عبد الحميد أمين * هذا العرض تم إلقاؤه لأول مرة يوم 25/08/2011 بمقر الاتحاد المغربي للشغل بفاس، بدعوة من "اللجنة المحلية لدعم الموقوفين عن العمل " تعسفا (لحسن علبو ومحمد الحراك) من طرف المسمى حميد شباط، رئيس المجلس الجماعي بمدينة فاس. وفيما يلي صياغة لهذا العرض بعد تنقيحه وتطويره خاصة على ضوء المناقشة. في البداية أشكر اللجنة المحلية لدعم الموقوفين على هذه الدعوة، مؤكدا تضامني وتضامن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ولجنة المتابعة للمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير مع الأخوين الموقوفين، مع المطالبة بالإلغاء الفوري لقرار التوقيف وبإرجاعهما للعمل دون تماطل ودون أي شرط؛ إن هذا الإجراء التعسفي لا مبرر له خارج العداء لمواقفهما النضالية، النقابية والسياسية، وخاصة ضمن حركة 20 فبراير بمدينة فاس. كما أعبر عن تضامني مع الأخ ادريس القاسمي، الموظف بالجماعات المحلية، الذي تعرض لإجراء تعسفي هو الآخر، حيث تم تنقيله من مدينة وجدة إلى مكان ما بإقليم جرادة على بعد 120 كلم انتقاما منه بسبب نشاطه داخل حركة 20 فبراير. التضامن كذلك، كل التضامن: مع الأخوين الكبوري وشنو من مدينة جرادة، المعتقلين حاليا بوجدة بعد الحكم عليهما سنتين سجنا نافذة بسبب نضالهما الجماهيري بمدينة بوعرفة المقاومة والصامدة، وبسبب نشاطهما ضمن حركة 20 فبراير. مع المعتقلين السياسيين الثلاثة بسجن الراشيدية، الذين خاضوا إضرابا عن الطعام لأزيد من أسبوعين في ظروف قاسية للمطالبة بجعل حد لأوضاعهم المهينة داخل السجن وتحسين شروط الاعتقال. مع المعتقل السياسي الطلابي الأخ غلوض الذي مازالت محاكمته سارية بعد أشهر من الاعتقال التعسفي. مع كافة معتقلي حركة 20 فبراير، الذين نطالب ونناضل من أجل إطلاق سراحهم الفوري وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ببلادنا. مع عائلات الشهداء السبعة بمدن الحسيمةوصفرو وآسفي ومع عائلتي الشهيدين المحترقين فدوى العروي وحميد الكنوني، مع المطالبة بالحقيقة الكاملة حول أسباب الوفيات ومتابعة السؤولين عنها. مع كافة ضحايا قمع حركة 20 فبراير، ونخص بالذكر ضحايا نهاية الأسبوع الفارط بمدينتي تاوريرت وفاس. والآن إلى موضوعنا: "حركة 20 فبراير والنضال من أجل الديمقراطية" لماذا الربط بين حركة 20 فبراير والنضال من أجل الديمقراطية؟ لسبب بسيط، هو أن حركة 20 فبراير، هي في جوهرها، حركة من أجل الديمقراطية من حيث أهدافها ومطالبها وشعاراتها. إن الهدف الأساسي للحركة هو تخليص المغرب والشعب المغربي من السيطرة المخزنية التي دامت قرونا طويلة، معرقلة إمكانية تطور البلاد نحو الديمقراطية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية. ففي الوقت الذي كانت الشعوب، خاصة شمال المتوسط بأوروبا، تطيح بالأنظمة الإقطاعية وبمختلف أصناف الاستبداد كان النظام المخزني الأوتوقراطي والمتخلف يجثم على صدر الشعب المغربي، معرقلا أي انتقال نحو الديمقراطية والتنمية الاقتصادية مهيئا بذلك شروط السيطرة الاستعمارية على بلادنا. وبعد انتهاء عهد الحماية في 1955 1956 تمكن المخزن بتحالف مع الاستعمار الجديد من تقوية نفسه وبناء أجهزة للدولة وضعت كلها في خدمة تقوية وتطور قاعدته الاجتماعية المكونة من ملاكي الأراضي الكبار والبورجوازية ذات المصالح المرتبطة بالاستعمار الجديد وكبار البيروقراطيين المستفيدين من مواقعهم في مختلف دواليب الدولة، المدنية والأمنية والعسكرية. لهذا، فإن حركة 20 فبراير جاءت كاستجابة لحاجة موضوعية تتجسد في توفير الآلية النضالية الشعبية الموحدة للقضاء على النظام المخزني العتيق واستبداله بنظام ديمقراطي. ماذا نعني هنا بالنظام الديمقراطي؟ وما هي أهم مقوماته؟ الجميع يتحدث عن الديمقراطية في المغرب، لكن كل بمفهومه الخاص؛ ولهذا ارتأيت قبل الدخول لصميم الموضوع، أولا أن أذكر بأن الديمقراطية هي حكم الشعب لصالح الشعب ومن طرف الشعب، وأن الديمقراطية مرادفة لحق الشعب في تقرير مصيره وللسيادة الشعبية، وثانيا أن للديمقراطية مقومات كثيرة أبرزها في نظري: إقرار دستور ديمقراطي من حيث منهجية بلورته (عبر مجلس تأسيسي منتخب أو عبر أية صيغة أخرى معادلة تمكن ممثلي الشعب وقواه الحية من بلورة مشروع الدستور)، ومضمونه، طريقة المصادقة عليه عبر استفتاء شعبي حر ونزيه ليس فيه إكراه أو تزييف للإرادة الشعبية. أما من حيث المضمون، فقد اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الطابع الديمقراطي للدستور يستوجب: إقرار السيادة الشعبية التي تجعل من الشعب، والشعب وحده، مصدر وأساس كل السلطات. الإقرار بقيم ومعايير حقوق الإنسان بمفهومها الكوني والشمولي مع وضع ضمانات دستورية لاحترامها. وبالنسبة للجمعية، فإن أبرز هذه القيم هي الكرامة والحرية والمساواة خاصة بين الجنسين والتضامن وقدسية الحياة. حكومة تحكم وتتوفر على كافة الصلاحيات التنفيذية بما في ذلك في مجالات الجيش والأمن والإدارة الترابية والعلاقات الخارجية وحماية حرية التدين والعقيدة وحماية استقلال القضاء والنهوض بالعدل. البرلمان كنتاج للإرادة الشعبية الحقة، كسلطة تشريعية وحيدة، وكسلطة رقابية على الحكومة وعلى كافة الأجهزة التابعة لها. القضاء كسلطة مستقلة، مع وضع الآليات الدستورية لضمان استقلاليته ونزاهته وكفاءته ولجعله في متناول الجميع. فصل السلط الثلاثة التقليدية التشريعية والتنفيذية والقضائية وفصل الدين عن الدولة ضمانا لممارسة حرية العقيدة وحرية التدين بالنسبة للجميع. في هذا الإطار، وجب والتذكير بموقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي اعتبرت أن العلمانية كسعي لحياد الدولة في المجال الديني تعد إحدى مقومات دولة الحق والقانون أو الدولة الديمقراطية. حماية الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية وإقرار الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. إقرار جهوية ديمقراطية تستند لأسس اقتصادية واجتماعية وثقافية وتهدف إلى تعميق الديمقراطية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وضع الأسس والآليات لتمكين الشعب المغربي، وفي كل المستويات، من تقرير مصيره خاصة عبر انتخابات حرة ونزيهة تسمح بانتخاب الحاكمين والحاكمات في كافة المستويات وبالتداول على السلطة. بعبارة أخرى، يجب ربط المسؤولية بصناديق الإقتراع. وهذا ما يعني أن أي شخص له مسؤولية دون أن يكون منتخبا، فإما أن تكون مسؤوليته رمزية، وإما أن يكون خاضعا بشكل مباشر أو غير مباشر لوصاية ورقابة الأجهزة المنتخبة. وضع الأسس والآليات لمراقبة الحاكمين ومساءلتهم مع إمكانية فصلهم عن مناصبهم ووظائفهم إذا دعت الضرورة؛ وبعبارة أخرى ربط المسؤولية بالمحاسبة. وضع قوانين ديمقراطية تستمد روحها من مواثيق حقوق الإنسان ومنسجمة مع معايير حقوق الإنسان وحقوق العمال الكونية. وضع الآليات القانونية والتنظيمية والتربوية والإجرائية لضمان استقلالية القضاء ونزاهته وكفاءته وقربه من المواطنين/ات، خاصة عبر المجانية وتوسيع شبكة المحاكم. ضمان الحقوق الإنسانية للمواطنين/ات كافة بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي مقدمتها الحقوق الشغلية. من خلال مقومات النظام الديمقراطي المصنفة أعلاه، يظهر بكل وضوح أن المغرب لم يدخل بعد في محفل البلدان الديمقراطية ولا يمكن تصنيفه كبلد ديمقراطي. بل يمكن أن نجزم كذلك أننا لسنا حتى في فترة الانتقال نحو الديمقراطية، رغم بعض المكتسبات الجزئية والهشة التي استطعنا كقوى ديمقراطية أن نحققها في مجال احترام حقوق الإنسان. يكفي أن نذكر هنا أن "المسلسل الديمقراطي" قد انطلق منذ 1976 في المغرب؛ وقد انطلق في نفس الفترة بكل من البرتغال وإسبانيا واليونان؛ إلا أن البلدان الثلاثة المذكورة تمكنت من إرساء أنظمة ديمقراطية ليبرالية بعد سنوات قليلة محسوبة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، في حين أننا لم نضع بعد في المغرب أسس هذه الديمقراطية بعد 35 سنة مرت على انطلاق "المسلسل الديمقراطي"، ومازلنا نعيش في ظل نظام ديمقراتوري، أي نظام استبدادي، ديكتاتوري في الجوهر، مع حمله للعديد من شكليات النظام الديمقراطي: التوفر على دستور، التعددية الحزبية والنقابية، تعدد المنابر الإعلامية، وجود برلمان ومجالس محلية منتخبة، إقرار حرية التظاهر والتجمع وتأسيس الجمعيات،... بعد "المسلسل الديمقراطي"، بدأت السلطة تتحدث عن "التجربة الديمقراطية في المغرب" وفي 1998، مع