هي ظاهرة بالنظر إلى تفشيها بات من المحتوم تسليط الضوء عليها وإتاحتها ما تستحق من حيز لمعرفة حيثياتها وأدق تفاصيلها، حيث أضحى لجوء بعض الأساتذة الجامعيين إلى اعتماد كتبهم كمرجع وإجبار الطلبة، عبر نهج أسلوب «الابتزاز»، على اقتنائها مشكلا عويصا يقض مضجع الطلبة ويضرب عرض الحائط بمبادئ وأخلاقيات مهنة كاد أن يكون ممارسها رسولا. هذا في الوقت الذي ينفي فيه مجموعة من الأساتذة الظاهرة ويعتبرونها حالات شاذة، مشيرين إلى أن ظاهرة الاتجار في الكتب غير متواجدة في المؤسسات الأكاديمية في المغرب. قادتنا طبيعة الموضوع وحساسيته إلى إحدى الكليات بالدارالبيضاء، توجهنا إلى الكلية التي يعمها السكون والهدوء، مدخل رحب فسيح غرست بين جنباته ورود وأزهار وضعت بعناية ملفتة، مرحبة بكل الوافدين على الكلية. «مشى هداك الوقت اللي كان فيه الطالب باش ينجح خاصو يجتهد … دابا شري غير المرجع ديال الأستاذ وديه ليه يوقع فيه وها انت ربحت 10 فالمعدل، أما إلى تصاحبتي معاه فنجاحك ب 14 في مادته مضمون». بهذه العبارة أعرب «أحمد»، وهو طالب مغربي يدرس بمسلك الماستر تخصص جغرافيا، عن المآل الذي آلت إليه الجامعة المغربيةّ وعن الواقع الذي يتجرع مرارته الطالب المغربي كل سنة، إذ أصبحت بعض الجامعات المغربية فضاء خصبا للتجارة وفرصة مواتية لكسب المال في ظل تنامي خوف الطلبة من الرسوب، إن هم عبروا عن رفضهم أو إن توجهوا إلى مكتب العمادة ليبث في شكاياتهم، هذا وأزال الطالب «أحمد» اللثام عن مسألة اعتبرها غاية في الأهمية، حيث أشار إلى نقطة تقاعس الطلبة وغياب مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة، باعتبار أن هذه الممارسات لا تشجع الطلبة على الجد والاجتهاد، فبدل أن يبحثوا ويتعمقوا، ينصاعون لأوامر الأساتذة فيلبون طلباتهم خوفا من الرسوب. تجارة مربحة لم يكن من الهين بما كان، أن نقتبس شهادات الطلبة بخصوص هذا الموضوع، وذلك راجع إلى سبب واحد هو الخوف، ذلك أن الطلبة متوجسون أن يعرف أحدهم بأنه فضح الممارسات اللاقانونية لبعض الأساتذة الجامعيين. تقلدت دور طالبة «ماستر علم الاجتماع» بصدد القيام ببحث عن ظاهرة اجتماعية لها علاقة بالطالب والجامعة والأستاذ، في إطار التحضير لمشروع نهاية دراساتي العليا، وذلك من أجل التواصل بكل أريحية مع الطلبة، ولكي لا يشكل الكشف عن هويتي الحقيقية عنصرا معرقلا لعملية التواصل المنشودة. صادفت في ذلك الصباح طلبة بالجملة، لم يتوانوا وهم يروون مظاهر وتفاصيل معاناتهم، عن ذكر بعض أسماء «السادة الدكاترة» الذين يربحون على حساب العلم وطلبته، فأي رسالة يؤدونها وأي صورة يسوقونها عن أستاذ برتبة مؤلف؟ في هذا الصدد، كشفت «ليلى»، وهي طالبة مغربية مقبلة على نيل الإجازة، عن معطيات تبين أن أساتذة بذات الكلية التي تدرس بها، يقومون بابتزاز الطلبة؛ عبر جبرهم على اقتناء إنتاجاتهم الفكرية والترويج لها، دكاترة ينهجون أساليب، حسب نفس الطالبة، تعد تحايلية؛ إذ يقومون في أغلب الحالات بوضع ورقة توجد بها أسئلة داخل الكتاب يجيب عنها الطالب ويقدمها كبحث تحسب نقطته في المراقبة المستمرة، والأسئلة تختلف من طالب لآخر، بمعنى أن الطالب الذي لم يقتن الكتاب سوف يحصل على صفر في نقطة المراقبة والمصير نفسه يلقاه إذا لم يقدم الكتاب المنشور ساعة الامتحانات الشفوية. الأمر نفسه عززه طالب آخر اسمه «حمزة» بالقول: «الصراحة الطلبة عندهم يد فهاد المشكل .. عقدة الخوف راكبانا.. كون