كتبت تدوينة على حائطي صبيحة اليوم الموالي لفوز سعيد قيس بالانتخابات الرئاسية في تونس، وأعيد نشرها هنا ثانية والتعليق عليها وتوضيحها، قلت في التدوينة التي حازت نسبة كبيرة من المشاركات: "حاز أستاذ القانون الدستوري في تونس الشقيقة منصب رئيس الجمهورية بدعم كبير من طلبته لا بالأموال العمومية، وعندنا في المغرب الاستثنائي يبيع غالبية أساتذة القانون بالجامعات مطبوعاتهم الهزيلة وكتبهم البئيسة للطلبة المعوزين قهرا وابتزازا، وبأثمنة خيالية، طمعا في دريهماتهم قصد شراء السيارات الفارهة واقتناء المنازل القاخرة وتدريس أبنائهم في أغلى المدارس الخاصة. وليتهم اكتفوا بذلك، بل اتجهوا أيضا للمتاجرة في مسالك الماستر والسمسرة في وحدات الدكتوراه، وبيع المناصب وتفويتها للمعارف والأقارب وأعضاء أحزابهم ولمن يدفع أكثر، ولا تسأل عن الطرق الملتوية التي حازوا بها مواقعهم، فهي معروفة لدى القاصي والداني. غير أن ما يثير الاستغراب بل الاستهجان أن تجد لدى هؤلاء صفحات فايسبوكية باسمهم يكتبون فيها تدوينات ينتقدون فيها الاستبداد السياسي ومؤسسات التَحَكُّم، ويُطالبون بتغيير الأوضاع وبِمَنْحِ الشعب حقه في الديموقراطية والحريّة أسوة بما يقع في البلدان المتقدمة! تزامنت التدوينة المذكورة، والتي كتبتها على صفحتي صبيحة يوم الاثنين 15/10/2019، والتي شاركها الطلبة الباحثون بشكل مكثف، مع سؤال شفوي طرح مساء نفس اليوم في مجلس النواب وجَّهته السيدة السعدية بنسهلي للسيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي سعيد أمزازي: قالت فيه: "إن ظاهرة بيع الكتب داخل المؤسسات الجامعية باتت مُلفتة للنظر خلال السنوات الأخيرة" وأكملت قائلة: "إن الطلبة يعانون بسبب فرْض بعض الأساتذة على الطلبة اقتناء كتبهم، وأردفت: "لا يمكن أن يتحول الأستاذ الجامعي إلى بائع للكتب في قلب الجامعة المغربية". وأوردت بنسهلي أن "الأستاذ الجامعي له رسالة نبيلة تتمثل في إنتاج النخب الفكرية والثقافية والعلمية"، وأكدت أن إنتاج الكفاءات داخل رحاب الجامعة لا يمكن أن يكون عن طريق منطق البيع والشراء، وحاججت البرلمانية لتوضيح فكرتها قائلة: "الأستاذ الجامعي له رسالة نبيلة تتمثل في إنتاج النخب الفكرية والثقافية والعلمية"، وأكدت أن إنتاج الكفاءات داخل رحاب الجامعة "لا يمكن أن يكون عبر منطق البيع والشراء". المفاجأة كانت في جواب الوزير سعيد أمزاري، الذي تهرب بشكل مريب من الجواب بصراحة، مما يعكس حجم توغل الفساد في جامعات الحقوق خاصة، بقوله: "إن كل جامعة مغربية تخصص ميزانية هائلة لاقتناء الكتب في إطار استقلالية مؤسسات التعليم العالي": وأضاف أنه في سنة 2018 خصصت الدولة ميزانية قدرها 10 ملايين درهم لشراء الكتب على مستوى الجامعات المغربية. وأكد الوزير أنه "في إطار استقلالية الجامعات، يتم اتخاذ مجموعة من التدابير قصد تمكين الطلبة من مقرراتهم الجامعية تشجيعا لهم على مواصلة تحصيلهم الجامعي في أحسن الظروف"، واستطرد