تركت الإطاحة المفاجئة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي ومغادرته هو وعائلته البلاد بعد احتجاج شعبي فراغا كبيرا في نمط الحياة الرغدة بأحياء فخمة في العاصمة كانت مرتعا لهم في وقت من الأوقات. فقد كان أعضاء عائلة الرئيس السابق لتونس التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة من المظاهر الثابتة في المشهد الاجتماعي بأحياء جامارث والمرسىوقرطاج حيث انتشرت بيوتهم وتشعبت مصالحهم. ولا يزال كثير من التونسيين يخشون الكلام علانية عن زمرة ظلوا لسنوات عديدة يشيرون إليها في أحاديثهم الجانبية باسم العائلة. ويقول موظفون في فنادق ومطاعم وحانات شاغرة -كثير منها مملوك لأعضاء من عائلة بن علي- إنهم يأملون في أن ينجو نشاطهم من الاضطرابات. وظلت تونس تحت حظر التجوال خلال الأسبوع المنصرم وسحبت الشركات السياحة الأجانب من البلاد. وقال رجل، يعمل في حانة مملوكة لعضو من عائلة الطرابلسي التي تنتمي إليها ليلي بن علي زوجة الرئيس المخلوع، "لا نعرف مصير تلك الأماكن.. لا ندري إلى من ستؤول الملكية. ما زلنا نعمل ونأتي إلى العمل كل يوم". ووقف أحد القصور التي كان يستخدمها بن علي - الذي فر مع عائلته الى السعودية بعد احتجاجات شعبية لا مثيل لها ضد الفقر والفساد والقمع السياسي الأسبوع الماضي - مهجورا على تل يطل على البحر المتوسط. كما لا يسمح الحراس لأحد بدخول فندق كبير مهجور مملوك لبلحسن الطرابلسي شقيق زوجة بن علي. وقال حارس "لا يمكنك الدخول هناك تجديدات جارية". وفي المرسى أفسدت مشاهد البنوك المحترقة المملوكة لصخر الماطري زوج ابنة بن علي سكون الشوارع النظيفة التي اصطفت على جانبيها المحال التجارية والفيلات المصممة على الطراز المعماري التونسي المميز بلونيه الأبيض والأزرق. وفي فرع محترق لواحد من تلك الفروع انشغل متسول بالتنقيب في الحطا،م بينما مرت بالجوار جنازة أحد الشبان الذين قتلوا في العنف الذي صاحب الإطاحة ببن علي. وفي نفس الشارع كان متجر ضخم مملوك لزوج واحدة من بنات بن علي خاويا. وأحاطت دبابات ومركبات عسكرية بمقر بنك الزيتونة على أطراف قرطاج. ويضم الحي مدرسة لتدريب قوات أمن الرئاسة الخاصة ببن علي، بدت الآن خاوية أيضا. وفي أحد الأحياء الفقيرة المجاورة، قال السكان إن الماطري اعتاد المرور بسرعة كبيرة بسيارته على الطريق الرئيسي الذي يقطع الحي. وقال عاطل عن العمل يدعى صالح "لم نشاهده سوى وهو يقود سيارته الهامر على هذا الطريق. كان أسلوبه متعجرفا". وشهدت تونس في السنوات الأخيرة اتساعا في الفجوة بين الصفوة الصغيرة الحاكمة صاحبة الثروة وبقية الشعب الذي يعيش في معاناة ويواجه البطالة وارتفاع الأسعار. وكانت لعماد الطرابلسي - وهو أحد أشقاء ليلي بن علي ولم يكن التونسيون يحبونه على وجه الخصوص - فيلا في حي قريب. لكن دار الرجل الذي كان حتى أسبوع مضي يبث الرعب في قلوب كثير من السكان باتت مهجورة بعدما تعرضت للتخريب والتدمير. وعلى جدران المنزل بدت كتابات بالعربية تسب بن علي وزوجته ليلي وتثني على محمد بوعزيزي الشاب الذي أضرم النار في نفسه قبل شهر ليفجر انتفاضة ضد ثقافة الرشوة والمحسوبية. ومن بين تلك الكتابات "تونس حرة. بوعزيزي بطل"، كما كتب أحدهم على الواجهة ساخرا متحف عائلة الطرابلسي. وقال رجل عرف نفسه باسم خميس "هذا الشخص (عماد) دخل البرلمان من دون أي خلفية ثقافية أو سياسية. من أين له كل هذا.. قضت أختي ست سنوات بدون وظيفة بعد تخرجها من الجامعة". *رويترز