كنا متافقين بيناتنا كون ما بقاش هادشي». قبل أن تتدخل «نجوى» (اسم مستعار) مستهلة كلامها بالقول: «في حالة ما إذا اتفق القسم كتنوض شي مجموعة فَتَشي بنا .. عليها ما كنديروش شي خطوة حيث هما غينجحوا وحنا غنبقاو حاصلين، الأساتذة دايرين فينا ما بغاو». المتحدثة نفسها لم تشأ الإفصاح عن اسمها مكرسة بذلك نقطة الخوف التي سبق وأن أشار إليها زميلها «حمزة». وفي سياق الموضوع ذاته، أفاد «شهاب» الذي ينحدر من مدينة فاس في تصريح لجريدة «المساء» بأنه «تجرع المر من ممارسات الأساتذة المرفوضة إطلاقا»، يحكي «شهاب» أنه رسب مرتين في مادة كان يشرف على تدريسها أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك، «أتحفظ عن ذكر اسمه» في المرة الأولى لأنه لم يقتن كتابا لهذا الأخير، بداعي أنه لم يكن بمقدوره شراء مرجع ثمنه يساوي 100 درهم، فالمنحة التي يستفيد منها لا تكاد توفر له المأكل ومصاريف التنقل والطبع وتسديد كراء الغرفة التي يقطن بها، وفي المرة الثانية لأنه قام بطبع الكتاب فقط. أكد «شهاب» أن هذا الأستاذ كان يحث الطلبة على اقتناء كتبه فيقوم بالإمضاء على واجهتها، ثم يختبرهم فيما تضمنته من أفكار ومضامين. «شهاب» بعد أخذ ورد معه في الموضوع، أضاف أيضا أن أستاذة وعالمة اجتماع بالكلية نفسها، كانت تقيم شأنا كبيرا لكل من اشترى كتبها الباهظة وتعمل دوما على التواصل معه أثناء حصص الدرس، هذا وتضرب به المثل في الجد، ليس لأنه قام ببحث أو بعرض، بل فقط حسب المتحدث نفسه، لأنه اشترى كتبا لهذه الدكتورة، في حين أكد أنها لم تكن تجبرهم على شراء الكتب ولا تنتهج طريقة زميلها، والدليل، يقول «شهاب»، هو أن الامتحان كان يتم كتابيا ولا يستدعي بالضرورة أن تكون قد اطلعت على أحد كتبها، بل فقط بالتركيز على ما جاء في معرض الحصص من إضاءات. سألت «شهاب» لو كان بمقدوره شراء ذاك الكتاب الذي طلبه منه الأستاذ الأول .. هل كان سيفعل؟ فكانت الإجابة «نعم»، معللا ذلك «لن أمثل دور البطل أو ذاك المصلح.. هاد الشي اللي بغات الوقت فالمغرب .. كون شريت كتابه من الأول مانسقطش في مادته ومنزيدش عام فالكلية». «شهاب» الذي يعمل الآن بإحدى الوكالات البنكية، بعد أن هاجر إلى «فرنسا» من أجل الدراسة هناك، أشار إلى أن هذه الجزئيات هي السبب في تردي وضع الجامعة المغربية وعدم تطورها، مضيفا أن مثل هذه الأمور لا توجد ب»فرنسا» التي حل بها طالبا واستقر بها ما يربو عن ثلاث سنوات جعلته يجزم بأن الجامعة المغربية تفتقر للكثير من الأشياء لترقى وتستجيب لطموحات الفاعلين فيها. معاناة طلبة يبدو أن موجة غضب من يطمحون إلى حمل الشهادات العليا بالمغرب ليست مرتبطة بكلية أو بجامعة دون أخرى أو بمدينة معينة؛ فخلال هذا الربورطاج اكتشفنا أن ظاهرة بيع الكتب من لدن الأساتذة الجامعيين وتذمر الطلبة منها أضحى وطنيا. في العاصمة الرباط، ثمّة مكتبات محددة يتعامل معها بعض الأساتذة الجامعيّين دونَ سواها، لبيْع كتُبهم المُوجّهة أصلا إلى الطلبة، ومرَد هذا التعامل «الخاص»، هو أن أصحابَ هذه المكتباتِ سبق لهم وأن نسقوا مع الأساتذة الجامعيين وأعدوا تحت إشرافهم قوائم باسم الطلبة الذين اقتنوا الكتبَ ليطلعونهم عليها. «المساء» زارت إحدى هذه المكتبات بحي « ديور الجامع» بالعاصمة دائما، ومما لاحظنا انه ما أن يقتنيَ طالب كتاب أستاذٍ حتى تدوّن صاحبة المكتبة اسمه على القائمة، استفسرنا عن هذا الأمر، فكانت الإجابة أن هذه القائمة ترفع إلى