اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    ولاية امن مراكش…توقيف ستة اشخاص من بينهم ثلاتة نساء وقاصر للاشتباه في تورطهم في قضية الضرب والجرح    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    تهديد أوكرانيا بتصنيع القنبلة الذرية زوبعة في فنجان لكسب مزيد من الدعم المالي للغرب    البيت الأبيض: جو بايدن سيحضر حفل تنصيب دونالد ترامب        اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"        لحظات عائلية دافئة للملك محمد السادس والأميرين مولاي الحسن ولالة خديجة بباريس    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    طقس الثلاثاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    وزير الفلاحة: المحطة الرياضية العالمية 2030 محك حقيقي للمنظومة الغذائية والاستهلاكية للمغرب    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    عبد اللطيف حموشي يبحث مع المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية التعاون الأمني المشترك    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    مرشد إيران يطالب ب"إعدام" نتنياهو        المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الرباط: تقديم كتاب 'إسماع صوت إفريقيا..أعظم مقتطفات خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس'    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    بمناسبة الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء.. ائتلاف يدعو إلى المنع التام لتزويج الطفلات    تحقيقات هولندية تكشف تورط مغربي في اغتيالات وتهريب الكوكايين    العالم يحتفل باليوم العالمي لشجرة الزيتون    ترقب لقرار إسرائيلي حول وقف إطلاق النار مع حزب الله ووزير الأمن القومي يعتبره "خطأ كبيرا"    اندلاع حريق ضخم في موقع تجارب إطلاق صواريخ فضائية باليابان    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    تطوان: اعتداء غادر بالسلاح الأبيض على مدير مستشفى سانية الرمل    وزير الأوقاف: أكدت لوزير الداخلية الفرنسي أن المغاربة علمانيون فصدم    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    صقر الصحراء.. طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية    لا شراكات على حساب الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة المغربية    المحامي والمحلل السياسي الجزائري سعد جبار: الصحراء الشرقية تاريخياً مغربية والنظام الجزائري لم يشرح هوسه بالمغرب    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    تحرير محيط مدرسة للا سلمى من الاستغلال العشوائي بحي المطار    الجزائر و"الريف المغربي" .. عمل استفزازي إضافي أم تكتيك دفاعي؟    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    الكاف يُعاقب مولودية الجزائر بحرمانه من جماهيره وغرامة مالية ثقيلة    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد الهوياتي في التنمية
نشر في لكم يوم 20 - 02 - 2020

منذ أن دعا الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية ليوم 13 أكتوبر 2017، إلى إعداد نموذج تنموي جديد، والنقاش النظري متواصل حول طبيعة هذا النموذج، ومرتكزاته وأولوياته وأهدفه. أما بعد تعيين اللجنة المكلّفة بإعداد وصياغة هذا النموذج التنموي الجديد، يوم 12 12 2019، فقد انتقل النقاش مما هو نظري إلى ما هو عملي يتعلق بالتنزيل الإجرائي لهذا النموذج التنموي.
من المعروف أن النموذج التنموي ليس مجرد عملية "تقنية"، يكفي إنجازها طبقا للمعايير المعروفة والمطلوبة في مثل هذه العمليات، ليتحقّق ها النموذج بشكل ناجح، كما في عملية بناء قنطرة، أو تشييد عمارة، أو إنشاء سدّ، أو إصلاح محرّك سيارة… ولهذا إذا كانت الموارد الاقتصادية والمالية والتقنية، ومجموع التجهيزات المادية، المندرجة ضمن ما يُعرف بالبنية التحتية، والضرورية في كل مشروع تنموي، حاضرةً بشكل مادي قابل للملاحظة، وحتى للقياس، فإن هناك "موارد" أخرى قد لا تكون "مادية" ولا "مرئية"، لكن دورَها قد يكون حاسما في إنجاح أو إفشال المشروع التنموي المعني. يتعلّق الأمر بالبنية الفوقية، بالمفهوم الماركسي، والتي تخصّ الاختيارات الإيديولوجية للدولة، والتي يكون لها تأثير على سياستها العامة، وعلى تصوّرها لأولويات التنمية ولوسائلها وأهدافها. وخير مثال على ذلك أن التخطيط لنموذج تنموي في إطار نظام اشتراكي أو دولة تيوقراطية إسلامية، ليس هو نفس التخطيط لنفس النموذج التنموي في إطار نظام رأسمالي أو دولة علمانية، وذلك حتى عندما يوظّف التخطيطان نفس الموارد الاقتصادية والمالية، ويستعملان نفس التجهيزات المادية والتقنية.
