيش مع زوجتي، الشاعرة والكاتبة، حيث ينصت أحدنا للآخر ونتبادل الأفكار والأخبار حول وضع المغرب في ظل هذه الجائحة وتداعياتها، وتطورت المعرفة الطبية والوقائية بفيروس كوفيد -19. لقد حقق المغرب نجاحا ملحوظا في مواجهة هذه الجائحة. ورغم ما يمكننا أن نسجله من ملاحظات أمنية أو صحية أو تعليمية أو في التأطير الاقتصادي والمالي، فإن ما نجح فيه المغرب لقي صدى إيجابيا في الأوساط السياسية والإعلامية الوطنية والدولية. ما الذي تنشغل به في الحجر الصحي؟ قرأت عددا وافرا من الكتب الجديدة أو الكتب التي ظلت مركونة كدين علي، فأتاحت لي فترة الحجر الصحي هذه الفرصة لأقرأها وأتخلص من هذا الدين. لقد كانت الكتب دائما نعمة حياتي. لاشيء أجمل من كتاب ، ولا صداقة أفضل من صداقة الكتاب. ولا أكتمك، كنت كل يوم أتتطلع إلى الرفوف التي ضاق بالكتب التي لم أقرأها وأتألم بسبب ضيق الوقت وزحمة الالتزامات. وجاءت كورونا، وجاء فيض من وقت، فبدأت أقرأ ما أجلته من كتب وعناوين. وكلما استمتعت بقراءاتي الجديدة، كلما قلت في نفسي: لماذا ليست الحياة كالكتب” ولكن طرائق الحياة متعددة، فنحن نعيش بالواقع، ونعيش بالخيال والأحلام والأفلام والشعر والروايات. وكما قال “نيتشه” بأن الفنون وجدت لكي لا نصاب بالجنون. خلوة كورونا أعادت إلينا العالم والطبيعة، وأعادت إلينا أنفسنا في علائقنا الوجودية بسؤال الموت، وسؤال الحياة ذاتها، ومعنى العلاقة الإنسانية، ومعنى القيم، ومعنى القانون، ومعنى الدولة، ومعنى السلطة، ومعنى الأمن، ومعنى الحرية، ومعنى التحكم.. أيضا، عدت خلال هذه الفترة إلى مشروع روائي تباطأ قليلا أو كثيرا محاولا استئناف العمل فيه والسعي الحثيث إلى إنهائه. كما عدت إلى ألبومات صوري الفوتوغرافية لأرتبها وأتأملها من جديد، ولأكتشف نفسي ومسار حياتي. وباختصار، “رب نقمة فيها ألف نعمة” كما يقال. فقد أتيح لي الانسحاب إلى نفسي، وإلى حياتي الصغيرة. ولعل لهذا الرجوع إلى الذات والقراءة والكتابة ما ينقذنا من سموم الواقع وسموم البشر، بعض البشر المعطوبين نفسيا وأخلاقيا في عالم يعج بالمتناقضات. أخيرا، أود أن أشير إلى أنني وضعت اللمسات الأخيرة على ثلاث مجموعات شعرية جديدة علي أن أنشرها في أقرب الآجال بعد الخروج من هذا الحجر الصحي واجتياز المغرب والعالم لكافة أسباب وتداعيات الجائحة. ولا أنسى بالطبع أن أشير إلى أنني واصلت عملي عن بعد، إذ بقيت أتلقى بعض المهام الإدارية وأنجزها كما كنت أفعل تماما في عملي داخل مكتبي بمجلس النواب حيث أشتغل كخبير استشاري. ولعل حالي في هذا الحجر الصحي هو على العموم، حال الكثير من المثقفين والكتاب والمبدعين الذين يستثمرون هذه اللحظة العسيرة بما لها وما عليها، بخسائرها البشرية المحزنة وسائر الخسائر الاقتصادية والمالية والسياحية والثقافية المختلفة. وأظن، ولست أول ولا آخر من يقول بذلك ويحسه، أن العالم لن يبقى كما كان من قبل، فكريا وثقافيا، وعلى مستوى العلائق الاجتماعية والإنسانية. لقد مارسنا فترة الحجر الصحي حتى الآن بحذر غير معهود، وبخوف على حياتنا وعلى حيوات الأبناء والأقرباء والأصدقاء وكل من نحبهم. كما أننا – بدون شك- وجدنا أنفسنا أكثر من أي وقت مضى أمام سؤال الموت، أمام سؤال الحياة نفسها، أمام سؤال الطبيعة التي أصبحت بدون بشر، وأصبحنا نتفرج عليها من وراء زجاج النوافذ والشرفات. تغير نظام حياتي اليومية خلال هذا الحجر الصحي، إذ امتدت ساعات السهر أكثر مما كانت عليه من قبل. أطل قبل الذهاب إلى سريري من الشرفة على ملتقى الطرق المجاور وأرى كل ليلة بستاني الجماعة يسقي العشب قبل قدوم موعد السحور. كما أرى كل ليلة رجال الأمن الوطني يرابطون بانضباط وحرص ومواظبة، فضلا عن مرابطة عناصر الشرطة طوال النهار حرصا على تفعيل إجراءات حالة الطوارئ السائدة في بلادنا في ظل هذه الجائحة. وهو موقف يستحق التنويه والتقدير والاعتراف. موقف وطني جدير بالإعجاب، وهم يحمون الناس من أنفسهم ومما يتهدد حيواتهم من مخاطر. وما الذي كشفته أزمة كورونا في المغرب؟ من المؤكد أن الملاحظ النزيه الموضوعي لا يمكنه إلا أن يقدر الجهود التي بذلت منذ أعلن جلالة الملك عن حزمة من القرارات الإستباقية لتطويق انتشار فيروس كوفيد-19. صحيح أن تنفيذ القرار بإغلاق الأجواء والبر والبحر، وفصل المدن والحواضر عن بعضها البعض وتوقيف العمل اليومي في الحقل الاقتصادي والمالي والإداري إلا مما كان ضروريا، واتخاذ جملة من الإجراءات الأمنية والصحية والوقائية والحرص على توفر القاعدة القانونية السليمة لتأطيرها وتنفيذها بما في ذلك الإجراءات التنظيمية الاستثنائية للمؤسسة التشريعية في المغرب طبقا لما اقتضه أعراف المؤسسات البرلمانية عبر العالم. وهي الإجراءات نفسها التي أقرها الاتحاد البرلماني الدولي وعملت بها المؤسسات البرلمانية في المؤسسات الديمقراطيات العريقة (بريطانيا/ فرنسا/ألمانيا/ إسبانيا..)، وذلك انسجاما مع دستور البلاد وحرصا على سلامة العلائق بين الدولة والمجتمع. وفي هذا الإطار الواضح من حيث تأطيره القانوني وتوفير الشروط الإدارية والمادية والبشرية الضرورية، أصبح ممكنا بالنسبة لأي ملاحظ أن يحتكم إلى القانون في الحكم على صحة أو خطأ أي إجراء أو تصرف شخصي قد يقوم به مسؤول من مسؤولي الإدارة الترابية المحلية أو رجل أمن على سبيل المثال. كما لاحظنا أن المواطنين والمواطنات عبر الشبكة الاجتماعية للتواصل أخذوا ينوهون بنقط ضوء، وبتصرفات أثارت الإعجاب بما فيها من حكمة أو روح تطوعية لدى بعض نساء ورجال السلطة والأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية. وكذلك من أطلق عليهم “الجيش الأبيض” من نساء ورجال قطاع الصحة ومدبري شؤون وفضاءات الموت والدفن الذين صانوا بروح تطوعية عالية أرواح المصابين بهذا الفيروس مثلما صانوا كرامة من قادوا حياتهم في هذه الجائحة الكارثية، والذين استحقوا عن جدارة أعلى أوسمة الأمة الروحية والوجدانية. ولا شك أن الأسرة التربوية والتعليمية والجامعية بذلت جهدا محمودا رغم عنصر المفاجأة وقلة الإمكانيات التواصلية لدى عموم الأسر المغربية. والواقع أن تدبير المغرب والمغاربة لحياتهم في هذه الجائحة غلب عليه عنصر الوعي، والحس الوطني، وروح التضامن. كما برز العنصر الثقافي واضحا في الخطابات والتعليقات والممارسة الإعلامية بكل أنواعها ومحاملها وأيضا برز في عدد من الطقوس الاجتماعية والأعراف القديمة والجديدة التي ميزت الشخصية المغربية. لكن هذا البعد الثقافي لم يظهر فقط في بعده الايجابي بل كانت هناك ممارسات سوسيوثقافية لا تخلو من عنف وانحراف وعدم حرص البعض على حياته وحيوات الآخرين. وهذا كله دون أن أنسى أن التدبير العام للوباء بقدر ما توفرت له أجواء صحية وعناصر ثقة متبادلة بين المجتمع والدولة، لا ينبغي أن ننسى أن الدولة استثمرت – ولا يمكنها إلا أن تستثمر- هذه اللحظة التحكمية أو القانونية لإعادة ترتيب واقع الأشياء من جديد. لقد برزت الدولة المغربية كمؤسسة راعية تقوم باحتضان المجتمع على أساس قاعدة سياسية بيولوجية (وأتذكر هنا مفهوم الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو La biopolitique)، بمعنى أن الدولة التي يحتاجها المواطن في تحقيق قوته اليومي في سائر الأيام، أصبح في حاجة إليها أكثر للوقاية ولضمان حياته ووجوده. ومن هنا يتأسف المرء لغياب المؤسسة الحزبية المغربية، اللهم بعض أنواع الحضور الطفيف للمناضلين الحزبيين النشطاء في منظمات المجتمع المدني. على ذكر المؤسسة الحزبية، مراقبون يرون أن المشكل التي تفجر داخل بيتكم الاتحادي له جذور وخلفيات صراع ممتد. ما تعليقك؟ بكل بساطة يعيش حزبنا حاليا حالة باتولوجية (مرضية) واضحة، وقد لا تحتاج إلى كثير من التشخيصات بقدر ما تحتاج إلى علاج جدي مستعجل. ولا أتمنى أن نكون أمام مسألة قد توصف في تاريخنا السياسي ذات يوم بمسألة “الحزب المريض” على وزن” مسألة الرجل المريض” التي أصبحت متداولة في الأدبيات التاريخية المعاصرة منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية. إن للمشكل جذورا بالتأكيد، لكن الحالة الراهنة اكتست طابعا طارئا بعد الرفض الواسع الذي واجهه مشروع القانون 20.22 الذي كان يتم التحضير له، وتقدم وزير العدل الأخ محمد بن عبد القادر عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي في الآن نفسه باقتراح تأجيله إلى ما بعد ظروف الجائحة. وبدلا من مجابهة هذه الحالة المستجدة بموقف سياسي حزبي اتحادي، وبقرار تنظيمي مسؤول يعيد الأمور إلى نصابها، ويعيد الثقة إلى نفوس المناضلات والمناضلين، وبدلا من الدفاع عن تراثنا الحقوقي الاتحادي، تضاعف الخطأ الأصلي بخطأ آخر. فعوض الرد على آراء ومناقشات أعضاء المكتب السياسي للاتحاد داخل مجموعتنا على “الواتساب”، وكذا عوض الرد على رسالة أحد عشر (11) عضوا للمكتب السياسي بضرورة عقد اجتماع لقيادة الحزب – وهذا حق طبيعي عادي بل يفترض قانونيا أن يعقد المكتب السياسي اجتماعه أسبوعيا- سارع الأخ الكاتب الأول إلى إجراء حوار مع الصحافة يحدد فيه الخط الأحمر، ويتخذ موقفا لم يتم تداوله مطلقا داخل القيادة الاتحادية، وذلك بتبني مشروع القانون المرفوض جماهيريا وحزبيا، إذ تبناه جزئيا في حوار مع صحيفة “أخبار اليوم”، ثم تبناه بوضوح كامل في حواره مع صحيفة “المشعل”. ماهذا؟ إنه بكل بساطة استفراد بالقرار ومس بشروط الحكامة التنظيمية، ووضع أعضاء المكتب السياسي والقاعدة الاتحادية كلها أمام الأمر الواقع، في حين أن هناك عدة مخارج لتحصين الحزب وحماية شرفه وسمعته وتاريخه ومرجعيته الفكرية والحقوقية. وقد اقترحت في حوارنا الداخلي مثلما اقترح إخوة وأخوات لي في المكتب السياسي عدة مقترحات منسجمة مع أدبيات وتوجهات الاتحاد الاشتراكي وثقافته السياسية. المكتب السياسي متوقف عن الاجتماع –بكل أسف- منذ ثلاثة أشهر. والأخ الكاتب الأول فعل ما يريد دون إشراكنا أو احترامنا كأشخاص وكمسؤولين مؤتمنين وتربطنا الأمانة وأخلاق المسؤولية، فضلا عن قوانين الحزب التي وضع نصها أخونا الكاتب الأول نفسه لنفسه ولإخوانه. هنا يكمن بيت القصيد. وأخشى ما أخشاه أن الاتحاديين، خصوصا منهم الذين لا يعرفون حقائق الأشياء أو يصدرون الأحكام الجاهزة من بعيد أو يتهجم بعضهم على شخصي المتواضع، يتجهون نحو دفن حزبهم بمقبرة التاريخ دون وعي منهم. وأتحدث هنا عن النزهاء والشرفاء والحكماء منهم لا عن الدخلاء. وما أتمناه شخصيا، إذا كان لا بد لي من خصوم، أن أضرع إلى الله بأن يواجهني خصوم عقلاء. والخصومة هنا بالمعنى الفكري، أي خصومة أفكار وآراء بالأساس، لأنني أعتبر أن الخصوم يفترض أن يكونوا خارج الحزب مثلما ينبغي أن يكون الأعداء خارج المغرب لا داخله. فليس لي أعداء داخل المغرب ولا ينبغي أن يكونوا. هكذا أفهم السياسة والممارسة السياسية، وأخونا عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله كان يقول “ليس هناك سياسة بدون أخلاق”. هناك من يرى أن رسالتك الأخيرة تحمل في طياتها رهانات قيادة حركة تصحيحية وطموحات شخصية لم تتحقق لك؟ قرأت قبل أيام للأخ المناضل فجري الهاشمي، وهو اتحادي قديم، وكان عضوا قياديا في الشبيبة الاتحادية في مؤتمرها عام 1975 إلى جانب عبد الهادي خيرات بوصفه كاتبا عاما ومالك الجدواي وعبد الرزاق المعداني وطارق القباج وإدريس لشكر وآخرين، تدوينة على “الفايسبوك” جاء فيها كما أذكر (إلا سمعتي شي واحد باغي يدير حركة تصحيحية، راه شاد الصف حيث تعطلات عليه النوبة)؟. فسألت نفسي أليس هذا الرجل هو نفسه الذي كان أحد الذين قادوا “حركة تصحيحية” في المؤتمر الوطني الثالث للاتحاد عام 1978 وما بعده؟. وبهذا المنطق الذي عبر عنه الأخ فجري، يمكن أن نعتبر أن المهدي بن بركة رحمه الله ورفاقه الآخرين من أمثال عبد الرحمان اليوسفي والفقيه البصري وعبد الله إبراهيم والمحجوب بن الصديق ومحمد منصور قادوا حركة الانفصال سنة 1959 الذي انبثق عنها تأسيس حزبنا (كانوا شادين الصف) هم أيضا. وحركة التصحيح في 30 يوليوز 1972 التي انفصل فيها الاتحاديون عن المكون النقابي في الاتحاد المغربي للشغل (انطلاقة 30 يوليوز) هي أيضا كانت حركة أولئك الذين “تعطلات عليهوم النوبة”؟. ولا أنسى طبعا حركة 8 ماي 1983 التي قادها عدد من الإخوة القياديين في الاتحاد الاشتراكي من أمثال الأستاذ عبد الرحمان بنعمر والأخ أحمد بنجلون رحمه الله والمرحوم العربي الشتوكي والمرحوم محمد بوكرين.. وكان في فلكهم وضمنهم ومعهم أخونا فجري الهاشمي، فهل هؤلاء أيضا قاموا بما قاموا به لأنهم كانوا “شادين الصف”؟. والسؤال نفسه يمكن أن أطرحه بخصوص مناضلين شرفاء آخرين من أمثال محمد الساسي وخالد السفياني ومحمد حفيظ وعلي بوعبيد والعربي عجول ومحمد الأشعري ونوبير الأموي الذي غادر المؤتمر الوطني السادس عند بداية انعقاده، ثم غادر الحزب هو ورفاقه ولا حاجة للتفصيل في حركات انشقاقية متعددة أخرى. إذن ليس لي أي مشروع شخصي، ولست متزعما لأي حركة انشقاقية أو تصحيحية – لا قدر الله- ولست أفضل أخواتي وإخواني أعضاء المكتب السياسي الآخرين الذين رفضوا مشروع القانون الجديد الذي أطلق عليه المغاربة صفة “قانون الكمامة”. إنني لا أدعو مطلقا إلى الانشقاق عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأعرف فكريا ونظريا حدود الحالة الانشقاقية في تاريخ حزبنا هذا، وفي حركتنا الاتحادية ككل، وفي اليسار المغربي منذ الستينيات من القرن الماضي. منذ أول انشقاق عرفته الحركة الوطنية في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي بين الزعيمين المرحوم علال الفاسي الذي نحتفي بذكراه ال46 هذه الأيام والمرحوم محمد بلحسن الوزاني، ثم الخلاف التاريخي بين علال الفاسي وبلافريج. ثم التطورات التي قادت إلى انفصال سنة 1959 عن الحزب الوطني الكبير وميلاد حزبنا. ومن هنا أؤكد، لمن هو في حاجة إلى تأكيد، أنني أعبر عن رأيي الشخصي وصوتي الخاص ولا أمثل إلا نفسي في ما كتبته وعبرت عنه، فإن أصبت فلي أجران كما يقال، وإن أخطأت فلي أجر واحد، أجر من تجرأ وعبر عن اقتناعه المفرد. وما الذي يضير الأخ الكاتب الأول لحزب اشتراكي ديمقراطي تقدمي يساري حداثي منفتح له تراث ديمقراطي حقوقي أن يعبر أحد أعضاء المكتب السياسي أو مجموعة من أعضاء المكتب السياسي عن اعتراضهم أو رفضهم أو تحفظهم أو تخوفهم؟. أين يكمن المشكل إن فكرت بحرية، وعبرت عن رأيي بحرية؟ هل من قبيل الخطأ أن يمارس عضو قيادي في حزب يساري أبسط حقوقه في العضوية والإنتماء كأن يقول لا ولقد قلتها وعشت حياتي أقولها وأكررها. ولو كنت من أولئك الذين يقفون في الصف ويخشون أن تتأخر عليهم “النوبة” لكنت أكرر كل عبارات التمجيد والولاء الشخصي، ولكنت كررت الحقائب والكراسي كما أتيح ذلك لعدد وافر من الذين لا يستحقون. وأحمد الله تعالى أنني بقيت مخلصا لنفسي صادقا مع أفكاري واختياراتي والذين يعرفونني، يعرفون أنني صادقت عددا من كبار القادة وكبار الأركان الفكرية والأدبية في المغرب والعالم العربي وفي العالم ليس بسبب طمع أو استعمال، وإنما لصدق في الفكرة، وفي العلاقة ونزاهة في الموقف. لكن، ما علاقتك تحديدا بإدريس لشكر. هل فيها بينكما ولاء أم صراع مصالح؟ تعرفت على الأخ إدريس لشكر لأول مرة سنة 1978. كان ذلك عرضا عندما زارني أخي المناضل نوبير الأموي في مسقط رأسي ابن أحمد. كنت في الفراش على أهبة النوم عندما دخل الأموي وضربني بقدمه فرفعت عيني وعرفته ونهضت على عجل. وقال لي هذا وقت النعاس؟