المغرب فاعل رئيسي في تطوير الاستثمارات بإفريقيا (رئيس منتدى تشويسول إفريقيا للأعمال)    أسعار السردين ترتفع من جديد بالأسواق المغربية    تكريم بسيدي قاسم يُسعد نجاة الوافي        هلال: قرار مجلس الأمن يعتبر مخطط الحكم الذاتي "الأساس الوحيد والأوحد" لتسوية قضية الصحراء المغربية    مطار الناظور العروي: أزيد من 815 ألف مسافر عند متم شتنبر    المغرب يزيد صادرات "الفلفل الحلو"    هيئة: 110 مظاهرة ب 56 مدينة مغربية في جمعة "طوفان الأقصى" ال 56    إفشال 49 ألف محاولة لتهريب المهاجرين وإنقاذ نحو 14 ألف شخص من الغرق في 2024 (تقرير للداخلية)    بسبب غرامات الضمان الاجتماعي.. أرباب المقاهي والمطاعم يخرجون للاحتجاج    نقابة إصلاح الإدارة تنضم لرافضي "مشروع قانون الإضراب"    ساعف: نعيش سياقا إقليميا ودوليا مفتوحا على كل الاحتمالات و"الدولة" عادت بقوة    بمراسلة من والي الجهة.. المحطة الطرقية أول امتحان أمام عامل الجديدة    الأمم المتحدة: الوضع بشمال غزة "كارثي" والجميع معرض لخطر الموت الوشيك    نيمار يغيب عن مباراتي البرازيل أمام فنزويلا وأوروغواي    صدور أحكام بسجن المضاربين في الدقيق المدعم بالناظور    شاب يفقد حياته في حادث سير مروع بمنحدر بإقليم الحسيمة    اعتقال عاملان بمستشفى قاما بسرقة ساعة "روليكس" من ضحية حادث سير        بهذه الطريقة سيتم القضاء على شغب الجماهير … حتى اللفظي منه    هذه مستجدات إصلاح الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة    أنيس بلافريج يكتب: فلسطين.. الخط الفاصل بين النظامين العالميين القديم والجديد    الجمعية المغربية للنقل الطرقي عبر القارات تعلق إضرابها.. وتعبر عن شكرها للتضامن الكبير للنقابات والجمعيات المهنية وتدخلات عامل إقليم الفحص أنجرة    ارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج مقارنة بالسنة الماضية    وزارة الشباب والثقافة والتواصل تطلق البرنامج التدريبي "صانع ألعاب الفيديو"    الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجة تطوان الحسيمة تحصد 6 ميداليات في الجمنزياد العالمي المدرسي    فليك يضع شرطا لبيع أراوخو … فما رأي مسؤولي البارصا … !    نظرة على قوة هجوم برشلونة هذا الموسم    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية الوطنية    الأسبوع الوطني التاسع للماء..تسليط الضوء على تجربة المغرب الرائدة في التدبير المندمج للمياه بأبيدجان    بدون دبلوم .. الحكومة تعترف بمهارات غير المتعلمين وتقرر إدماجهم بسوق الشغل    "الشجرة التي تخفي الغابة..إلياس سلفاتي يعود لطنجة بمعرض يحاكي الطبيعة والحلم    الفيضانات تتسبب في إلغاء جائزة فالنسيا الكبرى للموتو جي بي    مركز يديره عبد الله ساعف يوقف الشراكة مع مؤسسة ألمانية بسبب تداعيات الحرب على غزة    قمة متكافئة بين سطاد المغربي ويوسفية برشيد المنبعث    الحكومة تقترح 14 مليار درهم لتنزيل خارطة التشغيل ضمن مشروع قانون المالية        "تسريب وثائق حماس".. الكشف عن مشتبه به و"تورط" محتمل لنتيناهو    مناخ الأعمال في الصناعة يعتبر "عاديا" بالنسبة ل72% من المقاولات (بنك المغرب)    "البذلة السوداء" تغيب عن المحاكم.. التصعيد يشل الجلسات وصناديق الأداء    الأميرة للا حسناء تدشن بقطر الجناح المغربي "دار المغرب"    صدور عدد جديد من مجلة القوات المسلحة الملكية    ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في إسبانيا إلى 205 على الأقل    منْ كَازا لمَرْسَايْ ! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)    ارتفاع حصيلة القتلى في فيضانات إسبانيا لأزيد من 200 ضحية    اختتام الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي النسخة 45    اشتباك دموي في مدينة فرنسية يخلف 5 ضحايا بينها طفل أصيب برصاصة في رأسه    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    الأشعري يناقش الأدب والتغيير في الدرس الافتتاحي لصالون النبوغ المغربي بطنجة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصالحة لتجاوز الانتظارية القاتلة
نشر في لكم يوم 11 - 10 - 2019

قد لا يجادل أحد في أن اليسار بجميع فرقه، وبأغلب أوطانه، مغربيا وعربيا وعالميا، يعاني منذ عقود من أزمة ممتدة، لها أسبابها الموضوعية كما لها أسبابها الذاتية. والإشكال في ظني، يعود في قسم منه على الأقل، إلى ضرورة التمييز بين ما هو موضوعي، مشترك بين جميع مكونات اليسار، وبين ما هو ذاتي خاص بهذه التشكيلة أو تلك وفي هذا الوطن أو ذاك.
