في خضم توالي الأحداث الراديكالية، التي اجتاحت المنطقة العربية ، والتي من أهم عناوينها اغتيال سليماني، وصراع النفوذ حول ليبيا ، و الصراع الدامي في سوريا و اليمن و التجييش الاعلامي ضد كل رموز الأمة و ضد المقاومة الشعبية في فلسطين، و اتهام الشعب الفلسطيني ببيع أرضه، و ظهور فتاوي شاذة تعتبر إيران العدو الاستراتيجي للعرب و المسلمين بدل الكيان الصهيوني، وتعطي لتحرير الأهواز أهمية أكبر من تحرير القدس و فلسطين، و هذه الخطة هي جدول أعمال أغلب حكام الخليج اليوم، و لعل حضورهم و قبولهم بمخرجات صفقة العار التي أعلن عليها الرئيس الامريكي بحضور السفاح "نتنياهو" و غريمه في المعارضة، تأكيد لحالة الوهن و الخيانة العظمى للإمة الاسلامية من "الرباط" إلى "جاكرتا" .. فما أشبه اليوم بالأمس،فصفقة ترامب أو "وعد ترامب" ، لا يختلف في المضمون و الغاية والسياق الإقليمي و الدولي المحيط به، بوعد بلفور الذي نزع فلسطين من أهلها،ومنحها للكيان الصهيوني الغاصب، وهو نفس ما فعله "ترامب" عندما منح ما لايملك إلا من لايستحق، فهو اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، كما اعترفت حكومة بلفور بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وهي لا حق لها في ذلك فالأرض ليست أرضها : " تنظر حكومة صاحبة الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، و ستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر"… من دون شك "ترامب" يحاول استغلال حالة الفراغ الذي تعيشه المنطقة، و يوظف الأنظمة العربية التي وصلت لدرجة من العمالة و الانحدار لم نرى له مثيلا من قبل، فحالة العرب اليوم شبيهة بحالهم عند إطلاق وعد بلفور، فالمنطقة فاقدة للإرادة و الاستقلال السياسي، فهي تحت السيطرة الأمريكية و الانصياع التام لأمريكا و ربيبتها إسرائيل…لكن على الرغم من عمالة الأنظمة و فقدانها للحس الوطني و القومي و الديني، وتحالفها مع أعداء الأمة للإضرار بالأمة و حقوقها المشروعة، فإن الشعوب قادرة و مؤهلة لإفشال كل المخططات و الصفقات…فالأنظمة العربية لا يمكن الاعتماد عليها و "ليس بين القنافد أملس"، فتطلعات الأنظمة و سقف طموحاتها ضيق الأفق ، الرهان اليوم و بالأمس و في الغد و على الدوام على الشعوب العربية و الإسلامية.. ومادام أطفال في القدسوفلسطين فلن تضيع القضية وقد رأينا كيف تعامل الشباب المقدسي مع اعتداءات الكيان الصهيوني على المسجد الاقصى و الحرم الابراهيمي..أطفال فلسطين يرضعون الكرامة والعزة و الانتماء ..فلا خوف على ضياع القضية في ظل أجيال قدوتها محمد عليه الصلاة والسلام … قد يبدو كلامنا مندفعا و متفائلا، لكني أصر على أن ما يتم الترويج له من صفقات و مؤامرات لن يكتب لها النجاح، فالشعوب أصبحت أكثر إدراكا لما يحاك ضدها إن وطنيا أو قوميا أو دينيا…فتسابق الأنظمة العربية و سعيها الجاد نحو تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني و الاستسلام للموقف الأمريكي ولد رد فعل معاكس، وأصبحت الشعوب أكثر حذرا من حكامها …فرغم تعدد المآسي و تناسل المؤامرات فعلينا أن نتفاؤل، فالشعوب العربية و الإسلامية قادرة على كبح جماح الانحدار، فمن كان يتصور أن الكيان الصهيوني، أصبح يضرب أخماسا في أسداس، ويضبط نفسه أكثر من اللازم، قبل قصف أهداف في غزة أو بجنوب لبنان.. وهو الذي كان إلى وقت قريب قادر على سحق شعوب عربية بأكمالها في ساعات، والتغلغل في عمق غزة وجنوب لبنان بالأميال في دقائق ..فتحث ضغط صواريخ حزب الله و حركة حماس و أنفاق غزة ، وإبداع العقل المقاوم لوسائل و أدوات للمقاومة أكثر تأثيرا و أقل كلفة، أصبح جيش الاحتلال يحسب حسابا لصواريخ المقاومة الإسلامية في فلسطين و لبنان، وأصبح تغلغله العسكري يحسب بعشرات الأمتار بدل مئات الأميال…. علينا أن نتفاؤل، فسعي الشعوب العربية و الإسلامية، إلى تحررها من الاستبداد و الطغيان و التخلف، لن يقود إلا إلى دعم تيار المقاومة و رفض التفريط في الأرض و العرض، وفي مقدمة ذلك القدس و فلسطين، رأينا جميعا موقف الحكومة و الشعب التركي من الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للصهاينة، نفس الأمر رأيناه في ماليزيا و أندونيسيا و في تونس… فحركة التغيير و الصمود والمقاومة تكسب كل يوم أرضا جديدة…فنجاح و صعود أنظمة ديموقراطية ووطنية لن يكون إلا في صالح نصرة القدس و فلسطين..مقاومة الاستبداد و أنظمة الحكم الفاسدة بداية الطريق لاسترداد كل الثغور العربية و الإسلامية،و حالة الحراك الشعبي في مختلف بلاد العالم العربي أمر في غاية الايجابية ، لأن قضية فلسطين قضية وعي و ليست قضية سلاح .. علينا أن نتفاؤل، لأن القران الكريم و النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بذلك، و لنا في سورة الإسراء وعد بالاندحار الصهيوني بعد علوهم و طغيانهم، قال تعالى: }وقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)} (الإسراء 5-7)… والآيات مؤشر على قرب تحقق الوعد الرباني و الوعد النبوي، فالشمعة عند قرب نهايتها تصبح أكثر توهجا، وذلك ليس مؤشر على قوة الإضاءة، بقدر ماهو مؤشر على الأفول…والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..