في مقال سابق تطرقنا للمسؤولية المباشرة وغير المباشرة في ملف "تعذيب معتقلي الريف"، وفي هذا المقال نحاول سبر أغوار المسالك والاليات الترافعية التي يمكن نهجها وفق ما يمنحه القانون الدولي والقانون الوطني. إن غاية الفاعل الحقوقي وخاصة المتواجد في المواقع المدنية، هي حرية الأشخاص بالدرجة الأولى، ويلها المساءلة وأيضا وضع أليات عدم التكرار، وإن نهجه لمختلف "الأسلحة" المدنية المتوفرة شأن مشروع، لكونه يختلف عن الأحزاب السياسية، التي تصل إلى جزء من السلطة أو تدبير الشأن العام، سواء في الحكومة أو البرلمان، أو الإدارات. انطلاقا من زاوية "التمسك الأرثودوكسي" بالمؤسسات، فإن الدولة سواء من خلال مؤسساتها الحكومية أو القضائية أو المؤسسات الوطنية، مسؤولة في ملف تعذيب معتقلي الريف، مما يقتضي الترافع أمام مختلف هذه المؤسسات، ومن مختلف تراتبية المسؤوليات. 1-على المستوى الوطني: يقتضي العمل على المستوى الوطني من خلال استثمار كل الإمكانات القانونية المتاحة بهدف الضغط على المسؤولين المباشرين وغير المباشرين من أجل تحمل مسؤولياتهم تجاه ملف تعذيب معتقلي الريف. 1.1المعطيات الشخصية والمسؤولية المدنية نجدد، أن الحصول على الملف الطبي المنجز من قبل المجلس الوطني لحقوق الانسان، لكل من ال 34 معتقل الذي خضعوا لهذه الخبرة (19 السجن المحلي بعين السبع الدارالبيضاء، 15 بالسجن المحلي بالحسيمة)، حقوق تكفلها لهم التشريعات الدولية، وخاصة بروتوكول إسطنبول، وأيضا التشريعات الوطنية، ونذكر هنا القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات الذي لا تستني مادته السابعة الحصول على هذا التقرير، كما أن القانون رقم 131.13 المتعلق بمزاولة مهن الطب يلزم في مادته الثانية انه من حق المريض، أو نائبه الشرعي أو ممثله القانون، في الحصول على المعلومات المتعلقة بتشخيص مرضه . هذا الهامش القانوني، يسمح للمعتقلين بأن يطلبوا من المجلس الوطني لحقوق الانسان، بشكل فردي ورسمي أو من خلال تفويض لعائلاتهم أو محاموهم، الحصول على نسخة من التقرير الخاص بهم، وفي اجال 20 يوما، وإلا أصبح هذا الأخير تحت طائلة المادة 16 من قانون رقم 13.31 ، وفي حالة المعتقل ربيع الابلق فإن الآجال مجرد ثلاث أيام، نظرا لكون التقرير يتعلق بحياته وسلامته وحريته، وفق المادة 17 من نفس القانون. أما في حالة عدم موافاة المجلس لكل المعتقلين ال 34 بنسخة من التقرير، وأيضا تقرير زيارة المعتقل ربيع الابلق، فإنه يصبح تحت طائلة المسؤولية المدنية، حيث يمكن رفع دعوى قضائية ضده في هذه الحالة. 1.2المسؤولية الجنائية إن مبادرة الجمعية المغربية لحقوق الانسان برفع دعوى قضائية ضد الدولة المغربية، مبادرة حميدة، ولكن وجب تعزيزها، برفع دعاوي قضائية فردية، ليس فقط ال 34 معتقل الذي أنجزت عليهم الخبرة الطبية للمجلس الوطني لحقوق الانسان، وإنما كل من تعرض للتعذيب، وبذلك نكون بالفعل أمام انتهاك ممنهج ضد ساكنة الريف، كما أنه سيكون امتحان للقضاء الوطني، هل هو مستقل وقضاء "مواطناتي" أم أنه قضاء غير مستقل وقضاء "تعليمات". إن جريمة التعذيب لا تتقادم ولا تسقط كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المقال السابق، وتبقى قائمة من أجل معاقبة من ارتكبها أو أيضا جبر الضرر الفردي للضحايا. 2- على المستوى الدولي: إن اختيار اللجوء إلى المنتظم الدولي في قضايا انتهاكات حقوق الانسان، ليس ترفا ولا مزايدة ولا لي أذرع الدولة، وإنما ممارسة للحق مكفول للجميع، منحته الدولة المغربية لمواطنيها بشكل طوعي وإرادي وفي إطار التزاماتها الاممية. 