حكومة التناوب وخاصة منذ 1999 مع اعتلاء محمد السادس للعرش، بدأ الحديث عن الانتقال الديمقراطي؛ وها نحن نعاود الكرة مع دستور 1 يوليوز 2011 الذي يشكل بالنسبة للبعض القاعدة الفعلية للانتقال نحو الديمقراطية في المغرب. إن الذين حاولوا إعطاء مصداقية لأطروحة المسلسل الديمقراطي لم يشعروا بأنهم دافعوا عنها في عز استمرار سنوات الرصاص بانتهاكاتها الجسيمة التي أصبحت معروفة لدى الجميع؛ كما أن الذين دافعوا عن أطروحة الانتقال الديمقراطي لم يروا ما كان يرافق هذا "الانتقال" من استمرار للانتهاكات الجسيمة بأشكالها القديمة والمتجددة في معتقلات أخرى وضد قوى أخرى، وعموما في إطار مسلسل محاربة الإرهاب بدل مسلسل محاربة اليسار العدو التقليدي للإستبداد والذي لم يسلم هو الآخر من بطش أعداء الديمقراطية. انطلق النضال من أجل الديمقراطية مع انتهاء عهد الحماية، واتخذ شكل صراع بين المخزن المدعم من طرف قوي الاستعمار الجديد والحركة الوطنية ذات التطلع الديمقراطي. هذا الصراع لم يكن واضحا في البداية لأن المخزن نظرا لضعفه آنذاك كان يحاول إخفاء طابعه المعادي للديمقراطية، ولأن الحركة الوطنية نفسها كانت تضم جناحا غير ديمقراطي موالي للمخزن ويعمل على تقوية نفوذ المخزن. واتضح الصراع أكثر مع الانشقاق الذي عرفه حزب الاستقلال وأدى إلى تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومع إقالة حكومة عبد الله ابراهيم التي كان الإتحاد الوطني للقوات الشعبية يتبوء فيها الصدارة في ماي 1960. حسم الصراع بين المخزن وأنصار الديمقراطية لصالح المخزن وبشكل عنيف ودموي تجسد بشكل ملموس في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ميزت سنوات الرصاص: الإغتيالات والإعدامات خارج نطاق القانون، الإختطافات، النفي القسري، الاعتقال التعسفي، التعذيب، المحاكمات الجائرة، التقتيل الجماعي أثناء الهزات الإجتماعية الكبرى: الريف في 1958 و1959، الدارالبيضاء في مارس 1965 ويونيه 1981 ، شمال المغرب في يناير 1984، فاس في دجنبر 1990. كانت هناك صراعات سياسية بين المخزن والحركة الديمقراطية، تتمحور حول الدستور أو حول الانتخابات للبرلمان وللجماعات المحلية، خرج المخزن منها منتصرا. وكانت هناك كذلك صراعات اجتماعية كبرى اتخذت طابعا سياسا نظرا لحجمها ونظرا للقمع الذي ووجهت به؛ ونذكر منها بالخصوص انتفاضة الشباب في مارس 1965 ضد السياسة التعليمية للنظام، انتفاضة فلاحي أولاد خليفة في أكتوبر 1970،... الإضرابين العامين ليونيه 1981 ودجنبر 1990. كما نذكر أحداث سيدي إفني وصفرو وبومالن دادس والعيون (في 2005 و2010) والحسيمة وبوعرفة ونضال التنسيقيات ضد الغلاء. وفي السنوات الأخيرة، لعبت الحركة لحقوقية، وفي ظل فتور النضال الديمقراطي للقوى السياسية والنضال الاجتماعي النقابي، دورا سياسيا مهما عبر طرحها الحازم للقضايا الحقوقية الكبرى سواء المتعلقة بملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو بالحريات العامة أو بالمسألة الدستورية نفسها. في نهاية عهد الحسن وخاصة بعد تنصيب محمد السادس كملك للبلاد، برز الأمل لدى جزء كبير من النخبة السياسية والمثقفة، بما فيها ذلك المعارضة السابقة لنظام الحسن الثاني، في إمكانية الانتقال نحو الديمقراطية بتعاون بين المعارضة السابقة والمؤسسة الملكية؛ فكان الحديث عن الانتقال الديمقراطي. إلا أن هذه الآمال أحبطت بقوة في 2002 مع تعيين جطو على رأس الحكومة، ثم في 2003 مع الاستراتيجية الجديدة لمحاربة الإرهاب وما رافقها من موجة جديدة للإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد اتضح الطابع الوهمي للإنتقال الديمقراطي مع انتخابات شتنبر 2007 لمجلس النواب وما رافقها من مقاطعة عارمة للمواطنين (80% تجاهلوا بطريقة أو أخرى هذه الانتخابات) ومع بروز حزب صديق الملك واحتلاله المرتبة الأولى في انتخابات 2009 للمجالس المحلية. ما هي الوضعية إذن في مطلع سنة 2011، قبل انطلاق حركة 20 فبراير، 11 سنة ونصف بعد بداية عهد الملك الجديد، عهد محمد السادس؟ المخزن يسيطر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبقيمه المهترئة على البلاد، بتعاون طبعا مع الإمبريالية، الفرنسية والأمريكية الخاصة. استراتيجية محاربة الإرهاب متواصلة، مما يشكل الذريعة الملاءمة لانتهاك الحريات العامة والحريات الفردية ولتراجعات كبرى في مجال حقوق الإنسان أبرزها العودة القوية لظاهرة الاعتقال السياسي ولارتماء جزء من النخب في أخضان النظام على اعتبار أنه يحميهم من الإرهاب. تدهور الأوضاع المعيشية للجماهير الشعبية ومن ضمنهم الأجراء وخاصة عمال وعاملات قطاعات القهر (النسيج، الفلاحة، الفنادق، الأشغال العمومية والبناء، صناعات تحويل المواد الفلاحية، القطاع غير المنظم)؛ خرق معمم لمدونة الشغل على علاتها. استمرار ممارسة الحكم، على قاعدة دستور 1996 الذي كان يعتبر كافيا لبناء الديمقراطية في المغرب من طرف جل القوى السياسية وحتى الإصلاحات الدستورية المقترحة من طرف الاتحاد اشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، لم يكن من شأنها تغيير الطابع المخزني والاستبدادي للدستور. تدهور كبير لأوضاع القضاء وأوضاع السجون. أوضاع المرأة لم تعرف تحولا يذكر في مجال المساواة رغم ما سمي بثورة مدونة الأسرة. يكفي أن نشير هنا إلى مؤشر المساواة بين الرجل والمرأة الذي وضع من طرف المنتدى الاقتصادي العالمي والذي صنف المغرب في المرتبة 127 من بين 134 دولة!! أوضاع متردية لحقوق الطفل والمهاجرين من جنوب الصحراء والمهاجرين المغاربة بالخارج والمعاقين وللحق في البيئة السليمة. المشهد الحزبي والنقابي يعيش بدوره أزمة خطيرة. أما عن الفساد الاقتصادي فقد أصبح متفشيا أكثر من أي وقت مضى كل ذلك راجع إلى النظام المخزني السائد منذ قرون في بلادنا بجوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هذا النظام المرفوض من طرف شرائح واسعة من المجتمع. وجاءت حركة 20 فبراير كنتيجة لعاملين أساسيين: أولا، التناقضات التاريخية داخل المجتمع المغربي بين القوى الرجعية مدعومة من طرف الإمبريالية والتي يشكل المخزن المدافع الأساسي عن مصالحها. وتجسدت هذه التناقضات بالخصوص في الصراع التاريخي بين القوى الوطنية الديمقراطية والشعبية من جهة والمخزن الذي شكل الحاجز الأساسي أمام أي تطور فعلي سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي للبلاد. ثانيا، انعكاس الثورتين التونسية والمصرية على الشعب المغربي وقواه الحية. لقد كنا كمغاربة، نساء ورجالا، قلبا وقالبا مع الثورتين؛ وقد تم مؤازرتهما من طرف المناضلين/ات بشكل منظم. ويكفي التذكير هنا بدور الشبكة المغربية لمساندة الديمقراطيين التونسيين المؤسسة في أكتوبر 2005 والتي تم إحياؤها في نهاية دجنبر 2010 على إثر اندلاع الثورة في تونس بعد احتراق الشاب البوعزيزي. وقد تم تحويل هذه الشبكة فيما بعد لتصبح "الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب" التي شكلت أداتنا الجماعية في المغرب للتضامن مع الشعب المصري ثم مع شعوب العالم العربي الأخرى في كفاحها ضد الاستبداد والاضطهاد والقهر والظلم والفساد ومع كافة شعوب العالم في كفاحها ضد الهيمنة الإمبريالية والصهيونية وضد أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان والشعوب. إن الثورتين التونسية والمصرية كان لهما أثر عميق على الشباب الذين اكتشفوا أن الثورة الشعبية ممكنة إذا توفرت الإرادة النضالية الجماعية والوحدة الشعبية والاستعداد للتضحية. لقد تعود الشباب في المغرب على ترديد شعار "سلوا المهدي، سلوا زروال، والثورة ماشي محال" أو شعارات مماثلة بأسماء أخرى للشهداء، وأصبح لسان حالهم اليوم هو: "بعد مصر وتونس، لا مكان لليأس". إذا كانت حركة 20 فبراير نتيجة للعاملين المذكورين التناقض الداخلي بين المخزن وأنصار الديمقراطية، والعامل الخارجي المتجسد في تأثير الثورتين التونسية والمصرية ، لا بد من التأكيد بأن العامل الأساسي هو التناقض الداخلي، وهو الذي سيطبع مسار الحراك الاجتماعي المغربي الذي سيكون بالضرورة مختلفا عن مسار الحراك الاجتماعي بكل من تونس ومصر. وكل محاولة للتقليد الأعمى للتجربتين التونسية والمصرية ستبوء بالفشل. أهم المحطات التي طبعت مسار حركة 20 فبراير قبل مواصلة التحليل، أريد أن أذكر بأهم المحطات التي ميزت حركة 20 فبراير: 12 فبراير 2011: اعتصام أمام البرلمان بمشاركة مئات من المواطنين/ات، وبدعوة من الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب. الهدف الأول من هذا الاعتصام كان هو الاحتفال بنجاح الثورة المصرية في إسقاط الديكتاتور حسني مبارك يوم 11 فبراير؛ أما الهدف الثاني فكان هو تحويل الحفل إلى منتدى للنقاش حضره 300 إلى 400 مناضل/ة وكان الموضوع الأساسي هو: "بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية، ما العمل في المغرب؟" بعد نقاش هام ومسؤول، كانت الخلاصة العامة هي المشاركة الجماعية في مسيرات 20 فبراير والإندماج في حركة 20 فبراير. 