وعندما تكون أزمة اليسار بهذا الاتساع الكوني، فمن الأرجح أن ثمة عوامل موضوعية فاعلة فيها جميعا، وقد يكون لها النصيب الأكبر، باختلاف تجاربها وخصوصياتها ، فيما آلت إليه أزماتها المختلفة.
طرح الإشكالية على هذا المستوى الكوني، ليس من قبيل "الهروب إلى الأمام" أو من قبيل "التعويم الفكري" ولا بالأحرى من قبيل "تبرئة الذوات".. وإنما الغاية هي الفهم الأفضل للشرط الموضوعي كونيا ووطنيا، والذي بدون وعيه، وضبطه، لا يمكن الخروج بمعالجات صائبة، لأنها ستكون بالضرورة، معالجات ذاتوية، أقرب إلى ردود الفعل منها إلى المعالجات المتبصرة والبعيدة المدى، ولأنها ستصطدم، حتما، بصخرة الواقع الصلب الذي تم تجاهله والاستهانة به.
ليس المجال هنا للبحث في تلك الشروط الموضوعية المومأ إليها في أزمة اليسار عالميا. وكاتب هذه السطور، يعي، وبكل تواضع، أن البحث فيها وفي امتداداتها وطنيا، ليس بالأمر البديهي السهل..لكن مجرد طرح الموضوع على هذا المستوى المنهجي، وإيلائه ما يستحقه من اهتمام جمعي، يساعدنا على تكوين أرضية مشتركة، أكثر صلابة وعقلانية من واقع الحال، الانفعالي والفرداوي، أو الحلقي العصبوي، المشتت والمضبب الرؤى. إن مجرد التفكير في الموضوع على هذا المستوى المنهجي، يضعنا مباشرة أمام أسئلة كبرى، جميعها ترتبط بالتحولات النوعية المتسارعة والتي اكتسحت العالم وعلى جميع الصعد، المعرفية والأيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والتواصلية، وأشكال وتموقعات التعبير عنها جميعا. وهي التحولات التي لم نستوعبها بعد، بالشكل الجماعي، وبالقدر الذي يُمكِّن اليسار بأن يكون فاعلا شعبيا، مبادراً وناميا ومستقلا. وبتعبير آخر، أن يكون في مجتمعه هو البديل الممكن.
وفي الوضع المأزوم الحالي لليسار، ثمة من يستخلص ويروج لمغالطة أيديولوجية، تزعم، أن ما وقع من تحولات نوعية في العالم، أنهى ، وبلا رجعة، ما كان يفرق في الماضي بين اليسار واليمين، فلا يسار بعد ولا يمين، فكلاهما أضحيا يقفان على نفس الأرضية الليبرالية في كافة المستويات، ويتنافسان على إرضاء نفس القواعد الاجتماعية لكسب الأغلبية الانتخابية… وبدون الدخول في ردود تفصيلية، فمن الواضح أن المخاطب بهذه المغالطة، مادام اليمين هو المنتصر مرحليا، ليس إلا اليسار، المطالب بحسب هذه الدعوة، أن يتخلى عن هويته الاجتماعية والوطنية والأيديولوجية. أو لنقل، أن يستسلم طوعا، ويتخلى عن صراعاته وامتحاناته في الحفاظ على هذه الهوية والرقي بها ومعها.