، وخرج فتبعته إلى الشارع ووجدته واقفا بجوار سيارة “صولارا SOLARA” فسلمت على الشخص وراء المقود الذي سرعان ما تبينت ملامحه وقلت له أهلا سي إدريس. فسألني الأموي هل تعرفه؟ كيف؟. قلت له لقد رأيته في صورة المنصة بين أعضاء المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية مع خيرات ورفاقه. سألت الأموي هل هذه سيارتك أم سيارة إدريس؟. فقال لي لقد استعرناها من أخينا المعداني وكنا في مهمة في تادلة ونحن في الطريق إلى الرباط. ولم تنعقد منذئذ وإلى اليوم أي علاقة شخصية بيني وبين الأخ إدريس لشكر. ولي صورة عامة عنه كطالب في كلية الحقوق وفي بعض أوراش الشبيبة الاتحادية في غابة المعمورة. والثابت في ذهني أنه لم يكن أحد أطر حزبنا الفكرية والإيديولوجية، ولذلك كان يجد نفسه في العمل التنظيمي وفي استعمال يده خلال السجالات الطلابية وغير الطلابية. ثم ارتبطت تجربته ومصيره بالساحر محمد اليازغي الذي كانت له نزعته الثعلبية قبل أن ينقلب عليه كما ينقلب الجند على الجنرال. وعندما انصرف الجنرال إلى بيته، كانت ولاية الأخ عبد الراضي الكاتب الأول للحزب سريعة جدا لأن الراضي له وثنية عجيبة في احترام المؤسسة الحزبية والخوف من أن تلصق به في يوم من الأيام تهمة “شق الحزب”. وأظن أن هذا الجانب المحافظ في شخصية الأخ عبد الواحد الراضي أصبت به أنا أيضا، فقد كنت أفضل دائما أن أنصرف إلى بيتي وأعبر الصحراء بدلا من أن أجد نفسي في وضعية منشق. وأظن أن المغاربة بصفة عامة لهم هذا التحفظ في سلوكهم الاجتماعي عبر تاريخ المغرب. ويكفي أن نشير إلى سلوك الناس مع لحظات الانفصال في تاريخ الزوايا الدينية والصوفية المغربية، إذ كلما انفصل ابن أو قرب من شيخ الزاوية تظل زاويته الجديدة صغيرة ومحدودة الأثر. وفي الحقيقة يجري ذلك أيضا على الانشقاقات في الحياة السياسية المغربية. فكل الانشقاقات التي عرفتها الحركة الاتحادية، وعرفتها قبلها الحركة الوطنية المغربية، دائما ظل “الأصل العقاري” هو الأساس. وهذا ما ينبغي أن أقوله وأكرره اليوم وأذكر به نفسي والآخرين. وصرختي التي رفعتها، إنما لأقول لإخواني وأخواتي في الاتحاد الاشتراكي: “أنقذوا حزبكم قبل فوات الأوان”. فمن استطاع منهم فبلسانه أو بقلبه وهو أضعف الإيمان؟. توجهت في رسالتك الأخيرة إلى المالكي بصفته رئيس برلمان الحزب. كيف تنظر إليه وما العلاقة بينكما؟ لقد توجهت إلى الأخ الحبيب المالكي لأنه رئيس المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي (برلمان الحزب) مثلما توجهت إلى الأخ عبد الواحد الراضي بوصفه رئيسا للجنة التحكيم والأخلاقيات في الحزب. والأخ الحبيب تعرفت عليه سنة 1978 عندما جاء ليترأس مجلسا إقليميا للحزب في إقليمسطات بقميص أبيض صيفي وسروال “دجينز” وحذاء خفيف من قماش أزرق. وشدني منذئذ إلى لغته الفكرية، ومنهجيته في بناء عروضه، واجتهاداته النظرية حول الاقتصاد والمجتمع والدولة، وقرأت أعماله بحرص وتقدير في تلك الأيام التي كنت أقرأ فيها الكتابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفلسفية رغم أنني كنت تلميذا وطالبا ذا توجه أدبي. في تلك الظروف قرأت جانبا من أعمال عبد الله العروي وكامل مؤلفات محمد عابد الجابري وقرأت بعضا من كتب محمد لحبابي حول مستقبل الشبيبة المغربية ومعركة البترول العربية، وفتح الله ولعلو في كتبه عن الاقتصاد السياسي والسوق الأوروبية المشتركة، وعبد الرحمان القادري وما كان يكتبه وينشر له في القانون الدستوري. هكذا أصبحنا معا صديقين، الحبيب المالكي وعبد ربه. وللمالكي فضيلة الحرص على بناء العلائق الاجتماعية والإنسانية، وعلى الثقة التي يضعها في الشباب وفي الآخرين وإمكاناتهم