تستمر جلسات الاستماع إلى مقترحات الأحزاب السياسية والهيآت النقابية والحقوقية والشباب، من طرف اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور، وتستمر، بالمقابل، مقاطعة جهات أخرى سياسية وحقوقية لهذا الورش الإصلاحي الكبير الذي يقود، لا محالة، نحو إعادة بناء الدولة، وتطوير بنيتها من أجل ملكية متجددة ونظام سياسي ضامن لفصل السلط وتوازنها وتكاملها، في سبيل إعادة الاعتبار إلى مؤسسة الحكومة دون القفز على المشروعية التاريخية للمؤسسة الملكية. إن تغيير بنية الدولة، كما قال مستشار الملك معتصم، في اجتماعه الأول مع الأحزاب السياسية، يعني أننا نسير نحو بناء نظام مملكة جديدة، تحافظ على مركزيتها، بوصفها ضامن الاستقرار والوحدة وصمام أمان لممارسة الحقوق والحريات السياسية والدينية... إنه تغيير يهم البنية الفوقية للدولة، بقوانينها وتاريخها وجغرافيتها، حين ستتخلى الدولة عن مركزيتها لصالح الهامش، وتصبح الجهات دويلات داخل الدولة الموحدة، ويتسيد نظام الاقتراع المباشر العملية الانتخابية في هذه المجالات الترابية. بالمقابل، يطرح هذا التغيير، إشكالية أساسية تهم وضعية الأحزاب في بلادنا. لا نقول هذا إجحافا أو تحاملا على الأحزاب الوطنية التي صنعت، بصراعاتها الخارجية والداخلية، جزءا من تاريخ الدولة، ولكن لأنه واقعها الذي لا يرتفع إلا بإصلاح بيتها الداخلي، وإلا فستبدو كمن يكنس بيت الآخرين ولا يلتفت إلى بيته. إن تحقيق التنمية السياسية يفترض، إلى جانب تطوير الديمقراطية وترسيخ جيل جديد من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، أن تكون الأحزاب السياسية في طليعة المساهمين في تحقيق هذا الجيل من الإصلاحات، غير أن وضعية الترهل التنظيمي وغياب التداول الطبيعي ل «السلط» داخل هذه التنظيمات الحزبية، وتفرغ الآلة الحزبية لتفريخ الصراعات الداخلية عوض إنتاج النخب، يجعل الأحزاب غير قادرة على المساهمة في هذا الورش بالنظر إلى أن وضعها لا يسمح بالكثير من التقدم قصد المواكبة، ولأنها ضرورة مجتمعية وسياسية تهم استقرار النظام، أولا، فإن تردد الأحزاب سيكون له انعكاس على الديمقراطية والإصلاح...