كشفت وثيقة أودعها وزير المالية نزار بركة، ووالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري لدى صندوق النقد الدولي خلال بداية الأسبوع، ونشرت يوم الإثنين عن تفاصيل ذات أهمية قصوى تتعلق بالوضع الاقتصادي المغربي، وتتضمن لائحة من الإلتزامات من طرف المغرب، وكذا التوجهات الإقتصادية العامة. لكن المفارقة أن هذه الوثيقة لم يطلع عليها الرأي العام المغربي، وأكثر من ذلك فقد تضمنت بعض الأرقام والالتزامات المخالفة لتلك التي أعلنتها الحكومة في قانون المالية الذي صادق عليه البرلمان. لقد سبق للحكومة في برنامجها الذي قدمته أمام البرلمان أن تعهدت بتقليص عجز المالية في أفق سنة 2016 ليصل إلى 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لكنها رفضت على لسان الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، إدريس الأزمي، الكشف عن السياسات التي تنوي سلكها للتخفيض من العجز: ولم تورد أية تفاصيل عن الإصلاحات الضريبية للرفع من العائدات، أو أية تفاصيل عن التخفيض من المصاريف أو التحكم في نموها. محرر الوثيقة، التي كشف عنها موقع"The Moorish Wanderer" يختتمها تختم بهذه الفقرة "كما تشير له المراسالات السالفة الذكر، فأن السلطات عازمة تمام العزيمة لتطبيق الإصلاحات التي إقترحتها، للتمكين من خلق جو ملائم للنمو الإقتصادي وخلق أكبر عدد ممكن من مناصب الشغل، مع مراعاة المؤشرات الجوهرية والمالية.[...] وسيبقى الصندوق في إتصال دائم مع السلطات لتأمين نجاح هاته السياسات". الوثيقة المؤرخة في غشت، تتعهد أمام صندوق النقد الدولي بتطبيق سياسات لا علم للمغاربة بها: فهي مثلا تتحدث عن قانون إطار لتدبير ميزانيات الجهات الجديدة المزعمة إقامتها تنزيلا للجهوية الموسعة، مع أنه لا يوجد أي مشروع قانون مودع إلى هذا الآن يخص هذا الموضوع. كما تكشف الوثيقة أمام الصندوق عن توقعها بتراجع نسبة النمو المرتقب إلى 2.9 في المائة، أي أضعف نسبة منذ 2005. وذلك عكس ما جاء في قانون المالية وتصريحات وزير المالية الذي يتحدث عن معدل نمو يفوق 4 في المائة. فوزير المالية ووالي بنك المغرب كانا واقعيان في تعاملهما مع هيئة دولية، وفي المقابل نجد الحكومة تنتقد وتهاجم كل من يشكك في تطلعاتها لتحقيق نسبة نمو تفوق 4 في المائة. وحسب نفس الوثيقة فالحكومة ما زالت متشبثة بهدفها ببلوغ نسبة نمو متوسط 5.5 في المائة في أفق 2016. كما تزعم تقليص البطالة في حدود 8 في المائة خلال نفس السنة. الوثيقة إقتراحت سياسة تقشفية تعتمد أساسا على إصلاحات جزئية كترشيد المصاريف، وكدا الرفع من مردودية العائدات، دون مساس هيكل العائدات الجبائية، إن تحدث في عجالة عن ضرورة توسيع الوعاء الضريبي. على كل حال، كما أن تطلعات وزارة المالية، من خلال هذه الوثيقة، تتوقع إحتواء عجز الميزانية في حدود 5.3 في المائة سنة 2013، أي 41 مليار درهم. كما تتحدث عن احتمال تقليص هذا العجز إلى 18 مليار درهم سنة 2014، أي بنسبة 2.1 في المائة من الناتج الداخلي الخام (في حالة نمو بمعدل 4.3 في المائة سنة 2013). إلا أن المبالغ المزعم اقتصادها من خلال ترشيد النفقات والبحث الجاد عن الواردات لا تتعدى عشرات مليار درهم (نصفها تم ضمانها من خلال الزيادات الأخيرة في المحروقات)، وهو ما سيوفر أقل من 3 في المائة من حجم الميزانية بأجملها، في حين يتطلب بلوغ الأهداف المرسومة توفير نحو 30 مليار درهم. الوثيقة تتعهد بإصلاح صندوق المقاصة، ولا تقترح تعويضه بصرف إعانات مباشرة للأسر المعوزة كما يعلن عن ذلك رئيس الحكومة، وتكتفي فقط بالإلتزام بتخفيض كلفته بحوالي 25 في المائة إبتداء من يوليوز 2012، وهو ما أخفقت تحقيقه حتى الآن حسب آخر إحصائيات الخزينة العامة للمملكة، وهو ما يفترض زيادات أخرى في الوقود وفي مواد مدعمة أخرى يجب توقعها قبل نهاية السنة.