نجحت أغاني “الراب” ذات الإيقاع السريع في المغرب، بحجز مكان متقدم من جديد في قلوب الشباب، خاصة تلك التي تعتمد نبرة حادة في انتقاد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وتعتبر موسيقى “الراب” لسان الشباب المغربي للتعبير عن تذمره من الوضع الاقتصادي والاجتماعي، في ظل التفاعل الكبير الذي وجدته عدد من أغاني “الرابورات”، آخرها “عاش الشعب”.
باحث مغربي اعتبر أن مضمون أغاني الراب تعبير احتجاجي للشباب المثقف والمهمش، فيما رأى آخر أن الموجة الجديدة من الأغاني الشبابية هي “تمثلات احتجاجية جديدة بخطاب ترافعي يتجاوز الشارع كفضاء تعبيري”. جدل “عاش الشعب” لا زال الجدل مستمرا بالمغرب، بعد أغنية لمجموعة شبابية، مؤلفة من ثلاثة أفراد، أطلقت عليها “عاش الشعب”، تنتقد أوضاع البلاد وتدعو إلى العدالة الاجتماعية. وتصدرت أغنية فرقة “ولد الكرية” ترتيب مقاطع الفيديو الأكثر مشاهدة على موقع “يوتيوب” بالمغرب، خلال الأيام القليلة الماضية، إذ تدافع عن حقوق المواطنين، وتطالب بمحاربة الفساد. من بين كلمات الأغنية “قلي واش غادي نسكتو على لي خلا دار باها (قل لي هل سنصمت تجاه من أجهز على كل شيء؟).. ما غادي يكفيكون معانا ترهيب أو قرطاس (لن يجديكم نفعا الترهيب أو الرصاص؟).. إلى ما قدرش تحس بهضرتي يا الله تنحاو وزول (إذا لم تفهم كلامي قدم استقالتك وارحل)”. كما تقول أيضا “شي كا يخاف من هضرتنا وشي كا يخاف من لساننا (هناك من يخاف من كلامنا ومن لساننا)، “ما عرفينش أننا مذبوحين والأزمة هي لي ماهضرنا” (لا يعرفون أننا مذبوحون والأزمة هي التي جعلتنا نتحدث ونغني).. “بلا ما تسوليني على الثروة شكون لي كلاها” (لا تسألني عن الثروة من أكلها). وكان الأمن المغربي قد أوقف مطلع نونبر الجاري، محمد الكناوي، أحد أعضاء المجموعة. وقالت مصادر أمنية أن “توقيف الكناوي، جاء بسبب شريط فيديو نشره، تضمن سبا وقذفا في حق رجال الشرطة وزوجاتهم، كما تضمن توجيه تهديدات بالاعتداء على رجال أمن بسبب خلاف معهم”. ولازال عضوا المجموعة الآخران يروجان للأغنية، بعدما غنوها قبل أيام في نشاط طلابي في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس. نبرة احتجاجية محمد مصباح مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، يرى أن “محتوى ومضمون أغاني الراب ذات النبرة النقدية تعبير احتجاجي للشباب المتمدرس والمهمش”. ويضيف مصباح، أن “مضمون أغاني الراب من الناحية السوسيولوجية السياسية تعبير أيضا عن اختناق قنوات التواصل السياسي الرسمي أو القنوات التقليدية مثل الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني والمؤسسات الوسيطة التي عجزت عن التعبير عن مطالب الشباب”. وأوضح أن “الأغاني هي نوع من الاحتجاج وبمثابة تواصل مباشر مع صانعي القرار دون المرور عبر المؤسسات الوسيطة”. ولفت إلى أن “كلفة التعبيرات الغنائية الاحتجاجية أقل من أي تعبير آخر، خاصة أنه يصعب إخضاعها للمراقبة”. واستطرد: “يصعب على الدولة قمع التعبيرات الغنائية لأنها تدخل في صميم حريات التعبير مقارنة مع الأشكال الاحتجاجية الأخرى في الشارع التي يسهل مواجهتها بصرامة”. وأضاف أن “أغنية عاش الشعب كان يمكن أن تمر دون إثارة الاهتمام لولا الطلب عليها المرتبط بحاجة المجتمع للتعبير عن الإحباط الذي يعانيه الشباب”. وشدد على أن “مواجهة أغاني الراب النقدية لن يكون سوى بحل أزمة الشباب وقدرة الاقتصاد على إدماجه وإيجاد فضاءات للتعبير الحر”. تجاوز الشارع كفضاء تعبيري ووفق مصطفى بنزروالة، باحث بمركز “معارف” للدراسات والأبحاث، فإن “الموجة الجديدة من الأغاني الشبابية هي تمثلات احتجاجية جديدة بخطاب ترافعي جديد يتجاوز الشارع كفضاء تعبيري، نحو إبداع آليات احتجاجية جديدة وفضاءات مغايرة”. وتابع بنزروالة، أن “أغاني الراب أصبحت ملاذا جديدا للتعبير عن الاحتقان الاجتماعي الذي يعيشه الشباب المغربي”. وأردف: ” لا يمكن فهم هذا التوجه الجديد في الأغنية الحديثة ذات الحمولة السياسية والخطاب الترافعي الاحتجاجي الذي قد يتجاوز الخطوط الحمراء في التعبير خارج نسق اجتماعي يتميز بالاحتقان ويعرف نسبا متزايدة من التهميش والبطالة”. وأوضح أن “ما يشجع توجه العديد من الشباب المغربي إلى هذه الآلية التعبيرية هو الغياب الفعلي لقنوات التأطير وغياب الحاضنة المؤسساتية”. كما يرجع ذلك، برأي بنزروالة، إلى “الضعف الذي أصبحت تعيش على وقعه مؤسسات التنشئة الاجتماعية خاصة الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، فلا يجد العديد من الشباب من وسيلة للتعبير سوى فضاءات التواصل الاجتماعي”. ولفت إلى أن “موقع اليوتيوب تحول إلى عارضة احتجاجية وفضاء للتفريغ السيكولوجي”. واعتبر أن “تنامي الأغاني ذات النبرة النقدية القوية يمكن تفسيره بالإمكانيات التي تتيحها المواقع التواصلية المنفلتة بطبيعتها عن الرقابة، والعصية عن الضبط الأمني كما هو الحال في الحركات الاحتجاجية في الشارع والفضاءات العمومية”. الحكومة: يجب أن تحترم الثوابت والمبادئ على خلفية أغنية “عاش الشعب”، ذكرت تقارير إعلامية أن وزارة الثقافة والشباب، جمدت كل مهرجانات “الراب”. ورداً على سؤال صحفي حول قرار وقف أغاني الراب في المغرب، قال حسن عبيابة المتحدث باسم الحكومة: “أي أغنية كيفما كانت، يجب أن تحترم حقوق المغاربة والمواطنين، والثوابت والمبادئ التي تربى عليها المغاربة”. وأضاف خلال ندوة صحافية أن “الفن وسيلة للتعبير والفرجة، ونحن في دولة الحق والقانون”. وتابع عبيابة قائلا “القانون فوق الجميع وبالتالي أي شخص يجب أن يكون تحت طائلة القانون الذي يجب أن يسري على الجميع”.