حادثة منطقة الحوز التي ذهب ضحيتها أكثر من 42 شخصا، والحصيلة مازالت مرشحة للارتفاع مع وجود 24 مصابا بعضهم في حالة حرجة، يعيد طرح نفس السؤال المسكوت عنه، من يتحمل المسؤولية في سكب المزيد من الدماء على الطرقات المغربية، وإزهاق أرواح الأبرياء؟ والجوب الذي لايريد المسؤولون سماعه، هو غياب المسؤولية والإفلات الدائم من العقاب بالنسبة لكبار المسؤولين. والمسؤولية تبدأ أولا من الاختيارات السياسية الكبرى التي جعلت الدولة خلال أكثر من 13 سنة تركز استثماراتها في بناء الطرق السيارة وتوسيعها في مناطق بعينها وإهمال وتهميش مناطق مازالت تشكل بؤرا سوداء في مجال القتل اليومي لمستعملي الطرق. وآخر هذه الاختيارات هو الاستثمار في القطار السريع، (تي جي في)، في الوقت الذي مازالت فيه ركاب القطارات العادية يختنقون داخل عرباتها بسبب انعدام التكييف، وتتعطل بهم في منتصف الطريق وتتركهم معلقين فوق الجسور أو مشردين في الخلاء عرضة للنهب والسرقة. والمسؤولية تتحملها كل الحكومات التي تعاقبت على تدبير الشأن العام، وخاصة الوزراء الذين تولوا تدبير وزارة التجهيز والنقل، وآخر هؤلاء الوزراء شخص اسمه كريم غلاب، أقام الدنيا ولم يقعدها وهو يصرف من أموال الدولة للترويج لمدونة السير الجديدة التي قال بأنها ستحد من الحرب على الطرق! وهو ما كذبه خلفه على نفس الوزارة، عبد العزيز الرباح، الذي أعلن منذ توليه هذه الوزارة أن الأرقام التي كانت تقدمها الوزارة في عهد غلاب حول انخفاض أعداد ضحايا حوادث السير كاذبة وغير صحيحة، وبأن المدونة الجديدة لم تخفف من حوادث السير بقدرما عقدت حياة السائقين المحترفين، وبأن ما صرفته الوزارة على "الرادارات" لم يكن سوى صفقة خاسرة استفاد منها مقربون من الوزير فيما بقيت "الرادارات" مجرد فزاعات تأكلها الشمس على امتداد الطرق المغربية المهترئة والمتآكلة. وبدلا من أن يقدم الوزير السابق للمحاسبة تمت ترقيته ليتولى منصب رئيس مجلس النواب، ويصبح ثالث شخصية بروتوكولية على هرم الدولة، حسب مقتضيات الدستور، بعد الملك ورئيس الحكومة! المسؤول أيضا عن حوادث السير، هو سياسة الريع التي مازالت تنهجها الدولة في مجال النقل، فقد كشفت اللائحة التي نشرتها وزارة التجهيز والنقل بداية هذه السنة، أن المستفيدين من رخص النقل العمومي عبر الطرقات هم شخصيات مرموقة وعائلات نافذة في المغرب، أما السائقون ومساعدوهم الذين نلقي دائما باللوم عليهم فهم مجرد "أقنان" يشتغلون في ظروف صعبة وبشروط لا تحترم أدنى حقوقهم. ومع ذلك لم تغير الحكومة من الأمر أي شيء رغم كل الضجة الإعلامية التي أثارها نشر تلك اللوائح. المسؤول أيضا هو ضعف المراقبة على الطرقات من قبل كل الجهات المكلفة بذلك، من وزارة التجهيز التي ترصد كل امكانياتها لإصلاح وإعادة إصلاح بل وتزيين كل الطرق التي سيعبرها الموكب الملكي، فيما تهمل طرقات أخرى تحتاج إلى الإصلاح والترميم. ومن درك ملكي وشرطة، لا تقومان بمهامهما في ضبط المخالفات المرورية، أو تتساهلان بسبب تفشى الرشوة الصغيرة بين عناصرهما. ومن مراقبين تقنيين "يتغاضون" عن استعمال الطرق من قبل أصحاب آليات كان يجب أن تكون في المتاحف أو المتلاشيات، فيما تتحول إلى آليات للقتل تسير على الطرقات. المسؤول أيضا هو الفقر الذي يدفع الناس إلى استعمال آليات متهالكة للسفر عبرها معرضين أنفسهم لهلاك محقق. والمسؤول أخيرا هو ضمير بعض مستعملي الطريق المتهورون أو أولئك الذين حصلوا على رخص سياقتهم بالطرق التي يعرفها الجميع في المغرب. المسؤوليات تتعدد وتتداخل، والضحية دائما واحد هو مستعمل الطريق، التي تحولت في المغرب إلى أخطر مكان للقتل يتجاوز عدد ضحاياها سنويا 4 آلاف ضحية. وأمام غياب المحاسبة والإفلات من العقاب، فإن أقل ما يمكن أن يعزي ذوي ضحايا المجزرة الأخيرة، هو إعلان حداد وطني. نعم. يوم واحد للحداد الوطني على أرواح كل الضحايا الأبرياء. هذا أقل عزاء يمكن أن نقدمه لأنفسنا كضحايا مفترضين.