لا يفهم في هذه الظرفية الحساسة كيف تتخذ الحكومة قرارات جريئة وذات كلفة في سياق الترشيد والتخليق، ويتداول مكتب مجلس النواب اليوم حول دعم البرلمانيين الذين يسكنون في المناطق النائية من أجل «تشجيعهم» على حضور الجلسات العامة والمشاركة في عمل اللجان البرلمانية! المعلومات التي تلقتها «التجديد» من مصادر موثوقة تقول بأن مكتب مجلس النواب ماض في اتجاه الدعم لرحلات البرلمانيين والحجوزات التي يقومون بها للفنادق في الرباط، كل ذلك من أجل تشجيعهم على الحضور وعدم تعريضهم للإجراءات الزجرية التي تنص عليها المادة 67 من النظام الداخلي للبرلمان! في هذه الظرفية الحساسة، التي اتخذت فيها الحكومة قرار الزيادة في أسعار المحروقات لإيقاف النزيف الحاصل في صندوق المقاصة، وتستعد لإجراء إصلاحات جذرية على هذا الصندوق، حتى توجه الدعم للفقراء وتسترجع جزءا من الدعم المالي الذي كان يستفيد منه أصحاب الثروة، وفي الوقت الذي تخرج فيه رئاسة الحكومة ووزارة الشؤون العامة والحكامة بتوجه يقضي بإعادة النظر في نظام العلاوات وترشيدها وجعل ذلك أفقا لميزانية 2013 في كل الوزارات، بما يعني ذلك إحداث التوازن في نظام العلاوات بالتقليص من علاوات الموظفين الكبار وإحداث زيادات في علاوات الموظفين الصغار. في هذه الظرفية الحساسة التي اتخذت فيها الحكومة قرارا بالتقليص من نفقات التسيير داخل المرفق العمومي بما يساعد على توفير 5 ملايير درهم، يتداول مكتب البرلمان في قضية الدعم للبرلمانيين الذين يسكنون خارج الرباط ودائرتها! المشكلة أن منطق المؤسسة التشريعية يخالف تماما منطق الحكومة، فمكتب مجلس النواب مشغول بقضية التطبيق الفعلي للمادة 67 من النظام الداخلي للبرلمان، وما تقتضيه من تحفيز نواب الأمة للحضور للجلسات العامة التي أضحت شبه خالية، أي إنه لا يريد أن يطبق القانون إلا بإحداث دعم تعويضات للنواب يلزم ميزانية مجلس النواب، وبالتالي ميزانية الدولة، بنفقات جديدة لم تكن مبرمجة، في حين أن منطق الحكومة، هو التخفيف حتى من النفقات المبرمجة من أجل إحداث التوازن المالي والتقليص من نسبة العجز. مؤكد أن منطق تحفيز النائب البرلماني بدعمه في الرحلات الجوية وفي الحجوزات في الفنادق، لن يتوقف عند فئة معينة من البرلمانيين الذين ينتمون إلى الدوائر النائية عن دائرة الرباط، بل سيمتد إلى كل البرلمانيين أو على الأقل شرائح واسعة منهم، مما سيفضي في النهاية إلى إعادة النظر في تعويضات السادة نواب الأمة بما يتعارض مطلقا مع ما تقتضيه الظرفية الحساسة التي يجتازها المغرب من ترشيد للنفقات وتقليصها إلى أبعد الحدود. المنطق الذي ينبغي أن يدافع عنه ممثل الأمة، هو أنه اختار أن يقوم بهذه المهمة، وهو واع تمام الوعي بالمسؤوليات الملقاة عليه، وبالمترتبات الناتجة عنها، وفي مقدمتها المشاركة في الجلسات العامة وفي اللجان البرلمانية. إن إقدام مجلس النواب على إحداث هذه الزيادات لصالح نواب الأمة الذين يسكنون في المناطق النائية فقط من أجل حفزهم على الحضور وتجنيبهم المسطرة العقابية، سيولد منطقا خطيرا في الإدارة وفي المرفق العام، مقتضاه مطالبة كل من تتوفر فيه نفس الحالة بالزيادة في التعويضات لقاء أدائه لمهامه وامتناعه عن التغيب، كما سيولد منطقا آخر ربما كان أخطر من سابقه، وهو إحداث حالة من التمرد في المرفق العمومي على التوجه الذي يرمي إلى التقشف وترشيد النفقات في هذه الظرفية الحساسة. قد يكون منطق البرلماني الذي يسكن في المناطق النائية معقولا إذا قارنا التكاليف التي يتحملها بالبرلماني الذي يسكن في الرباط ودائرتها والذي لا يتكلف معشار ما يتكلفه هذا البرلماني، لكن صحة هذا المنطق ومعقوليته لا تعني أن الحل الوحيد هو تكليف ميزانية الدولة نفقات جديدة في هذه الظرفية، فهناك حل آخر يمكن اللجوء إليه يقوم على مبدأ التضامن بين البرلمانيين، فكما تعتزم الحكومة التقليص من علاوات كبار الموظفين لصالح الصغار منهم، يمكن اللجوء إلى حل مواطن بمقتضاه يؤخذ من راتب البرلمانيين الذين لا يتكلفون شيئا ويرد على البرلمانيين الذين تستنزف رواتبهم في الأسفار والحجوزات فقط لحضور الجلسات العامة. المفروض أن يكون مجلس النواب الجهة التي تدرك أكثر من غيرها الحالة المالية التي تعرفها الدولة، وأن تقدم النموذج المشرق في ترشيد النفقات وتجميد التعويضات خاصة في هذه الظرفية الحساسة، وأن تتنزه عن الرضوخ لسياسة المقايضة والابتزاز، وذلك بجعل حضورهم في مقابل حصولهم على تعويضات.