14 فبراير: صياغة مجموعة من شباب الفايسبوك لمطالب حركة 20 فبراير، وقد سبق لمجموعة أخرى من الشباب أن وضعت 20 مطلبا في 06 فبراير. 17 فبراير: الحركة الحقوقية المغربية تنظم ندوة صحفية بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط بمشاركة ممثلين عن حركة 20 فبراير وكذا منسق الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب التي أصبحت تلعب دور الهيئة المدعمة لحركة شباب 20 فبراير. خلال هذه الندوة تم حشد التعبئة الإعلامية للمشاركة في مسيرات 20 فبراير، كما استعرض ممثلو شباب 20 فبراير مطالب الحركة التي تمت المصادقة عليها في 14 فبراير. 20 فبراير: اليوم النضالي الوطني الأول لحركة 20 فبراير: مسيرات نظمت في 60 مدينة، شارك فيها حوالي 300.000 مواطن/ة. في بعض المدن القليلة، انتهت المسيرات في جو من العنف والقمع: الحسيمة، صفرو، العرائش،.. وفي نفس اليوم وبعد انتهاء مسيرة الرباط، تم عقد جمع عام بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بدعوة من لجنة المتابعة للشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب. وقد قرر هذا الجمع العام الدعوة لجمع عام للهيئات الداعمة لحركة 20 فبراير يوم 23 فبراير قصد تأسيس المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير. 23 فبراير: الجمع العام الأول للمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير (CNAM20) والذي شاركت فيه العديد من الهيئات السياسية (اليسارية والإسلامية) والنقابية، والحقوقية والشبابية والنسائية والثقافية والجمعوية الأخرى، بالإضافة إلى بعض الفعاليات الديمقراطية. وفي نفس اليوم، تم إصدار البيان التأسيسي للمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير. خلال الجمع العام تم فرز لجة المتابعة للمجلس الوطني. 05 مارس: انعقاد الجمع العام الثاني للمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير بمقر الاتحاد المغربي للشغل بالرباط. 09 مارس: خطاب الملك بشأن عزم الدولة على تعديل الدستور مع التأكيد على "ثوابت المملكة الخمسة" وعلى المقومات السبعة التي يجب مراعاتها عند بلورة الدستور المعدل ومع اختيار لجنة خاصة لصياغة مشروع الدستور المعدل برئاسة عبد اللطيف المنوني وعضوية 18 آخرين تم اختيارهم من طرف الملك دون استشارة مسبقة. 13 مارس: تظاهرة الدارالبيضاء تواجه بقمع بوليسي شرس. 20 مارس: اليوم النضالي الوطني الثاني في إطار حركة 20 فبراير: عرف نجاحا مهما حيث تمت تظاهرات ومسيرات في وحوالي مئة مدينة مع مشاركة حوالي نصف مليون متظاهر/ة. 24 أبريل: اليوم النضالي الوطني الثالث بتظاهرات في 110 نقطة، بما في ذلك بعض العواصم في أوروبا الغربية، وبأزيد من نصف مليون متظاهر/ة. 26 أبريل: توقيع اتفاق الحوار الاجتماعي لشهر أبريل بين الحكومة والمركزيات النقابية الخمسة ونقابة الباطرونا. الاتفاقية تضمنت تنازلات مهمة من طرف الحكومة بالخصوص، كان هدفها تحييد الطبقة العاملة حتى لا تلتحق بشكل عملي وفعلي بحركة 20 فبراير. 28 أبريل: العملية الإرهابية بمقهى أركانة بمراكش: تخوف كبير من التأثير السلبي لهذه العملية على مسار حركة 20 فبراير. فاتح ماي: مشاركة قوية لحركة شباب 20 فبراير في التظاهرات العمالية مع ما نجم عن ذلك من تسييس للتظاهرات. 08 ماي: مسيرات حركة فبراير (وخاصة مسيرة مراكش التي اتخذت طابعا وطنيا) رفعت بقوة شعارات للتنديد بالعملية الإرهابية بمقهى أركانة بمراكش وبالإرهاب بصفة عامة، مع مواصلة الإحتجاج ضد الاستبداد والفساد والمطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. 