في معرضه جوابه البعيد عن السؤال المطروح قائلا "تم إغناء مكتبات الجامعات والمؤسسات الجامعية بكتب متخصصة في حقول معرفية متنوعة، حيث إن كل جامعة تتوفر على أزيد من 300 ألف مرجع ومصدر، بالإضافة إلى إحداث مراكز بالمؤسسات الجامعية لطبع الكتب والمطبوعات بأسعار مناسبة". نلاحظ من فحوى الجواب أن الوزير تحدث عن قضايا لا علاقة له بموضوع السؤال، فالجواب في واد آخر، فهل الوزير لم يفهم السؤال الواضح الذي طُرح عليه، والذي يخص ظاهرة بيع أساتذة الجامعات للكتب والاتجار فيها، أم أنه غير قادر على مواجهة الظاهرة المستشرية، فاتجه للحديث عن ميزانية الجامعات والانترنيت. يبدو لي أن الوزير يعرف جيدا ما يحصل في مدرجات الكليات، وسكوته دليل قاطع على ذلك، فلو كانت الظاهرىة غير موجودة أو قانونية لدافع عنها، لكنه آثر التحايل بل والتهرب من الجواب المباشر في مجلس النواب، لأنه يعلم محدودية صلاحيته وعدم قدرته على مواجهة القضايا الحقيقية التي هي سبب وضاعة الجامعة المغربية، لكنه أمام الضغط وكثرة الشكايات في الموضوع أصدر مذكرة وقعها بتاريخ 16/10/2019، أي بعد يوم واحد من طرح القضية في قبة البرلمان، وقد أرسلت إلى رؤساء الجامعات، حيث طالبهم الوزير بتزويد مكتبات الجامعات وإغنائها بأعداد كافية من كتب ومؤلفات المدرسين ذات الصلة بالمواد المقررة إن كان هدفهم فعلا استفادة طلبتهم مما يكتبون، ويقترح عليهم وضعها رهن إشارة الطلبة بدل بيعها لهم. وقد جاءت هذه المذكرة الوزارية لتعترف ضمنيا بحجم الظاهرة بالرغم من عباراتها المحتشمة، لكن من سيعمل على تفعيلها والانضباط لمقرراتها. إن صدور هذه المذكرة لا يعني توقف بيع كثير من الأساتذة لكتبهم وخاصة بكليات الحقوق، فهؤلاء يتحايلون بشتى الطرق لكي يستمروا في بيع منتوجاتهم لما تجلبه لهم من ربح مادي. إن إجبار الأساتذة المدرسين لللطلبة على شراء كتبهم بأثمنة باهضة مقابل النقط معلومة لدى الجميع، فالطالب لا يحصل على النقطة التي يستحقها عندما يدخل لاجتياز الامتحان الشفوي، إلا إذا تأبط كتاب أستاذه المفروض عليك شراؤه، بل هناك من الأساتذة المبتزين والسماسرة من يقومون بوضع جذاذات امتحانات آخر السنة داخل كتب يتحتم على الطالب شرائها وإلا رسب. لذا فكل طالب إذا أراد اجتياز الامتحان وجب عليه اقتناء الكتاب المطلوب مرغما، هذه الكتب هي بطبيعة الحال ضعيفة المبنى والمحتوى، بل ورديئة المضمون، ولأنها كتب لا تلقى الرواج من طرف القارئ العادي يتم تصريفها حصريا بل قهرا للطلبة المغلوبين على أمرهم. تذكرنا سلوكيات إجبار الطلبة على شراء الكتب بظاهرة صكوك الغفران، فمارتن لوثر حين وقف ضد ظاهرة بيعها لم يكن يواجه الدين المسيحي، ولا رجال الدين، وإنما ممارسات غالبيتهم ممن كانوا يتاجرون بالدين، فهو رجل دين قبل كل شيء. ولذا فإننا ننبه إلى أن إلقاء الضوء على ظاهرة بيع الكتب للطلبة عن طريق الابتزاز والاتجار في العلم بكليات الحقوق بالمغرب لا يعني بتاتا أننا ضد