ما زالت العوامل الداخلية التي كانت سببا في انبثاق حركة 20 فبراير من رحم المجتمع المغربي مستمرة، دائمة ودائبة في شرايين الحياة السياسية، الإقتصادية ، الإجتماعية والثقافية. فعلى المستوى السياسي، ما يزال الحقل السياسي المغربي موسوما بالبؤس و ضعف الفاعلين السياسيين الذين يتحملون مسؤوليتهم في عرقلة التغيير وتعطيله، وحكومة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تعيش خارج الزمن وتعمل على تحقيق رزنامة الأهداف التي رسمها المخزن المغربي عوض تحقيق انتظارات الشعب. أما على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي والذي احتل حيزا مهما في خطاب الحركة منذ بروزها فما زالت البطالة هي المعظلة التي تنخر جسم الشباب المغربي و تعرقل تحرره وتزداد وتيرتها بشكل ملفت للإنتباه خصوصا ضمن المعطلين المتعلمين و المعطلين حاملي الجامعية العليا، بالإضافة إلى انتشار الفقر و الأمية وتردي أحوال التعليم والصحة وتفشي اقتصاد الريع وانعدام تكافؤ الفرص في كافة الميادين و غلاء الأسعار وارتفاعها و التفاوت الطبقي واحتكار النمو الاقتصادي و عدم تحرره وبروز بوادر أزمة إقتصادية عنيفة تنتظر المغرب. في حين أن البعد الثقافي والذي تمثل في ترسيم الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد مازال ينتظر التفعيل عبر إقرار قانون تنظيمي يؤسس للطريقة التي سيتم من خلالها اعتماد الأمازيغية في دواليب الدولة وتمظهراتها. إن رهان الاستمرارية الذي يفرض نفسه بقوة على حركة 20 فبراير باعتبارها حركة احتجاجية تضم في مفهومها تشكيلات متعددة فكريا و سياسيا و يشارك في نضالاتها مواطنون و مواطنات من فئات اجتماعية و قطاعات مهنية مختلفة، يستدعي الوقوف من جديد على حقيقة الوعي بالذات من حيث أن الحركة تمثل المحك الفعلي للدفاع عن الحقوق العادلة والمشروعة للشعب المغربي، وهذا سوف لن يتأتى إلا من خلال توفر وعي تاريخي بالوضعية الإجتماعية للمقهورين قبلا وبعدا، و موقعهم في سياق الصراع الإجتماعي لكي يتم تحديد الجهة المستهدفة من الحراك وكذلك الخصم المطلبي. إن قوة حركة 20 فبراير كانت ولا زالت في أنها أعادت عجلة النضال الشعبي إلى الدوران بعد أن أصبح شبه متوقف، حيث راهنت على الإحتجاج ميدانيا لاعتباره هو الحل الوحيد والأوحد للتعبير عن الذات والمطالبة بالحقوق حيث لا أسوار ولا وسائط تخفي عن المجتمع ما يعانيه من هيمنة للثقافة القسرية الإكراهية التسلطية. في مثل هذه الأوضاع وقد تعمقت الأزمة في مختلف جوانب حياتنا السياسية والإقتصادية، والإجتماعية والثقافية، ولما أصبح جهاز الحكومة كله يعتبر امتدادا للحكم الفردي القائم على الولاء الشخصي المستبد، أضحت العودة إلى الشارع ضرورة ملحة وآنية لتجاوز ما يعيشه الشعب المغربي من واقع أليم وهزيل، شعب عاجز في علاقاته بالدولة والأحزاب وجميع المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، يسيطرون عليه ولايسيطر عليهم، يعمل في خدمتهم ولا يعملون في خدمته، لطالما وجد نفسه مرغما بقوة الحديد والنار على التكيف مع واقع الظلم والإستبداد، والإمتثال لأوامر السلطات المهيمنة على حياته بدلا من تغيير الواقع. ان المجتمع المغربي يعيش مرحلة إنتقالية طال أمدها، وتتوفر فيه مجموعة من الأوضاع والعوامل المتناقضة المضادة، فليس بالإمكان إستمرار تقبل هذه الحياة المؤلمة التي نعيشها. عاجلا ام آجلا، يجب ان يقف هذا الشعب على أقدامه ويضع حدا للظلم والمآسي التي يعاني منها، فإلى أن تنضج الظروف الذاتية والموضوعية ، يمكننا على الأقل العودة للشارع حاضرا الآن وهنا والإستمرار في التظاهر والكفاح لتجاوز هذه الأوضاع الراهنة.