15 ماي: وقفة لحركة 20 فبراير قرب مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DST) المعروف باستعماله طيلة سنوات كمركز للإحتجاز غير القانوني وللتعذيب تواجه بقمع بوليسي عنيف ومطاردات بوليسية شرسة. 22 ماي: اليوم النضالي الوطني الرابع لحركة 20 فبراير يواجه بالقمع في العديد من المناطق. 29 ماي: خرجات 20 فبراير بمختلف المدن تواجه بالقمع البوليسي العنيف. 05 يونيو: بمبادرة من المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، تم تنظيم يوم وطني للإحتجاج ضد القمع مع مواصلة رفع مطالب حركة 20 فبراير؛ هذه المبادرة سيكون لها تأثير إيجابي حيث ستلجأ الدولة إلى التخفيف من حدة القمع المباشر؛ لكن في نفس الوقت ستبرز ظاهرة "البلطجية" باعتبارهم قوات غير نظامية مساعدة لقوات الأمن. 17 يونيه: خطاب الملك لتقديم مشروع الدستور المعدل والإعلان عن 01 يوليوز كموعد للإستفتاء حول المشروع. بعد هذا الخطاب، حركة 20 فبراير تعلن رفضها للمشروع داعية لمقاطعة الإستفتاء. 26 يونيه: اليوم الوطني النضالي الخامس؛ البلطجية ينزلون بقوة للتصدي لحركة 20 فبراير بدعوى الدفاع عن مشروع الدستور. 30 يونيه: آخر المظاهرات في العديد من المدن للتعبير عن رفض مشروع الدستور وللدعوة لمقاطعة استفتاء يوم 01 يوليوز. 01 يوليوز: يوم الاستفتاء؛ يوم التزييف السافر للإرادة الشعبية؛ وزير الداخلية يعلن بعد ذلك عن نسبة للمشاركة في التصويت تصل إلى 73.5% بالداخل وعن نسبة للتصويت بنعم تصل إلى 98.5%، بينما يعلن عن نسبة للتصويت بنعم تصل إلى 98% بالخارج دون إعطاء نسبة للمشاركة، وذلك لسبب بسيط هي أنها تصل إلى حوالي 10% فقط من مجموع المواطنين/ات المغاربة الذين لهم حق التصويت والموجودين بالخارج. ومن جهة أخرى إن تحليلا موضوعيا للأرقام الحكومية ودون الحديث عن تزييف الإرادة الشعبية والتزوير اللذان مكنا من بلوغ هذه الأرقام يبين بأن حوالي 40% فقط من المغاربة داخل وخارج المغرب هم الذين شاركوا في الاستفتاء حول الدستور. 03 يوليوز: المظاهرات تتواصل بعد انتهاء الاستفتاء مباشرة؛ المتظاهرون/ات ينددون بتزييف الإرادة الشعبية ويواصلون طرح مطلب الدستور الديمقراطي في منهجية بلورته ومضمونه وطريقة المصادقة عليه. 17 يوليوز: اليوم النضالي الوطني السادس 6 و13 و20 غشت: التظاهرات مستمرة في نهاية كل أسبوع من أسابيع رمضان، رغم الصيام ورغم العطلة الصيفية. الاستعداد النضالي متقد. حركة 20 فبراير تتواصل رغم الشوائب من خلال السرد السابق يتضح أن حركة 20 فبراير ظلت تواصل مسارها بنجاح بعد مرور أزيد من 6 أشهر على انطلاقها ؛ وقد تنبأ لها خصومها بالإنكسار في مناسبات مختلفة؛ كما عبرنا نحن أنصار 20 فبراير عن تخوفاتنا في عدد من المحطات؛ ورغم ذلك تمكنت الحركة من الخروج من عنق الزجاجة غير عابئة بالمكائد. وتجسدت أبرز التحديات والخروج من عنق الزجاجة بنجاح في المحطات التالية: انطلاق حركة 20 فبراير؛ لم نكن نتوقع ذلك النجاح الباهر لأول انطلاقة للحركة خصوصا مع المكائد من طرف أعداء الحركة من خارجها والمتربصين داخلها. ومع ذلك تم تعكير هذا النجاح بالممارسات العنيفة التي عرفتها نهاية بعض التظاهرات. خطاب 9 مارس، كان له تأثير على عدد من الملتحقين المتأخرين بحركة 20 فبراير، غير المقتنعين بأهدافها الأصيلة والذين رأوا في الخطاب تجاوبا يفوق انتظاراتهم، فيما يخص مطالبهم الدستورية؛ ولهذا قرروا عدم النزول للشارع مجددا أو النزول بهدف دعم "حسن تنزيل ما ورد في الخطاب". ورغم الخطاب، ورغم قمع 13 مارس، كان اليوم النضالي الوطني الثاني (20 مارس) ناجحا بامتياز. العملية الإرهابية بمقهى أركانة يوم 28 أبريل زرعت التوجس والبلبلة؛ ورغم ذلك شكلت تظاهرات فاتح ماي ثم 08 ماي تجاوزا للتخوفات على حركة 20 فبراير من انعكاسات العملية وتأثيراتها. خطاب الملك ليوم 17 يونيه شكل هو الآخر تحديا لحركة 20 فبراير التي عرفت كيف تتجاوز تأثيراته عليها؛ خاصة عبر إعلانها لمقاطعة الاستفتاء دون أن يكون لذلك انعكاس سلبي على تماسكها الداخلي. استفتاء 01 يوليوز شكل تحديا آخرا للحركة. أعداؤها كانوا يتنبؤون بوفاتها يوم الاستفتاء؛ لكن استئناف التظاهرات، بحماس بالعديد من المدن، يوم 03 يوليوز، خيب آمالهم وظلت الحركة تخرج كل نهاية أسبوع، وفي 40 أو 50 نقطة بمشاركة مئات الآلاف من المواطنين/ات وخاصة بالمدن الكبرى رغم القمع ورغم استفزازات وعنف البلطجية. وكان آخر تحدي للحركة هو حلول شهر رمضان والذي صادف هذه السنة أوج العطلة الصيفية. ومع ذلك ظلت الحركة تخرج في نهاية كل أسبوع وبالليل في مسيرات حاشدة أظهرت أن حركة 20 فبراير مازالت تتمتع بحيوتها. كيف تمت مواجهة حركة 20 فبراير من طرف أعدائها وخصومها والمتشككين؟ منذ البداية، وقبل 20 فبراير كان هناك التشويه الإعلامي للحركة التي وصف بعض شبابها ذكورا وإناثا بالملحدين، بآكلي رمضان، بالمثليين، بعملاء البوليزاريو والجزائر،... ثم كان هنالك التشويش على المسيرة الأولى ومحاولة الإحتواء والاختراق: التشويش الإعلامي تجسد بالخصوص في ذلك الخبر الزائف الذي أذاعته التلفزة المغربية نفسها في 19 فبراير، والذي مفاده أن قرارا اتخذ من طرف رموز الحركة لإلغاء المسيرة!! أما الاحتواء فتجسد في كون العديد من المتشككين بل حتى المناوئين للحركة أصبحوا يتبنون شعار "كلنا 20 فبراير"، وذلك من أجل تمييع طابعها كحركة ديمقراطية مناهضة للمخزن. أما الاختراق فتجسد في دس بعض العملاء في صفوف الحركة لزرع البلبلة داخلها وللجوء لخدماتهم في الوقت المناسب؛ ومن أجل إضعاف الحركة وإبعاد الجماهير الشعبية عنها وتقسيمها ، قام المخزن بعدد من التنازلات والمبادرات ذات الطابع السياسي والاجتماعي تجسدت بالخصوص في: الخطاب الملكي ليوم 09 مارس حول تعديل الدستور. الإشراك الجزئي والشكلي للأحزاب السياسية والمركزيات النقابية في مسلسل بلورة التعديلات الدستورية. إطلاق جزء من المعتقلين السياسيين بمن فيهم بعض المعتقلين الصحراويين وعدد من معتقلي حركة 20 فبراير والسلفية الجهادية. حلول المجلس الوطني لحقوق الإنسان مكان المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مع إعطائه صلاحيات أكبر وحلول هيئة الوسيط مكان ديوان المظالم وتأسيس مندوبية حقوق الإنسان. جمع المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد طول انتظار. مواجهة مطلب محاربة الفساد ببعض الإجراءات الجزئية خاصة منها توسيع صلاحيات هيئة محاربة الرشوة ومجلس المنافسة ونشر التقرير عن سنة 2009 للمجلس الأعلى للحسابات والشروع في متابعة بعض المفسدين. اعتمادات كبيرة أضيفت لميزانية صندوق المقاصة قصد الحد من ارتفاع كلفة المعيشة. اتخاذ قرار بتشغيل بضعة آلاف من المعطلين حاملي الشواهد العليا. التسريع بالحوار الاجتماعي الذي كان مجمدا، وتتوجيه باتفاقية 26 أبريل. المخزن واجه كذلك حركة 20 فبراير بالقمع وهو ما شاهدناه في عدد من المدن، وعلى سبيل المثال لا الحصر يوم 20 فبراير (في صفرو مما أدى إلى استشهاد كريم الشايب، في الحسيمة التي عرفت استشهاد 5 من الشباب والعرائش،...) يوم 13 مارس بالدارالبيضاء، أيام 15 و22 و29 ماي بالعديد من المدن مما أدى إلى استشهاد كمال العماري يوم 02 يونيه). المخزن واجه الحركة كذلك بتجنيد مجموعة من الموطنين للتصدي لحركة 20 فبراير بالاستفزاز والعنف. هؤلاء المواطنين الذين تم تسميتهم بالبلطجية أصبحوا بمثابة قوات مساعدة غير نظامية لقوات الأمن يتلقون التعليمات منها ويتم حمايتهم من طرفها. هذه الظاهرة خطيرة جدا لأنها تؤدي إلى خوصصة القمع وتفويت صلاحيات الدولة القمعية للمرتزقة من ذوي السوابق، دورهم اليوم هو ترهيب المناضلين/ات وقد يتحولون غدا إلى فيالق للموت. الهجوم الإعلامي على الحركة تطور مؤخرا بشكل كبير لمحاولة التصدي لوحدتها عبر استعداء بعض مكوناتها ضد الآخرين. استهداف وحدة الحركة أصبح من أوليات العمل المخزني المعادي للحركة وذلك بمحاولة تأليب بعض المكونات ضد العدل والإحسان والنهج الديمقراطي "كقوى متطرفة تسعى إلى جر الحركة لخدمة أهدافها الخاصة". وأعتقد شخصيا أن هذا الهجوم يؤدي إلى مفعول عكسي حيث كل الغيورين انتبهوا لضرورة الحفاظ على وحدة الحركة وعلى الوحدة الشعبية كإحدى الضمانات الأساسية لتحقيق أهدافها الديمقراطية. وكخلاصة يمكن استنتاجها مما سبق، إن حركة 20 فبراير، وبعد ستة أشهر مرت على انطلاقتها المظفرة، تظل صامدة أمام القمع البوليسي، أمام البلطجية، أمام المناورات السياسية، أمام التعتيم الإعلامي، أمام محاولات الاختراق