يوما بعد يوم، ومع ظهور دراسات جديدة ومعطيات جديدة وتقييمات جديدة لتجارب الدول في مواجهة وباء كورونا المستجد، سواء بالنجاح او بالفشل، يتشكل رأي عام عالمي بين الخبراء والمختصين والممارسين، حول أنجع السبل والسيناريوهات لوقف هذا الوباء وانتشار الفيروس المستجد، وسيناريوهات ومتطلبات لرفع الحجر الصحي. على ضوء هذه المعطيات والتجارب ومقترحات الخبراء، وكذا تطور الحالة الوبائية بالمغرب، يمكن ان نتصور ونقترح بشكل مختصر ما يستوجب ان تقدم عليه بلادنا. ولإعطاء توضيحات حول أسس هذه المقترحات أرفقنا بهذا المقال معطيات وتحليلات اكثر تفصيلا .
– بداية، هذا الأسبوع تم توسيع شبكة المختبرات المرخص لها بالمغرب لإجراء التحاليل من 3 مختبرات بالرباط والبيضاء فقط ال 6 مراكز جامعية جديدة متفرقة في المغرب شملت جهات جديدة: فاس، اكادير، مراكش، وجدة. – هذا التوسع الجغرافي رافقه رفع عدد التحاليل اليومية التي تجريها السلطات الصحية بشكل حصري بالمختبرات المعتمدة، اذ وصل إلى 500 تحليل في اليوم الواحد وسيرتفع أكثر، علما أن عدد التحاليل التي أجريت مند ظهور الفيروس الى اليوم لم يتعد عشرة آلاف تحليل. – من المؤكد ان هذا الرفع سيؤدي الى ارتفاع الحالات المسجلة يوميا، ليس بالضرورة بسبب ارتفاع حدة الوباء، ولكن بفضل اكتشاف الحالات التي لم يكن بالوسع اكتشافها من قبل: كلما أجرينا تحاليل أكثر كلما اكتشفنا عددا أكبر من الإصابات. هذا التوسع سيمكننا من معرفة درجة انتشار الفيروس وخريطته الحقيقية ببلادنا بشكل أكثر دقه. إذا تأكد في الأيام القليلة المقبلة، التوجه العام لتطور الوباء في بلادنا نحو الاستقرار ثم الانخفاض، وانخفاض جلي للعامل R0 (معامل انتشار الفيروس، انظر المعطيات الداعمة) ،فإننا سنكون ملزمين بإجراءات من الضروري أن تتخذها بلادنا بكل قوة واستباقية وروح تضامنية، لتهيئ رفع الحجر الصحي الآمن، على شاكلة ما سبق من إجراءات جريئة وشجاعة، علما أن احتمال موجة ثانية يبقى قائما إلى حين تمنيع ثلثي المجتمع عن طريق اللقاح إلى حين توفره أو تمنيع طبيعي بالإصابة بالفيروس ثم الشفاء منه: 1. تمديد حالة الحجر الصحي إجراء لابد منه للتأكد من التوجه نحو استقرار ثم انخفاض الحالات المسجلة ولاسيما انخفاض عدد الوفيات والحالات الصعبة بأقسام الإنعاش. تمديد الحجر الصحي لثلاث أو أربع أسابيع على الأقل، والإعلان عن ذلك منذ الآن، مع امكانيه إعادة التمديد لأسبوع أو أسبوعيين إضافيين بعد ذلك، واللذان يزامنان النصف الثاني من شهر رمضان -حيث تصادف عادة هذه الفترة تباطؤ الحركة الإنتاجية- للشروع، إن أمكن، في الرفع التدريجي للحجر الصحي بشكل حذر وتجريبي حسب ما يستجد من معطيات وما يتوفر من إمكانيات الكشف والتتبع. علما أن رفع الحجر الصحي لن يكون بين ليلة وضحاها بالنسبة للمغرب بأكمله وبالنسبة لكل الفئات الاجتماعية و العمرية … 2. توسيع شبكة المختبرات المرخصة لإجراء التحاليل للكشف عن الإصابات، لتشمل كامل جهات المملكة، والرفع من عددها بأضعاف ما هي عليه اليوم. هذه ضرورة لا محيد عنها لمحاصرة الوباء و إمكانية رفع الحجر الصحي بشكل آمن. 3. تعميم العزل الصحي لكل المصابين واستفادتهم من العلاج المبكر بغض النظر عن درجة الخطورة لتجنب الحالات المستعصية من جهة، وكسر سلسلة العدوى من جهة أخرى. وهو ما شرعت فيه بالفعل مستشفيات بلادنا . 