إذا كان من المفروض، في إطار لعبة سياسية ديمقراطية، أن تتصارع الأحزاب على استمالة الرأي العام و كتلة الناخبين، فإن الأحزاب السياسية في بلادنا لا تتنافس فيما بينها إلاّ على إظهار ولائها للمؤسسة الملكية، من خلال تبادل الاتهامات حول التقصير في هذا الولاء. وهكذا يحاول قيادي من حزب "معارض" الوقيعة بين حزب في الحكومة و المؤسسة الملكية من خلال تأويل مغرض لتصريحات زعيمه، و يردّ عليه الحزب "المُتَّهم" بنعت هذا القيادي بأنه جمهوري و عليه أن يثبت بأنه ملكي ... فبدل أن تكون البرامج الانتخابية و التوجهات الفكرية و الاختيارات السياسية ... هي موضوع الصراع بين الأحزاب، أصبحت هذه الأخيرة تُقحم المؤسسة الملكية في سجالاتها و مهاتراتها، و هو الأمر الذي يسيء إلى هذه المؤسسة، و يبعد الأحزاب عن دورها المتمثّل في تأطير المواطنين و صياغة برامج كفيلة بالإجابة عن حاجيات المواطنين و حلّ المعضلات التي تواجههم. إلاّ أنّ هذه الظاهرة تبدو مفهومة في السياق المغربي، الذي عرف و يعرف فبركة الأحزاب الإدارية التي تأتي إلى الساحة لخدمة أهداف جهات معينة في السلطة، و بالتالي ليس مستغربا من هكذا أحزاب أن تلجأ إلى أساليب التزلّف و التملّق، لأنّه رأسمالها الوحيد للاستمرار على الساحة. إنّ بعض الأحزاب بسلوكها هذا، تؤكّد أنّها مجرّد أدوات في يد النظام، و أن لا دور لها في صناعة السياسات العمومية إلا مباركة التوجيهات السامية و النصائح الوجيهة، مقابل فتات من السلطة يسير على هامش مركز القرار الحقيقي. و في نهاية المطاف، يبقى هذا السلوك انعكاسًا لغياب الديمقراطية في النظام السياسي المغربي، الذي لا يُعتبر فيه الشعب هو مصدر السلطة، لذلك لا تُعوّل عليه النخب الحزبية ببلادنا من أجل الوصول إلى مراكز القرار. إلاّ أنّ هذه النخب الحزبية تتحمّل جزءًا مهمًّا من المسؤولية عن غياب هذه الديمقراطية، من خلال قبولها بلعب دور هامشي و عدم مطالبتها بدستور ديمقراطي ... إذا كانت من نتيجة لهذا الاتجاه الذي يأخذه الصراع السياسي بين الأحزاب، فهي أنها تساهم في تعزيز السلطات الواسعة للمؤسسة الملكية، و هو الأمر الذي سيساهم في تأخير الديمقراطية، مادام أنّ النموذج الديمقراطي في الأنظمة الملكية يرتكز على منح الملكية سلطات رمزية فقط، لأنها لا تتوفر على المشروعية الديمقراطية و ليست مسؤولة سياسيا، في حين تمارس الحكومة المنبثقة عن البرلمان سلطة تنفيذية حقيقية، لأنها تتوفر على المشروعية الديمقراطية و يمكن محاسبتها على أدائها بمناسبة الانتخابات التشريعية.