لا يمكن تفسير تصرف البرلمانيين وحضورهم المكثف لجلسات البرلمان الأخيرة إلا بالدناءة. فالدنيء كما يقال إذا خاف أو جاع تذلل. أي أصبح أكثر خضوعا وخنوعا. والسبب الذي دفع "البرلمانيين المحترمين"، إلى كل هذا التذلل، هو التلويح بتطبيق قانون يجيز الاقتطاع من تعويضات المتغيبين. فقد تابع المشاهدون كيف جلس هؤلاء البرلمانيين مثل تلاميذ كسالى في كراسهم وهم يعدون الدقائق ينتظرون صافرة الانصراف. كان ينبغي أن يسن البرلمان قانونا داخليا يجزر تغيب البرلمانيين لينصاع هؤلاء إلى القيام بأقل ما هو واجب عليهم، أي تأثيث قبة البرلمان. فهم يعرفون قبل غيرهم أن حضورهم مثل غيابهم لن يغير أي شيء من صورة البرلمان الذي يتخذه النظام في المغرب كواجهة صورية لديمقراطية شكلية. لكن حتى هذا الحضور المكثف والشكلي، لن يكون بدون مقابل مادي، فقد دافع البرلمانيون على سن قانون تعويضات عن السفر والإقامة في الفنادق بل وحتى كراء الشقق المفروشة للبعض من أجل ترغيبهم في تأثيث قاعة البرلمان. إن الدناءة هنا تصبح مزدوجة. دناءة الخائف ودناءة المبتز. فهؤلاء السادة يبتزون الأمة من أجل تمثيلها! والمفروض في التمثيلية البرلمانية أنها تشريف يسعى إليه من يلمس في نفسه القدرة على تحمله طواعية، وليس تكليف يتسابق إليه من يطمع في تعويضاته ويبتز للحصول على غنائمه. فبعد سن البرلمان السابق لزيادة 6 آلاف درهم في تعويضات البرلمانيين شهريا، ورفع معاشاتهم الأبدية إلى أكثر من 10 درهم، وتطبيق الزيادات الجديدة على تعويضاتهم أسوة بباقي الموظفين الذين قررت الحكومة السابقة زيادة 600 درهم في أجورهم لشراء صمتهم وثنيهم عن المشاركة في الحراك الذي عرفه الشارع عام 2011. سن القانون المالي الجديد زيادات إضافية في تعويضات البرلمانيين شملت نفقات التنقل والإيواء والطعام بل وحتى الحج الذي هو فرض عين لمن استطاع إليه سبيلا! واليوم سن البرلمانيون لأنفسهم قانونا جديدا يجيز لهم صرف تعويضات جديدة لتغطية تنقلاتهم وإقامتهم في الفنادق أو الشقق المفروشة أثناء حضورهم جلسات البرلمان، تضاف إلى الامتيازات التي ظلوا يتمتعون بها من قبيل تخفيظ بنسبة 50 في المائة في تذاكر الطائرات والإقامة في الفنادق، ومجانية السفر في الدرجة الأولى من القطار، وهلم جرا من الامتيازات التي لاعلم للمواطن بها... يحدث هذا في وقت تمر به البلاد بأزمة اقتصادية خانقة، وتقر فيه الحكومة زيادات في أسعار المحروقات، وتطالب فيه الشعب بالتقشف وشد الحزام. كما يحدث هذا في وقت نرى فيه حكومات ورؤساء دول أغنى من المغرب أو أقل من مستواه مثل فرنسا والأردن. فقد كان أول قرار اتخذه الرئيس الفرنسي هو خفض راتبه ورواتب وزراء حكومته. ونفس الشيء فعلته الحكومة الأردنية، وقبلهما تنازل الرئيس التونسي عن نصف راتبه.. وفي دول أوروبية تتنازل حكومات عن جزء من رواتب وتعويضات أعضائها طواعية وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي تهدد بنسف اقتصاديات دول أقوى من المغرب مثل اليونان وإيطاليا واسبانيا! كان البرلمان بمجلسيه يكلف ميزانية الدولة 50 مليار، و400 مليون سنتيم سنويا، وذلك عندما كان أعضاء مجلس النواب 325 نائبا، لكن بعد إقرار الدستور الجديد ارتفع هذا العدد إلى 395، نائبا، أي بزيادة 70 نائبا برلمانيا، فارتفعت ميزانية البرلمان خلال عام 2012 إلى 59 مليار، و 600 مليون سنتيم سنويا. ومع الزيادات والتعويضات الجديدة فإن هذه الميزانية مؤهلة للارتفاع في وقت يطلب فيه من الشعب بشد الحزام! --- ملحوظة: آخر خبر أوردته الصحف يقول بأن فريقي حزبي "الاتحاد الاشتراكي" و"الأصالة والمعاصرة"، اعترضا على مشروع القانون مما اضطر معه مكتب المجلس إلى المصادقة على قانون افرغ من كل معانيه عندما وضع لائحة أعذار عريضة تبيح للبرلمانيين التغيب لأسباب واهية من قبيل المرض بدون تقديم شهادة طبية، أو لأسباب قاهرة البرلماني هو وحده من يقررها!