دعنا من هذا التقديم الذي توخيت منه، البحث أولا في الشروط الموضوعية الكونية، ومن ثم البحث ثانيا في خصوصياتها عندنا، موضوعيا ثم ذاتيا. ولقد لمحت لفوائد ذلك من الناحية المنهجية. ولنر الآن حالتنا على المستوى الذاتي البحث.
ربما لا يجادل أحد أيضا في أن القسم الأعظم من اليسار، أضحى خارج التنظيمات الحزبية التي حمل لواءها فيما مضى، فضلا عن استمرار الانقسام بين تنظيماته الحزبية المختلفة. ولعل فقدان الثقة في المستقبل (وهي وجه آخر لفقدان الثقة المجتمعية في كافة المؤسسات)، وفي إمكان تجاوز اليسار لأزماته الراهنة، هي الحصيلة النهائية لهذا الواقع المفتت والمنكفئ. ولذلك يغلب على الوضع الراهن لليسار، التصورات الفردية المتشائمة، وردود الأفعال التشكيكية الآنية، وحتى الخلافات الفكرية والسياسية المجدية تضعف فاعليتها وتغدو عديمة الأفق.
ما يهمني في هذه العجالة، ليس تقديم تحليل متناسق لهذا الحال، بقدر ما لفت نظري، وحز في نفسي، تردي الروح السياسية العملية، وانعدام الحوار الجماعي، أمام اضطراد تمدد الأزمة المجتمعية لتشمل كافة الصُّعد، واليسار من بينها، وما يحمله هذا الوضع من مخاطر لم تغب بعد عن أعيننا في الساحات الهشة والمأزومة مثلنا. وهذا في الوقت الذي نحتاج فيه لمبادرات تعبوية ووحدوية كبرى، غير مألوفة ولا معتادة في خطاباتنا الرتيبة اليومية. إنها بلا ريب انتظارية قاتلة!
وفي هذه الأجواء السلبية، أرى أن النداء الذي وجهه الاتحاد الاشتراكي نحو المصالحة، بما يعنيي القيام بكل ما يلزم لإعادة بناء وحدة اليسار، نداء يستحق التفاعل الإيجابي معه من قبل الجميع، أفرادا ورموزا وحساسيات وتنظيمات حزبية، علنا نصل إلى مخارج ممكنة لنهوض اليسار من جديد. ومن البديهي أن "المصالحة" لا تعني ردم الخلافات، ولا التصورات المتعددة، بل الدعوة إلى طرحها جميعا مع البحث في سبل وآليات تجاوزها بالقدر العقلاني والموضوعي والممكن أيضا. وبكلمة أخرى، إن المصالحة تعني مصالحة مع التاريخ النضالي المشترك لليسار، بمكاسبه وخساراته، كأساس لبناء مستقبله الموعود.
لنخرج من الانتظارية القاتلة، والتي من أخطر تبريراتها الأيديولوجية، الزعم، بأن حركة التحرر الوطني قد انتهى دورها التاريخي، باختياراتها وأحزابها وأجيالها ورموزها، ولا مناص من ترك السيرورة الاجتماعية تمضي لوحدها إلى أن تستلم القيادة أجيال جديدة وبأفكارها الجديدة. إن العيب لا يقتصر هنا على المعاني التي يعطيها هذا الزعم لحمولة "التحرر الوطني"، وهي حمولة لم تفقد قطعا صلاحياتها ومستوجباتها ولو في عصر العولمة، بل العيب الأكبر في ما تفشوه ضمنا من دعوات إلى الاستقالة الجماعية، وإلى اصطناع قطيعة تناحرية بين الأجيال، وما تعبر عنه من عدمية سياسية انتظارية إلى أجل غير مسمى !