الأستاذ صاحب المؤلف فيما بعد. عبد الله، وهوَ طالبٌ جامعي سابق بكلية الحقوق بالرباط، يروي جُزءا من المعاناة المريرة للطلبة مع الأساتذة الجامعيين، الذين ينهجون «الابتزاز» لبيع كتبهم، ويتذكر كيف أن أحد أساتذة القانون الإداري أصدر كتابا، وحينَ نفدت جميع نسخه في السوق، فرَض على الطلبة اقتناء نسخة مصورة من الكتاب، بعد اتفاقه مع مكتبة في حيّ «القامرة» بالرباط على طبْع النّسخ وبيْعها للطلبة، مقابلَ 90 درهما للنسخة الواحدة. ويستطردُ المتحدث، وهوَ يسْردُ معاناة الطلبة مع أستاذ القانون الإداري، أن هذا الأخير لمْ يكْتفِ فقطْ بتوجيه طلبته إلى المكتبة التي تطبع نسخ كُتبه، بل تجرأ في إحدى الحصص الدراسيّة خلال الموسم الجامعي الفائت، وقال للطلبة: «من لم يُسوِّ وضعيته معَ المكتبة فلَه أسبوع واحد ليفعل»، ويضيف أن هناك أساتذة يفرضون على الطلبة شراء كتبهم، ويُجبرونهم على إحضارها يوم الامتحان ويوقّع عليها الأستاذ شخصيا، كي لا يعطي طالب نسخة من الكتاب لطالب آخر. لا يُولي الأساتذة الذين يُجبرون طلبتهم على اقتناء كتُبهم أي اعتبارٍ للوضعية الاجتماعية التي يعيشها الطلبة، أو لمعاناتهم، خصوصا الوافدين من مدن أخرى في سبيل طلب العلم. ففي حينِ لا تتعدّى المنحة الجامعيّة التي يحصُل عليها الطلبة المنحدرون من عائلات معوزة 1800 درهم كلّ ثلاثة شهور، بعْدما كانتْ لا تتعدّى 1300 درهم فقط، فإن أكثرَ من ثلث هذه المنحة قد يصرف كلّه في اقتناء كتب الأساتذة، فبعمليّة حسابيّة بسيطة، الطالب المُجبر على اقتناء ستّة أو سبعة كُتب في كل دورة، قد يدفع جراء ذلك 600 درهم أو أكثر. «جوج فرنك» «كنشدو غير جوج فرنك وطامعين فينا مازال نشريو ليهم كتوبتهم» هذا ما جاء على لسان «عمر» وهو طالب بكلية الحقوق بالرباط، مؤكدا أن «جوج فرنك» بمعناها التبخيسي الحقيقي، تجعلهم أسرى للأساتذة، فبلغة خشنة وبتذمر وسخط شديدين، عبر المتحدث عن رفضه لهذا الأمر الذي اعتبره «شفرة ولاد الشعب وريع تمارسه النخبة». من الرباط إلى طنجة، حيث التقينا «يحيى» اسم مستعار، يدرس بكلية الحقوق التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، أول ما استفتح به كلامه، هو أنه في الكلية يوجد ما يناهز 70 في المائة من الأساتذة يتاجرون في كتبهم، استفسرته من أين له بهذا الرقم؟ فأجاب «خفت نقول لك 100 فالمائة ماتيقيش بيا» في إشارة إلى أن الظاهرة منتشرة بشكل كبير. وذكر أيضا قائمة طويلة تعج بأسماء المجموعات التي يتناوب فيها أساتذة عدة «نتحفظ عن ذكر أسمائهم»، على ابتزاز طلبتهم بطرق غير مشروعة حسب «يحيى» دائما، هذا الأخير وهو يتحدث قال بالحرف: «استعملت مصطلح التجارة لأن الكتاب يتم فرضه على الطالب بالقوة وليس بإرادته الرفض أو القبول، حتى وإن كان الطالب لا يملك المال سيقترض تحت الضغط، لشراء الكتاب رغما عنه، لأنه إن لم يشتر ذلك الكتاب سيحصل على صفر، ثم إن الأستاذ لا يخبر الطلبة بأنه يريد منهم الكتاب بصريح العبارة لكنه يستعمل طرقه الخاصة». وتتمثل هذه الطرق التي يصطاد بها الأساتذة طلبتهم، حسب يحيى، في النقط التالية: فالطريقة الأولى، تتم عن طريق المراقبة المستمرة والتي غالبا ما تكون عبارة عن امتحان شفوي يحدد موعده قبل الامتحانات النهائية، بذريعة أنه يمثل خمسين بالمائة من النقطة تارة، وتارة يقال إنه من حق الطالب الذي يوفق في الامتحانات النهائية أن يستفيد من نقط المراقبة المستمرة لاعتبارها ذات مصداقية. والدليل، يسترسل