ويندرج ضمن الاختيارات الإيديولوجية للدولة لغتُها وهويتُها، وما يرتبط بهما من ثقافة، بمعناها الأنثروبولوجي العام، وأبطال تاريخيين، واقعيين أو أسطوريين، وتمجيد لأحداث تنتمي إلى الماضي، حقيقية كانت أو مُختلقة… ما علاقة هذا الجانب الإيديولوجي بالتنمية وكيف يؤثّر عليها؟
الإنسان كمورد أول للتنمية:
إذا عرفنا أن التنمية الحقيقية هي تلك التي تهدف إلى تنمية الإنسان وتأهيله ليكون صانع التنمية، وموردها الأول قبل الموارد الطبيعية ولاقتصادية؛ وأن "صنع" هذا الإنسان وتأهيله يتوقّفان على تصوّر معيّن لنوع الإنسان الذي نريد "صنعه" وتأهيله؛ وأن هذا التصوّر هو نتيجة قناعات إيديولوجية معيّنة عن الإنسان الذي نريد، كأن نريد إنسانا معاديا لليهود، وهو ما يقتضي غرس العداء للسامية في الأذهان كما كانت تفعل الإيديولوجية النازية؛ أو معاديا للشيوعية، وهو ما يستدعي نشر وترسيخ فكرة أن الشيوعية خطر يهدّد الإنسانية كما كانت تفعل الولايات المتحدة أثناء فترة الحرب الباردة؛ أو مسلما وهّابيا متطرّفا، وهو ما يتطلّب تعليما دينيا يركّز على أفكار ابن تيمية؛ أو محاربا شرسا، وهو ما يحتاج إلى تعليم شبه عسكري وتكوين في فنون القتال والحرب؛ أو معاديا للأمازيغية، وهو ما يستلزم إعطاء الأولوية في التكوين لأكذوبة "الظهير البربري"؛ أو عالِما مبتكِرا، وهو ما يتطلّب تعليما ينمّي استعمال العقل والملاحظة التجريبية مع إنشاء مزيد من المختبرات ومعاهد التكوين العلمي؛ أو إنسانا يؤمن بالغيبيات والخرافات والشعوذة، وهو ما يحتاج إلى نشر وترسيخ "فضائل" الرقية الشرعية، والفوائد "الطبية" لبول البعير؛ أو إنسانا ذا ميولات عنصرية يعتبر عرقه المفترض هو الأفضل والأسمى، وهو ما يتحقّق عبر تكوين ينشر الوعي الخرافي الكاذب أن هذا الإنسان ينحدر من "نسب شريف"… إذا عرفنا ذلك سنعرف أن الإيديولوجية التي تتبنّاها الدولة، وتعمل على نشرها عبر المدرسة والإعلام والمساجد ولإدارة…، ذات تأثير مباشر على التنمية، باعتبار أن هذه الإيديولوجية هي التي تحدّد غايات وأولويات هذه التنمية، وهو ما يحدّد بدوره نوع التأهيل المناسب للإنسان المناسب لهذه الغايات والأولويات.
لماذا فشل النموذج التنموي السابق؟
الدعوة إلى إعداد نموذج تنموي جديد هي اعتراف صريح بفشل النموذج التنموي السابق. لماذا فشل إذن هذا النموذج التنموي؟ بجانب الفساد كعامل يفسّر فشل كل المشاريع التنموية بالمغرب (انظر موضوع "لماذا سيفشل النموذج التنموي الجديد؟" ضمن كتاب "قضايا مغربية"، بموقع "تاويزا")، هناك العامل الإيديولوجي، الذي تحدّثنا عنه في الفقرة السابقة، والذي له دوره الرئيسي في فشل هذه المشاريع التنموية. ويتعلّق الأمر، كما شرحنا، بنوع المواطن الذي تريد الدولة إعداده وتأهيله ليكون قاطرة للتنمية. وبما أن الدولة المغربية تقوم على إيديولوجية العروبة والإسلام، فإن كل مشاريعها التنموية كانت تُحضّر وتُنفّذ بالشكل الذي يؤدّي إلى تنمية العروبة والإسلام لدى المواطن المغربي.
