إن الوباء الذي نشكو منه اليوم، جائحة حقيقية ليست من نتاج الخيال. ففيروس كورونا الذي أطلق عليه اسم كوفيد-19، هو نوع جديد من أنواع الأنفلونزا المتطورة التي انتشرت في العالم بسرعة. والجديد في هذه الجائحة ليس فقط طبيعة هذا الفيروس الذي لم تتوصل المختبرات العلمية لحدود الآن، إلى لقاح مضاد فعال للقضاء عليه؛ بل حتى التدابير التي تتخذ لمواجهته تختلف عن التدابير المعتمدة في مواجهة مختلف الأزمات الحادة، سواء كانت صحية-وبائية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو مالية. والجديد أيضا، هو طريقة تحكم أو تدبير الصين الشعبية في انتشار الوباء، أول دولة أكتشف فيها كورونا، رغم أنها تعتبر من الدول الأكثر كثافة للسكان في العالم، والأكثر نشاطًا من حيث المبادلات التجارية الخارجية. شخصيا، أرى أن هذه الجائحة ستغير وجه المجتمع البشري في المستقبل رأسا على عقب. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل هذا التغيير سيمس فقط الميادين الطبية والصحية، أم سيطال أنماط الاستهلاك وأنساق القيم والأنظمة السياسية والمنظومات القانونية، وهل سيطيح بالامبراطوريات المالية والاقتصادية العظمى؟ وهل ستحدد طريقة الخروج من آثار هذا الوضع الدارامتيكي الذي تعيشه البشرية اليوم، التحولات الكبرى التي سنعرفها في المستقبل؟ إذا استثنينا التدبير الذي اتبعته الصين، فإن الطرق التي تم بها تدبير أزمة هذا الوباء في العالم متشابهة إلى حد ما. فهل يكمن المشكل في الوباء في حد ذاته، أم في طريقة تدبيره؟ إن منظمة الصحة العالمية صرحت، ولو بشكل متأخر، أن المشكل لا يكمن في الوباء في حد ذاته، بل في الخوف والهلع والرعب الذي ينشره تفشي هذا الفيروس. وإذا بحثنا بعجالة عمن يقف وراء نشر هذا الرعب، سنجد أن الوسائط التواصلية المتعددة، في الوقت الذي تقوم فيه بعمل مهم ومفيد، تقوم في نفس الوقت بتضخيم المشكل وتقديمه كأنه نهاية للعالم؛علما بأن عدد الوفيات التي خلفها هذا الوباء الجديد خلال ثلاثة أشهر، بين منتصف دجنبر 2019 ومنتصف مارس 2020، لم يصل حتى إلى عدد ضحايا الأنفلونزا العادية في العالم سنويا. وبالعودة إلى تمكن الصين، إلى حد ما، من تدبير انتشار الفيروس، نجد بأن ما يميزها عن باقي بلدان العالم، إضافة إلى عنصري الانضباط وهيمنة الحزب الشيوعي على مركز القرار، عنصر مهم وأساسي جدا، وهو ببساطة، تحكم الدولة في الوباء من خلال تحكمها في وسائل الإعلام الحديثة التي تعتبر هي الموجهة الأولى للرأي العام. وقد اكتشف الرئيس الأمريكي بشكل متأخر، تأثير مصادر المعلومة في تدبير الوباء. وفي سابقة هي الأولى في امريكا، يكلف ترامب نائبه لتدبير هذا الوباء، ليكون البيت الأبيض هو المصدر الأول للمعلومة. وفي الصين، وفضلا عن روح الانضباط التي تميزالشعب الصيني، والبنيات التحتية الصحية المتوفرة والمستحدثة، ووفرة مراكز البحث والمختبرات؛ فقد تم التحكم في مصدر التواصل حول الوباء منذ البداية. فمصدر المعلومة حول كورونا هو مصدر واحد ووحيد، بحكم أن الصين الشعبية لم تفتح فضاءها أمام وسائط التواصل الاجتماعي التي يتحكم فيها الغول الرقمي الأمريكي غوغل. فهي تملك إمبراطوريتها العنكبوتية الخاصة بها، وجميع وسائط التواصل متحكم فيها داخليا. أين نحن في البلدان الأخرى من بقية العالم مما يحدث؟ هل المراقبة القانونية والأمنية تكفي للتحكم في مصدر المعلومة؟ أكيد.. لا تكفي.. ولذلك فقد كان عليها التفكير على الأقل في تشكيل خلايا مركزية فريدة لترويج المعلومة، بأسلوب تواصلي علمي يوصل المعلومة إلى المتلقي بالإقناع. هل ما يحدث في العالم من مراقبة أمنية وقانونية كاف لتدبير الوباء أولا، ومعرفة مستقبل شعوبها في مرحلة ما بعد الوباء؟ هذا ما سيجيب عليه التاريخ عاجلًا أو آجلا.