4. تعميم العزل الصحي على كل الحالات المخالطة والمشتبه بها داخل المؤسسات الغير الاستشفائية، كالفنادق "الفارغة أصلا"، عوض العزل داخل المنازل ، والذي تبين، من خلال تجارب دول أخرى، مساهمته في تفشي الفيروس عوض محاصرته، حين يتعلق العزل بمنازل صغيرة المساحة أو داخل أسر متعددة الأفراد أو ذات مستوى اقتصادي واجتماعي هش. 5. اعتماد نظام التتبع الالكتروني للحالات المؤكدة والمشتبه بها والحالات المخالطة، وذلك عن طريق تطبيقات في الهاتف المحمول، تمكن من إخطار المخالطين بضرورة الفحص، وتتبع مسارات المصابين للتمكن من الحصول على صورة حقيقية لخريطة تفشي الفيروس بالبلاد، بالإضافة إلى عقلنة وترشيد استعمال فحوصات الكشف عن الحالات المحتملة كأولوية قصوى. 6. توفير وسائل الحماية لكل مهنيي الصحة في جميع القطاعات لتحصينهم في أماكن عملهم وضمان حمايتهم، مما يوفر طاقات بشرية في العزل أو الإصابة بالمرض، مع توفير واسع لعدة الكشف عن اصابتهم من عدمها. 7. توفير الكمامات بكميات كافية لكافة المواطنين بالإضافة الى محلول المطهرات الكحولية وبأثمنة في المتناول خلال ما تبقى من فترة الحجر وما سيليها من أسابيع عدة تستمر خلالها إجراءات الوقاية: الكمامات، غسل اليدين بالماء والصابون او المطهرات الكحولية، التباعد الاجتماعي في الشارع وفي أماكن العمل …. مع توفير مخزون استراتيجي كبير وكبير جدا من الكمامات حيث سيكون كل المغاربة ملزمين باستعمالها في الشارع وأماكن العمل لعدة أسابيع بعد رفع الحجر، وليس فقط للذين يخرجون اليوم للشارع للضرورة القصوى. 8. اعتماد نوع آخر من تحاليل الدم، Recherche des anticorps/Immunité، ليس فقط بحثا عن مصابين محتملين، بل لتحديد الأشخاص الذين تعافوا وحصلوا على مناعة ضد الفيروس، وذلك لمعرفة وتتبع درجة المناعة داخل المجتمع، والسماح لهؤلاء المتعافين الممنعين personnes immunisées باستئناف حياتهم اليومية الطبيعية بكل حرية مهما كانت درجة تطور الوباء، والاعتماد عليهم بجانب الأشخاص الأقل تعرضا للحالات الخطرة من أجل إعادة انطلاق الحركة الاقتصادية ودورة الإنتاج. 9. الرفع التدريجي للحجر الصحي حسب المعطيات الوبائية وتوفير أجهزة الانعاش والمشافي لاستقبال الحالات الحرجة، مع استمرار ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي لأسابيع عدة أخرى، وتهيئ المواطنين لهذه الإجراءات بما في ذلك عطلة صيفية يشوبها الحذر، وبدون تجمعات وتنقلات كبيرة. 10. متابعة تطور مستجدات العلاج وتوفيرها مبكرا للحد من الوفيات والحالات الخطرة وكذلك لكسر سلسلة تفشي الوباء، ومتابعة إمكانية العلاجات الوقائية لصالح المهنيين وكل ما يستجد فيها لوقف تفشي الوباء، مع التتبع المستمر والاستعداد للتزود بالكميات المطلوبة من اللقاحات حين توفرها. ./. -معطيات إضافية اليوم هناك اتفاق عام على أن الخروج من الحجر الصحي لن يكون بالأمر الهين، اذا ما أردنا تجنب تفشي المرض أو الوقوع ضحية موجة ثانية ولربما ثالثة او أكثر للوباء. لذا، سأتقاسم معكم بعض المعطيات والمقترحات والأفكار حول هذا الموضوع. – هناك قناعة اليوم بأن مواجهة الوباء بنجاح يتطلب عدة إجراءات أهمها: 1 الحجر الصحي، 2 إجراء اكبر عدد ممكن من التحاليل للكشف عن المرضTests de dépistage ، 3 عزل المرضى والمشكوك في مرضهم، 4 استعمال الكمامات على نطاق أوسع، 5 غسل اليدين بالماء والصابون او بالمطهرات الكحولية 6 التباعد الاجتماعي. – هل كان الحجر الصحي أمرا ضروريا لمواجهة الوباء واخماده؟ تؤكد الدراسات ان الفيروسات تستمر في الانتشار الى ان تصل الى حدود 60 أو 70% من الناس الذين يحصلون على مناعة ضد الفيروس، وهنا تضمحل فرص الفيروس في الانتشار بفعل سلسلة الحماية التي يشكلها الممنعون personnes immunisées الى %60 في وجه الفيروس. وللحصول على المناعة هناك وسيلتان: إما ان يصاب الشخص بالمرض ثم يتعافى منه أو أن يستفيد من تلقيح ضد الفيروس. وبما أننا، في حالة كورونا المستجد ،ليس بين أيدينا لقاح ولن يكون متوفرا قبل منتصف 2021، فإن الوسيلة الوحيدة لتشكيل مناعة جماعية، أي 60% ،هي إصابة كل هذا العدد من الاشخاص بالفيروس. – اذا استحضرنا ان نسبة الإصابة بهذا الفيروس في غياب أية وقاية قد تصل الى 70 % حسب المعطيات العلمية (عدد الإصابات يمكن احتسابه اجمالا وبطريقة جد تقريبية فقط بقسمة واحد على العامل R0 أي 1/R0 وهذا العامل يساوي ثلاثة بالنسبة لفيروس كورونا المستجد، (أنظر أسفله) – إذا استحضرنا أن نسبة الوفيات بسبب الفيروس الحالي هي 2% (والحقيقة أنها غالبا ما ستكون أقل من ذلك إن أحصينا كل المصابين سواء الذين تم كشف المرض عندهم او لم يتم الكشف عنه بسبب نقص الاختبارات، علما أن هذه النسبة تجعل كوفيد 19 مرضا قاتلا عشر مرات أكثر من الأنفلونزا الموسمية حسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية)، فإننا سنكون -في أقل السيناريوهات تشاؤما وفي غياب وسائل الوقاية والحجر الصحي- أمام أكثر من عشرات الالاف من الموتى في بلد كالمغرب مثلا). – في المغرب حاليا، عدد التحاليل التي أجريت قليل جدا، لا يتعدى العشرة آلاف تحليلا من اليوم الأول لظهور المرض ولحدود الساعة، وكانت الاختبارات موجهة بشكل محدود جدا وذلك لترشيد المخزون. هذا الأسبوع تم توسيع شبكة المختبرات المرخص لها بإجراء التحاليل من 3 مختبرات بالرباط والبيضاء الى 6 مراكز جامعية متفرقة في المغرب شملت جهات جديدة: فاس، اكادير، مراكش، وجدة .. – يلخص الخبير الأمريكي هيرفي فاينبرغ في افتتاحية نشرتها المجلة الطبية الشهيرة المرجع العالمي في ميدان الطب The New England Journal of Medicine NEJM الوصفة الناجعة برأيه للقضاء على الوباء في 10 أسابيع بالنسبة لبلاده الولاياتالمتحدةالامريكية في 6 إجراءات : 1- قيادة واحدة للأزمة الصحية (في المغرب هناك إشراف وتتبع ملكي مباشر للموضوع) 2 – توسيع الكشوفات على الذين تظهر عليهم أعراض المرض مهما كانت بسيطة 3- توفير وسائل الحماية لكل مهنيي الصحة والمتدخلين 4- فرز المواطنين الى فئات حسب وضعها بالنسبة لمرض كوفيد 19 5- المشاركة الفعالة للجمهور 6- البحث العلمي :اللقاح ، الادوية المعالجة، الادوية الوقائية..(في المغرب هناك ابتكار أجهزة طبية للإنعاش) . – توزيع الأفراد الى 5 فئات: 1- الممنعون personnes immunisées (أشخاص أصيبوا بالمرض ثم شفوا منه) 2 – المرضى المصابون وهم في طور نشر الفيروس 3- المشتبه فيهم بشكل كبير بسبب الأعراض رغم تحاليلهم السلبية. 