الذاتية، وله حس مرهف ولمسة أنيقة في إدماج الآخرين في سيرورة الحياة الحزبية، الفكرية والسياسية والتنظيمية. ورغم قربي منه اليوم، ورغم أنني أشتغل في المؤسسة التي يرأسها، لم أخبره أبدا برأيي وبخطوتي هذه والموقف الذي عبرت عنه مثلما لم يسألني ولا تدخل في قراري وفي خطوتي. وطوال فترة الحجر الصحي اتصل بي مرتين، مرة قبل ما حدث ومرة بعدما حدث، دون أن نتبادل ولو كلمة واحدة عما حدث، بل تحدثنا معا في التزامات الشغل ومهامي كخبير استشاري في مجلس النواب. والله شهيد على ما أقول. وهناك جهات يمكنها أن تتأكد من تسجيلات الهاتف إن كان ذلك يهم أحدا أو جهة ما. في ظل الوضع الحالي الذي يعيشه الاتحاد الاشتراكي وكذا القلاقل التي أثارتها رسالتك الأخيرة. كيف تنظر إلى مستقبل الحزب؟ في تقديري الاتحاد الاشتراكي بالرغم مما يمكن أن يقال عنه قادر على تجاوز هذا العطب وتحريك آلته من جديد بل يمكنه أن يحرك السواكن في الأفق المنظور ويزرع الأمل في النفوس، ولكن ينبغي أن يبدأ بنفسه. لا بد من وقفة رفاقية صريحة، شفيفة وصادقة فيما بيننا، والبداية ينبغي أن تكون أولا بالحد من استفراد الأخ الكاتب الأول بسلطة القرار، وبسعي الاتحاد الاشتراكي من خلال وزيره في العدل والوسائل المتاحة له داخل الأغلبية في التخلي عن مشروع القانون الجديد، خصوصا والاتحاد الاشتراكي يتحمل أمانة الدفاع عن حقوق الإنسان في تاريخ المغرب المعاصر، بل ويعتبر الحركة السياسية في المغرب التي أعطت رقما كبيرا على مستوى الشهداء رحمهم الله وضحايا الاعتقال السياسي والمنفى الاضطراري إلى الخارج، إذ كان عدد شهداء الحزب الذين أعدموا في إطار القانون بعد محاكمات غير عادلة وخارج القانون أيضا في المنازل والشوارع والمعتقلات السرية عددا كبيرا. كما أن الاتحاديات والاتحاديين حوكموا بعدة قرون، وكانت ملفات الاتحاديين ضحايا حقوق الإنسان إبان سنوات الرصاص تشكل حوالي 71 في المائة من الملفات التي عرضت على أنظار هيئة الإنصاف والمصالحة. هذا تراث وطني والاتحاد الاشتراكي في حد ذاته تراث سياسي وطني لم يعد في ملك الاتحاديين وحدهم، وكذلك الشأن بالنسبة لحركات سياسية وطنية أخرى مثل حزب الاستقلال والحزب الشيوعي المغربي واليسار الجديد في أقوى أسمائه وعناوينه ورموزه. وإذن فإن من واجبنا كاتحاديين أن نرفض هذا القانون الجديد أو على الأقل أن يتم استبعاده إلى أن يتم تطهيره من مقتضيات “ما من شأنه”؟. الاتحاد الاشتراكي اليوم في حاجة حقيقية إلى ورش فكري سياسي وثقافي، وفي حاجة إلى مراجعة نزيهة وصادقة وجريئة لسلوكه السياسي والتنظيمي، وأساسا يمكننا في الاتحاد الاشتراكي – وهذه هي أخلاق اليسار والقوى الديمقراطية في العالم- أن نقوم بنقد ذاتي صريح على أخطائنا كأفراد وكجماعات. كما أننا أصبحنا في حاجة إلى مزيد من الرفع من نبرتنا النقدية، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن ينظر البعض إلى أن النقد يستهدف الاتحاد الاشتراكي أو يستهدف شخص كاتبه الأول، ذلك لأن الحزب ليس ضريحا لولي صالح ولا زاوية دينية. كما أن شخص الكاتب الأول ليس مقدسا. أذكر مرة وأنا صحافي في يومية “الاتحاد الاشتراكي”، وكان الأخ عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول للحزب مديرا لها آنذاك، وبينما كنت أقدم في اجتماع لهيئة التحرير برئاسته تصورا عن برنامج وجملة من المقترحات الخاصة بشهر رمضان. ومن ضمن العناوين التي اقترحتها كتاب “الحمى 42” للصديق الصحافي والكاتب التونسي الصافي السعيد (أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية التونسية حل خامسا في الترتيب)، فقاطعني الأخ عبد الله بوهلال رحمه الله رئيس التحرير قائلا: لن ننشر هذا الكتاب؟. فسأله اليوسفي: ولماذا لا ننشره؟. فرد الأخ بوهلال: لأن هذا التونسي هاجم حزبنا. فعقب اليوسفي: علاه هاد الحزب ماخاصش يهاجمو حتى شي واحد؟ والتفت إلي أمام الزميلات والزملاء في هيئة التحرير قائلا: نشرو هاد لكتاب. وفعلا نشرت هذا الكتاب في حلقات، وهو من أهم الكتب التي ينبغي أن يقرأها الصحافيون الشباب وعموم القراء لأنه كتاب “بورتريهات” جميل وغني وذكي من حيث العبارة والأسلوب وروح الكتابة. إن الاتحاد الاشتراكي اليوم في حاجة إلى تجديد خطابه، وإغناء مفاهيمه وإدخال التعديلات الضرورية على لغته، والعودة إلى الالتزام بجرأة المواقف والتعبير عن رأي قاعدته الاجتماعية والحزبية لا عن رأي الأشخاص أو الأمزجة الشخصية. لقد كان الخطاب الاتحادي منذ تأسيسه خطابا اشتراكيا ديمقراطيا عقلانيا حداثيا ووطني الروح. وكان المناضلون الاتحاديون، نساء ورجالا، شيبا وشبابا، يؤدون الكلفة عالية من راحتهم وصحتهم وإمكانياتهم وجيوبهم وجسومهم إلى حد الشهادة والاستشهاد من أجل زرع وترسيخ وتعميم ثقافتهم السياسية. وقد حكى لي الأخ الأموي والأخ عبد الواحد الراضي وإخوة آخرون كثر كيف كانوا يعذبون في المخافر المعلومة والسرية في “الكوربيس” و”الكاب 1 و 2″ و”درب مولاي الشريف” وغيرها عندما يصرحون بأنهم يناضلون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية ومن أجل الحريات، ثم تغير المغرب دولة ومجتمعا وتم ما أسميه شخصيا ب”تأميم الخطاب الاتحادي” فأصبح الجميع على مستوى الدولة وعلى مستوى مكونات المجتمع كلها يتحدث بلغة الاتحاديين ويتملك المفاهيم التي كان يعلق ويسلخ من أجلها الاتحاديون وكذا مناضلو ومناضلات اليسار المغربي. ومن هنا نقطة القوة في رصيد الاتحاد الاشتراكي، لأن ثقافته وأفكاره انتصرت وأصبحت ملكا للأمة كلها. ومن هنا أيضا نقطة ضعف الاتحاد الاشتراكي لأن خطابه بهذا المعني أصبح مأزوما، إذ أصبح الاتحاديون يتكلمون اللغة نفسها التي يتكلمها أعضاء آخرون في أحزاب أخرى لا تاريخ لها، ولا قيمة لها على مستوى التمثيلية الاجتماعية أو السياسية أو الرمزية في الساحة الوطنية، وليس لها لا عمق اجتماعي ولا امتداد ولا رفاق في الخارج كما هو الشأن بالنسبة لحزبنا ولحركتنا الاتحادية. هذا معناه أن علينا كاتحاديين أن نجدد الخطاب كما قلت، وأن نتفاعل مع الاجتهادات الفكرية الفلسفية للحركة الاشتراكية الديمقراطية في العالم ذلك أن نضالنا الديمقراطي ليس نضالا محليا (وطنيا فحسب) بل إنه مرتبط فكريا وإيديولوجيا وجدليا بالنضالات التي تخوضها القوى الاشتراكية الديمقراطية في العالم. كما أن الحاجة اليوم لتجديد الفكر الاشتراكي ليست موقوفة فقط على الاتحاد الاشتراكي بل يتعلق الأمر بتجديد وتطوير وتوسيع فكرة الاشتراكية على المستوى الكوني وذلك على نحو ما يمكننا أن نجده في الكتابات الفلسفية والفكرية للمفكر السوسيولوجي الألماني “أكسيل أونيث” وأيضا اجتهادات الفيلسوفة الاشتراكية “شنتال موف”. ويمكننا أن نستفيد من الاجتهادات الجديدة لبعض المثقفين الاشتراكيين في الحزب العمالي البريطاني بعد الهزيمة الأخيرة لحزبهم. كما يمكننا أن نستحضر في هذا السياق الاجتهادات الجديدة للمفكر الأمريكي (من أصل ياباني) “فرانسيس فوكوياما”، وذلك بعد تراجعه الدال عن أفكاره التي رافقت أطروحته “نهاية التاريخ” ودعوته المتواصلة منذ أن أعلن نقده الذاتي الشهير لم يتوقف عن الدعوة إلى الفكرة الاشتراكية في العالم، لأنه أدرك مخاطر الفكر الجشع للرأسمالية والتهديد الذي يمثله زحف الفكر النيوليبرالي الذي أرسى قواعد نظام العولمة بدون عمق إنساني أو أبعاد اجتماعية وثقافية إنسانية. ومن هنا أود أن أتوجه إلى أخينا إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، وأخواتي وإخواني في المكتب السياسي والمجلس الوطني ولجنة التحكيم والأخلاقيات وإلى كافة المناضلات والمناضلين في الشبيبة الاتحادية وفي منظمة النساء الاتحاديات وفي