وإذا لم يعد الدستور الأخير، دستور 2011، ينصّ على الانتماء العربي للمغرب، كما فعل دستورا 1992 و1996 اللذان جاء فيهما أن المغرب «جزء من المغرب العربي الكبير»، فلا يعني أن الدولة تخلّت عن انتحالها الانتماء العربي، لأن العبرة ليست بالنصوص الدستورية والقانونية، وإنما بالسياسة العامة للدولة، بما يندرج ضمنها من برامج تعليمية ومن اختيارات لغوية ومن عمل ديبلوماسي، ومن مواقف وتصريحات للمسؤولين الممثّلين لهذه الدولة، والتي هي سياسة تمارَس بناء على أن الدولة المغربية عربية في هويتها وانتمائها. أما الإسلام فتجاوز في المغرب وظيفته الدينية ليتحوّل إلى وظيفة هوياتية مثل العروبة، كما أوضح ذلك دستور 2011، الذي ينص في التصدير على «أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها». ولأنه دين الدولة (الفصل الثالث من الدستور)، فهو إسلام سياسي بامتياز لارتباطه بمؤسسة سياسية بامتياز وهي الدولة.
النتيجة أن إيديولوجية الدولة، أي العروبة والإسلام السياسي، والتي في ضوئها تحدّد غايات وأولويات سياستها التنموية، هي التي تفسّر أن المشاريع التنموية، مهما اختلفت في صيغها ومضامينها، فإن هدفها يبقى هو تكوين مواطن عربي ومسلم، مرتبط قلبا وعقلا بالعروبة والإسلام السياسي التابع لها (ألا يُعطف دائما الإسلام على العروبة في العبارة الشائعة: العروبة والإسلام؟)، وتأهيله للدفاع عن هذه العروبة وهذ الإسلام، وليس تكوين مواطن بكفاءات علمية، ومعارف مفيدة، ومهارات نافعة، قادر على الابتكار والإبداع، مؤهّل لمواجهة مشاكل الحياة وإيجاد حلول لها بالعقل والمنطق والعلم، وليس بالتفكير الخرافي ولا الغيبي والديني.
تنمية العروبة والإسلام السياسي بدل تنمية الإنسان:
فشل النماذج التنموية السابقة يرجع إذن إلى فشل في تكوين العنصر البشري المناسب والضروري للتنمية. لقد نجحت تلك النماذج في تحقيق أهدافها التي هي تنمية العروبة والإسلام السياسي، كما تشهد على ذلك هيمنة العروبة العرقية والقومية بالمغرب، وانتصار الإسلام السياسي بشكل غير مسبوق، كما يتجلّى ذلك في انتشار التطرف الديني وظهور الخلايا الإرهابية، ووصول دعاة الإسلام السياسي إلى رئاسة الحكومة وتسيير الشؤون العامة للدولة. هذا النجاح الكبير لتنمية العروبة والإسلام السياسي، يقابله إخفاق مريع للتنمية الحقيقية، التي تحتاج إلى العلم والمعرفة، والعقل والمنطق، وليس العرق والغيب. ولهذا نلاحظ أنه بقدر ما تتقدّم العروبة والإسلام السياسي بالمغرب، بقدر ما تتراجع التنمية، ويتدحرج المغرب إلى المراتب الخلفية في التصنيف الدولي لمستويات التقدّم والتنمية، كما يكشف عن ذلك أنه كان في 1980 أغنى خمس مرات من الصين (انظر موضوع: "لا جدوى من وقف التعريب اللغوي بدون وقف التعريب الهوياتي" على الرابط: http://tawiza.byethost10.com/1tawiza-articles/arabe/arabi.htm). ولهذا فليس بغريب إذا بدأ يتذيّل، في مجال التنمية، دولا إفريقية سبق أن كان متقدّما عنها، مثل السنيغال، كينيا، رواندا، إثيوبيا…
لماذا تخلّف المغرب مقارنة مع دول تجاوزته رغم أنه كان متقدّما عنها في الماضي القريب؟ لأن الإيديولوجية التي تبنّتها أو تبنّتها لها حاميتها فرنسا الدولة منذ 1912، جعلتها تحصر التنمية في تنمية العروبة والإسلام السياسي، كما كتبت. وهو ما حقّقت فيه نجاحا تجاوز ما كان منتظرا من نتائج. وهكذا تكون التنمية الوحيدة التي حققت نجاحا باهرا في المغرب هي تنمية التحوّل الجنسي للمغاربة من جنسهم الأمازيغي الإفريقي إلى جنس عربي أسيوي، أي تنمية التعريب، مع ما يصاحبه ويؤدّي إليه من تنمية للإسلام السياسي الذي ليس إلا الوجه الآخر للتعريب، أي التحوّل الجنسي. فشلت إذن التنمية الحقيقية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (دمقرطة الحكم…)، لأن الأولوية أُعطيت لتنمية العروبة والإسلام السياسي.
