لم يعد هناك مجال للاختلاف، على أن المغرب في حاجة ماسة الى عرض سياسي واقتصادي جديد، يستجيب للتحديات المطروحة داخليا وخارجيا، ويصحح الأخطاء المرتكبة والمتراكمة منذ سنوات. العرض المطلوب، يستوجب توفير شروط النجاح في الوصول إليه وبنائه وفق المعطيات المتعلقة بالخصوصية المغربية، حتى يكون مغربيا خالصا، يجد لأغلب الأسئلة المطروحة أجوبة قادرة على اقناع المغاربة وضمان انخراطهم في ما يتطلبه من اجراءات وربما من تضحيات. ويُعتبر توفير أجواء التفكير الهادئ، والابتعاد عن كل المشوشات التي تفرزها كثرة الظهور، من بين أهم شروط الوصول الى عرض يتملكه الجميع، بالإضافة الى اشراك كل مكونات المجتمع ومختلف حساسياته، تفاديا للاقصاء الذي قد يهدم الثقة باعتبارها شرطا رئيسيا في كل توجه جماعي نحو المستقبل. ويمكن القول أن فكرة إحداث لجنة خاصة ب"النموذج التنموي الجديد"، صيغة مثالية لاحتضان التفكير الجماعي وترشيده للوصول الى العرض المطلوب، على اعتبار انه يُفترض في اللجنة الخاصة أن تكون متحررة من ضغوطات الزمن السياسي والتدبيري، وبعيدة عن الحاجة المستمرة للتواصل مع الرأي العام، لتخصص كل وقتها للتشخيص العلمي، للنقائص والخصاص، واجتراح الاليات السياسية والقانونية المناسبة لتجاوزها، وبحث سبل توسيع مجالات خلق الثروة، وسبل تنويع السلة الاقتصادية الوطنية، وتدقيق مقاربات تحقيق العدالة الاجتماعية، وفق خصوصية المجتمع المغربي بروافده المتعددة وقيمه الجامعة وهويته الحضارية، وتقديم كل هذا كأرضية يمكن أن يستفيد منها الجميع، كل في مجال نشاطه وحركته داخل الدولة والمجتمع. ولئن كان الوقت ما يزال مبكرا، لاصدار موقف من عمل اللجنة الخاصة التي يرأسها السيد شكيب بنموسى، وبغض النظر عما شاب تشكيلتها من غياب غير مفهوم لفعاليات أساسية، سياسية ودينية، الا أن تتبع ورصد منهجية اشتغالها، يطرح التساؤلات حول ماذا تريد بالضبط، وماذا تفعل بالضبط، وما اذا كانت تعليمات جلالة الملك بخصوص عمل هذه اللجنة، قد احتُرمت ويجري تنزيلها. إن مسارعة لجنة السيد بنموسى بعد تكليفها رسميا، لاعتماد خطة تواصلية، تم تدشينها بندوة صحافية بطبيعة سياسية، تعامل فيها السيد بنموسى بتعالٍ غير خافٍ، يكشف أن اللجنة قد تتجاوز ما هو مطلوب منها، وقد تنسى أنها مجرد لجنة استشارية، وأنها لن تكون حكومة ثانية ولا مؤسسة موازية، كما رسم لها ذلك جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2019. المخاوف من تجاوز هذه اللجنة لمهمتها، تكشفه أيضا تفاصيل من خطتها التواصلية، غير المطلوبة منها أصلا، حيث اعتمدت "هوية بصرية" ورسالة عبارة عن شعار "المغرب لّي بغينا"، وتعميم صور مختارة بعناية وتصريحات منتقاة، الى جانب تغطية تحركات ولقاءات، واطلاق تسميات غريبة على بعض الجلسات من قبيل "جلسات الاستماع"، وتسريب تقييم أولي ينتقد مقترحات الاحزاب السياسية. لجنة السيد بنموسى مدعوة الى تدارك عثرات البداية، حتى تُبعد عنها كل المشوشات، وكل التخمينات التي قد تذهب الى حد طرح فرضية التحضير لتشكيل حزب سياسي جديد على انقاضها بعد انتهاء مهمتها، وعليها الانكباب على ما هو مطلوب منها، بعيدا عن مساحات الاتصال السياسي، وترك هذا المجال لأهله، وتتفرغ لتجميع المقترحات المبتكرة والابداعية الكفيلة بنقل البلاد من وضعية الارتباك السياسي والاجتماعي، وكسب رهان الاقلاع الاقتصادي، وهذا الهدف لا يتطلب بالضرورة كل هذه الهالة الاعلامية التي تصاحب عملها، التي يراد بها الايحاء بأن كل شيء متوقف في المغرب، أوكما لو أن المؤسسات الوطنية والاحزاب السياسية مصابة بالشلل أو بالعمى!