الجهات والأقاليم والفروع الحزبية بأن علينا في هذه اللحظة التي يعيش فيها المغرب لحظة تحول عميقة جوهرية أن نستعيد حزبنا، وأن نتملكه من جديد فكريا وأخلاقيا وليس بالعاطفة أو الولاء الشخصي أو العلائق الزبونية. إن علينا أيضا أن نعود إلى روح المصالحة التي طرحناها وشرعنا فيها، وتم إجهاضها للأسف، لأنها الوصفة الوحيدة الممكنة التي ينبغي أن نستثمرها لإعادة روح الثقة إلى المناضلين الغاضبين والمقصيين والمبعدين عن حزبهم وعن بيتهم الاتحادي في كل المدن والقرى والمواقع والقطاعات ليحضر الجميع في لحظة تاريخية تجدد الحزب وتجدد الأنفاس. ولا مصالحة حقيقية موضوعية جدية إن لم نضع لها وثيقة نظرية وفكرية وأخلاقية وأجندة بمواعيد ومهام محددة وبإشراف لجنة التحكيم والأخلاقيات وصولا، قبل فوات الأوان، إلى تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر وطني استثنائي كما أقول وألح أو مؤتمر حادي عشر (11) كما يريد إخوة آخرون في المكتب السياسي وأن تتشكل هذه اللجنة التحضيرية من كافة الفعاليات الاتحادية الحاضرة اليوم في قيادة الاتحاد على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي ودعوة إخوة آخرين لا بد منهم من أمثال فتح الله ولعلو، محمد اليازغي، محمد الأشعري، عبد الهادي خيرات، أحمد لحليمي، العربي عجول، علي بوعبيد، جمال أغماني، حسن طارق، عبد الجليل طليمات، حسناء أبوزيد، خالد السفياني، محمد الساسي، محمد حفيظ، سفيان خيرات، نجيب أقصبي، عبد الرحمان العمراني، طارق القباج، مسعود أبوزيد وغيرهم ممن أعتذر عن عدم استحضارهم في سياق هذا الحوار الشفوي وهم بالعشرات بل بالمئات في مختلف الحقول والتخصصات والمواقع الوطنية. تروج أنباء أن الكاتب الأول مقبل على لم المكتب السياسي بدونك وتجميد عضويتك؟ هذا أحد أسوأ الاحتمالات التي يمكن أن يتوقعها المرء، سواء تعلق الأمر بعقد اجتماع للمكتب السياسي بدون حضوري أو بتجميد عضويتي في قيادة الحزب ، ذلك لأن خيارا كهذا لن يضر بشخصي المتواضع بقدر ما سيضر بالحزب وصورته وسمعته في وقت لم يعد فيه قادرا على تحمل المزيد من الجروح والندوب والتصدعات. فما عبرت عنه حتى الآن يقتسمه معي أخوات وإخوة في المكتب السياسي وفي المجلس الوطني وفي الجهات والأقاليم، ولا أشير بهذا المعني إلى أنني أتحدث باسم تيار أو جماعة منظمة داخل الحزب، وإنما أشير فقط إلى أن ما قمت به واقترحته بات اقتناعا جماعيا. أما أنا فيما قلته وفعلته فلا أعبر إلا عن نفسي، ولا أمثل إلا نفسي، وخياراتي الشخصية بسيطة وواضحة. وكما هاجمي الكاتب الخاص للكاتب الأول بأنني “أخفقت” في مسار حياتي، ولعل الإخفاق هو أنبل الصفات التي يمكنها أن تميز إنسانية الإنسان في حدوده ونقصه الخاص، وهي صفة من أجمل الصفات التي يمكن أن يتميز بها شاعر أو كاتب. ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح هنا هو أن الذي يهاجمني بصفة الإخفاق أو الفشل عليه أولا أن يثبت لي وللناس كافة أين نجاحه هو؟. ينبغي أن تكون ناجحا بالملموس في حياتك قبل أن تشتم غيرك بالفشل. ولكي أختم وجهة نظري في هذا الموضوع، أستحضر ما قاله مرة أخونا أنور المرتجي في لحظة سجال مع بعض الأصدقاء الذين وصفوا جيله بالجيل الفاشل فأجابه الأستاذ أنور المرتجي قائلا: نحن على الأقل كجيل حاولنا ففشلنا وليس مثل جيلكم لم تحاولوا، ولم تنجحوا، ولم تفشلوا حتى؟. وفي الحقيقة، باستثناء النجاح الفكري والأخلاقي والرمزي للاتحاد الاشتراكي، فإن علينا جميعا أن نلوك بلساننا سبع مرات وأكثر بأننا جميعا فشلنا في رهاناتنا التاريخية، ومن ثم علينا أن نقدم النقد الذاتي الشجاع الضروري ونولد من جديد ونستأنف مهامنا التاريخية التي نذرنا لها لكي نرقى -إن استطعنا إلى ذلك سبيلا- إلى مستوى توقعات شعبنا وانتظارات الشهداء، وهم أشرفنا جميعا.