الجامعة أو ضد الأساتذة الجامعيين، بل على العكس تماما، فالهدف تطهير الجامعة من ممارسات مهينة تسيء إليها وإلى وظيفتها، وهي ممارسات تغولت شيئا فشيئا وتكاثرت لتغدو فقاعة مكتملة الأركان، وانتقلت فجأة من ممارسات فردية معزولة لتتحول في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة عامة مخيفة. وللعلم فقليل من أساتذة كليات الحقوق من هم غير منخرطين في هذه الظاهرة، لكن يوجد البعض ممن أعلنوا تذمرهم وإن على استحياء من انتشار هذه الفضائح المخلة بسمعة الجامعة المغربية وبمكانتهم الرمزية وبتاريخ أساتذة أجلاء أفنوا عمرهم في التدريس بشرف ونزاهة. وقد سبق أن وقفت على ملفات صدرت في جرائد وطنية تناولت بالتفصيل ظاهرة ما أسميناه "بيع صكوك الغفران" في العديد من كليات الحقوق بالمغرب، ومنها كلية طنجة التي صدر بخصوصها تقرير خطير نشرته جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، وبشكل رسمي، وهو يرصد تذمر عدد كبير من الطلبة من خلال شهادات متواترة، فكثيرا ما يشتكون من هذه الظاهرة في أي لقاء عرضي بهم، يتحدثون بمرارة عن إجبارهم من طرف بعض الأساتذة على اقتناء كتاباتهم المطبوعة، حيث يفرض على الطالب لينجح في مادة معينة، أن يشتري كتابا من توقيع أستاذه وبثمن مرتفع. وهنا نقدم ملخصا لهذا التقرير بعد أن قمنا بالتصرف فيه، رغبة منا في أن إشراك الجميع في النقاش، لأن ما يقع يثير العديد من الشكوك حول دور الجامعة ودور الأساتذة الجامعيين في الإصلاح باعتبارهم معنيين بالنقاش العمومي، فحين نناقش مسؤولية الدولة في موضوع المجانية، وفي موضوع إصلاح الجامعة مثلا، وجب قبلها أن نناقش مسؤولية الأطراف الأخرى التي تتواجد داخل الجامعة، فما يحصل في غالبية كليات الحقوق وجب أن يتوقف، بل وجب أن يتم إرسال لجان التفتيش من طرف الوزارة الوصية على القطاع، بل على الطلبة مسؤولية فضح هذه الممارسات وتبيانها، لأنها ممارسات تمتهنهم وتمس كرامتهم وحقهم في التعليم المجاني الجامعي، وتحط من قدرهم، وتضرب بعمق مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة بين الطلبة، وتتعارض مع خطابات العدالة والإنصاف ودولة الحق والقانون، وهي الشعارات التي نسمعها في كل محفل، صبيحة ومساء. ان التقرير الذي سبق وأن صدر عن جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان يكشف امتهان بعض الأساتذة الجامعيين بكليات الحقوق بطنجة على سبيل المثال للطلبة، وبمدن أخرى أيضا، حيث انتقلت نفس الممارسات بشكل سريع، وبذلك غدت مهنة التدريس تجارة مربحة وابتزاز لا أخلاقي، من خلال إجبار الطلبة بطرق متعددة وقسرية على شراء ما يطبعونه شخصيا في المطابع كل سنة، وكأن الأمر يتعلق ببيع الذبيحة السرية. إن إجبار بعض الأستاذة للطلبة على اقتناء كتبهم تحت طائلة التهديد بالحرمان من المعدل أو الحرمان من اجتياز الاختبارات الشفوية، وتوجيههم إلى مكتبات معينة يتعاملون معها لتصريف كتبهم هي من الممارسات التي لاتزال