والإحتواء وأمام محاولات التفرقة وضرب وحدتها. هيكلة حركة 20 فبراير برزت حركة 20 فبراير كحركة مزدوجة التكوين، مشكلة من حركة شباب 20 فبراير ومن حركة الدعم المتجسدة في المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير والمجالس المحلية لدعم حركة 20 فبراير. وللإشارة فإن حركة الدعم رغم تسميتها لا تكتفي بالدعم السياسي والمادي لحركة شباب 20 فبراير بل إنها تشارك بقوة في نضالات الحركة. المكون الأول اتخذ شكل تنسيقيات محلية لشباب 20 فبراير؛ تتخذ قراراتها في جموعات عامة محلية عبر التوافق ووفقا للتوجه العام للنقاش. ليس هناك تنسيق وطني لحد الآن ما بين مختلف التنسيقيات، اللهم ذلك التنسيق عبر نقاشات الأنترنيت. المكون الثاني تجسد وطنيا في المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير الذي عقد جمعه الأول التأسيسي يوم 23 فبراير وجمعه الثاني يوم 05 مارس وجمعه الثالث يوم 11 يونيه. الجمع العام الثالث والأخير اكتسى أهمية كبرى باعتبار مصادقته بالإجماع على وثيقتين مهمتين: البيان الختامي الذي تضمن مطالب حركة الدعم. فلأول مرة تمكنا كحركة دعم من بلورة حد أدنى من المطالب المشتركة. الأرضية بشأن مرتكزات عمل المجلس وهي الأرضية التي قررت إدماج المجالس المحلية لدعم حركة 20 فبراير كهيئات عضوة في الجمع العام للمجلس الوطني، بعد أن كانت العضوية مقتصرة على التنظيمات الوطنية الداعمة لحركة 20 فبراير. وتجدر الإشارة إلى أن التنسيق الوحيد الذي تم لحد الآن بين المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير والمجالس المحلية هو ذلك اللقاء التواصلي الذي تم يوم 17 أبريل بالرباط والذي مكن من تبادل التجارب بين مجالس الدعم وطرح الأفكار الأولية حول إمكانية تمثيل المجالس المحلية في الجمع العام للمجلس الوطني للدعم. السؤال المطروح منذ انطلاق حركة 20 فبراير يتعلق بإمكانية اندماج مكوني الحركة في هيئات موحدة تضم حركة شباب 20 فبراير وحركة الدعم. مؤشرات هذا الإنصهار موجودة: ففي عدد من المدن هناك حركة 20 فبراير واحدة تضم الشباب وتضم الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والسياسية وغيرها. في مدن أخرى، إن حركة 20 فبراير مكونة ليس فقط من الشباب، ولكن كذلك من مناضلين/ات غير شباب يعملون يدا في اليد مع الشباب وعلى قدم المساواة. في حالات أخرى كطنجة هناك حركة شباب 20 فبراير ومجلس الدعم ولجنة مشتركة منبثقة عن الهيئتين ولها صلاحيات تقريرية. أعتقد شخصيا أن تشكيل المجلس الوطني والمجالس المحلية لدعم حركة 20 فبراير كان له دور جد إيجابي على الحركة لأنه من جهة مكن من الحفاظ على استقلالية الشباب وتشجيع مبادراتهم المستقلة خصوصا وأن سقف مطالبهم وأساليبهم النضالية كان متقدما على العديد من مكونات حركة الدعم. إن إيجابية تشكيل المجلس الوطني تكمن كذلك في إعطائه بعدا وطنيا منظما لحركة 20 فبراير خاصة وأن تنسيقيات الشباب التي تأخذ قرارتها بالإجماع تفتقد لحد الآن لآليات التنسيق فيما بينها. فهل يمكن في الظروف التنظيمية الحالية للحركة أن نتصور حركة 20 فبراير كحركة وطنية بدون وجود المجلس الوطني؟! مهما يكن من أمر، فإن كل المناضلين/ات الغيورين على تطور حركة 20 فبرابر مقتنعون بضرورة العمل على وحدتها والتخلص من الازدواجية داخلها بين حركة للشباب وحركة داعمة ومشاركة؛ المطروح فقط إيجاد الصيغ الملاءمة لبلوغ هذا الانصهار بما يرتضيه الجميع ولصالح تطور حركة 20 فباير ككل. الكاتب في سطور حميد المهدوي * أحد أبرز الوجوه النقابية في الإتحاد المغربي للشغل، ونائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وعضو المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبارير، يصفه بعض المتتبعين للشأن السياسي المغربي بعراب حزب النهج الديمقراطي، ويعرف من أين تأكل كتف مؤتمرات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قضى 12 سنة في سجون الحسن الثاني، تعرض للتهديد بالقتل قبل أسابيع، من مجهولين لدعمه حركة 20 فبراير، يرميه خصومه السياسيون بالعدمية والتحجر، لكن كثيرين يحترمونه على صلابة مواقفه، في وقت يعتبرونه قابل للمساومة لمن ضعفت نفسه في هذا الزمن السياسي الرسمي الصعب.