يقول المثل الصيني :′′عندما تهب الرياح العاتية، يهرع غالبية الناس إلى منازلهم للاختباء فيما الأقلية الباقية تشرع في بناء طواحين الهواء′′ وهكذا حال العالم اليوم مع الرياح العاتية لهذا الوباء الجديد. ففي حين تسرع غالبية الأنظمة السياسية المتخلفة إلى الاختباء كالفئران في جحورها، تعمد الأنظمة السياسية الراقية إلى الإسراع في إيجاد مصل مضاد لهذا الوباء والى وضع خطط بديلة لجميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية وفتح النقاش العمومي حول مجمل القضايا الملحة التي أفرزها هذا الوضع الاستثنائي والذي أبان عن هشاشة المنظومة الاقتصادية أساسا والمنظومة السياسية ثانيا. والأكيد مع هذا الفيروس التاجي أنه لم يضع فقط أجهزة المناعة الذاتية للأفراد في المحك، وإنما وضع أيضا الأجهزة المناعية للحكومات في اختبار عسير أمام شعوبها. ففي حالات الخوف الشديد تسقط جميع الأقنعة وخصوصا إذا تعلق الأمر بتهديد حقيقي هو الموت. وباستثناء الصين التي تعاملت مع هذه الأزمة بعقل وشجاعة فائقين وفي صمت وهدوء نادرين تذكران بمحاربي الساموراي ورباطة جأشهم أمام الموت، فالملاحظ لدى باقي الأنظمة السياسية عبر العالم هو ما يلي : 1 – التضارب حول مسألة الحجر الصحي ما بين مؤيد لها وما بين معارض بدعوى عدم المساس بالحريات الفردية أو الاعتماد على المناعة الجماعية كشكل من أشكال المقاومة. 2 – التناقض حول المعطيات العلمية الخاصة بفيروس كورونا من مهون يعتبره نظيرا للأنفلونزا إلى مهول يتعامل معه كسلاح بيولوجي فتاك بالبشر. 3 – الانتهازية والأنانية إلى درجة قرصنة البواخر المحملة بالعقاقير والمعدات الطبية ورفض تقديم المساعدات المادية والبشرية إلى الدولة الجارة كما وقع لايطاليا. 4 – هشاشة المنظومة الصحية بكافة مكوناتها والتي تم تفويتها بالكامل إلى القطاع الخاص. 5 – النظام الاقتصادي النيوليبرالي يعيش أسوأ أيامه وأحلكها، وبدا جليا للعيان أن رأس المال جبان ولا يصمد طويلا أمام أي تهديد خارجي. 6 – النظام الديمقراطي ورغم ايجابياته على مستوى الحريات الفردية وحقوق الإنسان، اتضح وبالملموس أيضا أنه يختنق تحت وطأة اللوبيات المالية والمؤسسات المصرفية وضغوطات الشركات العابرة للقارات. 7 – في الأزمات تنكشف المعادن الحقيقية للساسة وصناع القرار وجرأتهم في قيادة الشعوب في هذه اللحظات العصيبة والتواصل المستمر حول جميع المستجدات المتعلقة بالأزمة. لكن وعلى العكس من هذا هناك صمت مريب حول مصدر هذا الوباء وهروب إلى الأمام من طرح السؤال التالي : – كيف تسرب هذا الكائن المجهري إلى الطبيعة؟ ومن هو المسؤول عن هذه الجريمة في حق الإنسانية؟ قد يظن البعض أن هذا السؤال من وحي الهوس ب′′نظرية المؤامرة′′- وهل المؤامرة أصلا من العلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية لكي تحتاج إلى نظريات تدعمها؟- لتبسيط الأمور واختزالها ووو…الخ. نجيب فنقول بأن العلاقات الدولية مبنية على الصراع والمصالح ولا مكان فيها لحسن النوايا. وإلا فما جدوى الأجهزة السرية لجميع الدول؟ ولماذا ترصد لها الميزانيات والموارد البشرية الضخمة؟ هل لتتبع العورات فقط؟ عورات الأفراد كما عورات الدول؟ ليس هذا موضوع مقالنا، لكن لا مناص من التذكير بالسؤال الأساسي : – من المسؤول عن صناعة هذا الفيروس؟ ولماذا؟ هذا مع العلم بأن جميع دول العالم قد وقعت على اتفاقية حظر الأبحاث في الأسلحة البيولوجية منذ القرن الماضي. ومرة أخرى فالشيء الأكيد أن الحرب ضد هذا الوباء ستفرز منتصرين ومنهزمين. فأين يا ترى سنصطف نحن سكان العالم المتخلف؟ المنتصرون وعلى رأسهم الصين سيخرجون من هذه الأزمة أقوى من ذي قبل وسيعيدون لا محالة ترتيب أولوياتهم وخططهم بناء على المعطيات التي أفرزها هذا الفيروس وسيٌدخلون تلقائيا في مخططاتهم الفئة الثانية، فئة المهزومين..الذين بدورهم سيعيدون ترتيب أولوياتهم وخططهم لكن..حتما سيكون ذلك على حساب شعوبهم..كما هي العادة دوما. فما الذي ينتظرنا؟ تتعدد التحليلات والقراءات لكنها تسير في غالبها الأعظم نحو الخلاصة التالية : – الأزمات هي مفتاح التغيير عبر التاريخ! نعم..لكن ليس هكذا بالمطلق وإنما بشروط أولها وجود البنيات البديلة الجاهزة لهذا التغيير اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا…وإلا فسيستمر نفس النظام العالمي بإنتاج نفس الأزمات إلى ما لانهاية. وهذا الفيروس ما هو إلا حلقة صغيرة من حلقاته ولن تكون الأخيرة بالطبع. وفي غياب هذا الشرط المرتبط أساسا بقدرة الشعوب على التنظيم الذاتي والتحرك الواعي نحو التغيير دون الاعتماد على الطبقة السياسية الحالية العاجزة كليا عن الخروج من هذا النظام، فالسيناريوهات المحتملة لما ينتظرنا، وبالأخص نحن شعوب العالم المتخلف، هي بالضبط نفس سيناريوهات أفلام الخيال العلمي التي كنا نستمتع بمشاهدتها ليالي عطل نهاية كل أسبوع. أي مزيدا من الأزمات والتهديدات التي يفتعلها الساسة الجدد ضمانا لبقائهم واستمرارهم في السلطة..وهي الوجه الآخر للتدبير بالأزمة كما هو معروف في أدبيات الإدارة..وسياسة الخوف والتخويف la phobiecratie/la peurocratie كما يسميها الراحل المفكر المغربي المهدي المنجرة. قد يحمل هذا الكلام على المبالغة والتهويل أو العدمية والتشاؤم من المستقبل وخاصة في ظل الحجر الصحي المفروض على الجميع لكن..في غياب سلطة مضادة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لهذا النظام النيوليبرالي المتوحش فلن يتغير أي شيء بل ستسير الأمور إلى أسوأ مما هي عليه اليوم لأن رأس المال لا ينام أبدا وهو مسعور دوما بالربح..والربح..ولا شيء غير الربح..ولو على حساب الإنسان والطبيعة والحيوان. ما ينتظرنا إذن، في غياب مقاومة مادية للوضع الحالي وحركة فعلية للخروج منه، هو مزيد من الانسلاخ التدريجي عن إنسانيتنا..مزيد من الفوضى..مزيد من الخراب..مزيد من سيادة المرتزقة على مصائرنا.