في مونولوجه التلفزي الأخير ذكرني الإله بنكيران، رئيس الحكومة بمقولة الاسلوب هو الرجل وكان أسلوب الرجل شعبوي ضعيف يعبر عن نقص في التكوين الاقتصادي والسياسي العصري، وعن نزعة تقليدية للاستبداد بالرأي تستمد جذورها من ثقافة تمجد قيم الطاعة والولاء والتراتيبية. فالفقراء ليسوا في نفس مرتبة المواطنة مقارنة بالأغنياء و"العيالات " لا يبلغن شأو الرجال، وإن الله فضل بعضكم على بعض في الرزق . وإذا كانت المنهجية الديمقراطية هي خلق قنوات الحوار بغية التربية المدنية، وهي كذلك إنفتاح الفكر واستعداده للنقاش في المجال العام، وتعلم التوافقات، فإن رئيس الحكومة فضل الإستبداد بالرأي وعدم التشاور. إختار منهج السوفسطائية والديماغوجية والشعبوية المتلاعبة بالموروث القديم . وإن اللغة التبسيطية الشعبوية في الاقتصاد والسياسة ليس هدفها سوى التمويه عن حقائق الاشياء، ولجم لعقول الناس عن التفكير وإرادرتهم عن التقرير. إن الشعبوية كانت دائما عبر التاريخ الطريق الممهد لكل المشاريع الفاشستية والإستبدادية. بعد أن حسم المفكرون الأحرار مسألة الجبر والإختيار حيث أنه في السياسة الانسان مسؤول عن أفعاله، يعود رئيس الحكومة ليحيي تراث الجبرية المبرر للاستبداد والاستغلال بكلامه المستمر عن إرادة الله ومشيئته في قرارات سياسية لا دخل للرب فيها. السياسة هي ثقافة المسؤولية والمحاسبة، وعبد الإله بنكيران مسؤول عن أفعاله أمامنا. على رئيس الحكومة أن ينسى ثقافته الدعوية والدينية حين الكلام عن مسائل دقيقة في السياسة والاقتصاد. وإن مفاهيم مثل الرزق والزكاة لا معنى لها في علم الاقتصاد الحديث. وإن الفقراء في هذا البلد هم فقراء نتيجة توجهات سياسية واقتصادية ولا ينتظرون من بنكيران زكاة أو صدقة، بل توزيعا عادلا للثروات وضمانا للعيش الكريم في وطن يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات. لقد وصل الخلط لدى رئيس الحكومة إلى درجة عدم التمييز بين ميزانية الدولة وماليتها العامة وفق المنطق الحديث، وصندوق بيت مال المسلمين وديوان العطايا في دول الاسلام، فيقول أنه يعطي لهذا كي يذهب إلى الرباط وينزع عن ذاك العطاء وكأنه عمر إبن الخطاب أو عمر إبن عبد العزيز.. وهو بهذا يجهل أن الدولة الحديثة تقوم على مبدأ الشخصية المعنوية للدولة ولا شخصانية القانون والمؤسسسات. لقد هيمن خطاب الاستسهال والتبسيط على خطاب رئيس الحكومة. يتكلم وكأنه يملك علما ربانيا في الاقتصاد لم يتوصل إليه الضالعون في علم الاقتصاد. فهم على الاقل يقدمون فرضيات ويطرحونها للمناقشة أما هو فيعطينا النتائج التي توصل إليها دون المقدمات. والمقدمات التي يريد رئيس الحكومة إخفائها هي أنه بعد أن قدم حزبه في برنامجه الانتخابي وصفات وردية ووعود بنسبة نمو لم تصل إليها حتى النمور الاسيوية تضمن الشغل وتحسن الخدمات الإجتماعية وتضمن الرفاه في إطار اقتصادي ليبرالي، تأتي المؤشرات المالية والاقتصادية لتدق ناقوس الخطر، حيث انخفاض نمو الانتاج الاجمالي العام نتيجة انخفاض الإنتاج الفلاحي، وتباطؤ نمو القطاعات الأخرى، وتقلص الطلب الخارجي نتيجة الازمة في أوربا.. وهكذا فحسب التوقعات فإن نسبة النمو ستنحصر في أقل من 3 في المائة، وسيتفاقم عجز الميزانية وميزان الاداء ات. وإن النتائج الحالية هي نتيجة سوء تحليل الحكومات ومراكز القرار لتأثير الأزمة الاقتصادية في أوربا على اقتصادنا. وإن المراجعة المستمرة لنسبة النمو تدل إما على عجز معرفي عن التقدير الجيد للوضعية الاقتصادية أو تلاعب بعقول الناس. إن إصلاح نظام المقاصة واجب نبه إليه الخبراء منذ زمان بعيد، ولكن الأمر لا ينحصر في الزيادة في ثمن المحروقات بل يجب أن يأتي في إطار مخطط شامل ورؤية واضحة للإصلاح وفق مقاربة تشاركية تهدف إلى التقليص من الفوارق الاجتماعية، ومساهمة الاغنياء في كلفة ترشيد النفقات العمومية، ومحاربة الفساد والإعفاءات الضريبية، واقتصاد الريع والنفقات الباذخة، والأجور والتعويضات المبذرة للمال العام.. أما السياسة الحالية فهي تحابي الاغنياء والريع على حساب الطبقات الوسطى والفقراء الموعودين بالزكاة والصدقات!