يحيى، على أن الامتحان الشفوي هو مجرد وسيلة لبيع الكتاب… فإنه من المستحيل أن تجد أستاذا يجري الامتحان دون أن يتوفر على كتاب. وعن طريقة إجراء الامتحان الشفوي، يقول يحيى، إنها تمر من خلال إعلان الأستاذ عن موعد إجراء المراقبة المستمرة، والطالب الذي يحضر بدون كتاب يسأله أسئلة صعبة فيعجز الطالب عن الإجابة عنها، فيطلب منه الأستاذ الإعداد للامتحان الكتابي النهائي جيدا، «لكن الطالب حتى لو كتب «ديوان العرب» في الامتحان الكتابي، لن يحصل على أي نقطة وهكذا يبني الطلبة فكرة مفادها أن الأستاذ الفلاني إن لم تشتر كتابه فلن تنجح». وأضاف يحيى كذلك أن «أستاذا بكلية الحقوق يقوم بإجراء مراقبة مستمرة في عطلة عيد المولد النبوي، وذلك لأن عدد الطلبة هائل ويبقى معهم حتى العاشرة ليلا بالكلية»، وأفاد في شهادته أن الأستاذ المذكور أنهى الدفعة الأولى من الكتب وأصدر نسخة ثانية، حسب يحيى دائما، «فالأساتذة من هذا النوع لهم أساليب متعددة لمراقبة عملية بيع الكتب، فهم يطلبون من الطالب أن يكتب اسمه والرقم الوطني على الكتاب وأثناء الشفوي يراقب الكتاب بتمعن شديد، حيث إنه إذا أصدر نسخة 2014 بلون أزرق، فإن نسخة 2015 ستكون بلون أحمر لتفادي تبادل الكتب بين الطلبة القدامى، والأدهى من ذلك، أنه لا تتغير كلمة في جميع النسخ، اللهم لون الغلاف فقط». غير أن الطريقة الثانية تحدث عبر وضع ورقة تضم أسئلة داخل الكتاب، على الطالب الإجابة على ما جاء فيها، وبخصوص هذا الأمر استطعت الحصول على كتاب أستاذ يدرس بالكلية قام بوضع أسئلة بكتاب لها علاقة بالقانون المغربي، والطالب الذي لا يقدم أثناء الامتحان الشفوي تلك الورقة للأستاذ، والتي تكون بألوان متعددة وورق «فلاير» لكي يصعب علينا تزويرها، لا يحصل على نقطة تؤهله لترصيد الفصل إطلاقا، وهكذا اعتبر يحيى دائما أن هذه الطريقة، تعتبر أسهل وسيلة يلجأ إليها أساتذة كلية عبد المالك السعدي، بعد طريقة تسجيل الاسم والنسب والرقم الوطني في المكتبة. ابتزاز ومتاجرة من الطرائف التي حكى عنها يحيى أنهم كانوا ذات مرة على علم بموعد إجراء امتحان شفوي سبق وأن أعلن عنه أستاذ في الكلية معروف بين أوساط الطلبة بتجارته في الكتب، لكن ما إن تلقى اتصالا هاتفيا من مالك المكتبة التي يتعامل معها، يفيد بأن جل النسخ قد نفذت، حتى قام هذا الأستاذ بإلغاء الامتحان المقرر. وأضاف الطالب عينه قائلا: «العام لفايت فالسداسي الثاني قالينا أستاذ أن الطالب هو الكتاب واللي بغى ينجح يشري غير الكتاب ونهار الامتحان الشفوي يجيبو معاه باش ياخد حقه لأنه طالب مجد». وقال: «و ملي حنا مجبرناشي الكتاب مشينا عندو قولنالو الكتاب تسلا قالنا الطالب المجد خصو يشري الكتاب فالوقت يلاه خرج ماشي تا تسلا .. المخير فينا خدا 4 فالمادة». من جهته، سرد لنا عبد الإله، الذي كان يدرس بكلية العلوم القانونية والاقتصادية عين الشق الدارالبيضاء، أن أستاذ مادة مدونة الأحوال الشخصية كان هو الآخر من صنف تجار الكتب، هذا الأخير يتذكر المتحدث أنه كان يغري طلبته عبر وعدهم إن هم اشتروا كتابه سيقوم بإدراج الامتحان الكتابي من محتوى القسم الثاني من الكتاب؛ أي أن من اشترى الكتاب سيمكنه الإجابة عن أسئلة الامتحان ومن تعذر عليه ذلك فمصيره معروف. بينما أستاذ يدرس مادة «المصطلحات القانونية» كان يجبر الطلبة، حسب شهادة عبد الإله، على شراء كتبه ويمضي على واجهتها، مع العلم أن الكتاب يضم فقط نصوصا عن