منذ أن وطأت قدم البشرية الأرض وهو يعيش مرحلة انتقال من حال إلى حال، ومن وضع مستقر تارة إلى وضع آخر مضطرب تارة أخرى، أوضاع مليئة بحركية التغيرات والتحولات على مدى زمن بعيد، وإلى يومنا هذا. هذه التغيرات الاجتماعية والمطالبات التي اتخذت شكلا ضاغطا ومؤثرا كما سنرى اليوم على الأنظمة السياسية الحاكمة الماسكة بزمام السلطة ببلدانها وتدبير الشأن العام للشعوب، والأشكال الاحتجاجية التي تمخضت نتاج مسببات وأسباب عديدة رسمت معالمها الساحة العالمية، إن لم نقل الساحة العربية والوطنية كذلك، كلها ساهمت في تغيير الرؤية المستقبلية وغيرت معالم استشرافه قادما. مطالب احتجاجية أخذت صبغة المطالبة بتحسين حقوق الشعوب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية كذلك، نتيجة الشطط والتعسف والإقصاء، والتماطل والتقهقر في تحسين الأوضاع المعيشية والشروط الاجتماعية وترديها بشكل ملحوظ، وكذا جعل المواطن البسيط والمقهور يعيش عوزا وشحا وتهميشا بجميع مستوياته مجاليا، اجتماعيا واقتصاديا، أضف إلى ذلك تضييق دائرة إفقاره وتقليص حجمها أكثر فأكثر حد الإذعان والخضوع والوهن. كلها مسببات حالت دون صون وحفظ الشروط الأساسية التي تنبني عليها حفظ كرامة الفرد دون أن تحط منه أو تبخسه منها شيئا، أو تذهب به نحو تفجير جام غضبه و “سخطه الشعبي” واحتقانه الاجتماعي، وحالت دون استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية على المستوى الدولي والعربي كما أسلفنا الذكر سابقا، وعملت على إسقاط والإطاحة ببعض الأنظمة السياسية نخص على سبيل الذكر ما صاحب موجة الربيع العربي العارمة التي اجتاحت أرجاء العالم العربي خلال أواخر سنة 2010 ومطلع سنة 2011، بعد تطور الحركات الاحتجاجية في تونس مع ثورة الياسمين التي أسقطت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، لتليها ثورة 25 يناير بمصر وإسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ثم ثورة 17 فبراير الليبية التي خلفت مقتل العقيد معمر القذافي وإسقاط نظامه، ثم الثورة اليمنية والسورية… . كل هذه الثورات التي لم تخمد إرادة شعوبها في النهوض بالمطالبة بتحسين وضعها الإقليمي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، هبت رياحه نحو المغرب وحملت نسيمها لتحرك غليل الشارع المغربي مطلع سنة 2011 مع حركة ” 20 فبراير”. العبق والعليل الذي استنشقته حركة 20 فبراير” لم يبقى عليه لزاما تقوقعه بالشارع المغربي فقط، بل اجتاح مرافق وأماكن عمومية أخرى لازمته في مقدمتها الملاعب والفضاءات الرياضية، فنتيجة متغيرات فكرية وثقافية وأيديولوجية ارتبطت بتطور وسائل التواصل والاتصال، ظهرت تنظيمات احتجاجية جديدة على الساحة الرياضية التي استغلت فضاءها الرمزي القوي المتابع إعلاميا لرفع مطالبها الاجتماعية والإصلاحية في وجه أنظمة الفساد الإداري والرياضي، في ظل غياب ملموس لأدوار جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الشبابية التي تؤطر وتهيكل الشباب المغربي. هنا نتحدث عن بزوغ تنظيم شبابي جديد فرض نفسه أكثر من أي وقت مضى على الساحة الثقافية والتواصلية والإعلامية بزخمه وتأثيره البين والأوضح، الحديث هنا عن تنظيمات “فصائل الألتراس” التي سنقف على إبراز الآليات الجديدة التي صنعت بموجبها هذا النوع الحديث من الخطاب الاحتجاجي بالمغرب . * تنظيمات الألتراس : وقفة تعريفية لا بدد لنا أولا من الوقوف على نبذة تعريفية لكلمة “ألتراس” حتى ندرك فيما سيلي قادما ترابط الكلمة ومعناها مع إشكاليتنا الأولية. فكلمة “ألتراس” باللغة العربية أو “ULTRAS” باللاتينية لفظة تحيل على جماعة المتطرفين والمتعصبين الذين يشجعون فرقهم الرياضية، والمتميزة بحبها وتفانيها وولائها الشديد لفريقها، كان أول ظهور لفصيل ألتراس سنة 1940 مع ألتراس “TORCIDA” بدولة البرازيل، ثم ما لبثت أن لاقت تبنيا كبيرا لتنتشر بأرجاء أوربا الشرقية تحديدا بيوغوسلافيا وإيطاليا وكرواتيا مع جمهور “HAJDUK SPLIT” الكرواتي. أما عربيا فكان أول ظهور لفصيل ألتراس مع “ألتراس المكشخين” المساند لفريق الترجي الرياضي التونسي سنة 2002، وألتراس ” BLACK & WHITE FIGHTERS” المساندة للنادي الصفاقسي التونسي سنة 2003، أما في الساحة الوطنية المغربية فكانت بوادر اجتياح فكر الألتراس بالضبط سنة 2005 مع فصيل “ULTRAS ASKARY RABAT05″ المساند لفريق الجيش الملكي، وفصيل ” GREEN BOYS05″ المساند لفريق الرجاء البيضاوي، وفصيل “WINNERS” المساند لفريق الوداد البيضاوي، ثم فصيل “LOS MATADORES” المساند لفريق المغرب التطواني، كلها فصائل رأت النور وأخذت مشعلا جديدا في نوعية التشجيع والمساندة لفرقها الكروية، وإن كانت بعض الجدالات المطروحة بين فصيلي فريقي الجيش الملكي والرجاء البيضاوي حول التواريخ الأولى لبزوغ هذا الفصيل على ذاك، هذه التواريخ التي طالما افتخرت بها هذه الفصائل وتشبثت بها، والتي أضفت على هذه التنظيمات نوعا من المشروعية التاريخية، فكلما طال زمن تأسيسها ومرت السنوات على تخليد ذكراها كلما زادت جذورها في التجذر أكثر تنافسيا مع باقي الفصائل. * أصداء مدرجات الألتراس : مقاربة تحليلية لمضامين الأهازيج. قد يقف المشاهد أو المتابع لبعض التيمات الفنية التي يبدعها شباب الألتراس، وهو يلاحظ حركات الشباب بالمدرجات وقفزاتهم مع ترديد أغانيهم مجرد أغاني فارغة المحتوى والمضامين، لكن المتبصر لما هو مضمر بين سطور هذه الابداعات الكتابية سيجد أنها أصبحت تتخذ مسارا آخر غير الاقتصار على ترديد الهتافات التشجيعية لفريقها والدفع به إلى الأمام، وصارت تحمل بين ثناياها رسالات قوية لمن يهمهم الشأن على كافة الزوايا والمجالات خصوصا منها السوسيواقتصادية. فكان لا بد لنا هنا من المرور على آلية من آليات صناعة الخطاب الاحتجاجي لهذه الجماعات عبر تحليل محتويات خطاباتها على مدرجات الملاعب وخارجه، من خلال تفكيك شيفرة مقاطعها الغنائية مضمونا. مع تزامن موجة الربيع العربي بالبلدان المجاورة لنا، أخذت فصائل الألتراس تنوع منتجاتها السمعية التي تطرحها، وتلونت من صبغة التشجيع والتغني بإنجازات فرقها الكروية وتنافساتها، إلى صبغة أكثر تمردية ثورية على جل أشكال الفساد و التعسفات التي طالت هؤلاء الشباب وهم يمارسون نشاطاتهم تحت ظل الاستفزازات والتضييقات التي يطالونها من أجهزة الأمن في بعض الأحيان، أو كما يلخصونه في مصطلح “الحكرة”. هنا تقدمت فصائل عديدة بأغاني تتغنى بالحرية والكرامة لشباب هذا الفكر، ونذكر هنا أول فصيل للذكر لا للحصر، فصيل “ألتراس عسكري” المساند لفريق الجيش الملكي الذي طرح سنة 2011 أغنية بعنوان: “الحرية”، والتي جاءت كلماتها كرد للتنكيل الذي طالهم؛ من قبيل: ” لربي العالي نرفع يداي، الحل عندو لهذه الوضعية، مليت العيشة