بعيدا عن فيروس كورونا المستجد وتداعياته وهمومه، خصصت "مجلة الصحافة" التى يصدرها معهد "الجزيرة للإعلام" عددها الاخير لمقاربة سؤال " صحفي أم مناضل؟"، أفادت في تقديمه، أن الصحافة والنضال بالنسبة " لحراس المهنة"، يوجدان على طرفي نقيض، ولا يمكن الجمع بينهما، لكون البحث عن الحقيقة "يتعارض مع وظائف الإيديولوجيا المدموغة، بالإقصاء والحذف والإخفاء. صاحبة الجلالة في حضرة ثلاثة صحفيين فإذا كانت الحدود بين الصحافة والنضال مسلمة قديمة، يتعايشان ويتنافران، دون تنازلات مثيرة، فإن الحدود، بقيت رمادية جدا، فتحولت مفاهيم من قبيل " الحياد" و" الموضوعية" إلى مفاهيم مجردة قابلة للقياس أمام تحول الصحافة في الكثير من الدول العربية إلى "أداة لممارسة المعارضة بسبب تدحين الأحزاب والمجتمع المدني"، ترى المجلة في تقديمها للملف الذى ساهم في مقاربة مواضيعه عدد من الصحافيين من بينهم مغاربة. فتحت عنوان "الصحافة والنضال.. الحدود الرمادية"، لاحظ أنس بنصالح، أنه كلما عاد السجال عن الحدود الفاصلة بين الصحافة والنضال الى دائرة الأضواء، إلا " وطفا على السطح طرحان متباينان حد التنافر، يؤشران على صعوبة الجزم بوجاهة أحدهما أو غلبته على الاخر". ولئن ذهب البعض، إلى أن مهمة الصحفي الأصلية، تختزل ضرورة في البحث عن الخبر، ونقله إلى الناس، يتداولونه فيما بينهم، ويستقرون على رأي بشأنه، بمعزل عن أي تأثيرات خارجية في حين يرى البعض الاخر- يضيف مدبج المقال – أن الصحفي، لا يمكن أن يضع مسافة بينه وبين الشأن العام، ولا يسعفه الخوض في قضايا تهم عموم الناس دون أن يكون له نصيب في النقاش الدائر بشأنها، يؤثر فيه بقدر ما يتأثر به. "الصحافة والنضال.. الحدود الرمادية" هي إذن حدود مبهمة، ملتبسة، وقد تكون مضللة، وقال في هذا الصدد "لا أحسب أن الجدل بخصوصها حسم لهذا الطرف أو ذاك، متسائلا أين يقع مفهوم الحياد؟ وكيف نحافظ على الموضوعية؟ ليجيب بالقول " لاريب أننا حيال حقل ألغام، يصعب تلمس السبيل في دروبه". وبعدما اعتبر أن هذا النقاش على أهميته وراهنيته، لم ينخرط فيه العالم العربي إلا في وقت متأخر، وتحديدا مع التحولات التي أتى بها "الربيع العربي"، خلص الى القول، أن الصحفي في نهاية المطاف، يعد جزء من المجتمع يتفاعل مع قضاياه، ويتألم لهمومه ويشاركه تطلعاته ، إذ من غير المنصف تجريده من إنسانيته، بحجة الدفاع عن الحياد والموضوعية والاستقلالية، خاصة وأنها جميعها مفاهيم تكاد تكون هلامية ومغرقة في النسبية الى أبعد حدود، حسب رأيه. لا تصدقوا الحياد في الصحافة!! وإذا كان بنصالح قد أقر بوجود منطقة رمادية مابين الصحافة والنضال، فإن زميله في المهنة محمد البقالى فطرح في بداية مقاله بعنوان "لا تصدقوا الحياد في الصحافة!!" سؤالين هما، أين ينتهى دور الصحفي؟ وأين يبدأ دور المناضل؟ قبل أن يوضح أن " بين الطرفين تبدو خطوط التماس مشتبكة، ومساحات ظل كبيرة"، وأن "خطيئة الولادة" ما تزال تطارد الصحافة، ولا يبدو أنها قادرة على الحسم في هويتها: هل تحافظ على صرامة المهنة؟