مترسخة، ويسلكون في ذلك مجموعة من الإجراءات الخطيرة والاحتيالية. إضافة إلى أن الطلبة يقتنون هذه الكتب بأثمنة مبالغ فيها ولا تتناسب مع حجمها، والإشكال أن محتواها غالبا ما يكون ضعيفا جدا؛ بل فيه الكثير من الحشو والإطناب حتى يتمكن الأستاذ/ التاجر من طرح كتاب بعدد معين من الصفحات، ومع ذلك لا يتناسب بتاتا حجمه مع ثمنه المرتفع إن قارنه بكتب أخرى تصدر عن دور نشر وازنة. ممنوع على الطلبة نسخ الكتب أو استعمال الكتب القديمة، فهذه خطيئة لا تغتفر للطالب، أو استعارتها من زملائهم أو من الطلبة الذين سبق وأن درسوا عند نفس الأساتذة واقتنوا نفس الكتب المقررة لهم. لماذا؟ لأن الهدف التجارة والمال، واستعمال هذا المال المكتسب في شراء السيارات الفارهة، وملئها بالبنزين على حساب رغيف عيش الطلبة وقوت يومهم. مع العلم أن الأساتذة الجامعيين يتقاضون أجورا تعويضية على مهمتهم التدريسية، وإن كانت لا تكفيهم هذه الأجرة، فما عليهم إلا الاتجاه للتجارة في العقار والاستقالة من الجامعة بدل بيع الكتب بأثمنة خيالية قصد الاغتناء البئيس تسيء هذه الظاهرة التي استفحلت بكثرة للجامعة ولجودة التعليم ولسمعة الكليات وللأساتذة النزهاء وتحرج الكثيرين، بل الأخطر في الأمر في هذه الممارسة تهديد لمستقبل أبنائنا في حياة كريمة وفي تعليم مجاني عادل ونزيه. بيع الكتب إجباريا للطلبة، وهي فئة لا تشتغل، حيث غالبا ما تعتمد على إعانات الأسرة، وبأثمنة عالية ومبالغ فيها، فذلك أمر كارثي فعلا ومخجل، وللعلم فإن العديد من هذه الكتب لا تحمل في غلافها الخلفي الثمن المرصود لها عند اقتنائها كباقي الكتب الموجودة في المكتبات والصادرة عن دور النشر، وهذا طبعا خرق لحقوق المستهلك. كما أنه يؤشر على أن هذه العينة من الأساتذة ستتحكم وحدها في تحديد ثمن كتبها معتمدة على عمليات حسابية تركز فيها على عدد الطلبة في الفصل وعدد الطلبة في المسلك، وأحيانا يدرس هؤلاء الأساتذة في سلك الإجازة مئات الطلبة بل الآلاف، وفي أسلاك الماستر أيضا، وهنا طبعا نجد أن بعض كتبهم يوجهونها لطلبة الإجازة وكذا لطلبة الماستر مما يضاعف أرباحهم الخيالية. وهناك بعض الأساتذة ممن يجبرون طلبتهم على اقتناء كتابين أو أكثر بدل واحد، ويلجأون إلى طرق غريبة لإجبار الطالب على الاقتناء، من ذلك طرح البعض بعض الأسئلة وتضمينها في الصفحة الأولى من كتابه أو في الصفحة الأخيرة، حيث تدس ما قبل فهرس الكتاب، ليجيب عنها الطالب الذي اقتنى الكتاب، ويملأ الفراغات المخصصة لبياناته الشخصية، ثم يقوم بشق تلك الورقة المهيأة مسبقا للشق، ويتركها لدى صاحب المكتبة ليسلمها للأستاذ حتى يتمكن من معرفة الطلبة الذين اشتروا الكتاب، وحتى ينقط لهم تبعا لذلك أو يقوم الطالب بإحضارها شخصيا للأستاذ، أو يكتب رقم بطاقته الوطنية أو رقمه الجامعي. كما نجد في كتب أخرى من هو ذكي في التلاعب، إذ يعمد الأستاذ على تضمينها ورقة مستقلة مطوية داخل كتابه تحمل رقما فريدا، بمعنى أنه داخل كل نسخة