تعود أصول هذا المركب الإسنادي إلى زمن الانتفاضة المغربية فيما سمي بالربيع العربي، ويعود السبب في نشوئه إلى ردة فعل عفوية من لدن النشطاء على المركب " عاش الملك"؛ فقد كان المتظاهرون يرددون شعارات تطالب بالحرية والكرامة وإسقاط الفساد والاستبداد، وكانوا يجتهدون في ترديد شعارات مختلفة تصب في هذا الهدف. وفي كل مسيرة كان ولابد أن يحشد محسوبون على الحركة الشبابية الملكية ناسا بسطاء لا يدرون لماذا جيء بهم، ولا ماذا يقولون إلا ترديد مركب "عاش الملك" لما فهموه وهما أن الحراك جاء لإسقاط الملكية؛ ولهذا كان ولابد أن يرد عليهم الشباب بذلك المركب الذي يمجد الشعب ميزا منهم و في دلالة على نمط النظام الديمقراطي الممثل لدولة الحق وسيادة القانون والمؤسسات، في مقابل السيبة والمزاجية والأشخاص. لقد كتبت في مقال قبل هذا إن من علامات الفاسد احتفاءه الدائم بالثوابت الوطنية، فالفاسد أكثر الناس تمظهرا بحب الوطن، فهو بخبث فهم اللعبة كيف تدار، فردد الشعار، وعاث في الأرض فسادا. ومثاله أن أن معتديا يلطم خدك وهو يصرخ مرددا " عاش الملك"، فإذا حاولت ردعه والدفاع عن نفسك اتهمك بمحاولة إسكاته عن ترديد المركب ومعاداة الوطن، وهذا نفسه ما يقوم به الفاسدون، فهم ينتهكون باستمرار حرمة الوطن والوطنية فيغتنون، ويتنعمون، بينما يتهمون كل صارخ وممانع بالخيانة؛ وما العمالة والخيانة إلا أعمالهم وما هم فيه من الإفساد، فهل يقارن سجين رأي مناضل بأصغر فاسد لا حول له ولا قوة. ولهذا فالملكية أصبحت في مقابل الشعب لما احتمى بها الفاسدون والانتهازيون؛ حتى أصبح من ينادي بها ويدافع عنها حتى بحسن نية متهما بالرغبة في الفساد أو الإفلات من العقاب. لطالما ردد الخبراء والنشطاء إن الملكية التنفيذية مكلفة جدا، وكانوا يقصدون بهذه الكلفة ما تلتهمه من الميزانية العامة للبلد فيما يسمى بميزانية القصر، وأنا في نظري أرى أن هذه الكلفة ليس مردها إلى هذا الأمر، ولو كان في حدود ما ذهبوا إليه لهان الأمر، ولكن الكلفة الحقيقية هي فيمن يحتمي بالملكية من الفاسدين؛ فيعلنون الولاء ويهلكون الحرث والنسل، فالولاء والتظاهر به سبب كل أزمة يتخبط بها البلد، والفاسدون باسم الوطن هم الذين ورطوا الملكية لدى الشعب ولدى فئة كبيرة منه؛ حتى جعلوها مقابلا لاستغلال النفوذ والإفلات من القانون بعدما كانوا من قبل يعولون عليها لأمنهم، ولا غرابة أن ميزانية الجيش تتضاعف يوما بعد يوم ومنذ عقود خوفا من العدو الخارجي، بينما يموت الناس من البؤس على من يد من يدعون حمايتهم . لقد عرفت كثيرا من المناضلين الصادقين، والحقيق أني في كثير من سجالاتي معهم لم أحس منهم معاداة للملكية علة، ولكن عداؤهم للملكية سببا، وهناك فرق شاسع، فليست مشكلتهم مع الملكية بقدر ما أن مشكلتهم مع من يحتمون بها من الفاسدين والنافذين لصوص هذا الوطن، فالمناضل لا يصرخ ولا يعتقل ولا يمارس عليه التعذيب إلا من أجل مطالب بسيطة طالما نادت بها الملكية وخانها خدامها، فالمناضل لا يطلب إلا تجسيد القانون، بينما يرى الفاسدون أن ذلك خطرا عليهم وعلى مشاريعهم ، فيتظاهرون بالولاء ويخلقون الأزمات، وفي كل مرة يورطون الملكية في مواجهة الشعب حين أدركوا عجزها في مواجهتهم. ومنذ أن قال الراحل الحسن الثاني للطامعين في الحكم : ‘ لكم الأموال ولنا الرقاب ‘، ومن يومها بدأ الوطن يتوزع بين النافذين الفاسدين، فيكفي أن يقدم الولاء أو أن يقنع فئة من الناس بالولاء، فحلال عليه ما حازه، وبهذا المنطق تجد رئيس جماعة قروية يغتني فاحشا في بيئة لا يجد فيها الناس شربة ماء، ويتبجح الفاسد فيهم بالولاء، ويموت الناس من الجوع والبلاء والوباء، ويخرج من أصلابهم من يفهمون الحيلة ولا تنطلي عليه الحيل ولا التغني بأغاني الوطنية الزائفة؛ فيرددون "عاش الشعب" بدلا من مركب " عاش الملك" ولا أحسب أن ترديد عبارة تمجيد الشعب في مقابل تمجيد الملكية ستنتهي عند هذا الحد، فقد أصبحت اليوم الشغل الشاغل للناس، يتغنون بها ويرددونها، والدائرة مرشحة لأن تكبر باستمرار، وسوف يرددها البسطاء دائما بديلا عن ما كان؛ لما أصبحت خطابات الملك يتلقاها الفاسدون كضرب من الوعظ – لمن شاء أن يستقيم- بعيدا عن منطق الزجر والضرب، وهذه أمور وضحناها في مقال سابق. إن المعركة اليوم، لم تعد تقليدية كما ألف المخزن في مواجهة الفئة المتعلمة بريع المناصب، ولكن المعركة اليوم ستنتقل إلى الفئة شبه المتعلمة وهي الفئة الغالبة، والتي تقضي ساعات طويلة في تلقي نوع من خطاب " التوعية" بعيد عن ما كان يحتمي به المخزن من الأساليب القديمة من تزييف الوعي والتعتيم وشراء الأقلام؛ حيث يصبح رئيس التحرير في جريدة ورقية بسلطة أعلى من رئيس الحكومة. فهل تحمي الملكية نفسها بجعل نفسها في صف الشعب بدلا من الوقوف مع الظلمة والفاسدين، فأظن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل حتى وأن المعركة في كل اتجاه لن تكون سهلة، فأينما اصطفت الملكية أو حتى عند لزوم الحياد، لابد أن المعركة لن تكون سهلة في الأيام القادمة، فالفاسدون ليس من اليسير فطامهم، ولا نزع الأثداء منهم، وما أكثر الأثداء في وطن قام على الرضع بدلا من الردع. فالشعب سيتطلع باستمرار إلى من يضمن له حقوقه وكرامته سواء بالملكية المواطنة أو حتى أن يحكم نفسه بنفسه..فانتظروا…