السلطوية، شباب اليوم رايح ضحية، يا شباب يالاه نطالبوا بالحرية، كونوا رجال قوة شعبية… ” إلى آخر المقطع. بالتحليل والتمحيص في جوهر الأغنية يتبين لنا أن هم الشباب الأول انتقل من توجيه أصبع الاتهام لفريقهم جراء توالي انتكاساته وإخفاقاته، إلى توجيهه نحو الفئة المسؤولة عن تضييق ومحاولة خنق هؤلاء الشباب من ممارسة نشاطاتهم والتضييق من بؤرتها أكثر، فالخطاب الاحتجاجي انتقل من كونه خطابا يتأسس على قاعدة احتجاجية تتوخى المطالبة بحقها المشروع في التشجيع بشتى الوسائل التي يجمعون عليها دون أية رقابة أو حكر من جهاز أو جهة ما عليهم. من جهة أخرى فصيل آخر لا يقل أهمية عن سابقه في خطاباته القوية، لا طالما اشتهر بتوجهاته النقدية على المكتب المسير لفريقه، وللجهات المسؤولة بالمدينة، الحديث هنا عن فصيل “حلالة بويز” المساند لفريق النادي القنيطري، ما يتميز به هذا الفصيل عن باقي الفصائل بتوجهه التمردي في غالب الأحيان علي مقاطعه وألبوماته الموسيقية التي يطرحها كثيرا، فالعناوين عديدة لا يتسع المجال لحصرها نذكر منها عنوان: “NO ONE CAN STOP OUR AMBITION” و مقطع : “رهانات سياسية”، ومقطع آخر بعنوان: “RESIST TO EXIST-INTRO” والعديد من المقاطع الأخرى… ، لكن حديثنا هنا سيقتصر على مقطع لا يقل أهمية عن سابقيه لهذا الفصيل بعنوان: “SYSTÈME POURRI” والذي يحيل ترجمته لعبارة: “النظام نتن”، هذا المقطع الذي طرح سنة 2018، كانت كلماته وعباراته الاحتجاجية أكثر قوة وثقلا، نذكر منها: ” فبلاد الشفرة والتبزنيس، والمسؤول أكبر إبليس، سيسطيم POURRI وفيه لفيس، والمفسد لاعبها ديس، فبلادي حقي ضاع، وشكون لينا يسمع، ويلا هدرتي غاتقمع، سياسة جْوَّع وخلع، بزاف عليك لبوليتيك، فين القسم لي عطيتي، فالمال العام تبروفيطي، ولي فجيوبك مايكفيك…” حتى نهاية المقطع. ما نرقبه من هذه الكلمات أن محتواها نحى نحو الانتقاد اللاذع للجهات المسؤولة عن تدبير الشؤون العامة، والتي لها نفوذ سلطوي يجعلها تقبض زمام الأمور تسييريا، مطالبين وضاغطين بحقهم في الكشف ومتابعة مصير الأموال المصروفة والمهدورة من المسؤولين الذين يلعبون دور “ديس” في إشارة منهم لسياسية الأذان الصماء اللامبالية التي ينهجونها في التعاطي مع مطالبهم، والذين نعتوهم ووصفوهم كذلك بصفات الإبليسية، وهذا ما يدل على ماكريتهم وخداعهم الذي ينهجونه داخل بلد “الشفرة والتبزنيس” كما يرون. يجرنا الحديث مرة أخرى لفصيل في الضفة الأخرى طالما اشتهر أكثر بتشجيعاته ومآزرته اللامشروطة لفريقه الكروي في مناسبات عدة، وإن كانت نزعته الاحتجاجية أقل وأضعف وثيرة من سابقيه، لكنه اشتهر مؤخرا بمقطع داع صيته أرجاء العالم، وتناقلته العديد من المحطات التلفزية بربوع الوطن العربي، الحديث هنا عن فصيل “إيغلز” المساند لفريق الرجاء البيضاوي الذي طرح أغنيته بعنوان: “في بلادي ظلموني” سنة 2017، فكانت كلماتها: ” فبلادي ظلموني، لمن نشكي حالي، شكوى للرب العالي، غير هو لي داري، فهاد البلاد عايشين فغمامة، طالبين السلامة، انصرنا يا مولانا، صرفو علينا حشيش فكتامة، خلاونا كي اليتامى، نتحاسبوا فالقيامة، مواهب ضيعتوها، بالدوخة هرستوها، كيف بغيتو تشوفوها، فلوس البلاد كاع كليتوها، للبراني عطيتوها، جينيراسيون قمعتوها… ” لغاية نهاية المقطع. هذا المقطع الذي يشكل صرخة للجماهير الرجاوية في مبارياتها، وتعبر عن صوت قوي بعد