اتفاقيات وقعها المغرب مع بلدان المغرب العربي. صفقة مربحة الحال في كلية «ابن زهر» لا يكاد يختلف عن سابقه، فمع حلول كل موسم دراسي جديد تطفو على السطح هذه المشكلة المؤرقة للطلبة. «موسى» اسم مستعار، طالب بالكلية تخصص لغة عربية، جزم متحدثا على لسان زملائه، أن كليته كانت ولا زالت سوقا بيضاء لتجارة الكتب، في غياب تام للمراقبة وفي خرق سافر لرسالة الأستاذ، معربا عن أسفه لما يقع بالكلية من انتهاكات جسيمة. وفي تشخيص للظاهرة، بصفته ممن عانوا ولا زالوا من تداعياتها، قال» «إبراهيم» إن الطالب يساعد الأستاذ على بيع مؤلفاته وعلى تكديس الأموال والترويج لاسمه على الرغم من أن المحتوى ليس بالجيد ولا علاقة له بفلسفة المادة، في حين أن الطالب يربح نقطة تساوي الكثير. من جانبه أدلى «مصطفى»، طالب بكلية الاقتصاد «ابن زهر» بشهادة أبرز من خلالها أن أستاذ مادة الإحصاء أرغم طلبته السنة المنصرمة على شراء ثلاثة كتب، يتراوح ثمن كل كتاب منها بين 30 و40 درهما، هذا وذكر «مصطفى» في تصريحه ل»المساء» أنه ينحدر من مدينة ورزازات ويتكبد مشاق الدراسة بأكادير ورغم أنه طالب ممنوح، إلا أن جل ما يستفيد منه كل ثلاثة أشهر يسدد به «كريدي المكتبة». على صفيح ساخن خاض مجموعة من الطلبة بجامعة محمد الأول بوجدة معارك قتالية مع مجموعة من الأساتذة المتاجرين في الكتب، حيث عكف الطلبة طيلة سنوات مضت على الاحتجاج بكل أشكاله حتى انتهى الأمر بعدول بعض الأساتذة عن هذه الممارسات، وبتمادي البعض الآخر إلى يومنا هذا، وفي هذا الإطار دعا مكتب فرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بوجدة إلى ضرورة حشد أصوات جميع الطلبة بغية تحسين أوضاعهم وحل مشاكلهم المرتبطة بالنقل والسكن والاكتظاظ والمنحة. هذا الوضع دفع الطلبة بمعية هياكل «الأوطم» إلى خوض تظاهرات احتجاجية مطالبة بإيجاد حل لما لا زال عالقا من مشاكل تقف حجر عثرة أمام التحصيل العلمي الجيد، على رأسها المشاكل البيداغوجية والابتزاز الذي يتعرض إليه الطالب من طرف الأستاذ. أما في مراكش، فبعد اجتماع مع رؤساء الشعب ومنسقي المسالك، توصل الأساتذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش بتاريخ 02 من شهر دجنبر، بمذكرة، نتوفر على نسخة منها، يمنع من خلالها مجلس الجامعة الأساتذة من إجبار الطلبة على شراء الكتب والمقررات، وهو الأمر الذي لا يدع مجالا للشك كون إدارة الكلية فطنت إلى هذا الأمر وعجلت بأخذ قرار يجرم المتاجرة في العلم ويوقف نزيف الربح على حساب طلابه. وللإشارة، ليست الكليات التي اشرنا إليها فقط من تعرف هذه الخرقات، بل كليات أخرى كظهر المهراز وابن طفيل والمحمدية يعاني طلبتها من هذه الإشكالية، لم يسعفنا لا الحيز الزمني ولا المكاني لإدراج شهادات الطلبة وإيصال أصواتهم رغم توفرنا على معطيات. رسالة طالب «صحيح أن أغلب الأساتذة في الجامعة يستفزون الطلبة من خلال جملة من الممارسات التي تعتبر مشينة ولا ينبغي بحال من الأحوال اللجوء إليها، لكن هذا لا يعني أنه لا وجود لأساتذة أكفاء يبذلون قصارى جهدهم في شرح الدروس والمحاضرات ولا يسترخصون في ذلك غاليا ولا نفيسا ومثل هؤلاء هم من ينبغي أن تزخر بهم الجامعات المغربية، أتمنى من هذه الفئة من الجامعيين أن يحترموا أنفسهم وينأوا بمكانتهم الاجتماعية عن مثل هذه التصرفات اللاأخلاقية والتي تحط من نظرتنا إليهم، كما أرجو من جميع الأساتذة أن ينظروا إلينا بعين الرحمة فتكاليف الدراسة