، أم تميل الى نبض المجتمع ؟. غير أنه اعتبر أن القراءة التاريخية تقول إن " علاقة الصحافة بالسياسة عند لحظة الولادة، كانت أشبه ما تكون بمولود سيامي"، مرجحا في هذا الصدد أن "عملية الفصل ( هاته) لم تنجح تماما حتى الان"، رغم إقراره بأنه " ليس ثمة من هو معنى، بالإجابة عن عملية الفصل، بين السياسة والصحافة، أكثر من الصحفيين أنفسهم". إلا أنه في اللحظات الديمقراطية الكبرى، لابد أن ينحاز الصحافي لصوت الشعوب، لإن هناك تداخل جدلي بين الصحافة كمهنة وحرية التعبير كقيمة، عندما تختل السلطات الأخرى، تبرز الصحافة كسلطة، تحظى بنوع من التفويض الشعبي غير المعلن علاوة على أن ثمة تداخل بين الصحافة كمهنة، وحرية التعبير كقيمة، حسب البقالي. وعبر عن اعتقاده بأن الرؤية التى التى تعتبر أن الصحفى مجرد وسيط يتولى نقل العالم الحقيقى بكل أمانة وتجرد، " تبدو مثالية إن لم تكن سادجة" مؤكدا على أن " اللبس المرتبط بتصور الصحفيين لأدوارهم في المجتمع، يجد أثره في المجتمع أيضا". الصحافيون .. "أبطال بلامجد" وعلى خلاف بنصالح والبقالى، مراسلي قناة "الجزيرة" الإخبارية على التوالي بكل من بروكسيل وباريس اقتبس زميلهما جمال بودمة عنوان "أبطال بلامجد" لمقاله اعتبر فيه أن "الصحفي شاهد، يبحث عن الحقيقة، ومن شروط الشهادة، المهنية والموضوعية، لكن حينما بتأثر السياسي بالصحافة، تتقلص مساحة الحرية، وتبدأ الأيديولوجيا التي من وظائفها معاداة الحقيقة". كما أنه عندما يسيطر السياسي على الصحفي، " يضيق أفق الحربة، ويتقلص هامش التعبير، لأن الأول يدافع عن معسكر بعينيه، عن حزب، عن مصلحة، بينما يهتم الثانى، بملاحقة الوقائع وتحليلها، ونشر الحقائق، أو ما يعتبره كذلك يقول بدومة الصحفي ب"فرانس24″. وأوضح أنه إذا كان الصحفى محكوم بضميره وأخلاقيات مهنته، والسياسي محكوم بالتوازنات والمصالح، فإن بين الصحفي والسياسي، علاقة معقدة، تتأرجح بين التوجس الإعجاب، بين التبرير والتغيير مؤكدا أن السياسي باستطاعته، أن يتحول إلى بطل، وأن يكون له أنصار وأتباع ومؤيدون بخلاف الصحفي، الذي يمكن أن يكون له قراء وأن يؤثر فيهم، لكنه يظل شاهد ومعلق على ما يجرى، إذ أن الصحافي يحاول أن يفهم، وأن يساعد الاخرين على الفهم، "بلا بطولة ولا مجد". استقلالية الصحفي ونزاهته على المحك ببلدان الهشاشة الديمقراطية غير أن الاجابة، على ما وصفته" مجلة الصحافة" بالسؤال الكبير : صحفي أم مناضل؟، يظل مرتبطا أيضا باشكاليات متعددة ترتبط بطبيعة المهنة، كأحد واجهات حريات التعبير، منها سؤال استقلالية الصحفي الذى تزداد أهميته في بلدان الهشاشة الديمقراطية، رغم أن هذه الاستقلالية، لا تتنافى، مع حق الصحفي في أن يكون له رأي سياسي، أوتوجها وقناعة فكرية خاصة به. كما أن استقلالية أي منبر اعلامي، لا يمكن أن تتحقق بشكل سليم، إلا إذا رافقتها، أيضا استقلالية الصحفي نفسه، لكون الصحفيين هم من يصنعون هذه الاستقلالية، عبر مقاومة كافة أشكال التدجين والضغوط، التي تمارس عليهم ابان أداء مهنتهم. فالاستقلالية بقدر ما لا تعني الحياد، فإنها التزام بقواعد المهنة وبأخلاقياتها وبحثا متواصلا عن الحقيقة، وانتصارا لقيم الحرية والديمقراطية والمواطنة والكرامة. فالصحفي ليس مطلوبا منه، أن يكون لا يساريا، ولا يمينيا، ولا "اسلاميا"، وإنما صحافيا نزيها،لان الصحافة مهنة، والنضال مهنة أخرى، لكن ثمة بالعالم العربي، من لا يريد أن يستوعب لحد الآن هذا الواقع على بساطته. تجدر الاشارة الى أن ملف مجلة الصحافة يضم أيضا مقالات أخرى منها " من ميادين الثورة الى غرف التحرير"و"الصحافة وسيلة للدعاية الايديولوجية و"أين ينتهى عمل الصحفي ويبدأ دور الناشط ؟" و" كيف أصبحت الصحافة تحت رحمة الشبكات الاحتماعية؟" و" من "ساعة الصفر إلى حافة الهاوية" و" مستقبل الصحافة في التنوع والتعاون والتعاون والتعلم" و" كيف تدمر الصحافة حياتك في 88 يوما؟" و"الاعلام الغربي.. الاستشراق عدوا للحقيقة" للصحفي المغربي محمد أحداد عضو هيئة تحرير بالمجلة ذاتها.