في السادس عشر من مارس الماضي أعلنت المدارس والجامعات المغربية إغلاق أبوابها اضطرارا تجنبا لانتشار فيروس كوفيد 19، حينها أعلمتنا الوزارة أن التعليم لن يتوقف ولكنه سيستمر عن بعد(إلكترونيا).. حينها لم نفهم.. ما المقصود بالتعليم الإلكتروني في المغرب؟ ليس لأننا نجهل معنى المفهوم وإنما لأننا نجهل ما أعده المغرب لينتقل بين ليلة وضحاها من تعليم تقليدي إلى تعليم الكتروني.. ماذا أعد المغرب لينتقل إلى مرحلة تحتاج للكثير من الاستعداد ليس الإلكتروني فقط، وإنما النفسي قبل ذلك؟ ندري أنه للظرفية أحكامها، ولكن قطعا لا يمكن أن يتم تعميم تعليم ليس بمقدور جميع المغاربة الاستفادة بكيفية متكافئة، فالأصل في تعميم التعليم أن يستفيد منه كل أبناء المغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مرورا بالقرى الفقيرة والهامشية التي لا تتوفر فيها أدنى شروط الحياة فما أدراك بتوفرها على أجهزة استقبال فضائية وهواتف ذكية متصلة بالأنترنيت. بل وحتى سكان المدن والأساتذة ليس بمقدورهم أن يتحملوا مصاريف الانترنيت المكلفة جدا، مع العلم أن خدمة الأنترنيت نفسها رديئة ولا تسمح باسترسالية التدريس دون انقطاع لدقائق وأحيانا لساعات.. أقصد القول أن المغرب يفتقد للبنية والتجهيزات والآليات اللازمة من أجل أن مسايرة المتعلمين لهذا النوع من التعليم. فالمغرب ببساطة ليست دولة رائدة في مجال التكنولوجيا والاتصالات، ولا هو دولة غنية يمكن أن توفر لمواطنيها مجانية خدمة الأنترنيت والإتصال.. لذلك فقد كان من المنطقي، على الأقل، عقد الدولة لشراكات مع شركات الاتصال الثلاث(اتصالات المغرب، إينوي، أورنج) يتفق بموجبها الطرفان على تسهيل الولوج للأنترنيت خلال فترة الحجر، وأيضا توفير الخدمة في القرى الهامشية، ولما لا توفير هاتف ذكي أو لوحة ذكية لكل الأسر الفقيرة التي لا قدرة لها على اقتناء هكذا أجهزة. أما أسوء ما في الأمر فهو الضغط النفسي الذي يمكن أن يعانيه المتعلمون، ليس فقط بسبب لاإعتيادهم على هذا النوع من التعليم، ولا بسبب ضعف خدمة الأنترنيت أو انعدامها في بعض المناطق، وإنما أيضا لأن أغلب المتعلمين غير معتادين على البقاء في المنزل ولمدة طويلة. فالتواجد في المنزل ورؤية نفس الأشياء ونفس الوجوه وإعادة فعل نفس الأشياء كل يوم… قد يؤدي إلى ضغط وقلق وتوتر ولا إستقرار نفسي، ومن ثم فقدان التركيز وفقدان الرغبة في التعلم، فلا يمكن للمتعلم وهو في هكذا وضع أن يساير إيقاع الدروس، ونكون بذلك نشحنه بمعلومات ومعرفة لا يدري لهل معنى ولا تشكل أي أثر على مستوى عقله بل ويمكن أن تكون سببا له في مضاعفة توتره وقلقه… وربما نوصله لمرحلة لا نتمناها جميعا. لقد كان المفروض أن يتم إعداد المتعلمين نفسيا قبل الشروع في تقديم الدروس، كان على القنوات التلفزية بداية أن تخصص حصصا مكثفة حول كيفية التعامل مع فترة الحجر الصحي وكيفية تجاوز التوتر والضغط النفسي الذي يمكن أن يصيب المتعلمين جراء البقاء في المنزل لمدة شهر أو أكثر، أما أن تشرع في تقديم الدروس بطريقة جافة فلن يقود المتعلم للفشل فقط، بل وسيقوده للأسوء…(أرقام الإنتحار مؤخرا مخيفة بحق). في الأخير، نحن لا نقول بعدمية التعليم عن بعد، ولكننا نقول بلاجدوى تعليم لا يضمن تكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين المغاربة، لذلك وجب إعادة تقديم كل الدروس في الفصول بعد أن ينجلي هذا الوباء.. حفظنا الله جميعا.