الشباب المغربي كان دوما مبدعا مبتكرا للأفكار، ومنتجا للمبادرات الخلاقة في شتى الميادين، وإن كانت بنسب متفاوتة من حين لآخر ومن مجال إلى مجال مغاير، وذلك حسب الفرص والمساحات التي تتاح لهذه الفئة من طرف الدولة ومؤسساتها لتفجير طاقاتها المتنوعة و إبراز مؤهلاتها وقدراتها المتفوقة في كل المجالات، والتي تصب حتما في محور التنمية والتأسيس لمجتمع يقدر كفاءاته ويومن بأن بناء المجتمعات والحضارات لا يتم إلا بسواعد وأفكار شبابها،هذه الفئة العريضة من المجتمع على أهبة الإستعداد لتلبية نداءات الوطن في الرخاء قبل الشدة، وقبل الوباء وإبانه وبعده، فهي الطاقة الوحيدة التي لا تحتاج إلى حلول الأزمات لتجدد نفسها أو تعيد النظر في انتمائها و حبها للوطن ، فكل مبتغاها أن تحظى بمكانتها اللائقة بها في مخططات الدولة وبرامجها كما تدعو خطب ملك البلاد في كل مرة إلى ذلك.. فبقدر ما نفتخر بما أبان عنه الشباب خلال هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها بلادنا كسائر بقاع العالم من وطنية عالية وما عبر عنه من خبرة وكفاءة منقطعة النظير سواء في الانكباب على اختراع ألات التنفس الاصطناعي وانتاج الكمامات الواقية الذكية، أو فيما يتعلق بانخراطه الفعال إلى جانب السلطة العمومية في تحسيس وتوعية المواطنات والمواطنين بخطورة هذا الوباء وبسط الإجراءات الوقائية لمجابهة الفيروس …بقدر ما نحس بالحسرة والألم كذلك الذي يحسه من يستفيق من عملية جراحية وقد بترت أحد أعضاءه فيتحسس مكان العضو المبتور بكل أسى وأسف!، كلما أطل علينا هذه الأيام، شباب مغاربة من مختلف دول المعمور عبر قنواتنا الرسمية و عن طريق منصات التواصل الإجتماعي كأدمغة متخصصة في الطب والصيدلة وعلم الأوبئة والهندسة وغيرها من التخصصات، لم تجد لها ذات يوم ولأفكارها وابداعاتها فضاء خصبا للاستثمار ومواصلة العيش داخل المغرب، ففضلت أسلوب الهجرة مرغمة نحو الخارج بحثا عن بيئة مناسبة للبحث العلمي والابتكار،وطلبا للمعرفة و التحصيل، ومع ذلك ظل وفاؤها للوطن متوهجا وحنينها لمسقط القلب قبل الرأس براقا، وهذا ما تؤكده المجهودات الجبارة التي سعت إليها وتسعى هذه الكفاءات من خلال وضع تجارب الدول التي يشتغلون بها رهن إشارة المغاربة عبر كل وسائل التواصل الممكنة بما فيها قنواتنا الوطنية الرسمية ناهيك عن النصائح الطبية والصحية الموجهة إلى الشعب المغربي في هذا السياق….، كل تجليات التضامن والتآزر وكل مظاهر الوطنية العفوية التي صدرت دائما وتصدر عن هؤلاء داخل وخارج أرض الوطن، تسائلنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، فالازمة التي حلت بالعالم في غفلة من المختبرات والخبراء،غيرت معالم الحياة فوق وجه الأرض وقطت الخيط الناظم بين العلاقات الدولية ولم يعد لأي دولة ملاذا منها إلا إليها..حيث كل المحللين والمنظرين والسياسيين والمتنبئين لمغرب ما بعد كورونا،يرسمون ملامح دولة استفاذت ما يكفي من الدروس والعبر الكورونية البالغة، دولة ستحاول قدر المستطاع ان تعتمد على نفسها وعلى ابنائها. لصياغة نموذج تنموي،مغربي-مغربي جريء يجيب فعلا عن كل النواقص والاختلالات التي كانت حتى الأمس القريب تعالج بسياسة الهروب نحو الأمام، إلى أن قدم من دولة الصين فيروس مجهري فعراها وفضح المسكوت والمستور عنه على مستوى جل القطاعات الحيوية ببلادنا،فكنا سندفع الثمن مضاعفا لولا الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ومنظوره الحكيم في التدابير الاستباقية والاجراءات الاحترازية التي أشرف جلالته على تطبيقها منذ الوهلة الأولى وبدون تردد ولا حسابات اقتصادية، تلك التي استندت إليها دول متقدمة ومتطورة فكانت النتيجة كارثية، والعالم يعترف لجلالته بجميل اختياره للشعب أولا قبل الإقتصاد، إذن هذا الوباء وما ترتب عنه من حجر صحي داخل البيوت كان فرصة للقائمين على الشؤون الوطنية من مسؤولين وسياسيين وخبراء ومثقفين ومنظرين…لمراجعة كل البرامج والاستراتيجيات والتصورات التقليدية والنماذج التنموية المتعاقبة منذ الاستقلال إلى الآن، وبالفعل كل يدلي بدلوه في تشخيص الحاضر واستشراف المستقبل بصياغة بدائل مستدامة في كل القطاعات وعلى سبيل الذكر لا الحصر منظومة الصحة والتربية والتكوين والتشغيل….لكن قليل من هم يخططون لمستقبل المغرب ، و هم يستحضرون دور الشباب ويجعلونه في صلب هذه المخططات وكأن هذا العنصر الذي يشكل حوالي 40 في المئة من الهرم السكاني المغربي يعيش في نفق تحت الأرض وهم يعيشون فوقها !. عصارة القول، كل محاولة لصياغة أي نموذج تنموي أو أية استراتيجية مندمجة بعد كورنا، وجميع الصور التي يتم رسمها كل من منظوره لمستقبل الوطن حتما ستكون مضحكة ما لم يحظى الشباب باللون الودي فيها، وكل إرادة تنشد التغيير ستظل عرجاء ما لم تستوعب دور الشباب و تضعه شريكا أساسيا في صناعة القرار .