من كتابه توجد ورقة تحمل رقما خاصا وحيزا لكي يملأ فيه الطالب بياناته الشخصية، وأسئلة فريدة أيضا موجهة للطالب الذي اقتنى هذه النسخة من الكتاب، ففي كل نسخة توجد أسئلة خاصة مختلفة عن تلك التي توجد في الأوراق التي في النسخ الأخرى من الكتاب، وعلى الطالب المسكين أن يجيب عنها ويقدمها للأستاذ للتنقيط له. وهكذا فمن لم يشتر الكتاب لن تخصص له أسئلة ليجيب عنها، ولن يمنح بالتالي نقطا تحتسب له إضافة إلى نقطة الامتحان، هذا إن لم يحتسب له الامتحان أصلا. ثم أيضا تسجيل الطلبة لأسمائهم عند صاحب المكتبة طريقة معمول بها لضبطهم والتأكد من قيامهم بما هم مطالبين به. نتساءل من أين جاءتهم فكرة التقويم هذه العبقرية؟ من التجربة الدانماركية أم الفرنسية أم الكندية؟ وفي أي جامعة أجنبية يُعمل بها؟ أم إنها اختراع جديد وجب تعميمه على جامعات العالم. وتبقى أهم الطرق الناجعة لإجبار طلبة كلية الحقوق خصوصا على اقتناء كتب هذه العينة من الأساتذة، برمجة امتحانات شفوية قصد التأكد من أن الطلبة قاموا فعلا بشراء كتبهم، والذين يفرض عليهم إحضارها معهم في هذه الاختبارات والتأكد من كتابة اسم الطالب في صفحاتها الأولى، وقد يسأل هذا الطالب في المادة وقد لا يسأل. أليس هذا امتهان للتدريس الجامعي ولسمعة الجامعة المغربية وللتقويم الجامعي. ونضيف أن بعض الأساتذة يؤشرون على النسخة من كتابهم التي يحضرها الطالب معه لاجتياز الاختبار الشفوي إما بتوقيع أو بختم حتى لا يتمكن الطالب من إعارة كتابه لغيره، ولا حتى استعارته من أي زميل أو طالب انتقل من مستوى لآخر، وبذلك يضمن هؤلاء الأساتذة أن تباع نسخ كتبهم التي أودعوها عند مكاتب معينة، وهي كتب تدر عليهم الكثير من المال الذي يضاف إلى رواتبهم، والواضح أنهم لا يقنعون بها؛ بل ويبحثون عن المزيد من الأموال الموجودة في جيوب طلبة لا حول لهم ولا قوة. إن وقوف ورصد جمعية حقوق الإنسان لهذه الظاهرة لَهو رصد لمجموعة من الخروقات الماسة بحقوق الإنسان وحقوق الطالب والمتعلم. ويتمثل أول خرق في ضرب مبدا مجانية التعليم، فحتى إن نجا الطالب من دفع أية رسوم للجامعة، فإنه لا ينجو من عينة من الأساتذة تجبره على الدفع مقابل التحصيل العلمي، وكذلك مقابل اجتياز الاختبارات الشفوية (والتي لاحظنا أنها – أي الاختبارات الشفوية – ظاهرة متفشية، فالأمر مرتبط لا محالة بجشع هذه العينة من الأساتذة ورغبتهم الملحة في إجبار طلبتهم على اقتناء كتبهم). أما الخرق الثاني فهو ضرب مبدا تكافؤ الفرص والمساواة، فالطالب الذي لم يشتر كتاب الأستاذ والذي لم يحضره معه وهو يجتاز الامتحان الشفوي، أو لم يضمن اسمه في اللوائح المعدة لتنظيم هذه التجارة، لن يعامل طبعا بنفس المعاملة التي يحظى بها الطالب الذي تمكن من اقتناء كتاب الأستاذ (ونقصد هنا طبعا ما يخص النقط الممنوحة وهو ما لاحظناه وهو أمر يحكيه الطلبة بخصوص هذه الظاهرة، إذ خلصنا إلى أن الطلبة يدركون أن نقطهم ترتبط باقتناء هذه الكتب وليس