يتحدث السيد كريم غلاب رئيس مجلس النواب في هذا الحوار الذي أجريناه معه استكمالا لما نشرناه أمس من تصريحات لرؤساء الفرق النيابية بالمجلسين بكل وضوح عن أهم الاشكاليات والقضايا التي تهم العمل البرلماني ويبسط معالم المقاربة الجديدة التي يعتمدها المكتب لتحسين وتجويد العمل النيابي، وينفي نفيا قاطعا أن يكون الأمر يتعلق بشراء حضور النواب. س- الحياة البرلمانية على موعد مع دورة خريفية جديدة، فكيف كان التهييء لها وما هي الرهانات المطروحة في رأيكم؟ ج- لا شك أن الدخول البرلماني يكتسي أهمية بالغة في الأجندة السياسية الوطنية، على اعتبار أن الدورة الخريفية تتشرف بخطاب توجيهي لجلالة الملك، يتعرض لما ينبغي استحضاره في عمل المجلس على ضوء ما تعيشه بلادنا من طموح جديد ودمقرطة للحياة السياسية، لكون البرلمان من المؤسسات المحورية الوطنية. وفيما يخص الرهانات والأولويات والتي هي دائما في صلب اهتمام الرئاسة والمكتب فهي تنبني على ثلاثة محاور: أولا تنزيل الدستور أي بدء العمل بإيقاع أكبر في مجال القوانين التنظيمية بتفعيل وتفاعل مع المؤسسة الحكومية ثم النهوض والارتقاء بالعمل البرلماني إلى ما يطمح إليه الجميع خاصة المواطنون، بما في ذلك تجويد العمل البرلماني وأداء النواب، وأخيرا الاضطلاع بمهام المجلس في مجال التشريع والمراقبة والدبلوماسية، فهذه المهام الاعتيادية في ممارسة مجلس النواب ينضاف إليها المحوران الأولان الذي أسلفت ذكرهما، وبما أننا على مشارف السنة الثانية من الولاية التشريعية، لابد من الإشارة إلى أن السنة الأولى كانت تأسيسية أو انتقالية تميزت بتخويل المجلس آليات وأجهزة مثل النظام الداخلي، وبالتالي فإن السنة الحالية يجب أن تعرف الإقلاع على كل الجبهات المتعلقة بالحياة التشريعية والمؤسساتية خصوصا القوانين التنظيمية وإصلاح العمل البرلماني. س- أشرتم في جوابكم إلى التشريع بالنسبة للحكومة ماذا عن مبادرات الفرق النيابية؟ ج- لابد من الإشارة في هذا المجال إلى أن التشريع على مستوى مجلس النواب إيجابي وبارز، وعلى سبيل المقارنة بالأرقام نجد أن الحكومة أحالت على مجلس النواب مثلا 30 مشروع قانون ضمنها 20 تهم الاتفاقيات و10 مشاريع قوانين قطاعية، وهذا العدد يعتبر محدودا، بالرغم من أن الاتفاقيات لها أهميتها حيث تبرز مدى تفاعل المغرب مع القوانين الدولية وانخراطه الإيجابي مع التحولات العالمية وانفتاحه عليها، لكن 10 مشاريع قوانين تظل محدودة مع 23 مقترح قانون محال على اللجن، لذلك وخلافا لما يروج فإن عمل الفرق والمجلس عموما يطبعه الاجتهاد والنشاط والدينامية، وما هو مطلوب هو تعامل الحكومة بمرونة مع هذه المقترحات حيث مر فقط مقترح قانون واحد في الدورة السابقة، ونداؤنا هو حضور الوزراء مناقشات المقترحات التي تتصل بقطاعاتهم، مع أننا لسنا مجبرين على انتظار الوزراء، لكن اللياقة تجعلنا نؤكد على هذا الأمر لضمان التواصل بين المؤسستين وتكاملهما وتعاونهما المستمر بما يعطي الإشعاع المطلوب لكل عمل تشريعي. س- ماذا عن آلية النظام الداخلي للمجلس وما أثارت من نقاش؟ ج- التجربة البرلمانية المغربية هي دائما محط إشادة نظرا للتراكمات على مدى 50 سنة من الحياة السياسية، والبرلمان المغربي له وزن واعتبار على المستوى الخارجي، ولن أكون مجانبا لهذه الحقيقة حين أقول أنه ينبغي أن نرتقي إلى مرحلة جديدة في جودة العمل والمردودية والفعالية والتفاعل مع المجتمع المدني، وكذا مراجعة جلسة الأسئلة الأسبوعية لتكون لها جاذبية أكبر لكونها آلية من آليات مراقبة العمل الحكومي، فالبرلمان يلعب دور الوسيط بين المواطن والحكومة وعليه أن ينجح في هذه المهمة. ونحن منكبون على ورش تطويري يهم مراجعة النظام الداخلي، وهو يتقدم في ظروف حسنة، حيث توصلنا بمقترحات وتصورات 8 فرق و3 مجموعات نيابية، وتشكلت لجنة تقنية لصياغة النظام الداخلي وستشتغل بوتيرة مرتفعة لمراجعة المواد التي أقر المجلس الدستوري بعدم دستوريتها، كما ستشتغل على تطوير صيغ الأسئلة. س: أثار حضور البرلمانيين نقاشا في الدورتين السابقتين، فأين وصل هذا الملف؟ ج: بداية لابد من التأكيد أن المسطرة التي أقرها المكتب فيما يتعلق بضبط حضور النواب أعطت نتائجها وساهمت في المواكبة المنتظمة للأعضاء على مستوى الجلسات العامة واللجن كما أن المسطرة لقيت التنويه من الجميع، وللتذكير فإن المسطرة تتضمن ورقة الحضور والأعذار المقبولة وغير المقبولة وإجراءات ما بعد ضبط الحضور ورسائل التنبيه ونشر لائحة المتغيبين والاقتطاعات بما يصل 1000 درهم لكل غياب في الجلسة العامة والإجراء سيتم في هذه الدورة طبقا للنظام الداخلي ومقتضى الدستور. أما التعويضات والتي هي كذلك جزء من هذا الملف أؤكد أن المكتب لم يقرر أي قرار أو إجراء، والمكتب يستحضر تحمل النواب لمصاريف تصل آلاف الدراهم في الشهر على مستوى النقل والإيواء مقارنة مع الأجر الذي يصل 29 ألف درهم والذي يوازي أجر مدير في إدارة، علما أنهم لا يستفيدون من أي امتياز مثل السكن أو السيارة أو البنزين، فضلا عن تمويل النشاط السياسي واقتطاعات الأحزاب، ومن منطلق ذلك يفكر المكتب في أسلوب تحسين ظروف عمل النواب، وأقول وأكرر العمل، ليضطلعوا بالمهام الجديدة على الوجه المطلوب، وبالتالي لم نتحدث أبدا عن شراء حضور النواب. وفي ظل ما تقدم يجب التفكير في طبيعة النائب الذي نريده مستقبلا، هل ذلك النائب المتفرغ للعمل البرلماني والذي يجعله نشاطه الوحيد وتكون ظروف عمله تسمح بذلك أم نريد أن نستمر فيما كان عليه الأمر سابقا، أي نواب لهم أنشطة خاصة أو مهن حرة هي مصدر دخلهم ويمارسون فوق ذلك مهمة النائب في الوقت القليل الذي يتركه لهم نشاطهم الخاص. وأعتقد أن الأنسب أن نذهب بالتدريج نحو التفرغ ضمانا لمزيد من المهنية والفعالية والأداء.