أثقلت كاهلنا (..) يكفي أن يتذكروا أنهم كانوا هم أيضا طلبة ليحسوا بمعاناتنا». فبين السلوك المحمود لأساتذة، رغم أنهم يؤلفون الكتب فإنهم لا يفرضونها على الطلبة ولا يمارسون ضغوطات بفعل سلطتهم، وبين أولئك الذين ينتهزون أبسط الفرص من أجل ذلك، ترى «دنيا» أن مهمة الأستاذ في الأصل هي شرح الدروس وإلقاء المحاضرات بعيدا عن الابتزاز، معتبرة أن الاستئناس بالكتاب ليس فيه مشكل، بل المشكل يكمن في جعله مرجعا يؤثر على مسار من لم يقتنه، وأكدت أنه يجب وضع حل لهذا المشكل متسائلة باستنكار «كيف لنا نحن الطلبة شراء ثمانية كتب في كل دورة مع العلم أن كل كتاب لا يقل ثمنه عن 100 درهم وكيف يمكننا نحن شريحة الطلبة الممنوحين تدبير مصاريف دراستنا المكلفة للغاية»، داعية القائمين على التعليم العالي إلى التدخل العاجل لاستئصال ورم الابتزاز والظلم من جامعات المملكة. بنيعيش: هذا النوع من الأساتذة قد يسبب للطلبة اضطرابا خطيرا في علاقتهم بالتحصيل المعرفي لماذا تحولت مشاريع بعض الأساتذة إلى الاستثمار الإسمنتي بدل الاستثمار الفكري المعرفي والأكاديمي؟ للطلاب بسبب ضعف دخله مقارنة مع مهن أخرى، وبكونه مطالبا بإجراء أبحاث وإنجاز دراسات والحصول على مراجع مكلفة، بالإضافة إلى المظهر العام، فلا يستطيع الأستاذ مثلاً أن يركب المواصلات العامة، حتى لا يفقد هيبته، وهنا نتفق نوعا ما مع هذا التعليل، لذلك يجب أن يتم الرفع من ميزانية البحث العلمي وتمويل كل الدراسات والتخصصات المفيدة للجامعة ومنح تعويضات جيدة للباحثين، ولكن في اعتقادنا هناك صنف ذو طبع ميؤوس منه ولا تنفع معه أي مبادرات ولو خصصت له اعتمادات الميزانية العامة كلها لما تاب من هذا الإدمان المادي الإسمنتي! والسر في ذلك أنه دخيل على ميدان التربية والمعرفة ولا تربطه به أي صلة إلا حظوظ وزبونية وضربة حظ ساقته إلى المؤسسات الجامعية، وقد تنبه إلى ذلك الإمام ابن حزم الأندلسي في رسائله «الأخلاق والسير»، قاعدة رقم:«38» حيث قال: «لا آفة أضر على العلوم وأهلها من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون، فهؤلاء دائما ساكتون عما ينفعهم أو ينفع غيرهم، ناطقون فيما يضرهم ويضر غيرهم». فلا أظن أبدا أن العالم الذي يجد لذته بعلمه والحكيم الذي يجد لذته بحكمته، والمجتهد الذي يجد لذته باجتهاده، أن يرى لذته في غير ما يشتغل به، وهكذا فالأستاذ الأصيل الباحث بالمعنى الأكاديمي لا نشك أنه لن يجد لذته في غير مهمته التربوية الأستاذية، لأنه خلق لها، ولأن حب مهنته متأصل فيه، لذا لا تراه يلتفت لأي لذائذ حسية أخرى بل ينفر منها، وهذا يدفعنا نحو تبني منهجية جديدة في مجال تدبير الموارد البشرية الخاصة باختيار الأطر التربوية والتعليمية، بأن تتأسس على المواهب والملكات الخاصة التعليمية المكنونة في نفس الإنسان وبواطنه، بدل اعتماد الإجراءات التوظيفية التقليدية الجامدة، فالتعليم لا يصلح لأي واحد يمتلك بعض المعلومات أو يتبجح بقدرته على التأطير العلمي، قال ابن حزم في رسائله «الأخلاق والسير ومداواة النفوس»: «إن العلم والتربية لا يؤتيهما الله إلا أهلهما ومستحقهما، والعكس في المال والصوت أن أكثر ما يقعان في غير أهلهما، وفي من لا يستحقهما»، من هنا، من لم يؤهله الله لهذه المهمة النبوية النبيلة فسيعتري مسيرته النقص، مما يجعله يبحث عن مواطن الكمال في غير التربية والعلم كتعويض للقصور الذاتي، وسيلجأ لا محالة إلى الطوالح الفاسدة، مما سيؤدي من جراء هذه العقدة النفستعليمية إلى إلحاق الأذى بالطالب والتشويش على الحياة الجامعية. – ابْتزاز أساتذة جامعيّين الطلبة لشراء مؤلّفاتهم مقابلَ النجاح ألآ يعني فقدان الأستاذ لموقعه الأخلاقي والتربوي وتدنيا خطيرا للحس الإنساني والاجتماعي ؟ هذا النوع من الأساتذة قد يسبب للطلبة اضطرابا خطيرا في علاقتهم بالتحصيل المعرفي واهتزازا فكريا نحو عشق العلم ومؤسساته ورجالاته، حيث يضطرهم للفرار من العلم نحو الجهل، لما تشكل لديهم من نوازع اليأس ومن انحطاط سيكوباتي نتيجة شراء المعرفة بالمال والسمسرة، مما يعني قتل كل عمليات تحريك للعلم وتدمير كل جهود الاجتهاد الفكري. وللأسف عندما يتحول الطالب إلى مشروع ثراء وربح، ستغيب النظرة التربوية للأستاذ نحو طالبه، والتي سيتبعها سقوط النظرة الاجتماعية، فعندما لا يُولي الأساتذة الذين يُجبرون طلبتهم على اقتناء كتُبهم أيَّ اعتبارٍ للوضعية الاجتماعية والإنسانية ويتسببوا في ازدياد معاناتهم ومرارتهم، هنا ستسقط هيبة المؤسسات الجامعية ومعها هيبة الأستاذ ووقاره، وسيتحول المشهد الجامعي إلى عصابات عدوانية وسماسرة يتاجرون في كل شيء، في الحجر والشجر والبشر. فقد أخبرنا طلبة وجهات متتبعة لهذه الآفة الخبيثة في حقل التعليم بنماذج من البزنس، نقدم أمثلة على سبيل الحصر، دون أن نحدد كلية بعينها، حيث تعممت الظاهرة، فبعد أن كانت استثناء ومحدودة، أصبحت ظاهرة مؤثرة على تطور البحث العلمي بالمغرب ونموه، «فهناك أساتذة يضعون كتبهم عند مكتبة محددة، ويفرضونها بطريقة بشعة ومفضوحة، وهناك أساتذة يبرمجون امتحانات شفوية في مدة ويؤجلونها إلى يومين أو أسبوع، وفي آخر المطاف إما يلغونها أو تمر في أجواء مميعة، وبتنسيق مع صاحب المكتبة، وإذا قال لهم إن الكتب لم يتم بيعها، يتم تأجيل الامتحانات، وتطلق إشاعة بواسطة طلبة مقربين تحولوا إلى جواسيس للأساتذة السماسرة، أن الأستاذ يعتمد على هذا الكتاب لإعطاء النقطة للطالب، فيسارع الطلبة إلى اقتناء الكتاب طمعا في النقطة. وهنا يبدأ الإثراء بلا سبب، وتظهر شركات ومقاولات منافسة بين الكليات التي أصبح بعضها مختصا في مجال الاستنزاف الطلابي و»البزنس» الجامعي حتى أصبح صيتها ووجهها القبيح يتجاوز الحدود المغربية. ويبرز بالتالي الغنى غير المشروع، ويصبح أساتذتنا الأجلاء أباطرة الإسمنت والزليج وتجارة الموديلات الأخيرة للسيارات، حتى أصبحوا عملة معروفة لدى المتاجر التي تبيع مواد البناء وغيرها من المحلات التي لها اطلاع على التوقيت الذي سيزورها فيه أساتذة الإسمنت والزليج، وهو بعد اجتياز الامتحانات خصوصا الشفوية، ليضخوا في صناديقها الملايين المنهوبة من جيوب الطبلة المقهورين. وهكذا، تحولت الكتب المدرسية والجامعية إلى وسيلة للثراء وليس للعلم وأصبحت بمثابة هموم ثقيلة على كاهل الطلاب وأولياء الأمور، ليتحول الكتاب إلى سلعة استثمارية خاوية من المعلومات المفيدة . – الأساتذة القناصون ينشرون كتب الألوان ومطبوعات رديئة في الشكل ومنحطة في المضمون ودون المستوى ولا تعبر عن الإنتاج المعرفي الأكاديمي. إذا لم يكن هم الأستاذ الباحث في حياته العلمية الاستزادة من المعرفة، فلن يستطيع مواكبة المستجدات العلمية، ومن ثم سيصاب بالتأخر الدراسي والبحثي مما سيولد لديه عقما في المناهج والدراسات والبحوثات ومتابعة الفتوحات التكنولوجية والحضارية، نظرا للتوالد اليومي الحاصل في مجال الإنتاجات المعرفية، فالهوس الإسمنتي والعقاري