شروط نجاح النموذج التنموي الجديد:
الآن، وقد عرفنا الأسباب الإيديولوجية لفشل النماذج التنموية السابقة، نستطيع، في ضوء ذلك، إعداد نموذج تنموي نتجنّب فيه الفشل بتجنّب تلك الأسباب التي كانت وراء هذا الفشل. وهو ما يعني أن من شروط نجاح النموذج التنموي الجديد القطعَ مع تنمية الإسلام السياسي والعروبة العرقية والإيديولوجية، اللذيْن كانا يؤطّران المشاريع التنموية السابقة، الشيء الذي كان وراء فشلها. وينتج عن ذلك أنه بدل السعي إلى "صنع" إنسان عروبي ومسلم إخواني، يكون أداة لتنمية العروبة العرقية والإيديولوجية وإسلامها السياسي، ينصبّ العمل التنموي على "صنع" إنسان مغربي حقيقي ليكون أداة لتنمية مغربية حقيقية. وهذا ما دعا إليه الملك في خطاب 20 غشت 2019 عندما أكّد على ضرورة إعداد «نموذج مغربي مغربي خالص». وما معنى أن يكون النموذج التنموي مغربيا مغربيا خالصا؟ معناه، بناء على أن الإنسان هو المورد الأول للتنمية كما سبق أن أوضحنا، إعداد وتكوين إنسان مغربي مغربي خالص. وما معنى إعداد وتكوين إنسان مغربي مغربي خالص؟ معناه أن يكون ما هو عليه، مطابقا لهويته التي يستمدها من موطنه بشمال إفريقيا كهوية أمازيغية جماعية، جعلت منه إنسانا أمازيغيا إفريقيا، وليس عربيا كما أوهموه بذلك وأشاعوه منذ 1912. وأكرّر موضّحا أنني عندما أقول: "وليس عربيا"، فلا يعني ذلك عداء للعروبة أو خصومة معها. فالعروبة، بموطنها وعند شعوبها العربية بدول الخليج، نقدّرها ونحترمها وليس لدينا معها أي مشكل. وإنما الخصومة هي مع العروبة المنتحَلة والزائفة بالمغرب، لأنها تزوير وبهتان وتحوّل جنسي، أي قومي وهوياتي، مخالف للحقيقة، وللأخلاق، وللدين وللطبيعة. والعرب الحقيقيون أنفسهم لا يعترفون بعروبة دول شمال إفريقيا، ويرفضون انتسابها إليهم.
فإعداد وتكوين إنسان مغربي مغربي خالص، شرط لتحقيق تنمية مغربية مغربية خالصة، لأن همّ هذا الإنسان سيكون هو تنمية بلده ووطنه، وخدمة هويته الأمازيغية الجماعية، وليس تنمية التحوّل الجنسي، وخدمة القضايا العربية والهوية العربية، التي لها أهلها الذين يخدمونها ويدافعون عنها.
لجنة النموذج التنموي:
عندما نتأمل تشكيلة لجنة النموذج التنموي، برئيسها وأعضائها الخمسة والثلاثين، والتي عيّنها الملك يوم 12 ديسمبر 2019، نلاحظ أنها لا تضم أي أمازيغي ضمنها. ولا أقصد أنها لا تضم ناطقين بالأمازيغية أو المنتمين إلى عائلات أمازيغية، وإنما أقصد أنها خالية من أعضاء واعين ومؤمنين بالهوية الأمازيغية الجماعية للمغرب. وهو أمر يبعث على التشاؤم بخصوص طبيعة النموذج التنموي الذي ستقترحه اللجنة، وينبئ أنها ربما لن تأتي بجديد في ما يتعلق بتصوّرها لمواطن الغد، الذي سيؤهّل ليكون منتجا وصانعا للتنمية. فغياب العنصر الأمازيغي، بالمعنى الذي شرحته، داخل هذه اللجنة، مؤشر على أنها ستُعدّ نموذجها التنموي دون تغيير لتصوّرها لإنسان المستقبل، الذي قد يبقى هو نفسه إنسان الأمس، أي ذلك المتحوّل جنسيا، بالمعنى القومي والهوياتي، الحامل لوعي زائف وكاذب بانتمائه الحقيقي. وهو نفس الإنسان الذي أدى إلى فشل النماذج التنموية السابقة، لأنه أُهّل ليس ليكون قادرا على تنمية اقتصاد البلاد وإنتاج الثروة بما كان ينبغي أن يتوفّر عليه من معرفة وكفاءة ومهارات، وإنما أُهّل ليكون عروبيا ومسلما إخوانيا ووهّابيا، مستعدا لتفجير نفسه، ليس من أجل الدفاع عن قضايا وطنه، بل من أجل العروبة وإسلامها السياسي.