موجات الاحباط والتذمر الناتج عن قمع الربيع الديمقراطي بالمنطقة العربية، لتتخذها بعض البلدان العرب المجاورة أيضا في هتافاتها الشعبية، وتجعل منها أيقونة شعبية تناهض ما تتعرض له فئات الوطن من تضييق الأوطان وقمعه. أما الفصيل الغريم للفصيل السابق اللذان يشتركان نفس المدينة، عرف بتشجيعاته الحضارية والراقية كذلك، من خلال بسط رسائله على المدرجات باختلاف توجهاتها المساندة والداعمة لفريقها، هو الآخر عمل على طرح مقطع موسيقي جعل في حمولاته مقاسمة لهموم الشعب المغربي، ومعاناته الاجتماعية والاقتصادية التي تكرس لهشاشته وضعفه. الحديث هنا عن فصيل ألتراس “وينرز” المساند لفريق الوداد البيضاوي، الذي وضع مقطعا موسيقيا بعنوان “قلب حزين” منتصف هذه السنة، فكان لحن المقطع الحزين يتماشى مع كلماته طبق الأصل، لتأتي كلماته على الشكل التالي: “يا قلب حزين، يبكي على سنين ضاعت مني، مستقبل فين، العمر يزيد فقير راهو يعاني، حتا أنا اجتهدت وقريت، بغيت نخدم مالقيت، بلادي ماعطاتنيش تعطي للبراني، مارانيش أليز، فبلاد الشفارة، ماتحلموش بالجنة، نتلاقاو عند مولانا… ” لنهاية المقطع. يأتي المقطع كانتقاد حاد للأوضاع المزرية التي تتخبط فيها منظومتنا، من ارتفاع نسب البطالة، وانخفاض جودة التطبيب وعدد المستشفيات، إضافة لزحف شبح الخوصصة على القطاعات الحيوية للبلد بدءا من التعليم، زد على ذلك ارتفاع نسب الهجرة السرية للشباب نحو المجهول. زيادة عليه إشكالية التلفيق والتضليل الإعلامي الذي جعل زاويته موجهة نحو التافه من الأمور، بالمقابل صرف النظر عن تغطية وتقريب المواطن من “المسكين” المهضوم حقوقيا كما جاء في المقطع. كلها عناوين وقضايا حساسة جعلت هذا الفصيل يتوجه برسائله السياسية نحو المسؤولين وصناع القرار بالبلد ليوقفوا زحف سرطان الفساد والظلم الاجتماعي ما أمكن ذلك، ويجدوا حلولا شافية كافية لما يجول بدلا من حلول مجحفة ترقيعية لا تدفع من واقعنا المعيشي سوى نحو التقهقر والاضمحلال. * رسائل الجداريات والمسيرات الاحتجاجية، كآلية لصناعة الخطاب الاحتجاجي: لا يخلو فكر الألتراس من لمسته الفنية التي تأخذ طابع الاحتجاج بصيغة تعبيرية لامعة تجر وتأخذ انتباه أي مواطن آخر بعيد عن تبني هذا الفكر أو الانتباه له، هذا الاحتجاج الذي يترجم عبر فن الجداريات أو كما يسمى في قاموس فكر الألتراس ب”الطاغ” أو فن الغرافيتي. فالطاغ هو عبارة عن جدارية تزركشها الزخارف والرسومات والكتابات كبيرة الحجم بمختلف الألوان، هي وسيلة من وسائل التعبير عن آراء هؤلاء الشباب وتوجهاتهم للعامة. فجدران الشوارع صارت اليوم أكثر من أي وقت مضى مكانا لتعبير أعضاء الألتراس عن غضبهم واحتجاجهم بعيدا عن الطريقة الكلاسيكية في ذلك. فن الغرافيتي الذي ظهر في الآونة الأخيرة بقوة، خصوصا الأحياء الشعبية والهامشية منها على وجه الخصوص، هذا الفن الذي ينهجه شباب تواقون لإيصال أصواتهم وتعبيراتهم في غياب وتراجع أدوار الأحزاب والنقابات والجمعيات في الساحة السياسية، فصاروا يعبرون بكتاباتهم عن ما يختلجهم، بعد أن كان هذا الفن في وقت مضى لا يخرج عن دائرة أحكام القيمة ووصفه بالعمل التخريبي الذي يشوه منظر الشارع العام. بالرغم من السرية التامة التي ينهجها شباب الألتراس المتحدي والمتصدي لأي جهة تحاول تقييد أو الحد من أعماله، فهذه العملية الفنية تبقى سرية في أوقات متأخرة من