بمجهودهم الدراسي في الفصل وفي الامتحانات). أما الخرق الثالث فهو تفشي الرشوة والزبونية والمحسوبية، فالطالب باقتنائه لكتاب الأستاذ، فهو يقوم بإرشاء هذا الأخير بطريقة مستبطنة حتى يمنحه نقطا إضافية، والواقع أن هذه العينة من الأساتذة هي التي تبين قابليتها للارتشاء؛ بل وتؤكد على ضرورة تقديم هذه الرشاوى لها حتى تمكن الطلبة الذين اشتروا الكتب من أسئلة الاختبارات الشفوية التي ستطرح عليهم (ونقصد هنا بالرشاوى تلك الأثمنة المرصودة للكتب)، ومن تم تصبح الشواهد الممنوحة بدون قيمة. إن ظاهرة إجبار الطلبة على اقتناء الكتب بهذه الطريقة المذلة تمس بالجامعة المغربية وتؤثر على جودتها وعلى جودة التعليم العالي، فهي بذلك تساهم في إعادة إنتاج نفس القيم ونفس الفكر الانتهازي والاستهلاكي. فماذا سننتظر من جيل تتلمذ على أيدي أساتذة يسلكون مثل هذه المسلكيات غير الأخلاقية وغير الحقوقية؟ وماذا سننتظر من جيل تم توجيهه قسرا لينهل المعلومة من مورد واحد ووحيد، مورد تطغى عليه النظرة الأحادية، ومورد يتعامل بخبث مع الطالب المتلقي، فيسرف في الإطناب والحشو والتكرار تطلعا لتصيد أكبر عدد من الصفحات تقوده إلى نيل أقصى الأثمان مقابل كتبه، بدل أن يجود ويجيد في تمكين الطالب من المعلومة ومن التحليل العلمي الأكاديمي الموضوعي لها؟ وماذا سننتظر من جيل عومل بمختلف أساليب الحكرة والضغط والإكراه؟ سننتظر منه بطبيعة الحال أن يتقمص هو الآخر نفس السلوكيات التي مورست عليه عندما يتقلد مناصب ويتملك سلطة في أي قطاع، وسننتظر منه أن يدأب على اتخاذ منطق الوصولية في حياته ككل، والأدهى أننا سننتظر منه تعطيل ملكات التحليل والخلق والإبداع والنقد وتحفيز الاستقبال السلبي للمعلومات والاستهلاك عن غير وعي والخمول. ليس فقط ظاهرة بيع الكتب بهذا الشكل الصادم هي ما يثير المتتبع لأحوال جامعات الحقوق بالمغرب، وإنما الحديث في الكواليس وفي العلن يدور عن الطرق التي يتم بها التسجيل في وحدات الماستر ومسالك الدكتوراه، حيث الابتزاز المادي حاضر في غالبية المسالك، وبطرق غريبة تسيء إلى سمعة ومجانية الجامعة. لماذا يسيء بعض هؤلاء الأساتذة إلى سمعة الجامعة فقط لأجل تحسين دخلهم المادي والعيش في مستوى لا يستحقونه؟، هل الاغتناء على حساب فئة فقيرة ومفقرة، وهي فئة الطلبة لا يبعث في نفوسكم الخجل والاستحياء؟ إلى متى ستظل تجارة بيع صكوك الغفران هذه مستمرة في كلية الحقوق بالمغرب؟ وكيف نشأت وتطورت واستفحلت في كليات بعينها؟ وإذا كان من المفروض من كلية الحقوق تربية الأجيال على قيم المواطنة واحترام القانون، فإن هذه الممارسات تعطي صورة عكسية، فهم يعلمون للأجيال طرق التحايل ووسائل خرق القانون، وللمزيد من المعلومات عن التقرير الصادر يمكنكم العودة إلى موقع إصدار ففيه تفاصيل صادمة ومعلومات وافية عن هذا الموضوع، وهو موقع من طرف لحبيب حاجي رئيس الجمعية، فشكرا له على التقرير وعلى إثارته موضوعا خطيرا وإخراجه الى مجال النقاش العام