أعلنت مساء الثلاثاء الحكومة اللبنانيةالجديدة بعد ثلاثة أشهر على حركة احتجاجية غير مسبوقة ضدّ الطبقة السياسية، وتنتظر الحكومة مهمة صعبة تتمثّل بإعادة إحياء اقتصاد منهار واسترداد ثقة المتظاهرين الذين عادوا إلى الشارع فور الإعلان عن التشكيلة الجديدة. وتتألف الحكومة من عشرين وزيراً يتولّون جميعاً، باستثناء اثنين هما رئيس الحكومة حسّان دياب ووزير البيئة دميانوس قطار، حقائب وزارية للمرة الأولى. وتضمّ الحكومة الجديدة ستّ نساء. وللمرة الأولى في تاريخ الحكومات اللبنانية، أسندت إلى امرأة هي زينة عكر عدرا حقيبة الدفاع ومنصب نائبة رئيس الحكومة. وقال رئيس الحكومة الجديد، وهو أستاذ جامعي (61 عاماً) كلّف تشكيل الحكومة بدعم من حزب الله وحلفائه، للصحافيين الذين تجمّعوا في القصر الجمهوري، “أحيّي الانتفاضة الثورة التي دفعت نحو هذا المسار فانتصر لبنان”، واصفا حكومته بأنها “حكومة تعبّر عن تطلّعات المعتصمين على مساحة الوطن خلال أكثر من ثلاثة أشهر من الغضب”. وأضاف أنّ الحكومة الجديدة “ستعمل على تلبية مطالبهم، وهي استقلالية القضاء واستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الثراء غير المشروع (…) ومكافحة البطالة ووضع قانون جديد للانتخابات يكرّس اللحمة الوطنية التي أفرزتها الساحات”. وأكّد دياب أنّ الحكومة تتألّف من “تكنوقراط” و”غير حزبيين”، علماً أنّ التقارير الإعلامية والتصريحات السياسية منذ بدأت تتسرب الأسماء المشاركة في الحكومة، تؤكّد أنّ الوزراء محسوبون الى حد بعيد على أحزاب سياسية كبرى. لكنّ رئيس الحكومة الجديد قال إن حكومته تحمل “لون لبنان”. وبين الوزراء الجدد السفير السابق ناصيف حتي الذي عيّن وزيراً للخارجية، والخبير الاقتصادي غازي وزني الذي عيّن وزيراً للمالية. وذكرت تقارير إعلامية أن الأوّل قريب من رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية السابق جبران باسيل، والثاني من رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وستعقد الحكومة الجديدة اجتماعها الاول الأربعاء. “يسخرون من الشعب” لكنّ ردّة الفعل الشعبية الأولى على تشكيل الحكومة تمثّلت في نزول العديد من المواطنين الى الشارع، وقد عمدوا الى قطع طريق رئيسية في بيروت ومدن جبيل (وسط) وطرابلس (شمال) وصيدا (جنوب)، بالإطارات المشتعلة والعوائق. وفي وسط العاصمة تجمّع مئات المتظاهرين أمام مدخل شارع يؤدّي إلى البرلمان الذي أحاطت به تعزيزات من الشرطة. وحاول المحتجون انتزاع الأسلاك الشائكة وألقوا حجارة على قوات الأمن التي رّدت عليهم بقنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، وفقاً لمصور في وكالة فرانس برس. واعتبر المحتجّون أنّ الحكومة لا تتجاوب مع مطالبهم، لأن الأحزاب السياسية التي يرفضونها هي التي قامت بتسمية الوزراء. وقال شربل قاعي (مهندس، 37 عاما) الذي كان يشارك مع مجموعة من المتظاهرين في تجمّع قرب البرلمان في وسط بيروت “نريد لبنان جديداً، لبنان خالياً من كل الفاسدين”. وأضاف “إنّهم يسخرون من الشعب اللبناني عبر تشكيل مثل هذه الحكومة. نحن ننتظر منذ شهرين، بينما كانوا يتقاسمون الحصص”. وقالت النائبة بولا يعقوبيان المستقلّة والمتعاطفة مع الانتفاضة الشعبية في تغريدة على “تويتر” إنّ “الوجوه الجديدة هي كرقعة جديدة على ثوب قديم”، مضيفة أنّ حسّان دياب “لم يلتزم بوعده بتأليف حكومة مستقلّين”. وقد رفضت أحزاب عدّة المشاركة في الحكومة، على رأسها تيار المستقبل برئاسة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع. وبالتالي، انحصرت اتصالات دياب خلال العمل على تشكيلة حكومته على فريق واحد يتمثل بالتيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون ويرأسه صهره جبران باسيل، وحلفائه وأبرزهم حزب الله وحركة أمل التي يترأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري. ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر حراكا شعبيا غير مسبوق يطالب بإسقاط الطبقة السياسية كاملة ويتّهمها بالفساد ويحمّلها مسؤولة انهيار الوضع الاقتصادي. وأدّت الاحتجاجات الى استقالة الحكومة السابقة بعد ثلاثة أسابيع. ووقعت الأسبوع الماضي مواجهات غير مسبوقة بين عناصر الأمن ومتظاهرين في العاصمة أسفرت عن إصابة أكثر من 500 شخص بجروح، وتخللتها عمليات تخريب وتحطيم محال تجارية ومصارف. وقال دياب اليوم “المشاهد التي رأيناها كانت مؤلمة جداً. المهمّ الآن أن نحفظ الاستقرار ونساعد القوى الأمنية لحفظ الاستقرار وإطلاق ورشة الإنقاذ”. وسيكون الاستحقاق الأول لحكومة دياب نيل ثقة مجلس النواب. وتنتظر الحكومة الجديدة مهمّة شاقّة تتمثّل في إجراء إصلاحات يطلبها المانحون الدوليون مقابل تقديم مساعدات للبنان تمكنه من استعادة استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية التي فقدت أكثر من ثلث قيمتها في السوق الموازية. لكنّ المحللين يعتقدون إن الحكومة المقبلة لا يمكنها فعل الكثير. وقال الأستاذ في العلوم السياسية كريم المفتي لوكالة فرانس برس في وقت سابق اليوم “المهمة التي تنتظر أي حكومة خلال هذه الفترة الخطيرة مهمة شاقة”. وأضاف “بالنظر إلى الطبيعة المتعددة الأبعاد للأزمة، يبدو أنه من الصعب التفكير في حلول قصيرة الأجل للمشكلات المالية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد”. وتعدّ نسبة الدين مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في لبنان من الأعلى في العالم، وتبلغ حوالى تسعين مليار دولار.