الليل، لانعدام ترخيص من طرف السلطات للقيام بذلك. لكن رغبة الشباب الجامحة في جعل رسائلهم أمام مرأى الجميع، والاختيار المناسب للمكان الذي يشهد حركية ومرورا كثيفا للسكان أو المارة، هذه الرغبة الشبابية القوية تدفع بهم نحو تحدي جل العراقيل والمطبات، التي تحول دون هدفهم وتعمل على تعجيزها والحد منها. من الجانب الآخر يبقى للاحتجاجات والوقفات السلمية التي ينهجها شباب الألتراس دورها الأساس في كيانها الجمعي، وجزء لا يتجزأ من أعراف هذا الفكر كذلك، فالمناسبات عديدة وكثيرة التي نظمتها فيها فصائل الألتراس بالمغرب، نتيجة الاستياء الاجتماعي الذي يتبلور لسخط شبابي جعل من الشارع مكانا يصرف فيه جام غضبه على المسؤولين بمختلف القطاعات. الحديث هنا يدفعنا نحو المسيرات الاحتجاجية العديدة التي نظمتها فصائل الألتراس، من أبرزها مسيرة ألتراس “حلالة بويز” السلمية والشعبية التي جابت أرجاء مدينة القنيطرة يوم 29 من شتنبر سنة 2012، حاملين رسائلهم المكتوبة أو ما تسمى في قاموس الألتراس ب “ايطوندار” وهي لافتة متوسطة الحجم محمولة يدويا على كلا الجهتين، وبهتافاتهم التي كانت عبارات استهجانية غاضبة من قبيل: “السلطة تفرشتي،وللفساد زكيتي”، “حلالة تريد إسقاط الفساد”،”لا للشطط في استعمال السلطة”، “حقوقنا معروفة وفيها JAMAISنسمحوا وعلى الفساد والحكرة JAMAIS نسكتو”… . إضافة للمسيرات التي نظمها فصيلين آخرين بالعاصمة الرباط فصيلي “ألتراس عسكري الرباط” و “بلاك آرمي”، الوقفة الاحتجاجية التي أخذت من الصبغة الفرنسية جوهرها الرمزي عبر ارتداء شباب هذين الفصيلين لسترات صفراء كما كان الحال عليه بالاحتجاجات العارمة التي نشبت ببلاد فرنسا. هذه الوقفة الاحتجاجية التي نظمت يوم 15 دجنبر 2018 جاءت كتنديد لما يعيشه فريقهم طوال 11سنة من تردي النتائج وهزالتها، والمطالبة بالمحاسبة والتغيير للأطر المسيرة لشأن فريقهم، ومطالبة جل المسؤولين الأشباح بالاستقالة الفورية من تسيير النادي، وفصل العسكرة على التدبير الرياضي للفريق العسكري، كل هذه المطالب تم اختصارها في رسالة عريضة بعبارة “الفساد القانوني”، والمغزى من هذه الرسالة كما جاء على لسان أحد أعضاء فصيل “بلاك آرمي” أن هذا الفساد أخذ يشرعن ويأخذ مرجعيته بقوة شبه قانونية، أمام مرأى ومسمع الجميع. هذا الاحتشاد الجماهيري والقوة الضاغطة التي صار يجدها شباب الألتراس وأحسوا بها كانتماء، وسبيلا للبقاء في مجتمع لا يجدونه في باقي أيامهم وأوقاتهم، بسبب الشعور بالتهميش، الدونية، الرفض والإقصاء والعزل، كل هذا يجعل من احتجاجات شباب الألتراس اليوم تتشكل على شكل حركة اجتماعية ديناميكية، تجعل من فضاءهم العام مكانا للتعبير عن استبعادهم الاجتماعي، وتخلق منهم شبابا موجودين يعترف بهم الآخر النابذ لهم. *خاتمة: لا طالما شكلت تنظيمات الألتراس الشبابية حركة تجسدت عبر نقلة نوعية من الاحتجاج الكلاسيكي المعروف نحو نمط احتجاجي جديد آخر أكثر فتوة وشبابية، برزت معه أشكال أخرى أكثر إثارة للمتلقي أو المعاين للظاهرة، هذه الحركة التي تمخضت نتاج تغير عدة عوامل رئيسية ساهمت في بزوغها ونشأتها، الشيء الذي اقتضى منا الوقوف عليها لوهلة بالفحص والتدقيق والتمحيص، بعيدا عن حصره داخل زاوية نظر أخلاقية تقزم الموضوع وتحصر اشكالاته وديناميته، دون تدقيق النظر الموضوعي والعلمي حياله. * أستاذ وباحث في علم الاجتماع