هذه واحدة فقط من عدة تعليلات تبثها الانتظارية السياسية القاتلة. إلا أن ما ينبغي لكل يساري أن يستحضره دائما، الدرس القوي لما سمي بالربيع العربي، والذي لا تفلت منه أية خصوصية، كيفما كانت نسبيتها الحقة، ومن حيث أن لا خيار لخروج مجتمعاتنا من تأخرها، وانطلاق وانتظام نهضتها، سوى إذا ما ساد خيار اليسار بدعم شعبي قوي، لأنه خيار المزاوجة بين الديمقراطية السياسية وبين التنمية الاجتماعية – الثقافية واستقلالية القرار الوطني. وما عداه، ليس إلا التخبط في الفوضى، أو في ليبرالية سياسية واقتصادية معاقة ومهددة دائما بالانكسار.
لكن ثمة أفكار ومحاذير سياسية وأيديولوجية وتنظيمية جدية ولها مصداقيتها، إن لم تتخشب وتتحول إلى عوائق تكرس الانتظارية والتفتت والانقسام. ولكي لا أخوض في تفاصيل تصادر مسبقاً الحوار الجماعي المنظم الذي نريده، أكتفي بالملاحظة الضاربة التالية: الاختلافات داخل اليسار قديمة وأفكارها جميعا جربت في الميدان، والسؤال، لماذا أي منها لم يحقق الطفرة النوعية للحركة اليسارية؟! ألا يستحق هذا السؤال بعد عقود من الخلافات التفكير العميق في عوائقها جميعا؟!
من الملفت أن الدعوة للمصالحة جاءت في "منعطف مناسب" تزامن مع الدعوة إلى التفكير في بديل تنموي آخر، بعد الإقرار الرسمي بفشل (أو باستنفاذ) النموذج التنموي الجاري. نحن إذن أمام فرصة وطنية للتفكير في مستقبل الوطن واليسار معا. وفي هذا المضمار، سأكتفي هنا ببعض القضايا، أظنها كانت وما تزال مركز تنوع وتعدد خيارات اليسار حولها:
أولها: هل الممارسة الميدانية لدستور 2011، حققت تقدما في البنية التقليدية لنمط الحكم، أم أنها كانت دونه، وكرست طوعيا عكسه؟
وثانيها: هل كانت للحكومات الائتلافية العريضة صلاحيات فعلية، وهل كانت لها جميعا نفس الضرورات السياسية والاجتماعية، أم أنها كانت وغذت مجرد أداة صورية تتخبط في تنفيذ خيارات لا باع لها فيها؟
وثالثها : ما هي المضاعفات (في العقلية والعلاقات) التي يستولدها كل من السؤالين السالفين على كافة المؤسسات، الإدارية، والمنتخبة، والمنتجة، وعلى إمكان الانتقال الديمقراطي عامة؟
ورابعها: هل أزمة نموذج التنمية المعاق، وكيفما كانت إيجابياته، تعود إلى اختلالات تنفيذية أو حتى ترشيدية واقتصادية محدودة، أم أنها تعود أم أنها تعود إلى خيارات سياسية – اجتماعية بقيت مشدودة إلى التقييدانية والنيوليبرالية معا، همشت في جملتها التنمية السياسية والثقافية والحضارية للمجتمع، ومعها بالتلازم، التنمية الاجتماعية والمجالية، أي في الحصيلة، اختزلت التنمية البشرية في غير أبعادها المجتمعية الكلية؟
وخامسها: أليس لاستمرار مظاهر التأخر المجتمعي والفوات الثقافي، التقليدية القديمة منها، والمستحدثة في عصر العولمة، دورها في هذه الإعاقة الممتدة، وبالتالي، كيف يتمكن اليسار من المواجهة العقلانية الجامعة بين مسؤولية الدولة من جهة وبين مسؤولية المجتمع من جهة ثانية؟
هذه بعض الأسئلة المحاور التي هي مثار انشغالات اليسار وخلافاته، وقد لا أكون قد توفقت في إيجازها وضبط جميع مضامينها وتدقيقاتها، ولكنها توحي بالمراد، والغاية منها أن تفتح الباب على مصراعيه للمناقشة الجاذبة للمصالحة، والنابذة للانتظارية، ومن أجل بناء انطلاقة جديدة لليسار، إن لم تبلغ الصلابة الواثقة اليقين، فعلى الأقل أن تكون مقنعة وصلبة الإرادة !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.