2.1 اللجن الأممية إن أولى اللجن المعنية بحالة معتقلي الريف هي اللجنة الفرعية المعنية بمناهضة التعذيب، والتي لها علاقة عضوية بالآلية الوقائية من التعذيب. فبعد مصادقة المغرب على بروتكول التعذيب، واختياره أن تكون الالية الوقائية ضمن اختصاصات المجلس، فإن هذه الالية الوطنية من مسؤولياتها التدخل لوقف نزيف انتهاكات حقوق الانسان في سجون المملكة، وهنا لا نتحدث فقط عن التعذيب، ولكن أيضا عن المعاملة الحاطة بالكرامة واللاإنسانية والمهينة التي يتعرض لها معتقلو الريف، وعلى رأسها الترحيل "الانتقامي" والتشتيت بين السجون بدون أي مبرر مقبول. إن الالية الوطنية من اختصاصاتها وفق المواد من 13 إلى 16 من القانون 76.15 المحدث للمجلس الوطني لحقوقي الانسان، القيام بوقف انتهاكات حقوق الانسان في أماكن الاعتقال، ولهذا الغرض تقوم "بإجراء اتصالات مع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وموافاتها بمعلومات والاجتماع بها" وفق المادة 20 من بروتوكول مناهضة التعذيب، وفي حالة قصور هذه الالية الوطنية في أداء مهامها، فإن المجتمع الحقوقي وعائلات الضحايا والضحايا أنفسهم لهم الحق في تكثيف الجهود من أجل تزويد "اللجنة الفرعية" بالمعلومات والوقائع ذات الصلة بالتعذيب وسوء المعاملة، حتى تكون على إطلاع من أجل القيام بما يمنحها القانون الدولي من اختصاصات، خاصة تقديم طلب إلى "الجنة مناهضة التعذيب، بأن تقرر بأغلبية أصوات أعضائها، وبعد إتاحة الفرصة للدولة الطرف لإبداء آرائها، إصدار بيان علني حول الموضوع أو نشر تقرير اللجنة الفرعية لمنع التعذيب" (المادة 16 ف4). اللجنة الثانية المعنية بموضوع معتقلي الريف، وهي لجنة مناهضة التعذيب، حيث تنص المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب ، على أن الدول التي " تعترف بمقتضى هذه المادة باختصاص اللجنة في تسلم ودراسة بلاغات واردة من أفراد أو نيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية ويدعون أنهم ضحايا لانتهاك دولة طرف أحكام الاتفاقية" … وللإشارة فإن المغرب رفع تحفظه عن هذه المادة وأن أعلن اختصاصاها بتاريخ 19 أكتوبر 2006. 2.1 المقررون الخواص إن الانتهاكات التي تعرض لها معتقلي الريف فيما يتعلق بالتعذيب، يجد مسلكه بشكل مباشر الى المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب الذي يقوم بتلقي الشكايات، علاوة على إحالة المناشدات العاجلة إلى الدو فيما يتعلق بأفراد قيل بأنهم يواجهون خطر التعرض للتعذيب، وذلك بناء على قرار 33/1985، للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وللضحايا وعائلاتهم ومحاموهم والجمعيات الحقوقية التوجه مباشرة إلى المقرر الأممي. كما أن مسألة اللجوء إلى المقررين في حالة معتقلي الريف، لا تقف فقط عند المقرر الخاص بالتعذيب، بل تشمل أيضا كل مقررين أخرين حسب تخصصه: المقرر الخاص المعني بالحق في حرية الاجتماع السلمي والانضمام إلى الجمعيات؛ المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير الممثل الخاص للأمين العام بشأن حالة المدافعين عن حقوق الإنسان؛ المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين ولما لا التواصل أيضا، مع كل من الفريق العامل المعني بالبلاغات، ذي الصلة بالفريق العامل المعني بالحالات، باعتبار أن الانتهاكات التي طالت معتقلي الريف هي انتهاكات ممنهجة وترقى لمستوى الجسامة. إن الدولة المغربية التي تقفل كل أمل في معانقة معتقلي الريف للحرية، تتطلب في الجهة المقابلة توحيد الجهود وتكثيف المبادرات في علاقة بحرية المعتقلين أولا، المساءلة ثانيا، وسن الاليات التشريعية والمؤسساتية لعدم التكرار ثالثا.