4- الاشخاص المعرضون Personnes exposées 5- الأشخاص غير المعرضين والهدف هو: – عزل المرضى المصابين وكذا المشتبه بهم كثيرا وعلاج الحالات المعقدة داخل المستشفيات، بينما الحالات المتوسطة والبسيطة داخل مراكز أخرى كالفنادق الفارغة، وعزل الفئات المعرضة داخل مؤسسات غير استشفائية كالفنادق مثلا اذا صعب عزلها في البيوت لصغر المساحة او وجود افراد آخرين متعددين في نفس البيت. (هذه استراتيجية وقع عليها شبه إجماع في آسيا و أوروبا و أمريكا). والهدف الآخر هو السماح للناس الذين تكونت لديهم مناعة من الخروج والعمل بشكل طبيعي. للخروج من الحجر الصحي هناك متطلبات أساسية: – التأكد من خفوت انتشار الفيروس من خلال انخفاض عدد الحالات المؤكدة يوميا، وبالأخص نقص عدد الوفيات والحالات المعقدة داخل اقسام الإنعاش و التي تشكل الأرقام المؤكدة عن مدى تفشي الفيروس. – يجب ان يصبح عامل R0 أقل من واحد أو تقريبا. عامل R0 هو عامل انتشار الفيروس أي عدد الناس الذين يمكن ان ينقل لهم العدوى شخص مريض . بالنسبة لكورونا المستجد هذا العامل هو3 ، أي أن كل مصاب له القدرة على نقل الفيروس الى ثلاث أشخاص في المعدل. مقارنة مع واحد ونصف شخص بالنسبة للأنفلونزا الموسمية مثلا. هذا العامل يتم خفضه بالحجر الصحي والإجراءات الوقائية الأخرى. – توفر وسائل الحماية للمهنيين ولعموم المواطنين ومعالجة المرضى للحد من الحالات الخطيرة و الوفيات وتخفيف الضغط على المستشفيات وكذا نقص قدرة المرضى على نشر الفيروس. – استرجاع القدرة الاستيعابية للمستشفيات . – إجراء التحاليل على نطاق أوسع. – القدرة على عزل المرضى والمشتبه في مرضهم داخل المستشفيات والمؤسسات المشابهة وليس بالمنازل حيث ينشرون العدوى بشكل أكبر . ما هي السيناريوهات العامة واستراتيجيات الخروج من الحجر الصحي Déconfinement؟ – استراتيجية تعتمد وقف الحجر الصحي كلما تباطأ انتشار الفيروس لاستعادة الحياة الاجتماعية والدورة الاقتصادية ، ثم الدخول في حجر جديد عند ظهور بوادر موجة ثانية، أو ثالثة … الى ان يحصل المجتمع على 60 في المائة من المناعة او ما يسمى بالمناعة الجماعية او مناعة القطيع، عن طريق الإصابة المرض ثم الشفاء منه، مع حماية الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة ، او الى حين توفر لقاح مناسب والحصول عليه لتمنيع المجتمع. هذه الاستراتيجية كانت الولاياتالمتحدة وبريطانيا تنهجانها ثم تراجعتا بعد ذلك بفعل زيادة الضغط على المستشفيات وارتفاع عدد الوفيات. – استراتيجية الحجر الصحي الجهوي: رفع الحجر الصحي عن الجهات التي انخفض فيها تفشي الفيروس وقل الضغط على مستشفياتها واطبائها، والإبقاء عليه في الجهات التي لازالت تحت ضغط المرض ، مع إمكانية نقل المعدات والاطر الطبية بين الجهات. – استراتيجية العزل الموجه Confinement ciblé: ويروم من جهة وضع كل المرضى تحت الحجر الصحي لمنع تفشي المرض، وكذا كل الناس الدين ينتمون للفئات الهشة لحمايتهم من اخطار الإصابات المعقدة التي تتهددهم بشكل أكبر، والسماح من جهة أخرى بخروج الناس التي تم تمنيعها بسبب او بفضل المرض، وكدا الفئات التي لا يشكل عليها المرض خطرا كبيرا (؟؟) الى حين الحصول على المناعة الجماعية او مناعة القطيع او الحصول على التلقيح. – استراتيجية الكشف الواسع عن المرض (بالملايين) وتتبع المخالطين والعزل (استراتيجية كوريا الجنوبية): الكشف الواسع يسمح بعزل المصابين لوقف العدوى، وعزل الفئات الهشة لحمايتها و السماح للممنعين والفئات الأقل عرضة باستئناف دورة الإنتاج والعمل. – أربع أعمدة: الكشف الموسع، عزل المصابين ، تتبع المخالطين الكترونيا والحفاظ على التدابير الوقائية لأطول فترة ممكنة حتى بعد رفع الحجر الصحي.