الطاغي على جزئيات حياته يفرض عليه أن يؤلف كتابا يشرفه ويجله وقد أصبح عقله عقيما لا يلد، وهنا وقعت الكارثة العظمى، حيث إن الأستاذ لا يستبدل في السنة سوى لون غلاف الكتاب كفعل يمكن أن يكيف جنائيا ضمن النصب والاحتيال الكتابي، ففي كل سنة يضع لونا معينا لكتابه ولا يصحح حتى بعض الأخطاء النحوية والتقنية. ويؤكد د. الصاوي: «أن الكثير من الكتب الجامعية دون المستوى، فمعظمها لا يلبي حاجيات الطالب ولا يحقق النتائج العلمية المستهدفة، وذلك لأن محتوى معظم هذه الكتب، إما عبارة عن مقتطفات من بعض المصادر دون ربط، أو عبارة عن رسائل ماجستير ودكتوراه للأستاذ، وهذا لا يحقق النتائج التعليمية المستهدفة ومعظمها بعيد عن محتوى المقررات الدراسية، وبعضها من مصادر مجهولة دون حفظ الملكية الفكرية، هذا بالإضافة إلى تدني مستوى الصياغة والطباعة واستغلال ظروف الطلاب بإلزامهم بشراء الكتاب عن طرق محترفة من بعض الأساتذة .» كما يؤكد البعض أن المحتوى العلمي للكتب ضعيف جداً والمعلومات الموجودة بها قديمة ولا تواكب التطور العلمي ولا التقني الحديثة، ناهيك عن السرقات العلمية والقص واللصق حيث يقوم الأستاذ «بتوليف» مجموعة من الفصول لعدد من الكتب، ثم يقوم بجمعها في مطبوعة يكتب عليها عناوين محاضراته ويضع اسمه عليها . – إذن، التكريم والتشهير والمراقبة والمحاسبة والتشريع للكتاب الجامعي إجراءات لابد منها لإعادة الاعتبار للإنتاجات الأكاديمية؟ لاشك أننا أمام معضلة خطيرة تقتضي فتح نقاش وطني عام أمامها بجدية ومسؤولية، لأننا أمام كارثة حقيقية معرفية وأخلاقية ومؤسساتية، لذا، نقترح فتح تحقيق عن مصادر أموال أساتذة تحوم حولهم الشبهة، والذين اغتنوا في ظرف وجيز وأصبحوا يملكون العقارات ويراكمون الثروات، وإن كان صعبا فالإرادة السياسية للمخلصين من هذا الوطن لاشك أنها ستتحمل مسؤوليتها وستوقف هذا البزنس والريع الجامعي وستحاسبه، والذي أصبح حجر عثرة في طريق التنمية وبمثابة الحجر الأساس في فشل منظومة التعليم في المغرب. يجب تشكيل هيئة رقابية مختصة في متابعة وجمع الأدلة ورصد كل ما يمكن أن يدين هذه الممارسة، وتشجيع تأليف الكتاب الجامعي الأكاديمي ونشره والاستعانة بالكتاب الإلكتروني، حيث لن يعود للأستاذ مبررا لعدم توفره على تكاليف الطبع، إذا نشر مطبوعاته ومقرراته في موقعه الإلكتروني وأحال الطلبة عليها، وعلى الجامعة في حالة عدم التمكن من كتابة ورقن كتابه أن تتحمل هذه العملية. كما يجب تشجيع وتكريم الأساتذة الذين ينشرون كتبهم الجامعية وبكل المواصفات الأكاديمية دون فرضها على الطلبة، وكذا الإعلان السنوي عن أفضل كلية وعميد استطاع زجر وإيقاف هذه الظاهرة السلبية. ولابد من توافر قواعد راسخة للكتاب الجامعي، فليس كل أستاذ مؤهل لإصدار كتاب، بل لابد أن يكون معتمدا من جهات الاعتماد المخصصة لذلك، وهي لجان لتقييم الكتاب الجامعي تخضع لشروط ومواصفات وزارة التعليم العالي وهي أن يكون له رقم مسجل وحقوق ملكية فكرية وألا يكون مستنسخا أو مقلدا أو لا يضيف جديدا، أن يكون اسم المؤلف والمراجع التي استند إليها واضحة، وأن يكون الكتاب ومنهجيته متوافقان مع المسار الطبيعي للمناهج المعتمدة ومحتويات المادة والعلوم الأدنى، التي ينبغي أن يحصل عليها الطالب، وأن يكون معتمدا من إدارات ضبط الجودة الخاصة بذلك، وأن تكون هناك مطابع مختصة لإصداره، بالإضافة إلى المادة العلمية التابعة لكل جامعة ضمانا للمستوى الشكلي.