وإذا كان جل أعضاء اللجنة ينتمون إلى التيار الفرانكفوني، فلا يعني ذلك أن اللجنة ليست ذات توجّه عروبي في إيديولوجيتها وقناعات أعضائها. بل إن الحضور الطاغي للتوجّه الفرانكفوني ضمن اللجنة دليل على توجّهها العروبي المناوئ للأمازيغية. لماذا؟ لأن الفرنكوفونية، كما يثبت ذلك تاريخ المغرب المعاصر، هي حليف استراتيجي للعروبة في المغرب، منذ أن تدخّلت فرنسا عسكريا لحماية هذه العروبة في 1912، كما هو معلوم. ومنذ ذلك التاريخ وفرنسا، مع ما يرتبط بها من إيديولوجية فرانكفونية، هي العدوّ التاريخي الأول للأمازيغية والأمازيغيين. ولهذا فإن التعريب تحقّق أولا بالفرنسية قبل العربية، وأن الفرنكوفونية هي الوجه الآخر للتعريب في المغرب (انظر موضوع: "التعريب نجح أولا بالفرنسية قبل العربية" ضمن كتاب: "في العربية والدارجة والتحوّل الجنسي الهوياتي"، بموقع "تاويزا"). وقد أجاد الأستاذ الدكتور حسن أوريد في تبيان دور الفرنكوفونيين المغاربة في خدمة الفساد والاستبداد رغم تكوينهم العصري ومستواهم الثقافي العالي (انظر موضوع: «آفة الفرنكوفونيين في كتاب: "من أجل ثورة ثقافية بالمغرب"» ضمن كتاب: "قضايا مغربية"، بموقع "تاويزا").
الخلاصة أن طبيعة تشكيلة اللجنة لا تبشّر أن النموذج الذي ستقترحه سيكون "مغربيا مغربيا خالصا"، كما جاء في خطاب الملك. بل تشي بأن هذا النموذج لن يختلف كثيرا عن سابقيه ما لم يتضمّن في مرتكزاته تحرير المغرب من التبعية للعروبة، هوياتيا وإسلاميا، وذلك بالدعوة إلى بناء مغرب جديد على أساس هويته الأمازيغية الجماعية، وإسلامه المغربي، كما كان يمارسه المغاربة قبل وباء الإخوانية والوهابية، القادم من المشرق.
ولا يمكن اعتبار الهوية والإسلام موضوعا إيديولوجيا لا علاقة لهما بموضوع النموذج التنموي، إلا إذا كنا ننظر إلى التنمية على أنها مجرد إجراءات تقنية تخص ما يتحقق من منجزات خلال مدة قصيرة لا تتعدّى خمس سنوات مثلا. وهنا يكون الموضوع ليس هو التنمية بل فقط "النمو" .Croissance وشتان بين الاثنين. فالتنمية، كما سبق توضيح ذلك، لا تتعلق بالإنجازات المادية والتقنية، الخاصة بمدة معينة. وإنما تتعلق بإعداد الإنسان وتأهيله ليصبح قادرا، هو نفسه، على صنع التنمية. ومن هنا نرى أن طبيعة الهوية ونوع الإسلام (نوع المذاهب والتيارات…) اللذيْن يؤمن بهما الفرد، لهما تأثير على نوع التنمية التي ينتجها. فعندما تكون هويته عربية وإسلامه إخوانيا ووهابيا، فإن التنمية تعني لديه تنمية هذه العروبة وهذا الإسلام. وهذا النوع من التنمية هو الذي أفشل التنمية الحقيقية بالمغرب، وكان وراء الدعوة إلى إعداد نموذج تنموي جديد، كما سبقت الإشارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.