مرت 100 يوم على تولي حزب العدالة والتنمية الإسلامي للحكومة في المغرب. وكما أثار تعيينها جدلا كبيرا، فإن الأنظار مركزة حول ما أنجزته حتى الآن وبالخصوص في قضايا الفساد وأوضاع المرأة والشباب والملف الاجتماعي. يبدو عبد العزيز أحد المواظبين على المشاركة في مظاهرات خريجي الجامعة في الرباط حريصا على عدم عرقلة حركة المرور خلال مسيرة احتجاجية يطالب فيها ورفاقه بإدماجهم في وظائف القطاع العام. عبد العزيز، حصل على ماجستير الحقوق سنة 2000 ومنذ ذلك الوقت يسعى هذا الشاب المغربي للحصول على وظيفة دون نتيجة، وبعد وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة "تجدد الأمل" كما يقول عبد العزيز لDW "أنا صوتت لهم على أمل أن يغيروا السياسات السابقة فيما يتعلق بمعالجة ملف العاطلين لكن الأمر صار أكثر سوءا". ويعتقد عبد العزيز أن حدة التدخلات الأمنية خلال فترة 100 يوم من حكم الإسلاميين "غير مسبوقة"، كما "أننا قمنا حاليا بخطوات كانت ستجعل حتما الحكومة السابقة ترضخ لبعض مطالبنا، مثل اقتحامنا لبعض الإدارات وإحراق بعض العاطلين أنفسهم"، عبد العزيز يقول إن خيبة أمله "كبيرة جدا" من الحكومة الجديدة. أما نعيمة الفتاة المحجبة وهي الأخرى من الخريجين الذين يتظاهرون إلى جانب عبد العزيز، فهي تقول إنها كانت تتوقع أن "لا تفعل الحكومة شيئا" لأن ما يتغير هو الحكومات والتعيينات في المناصب، وليس السياسة فهي واحدة"، ورغم ذلك فقد الأمل يحدو نعيمة "لأن هؤلاء يتحدثون باسم الدين لكن الواضح أن ذلك خطاب فقط". ولطالما أكد الإسلاميون منذ فترة الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2011 أول انتخابات تقام في عهد الدستور الجديد الذي أقر بعد إجراء استفتاء شعبي في يوليو من نفس السنة، أن برنامجهم الحزبي هو بالأساس برنامج اجتماعي واقتصادي وأنهم سيسعون لتقليص نسبة الفقر وخلق مناصب شغل...برنامج وصف آنذاك ب"الواقعي والإيجابي" وكانت النتيجة الفوز بأغلبية الأصوات. الملف الإجتماعي..التحدي الأكبر بعد مرور 100 يوم على تنصيب الحكومة الجديدة، تتركز الانتقادات الموجهة إليها بشكل كبير في الملف الاجتماعي، خاصة أن وتيرة الحركات الاحتجاجية وأحداث العنف التي شهدتها مدن المغرب خلال فترة تولي الإسلاميين للسلطة لم يكن لها مثيل في السابق، وكانت شعاراتها اجتماعية كالمطالبة بتحسين مستوى المعيشة وخفض الأسعار. وكانت أكثر تلك الأحداث عنفا ما وقع في مدينة تازة (شرق) وبلدة بني بوعياش شمال المغرب، رغم أن تصريحات لوزراء الحكومة كانت تخرج بين الفينة والأخرى لتقول أن السبب في ذلك هو أجواء الحرية التي بعثها الربيع المغربي. مصطفى الخلفي وزير الإعلام المغربي والناطق الرسمي باسم الحكومة يعتبر أن الحكومة لم تكمل بعد 100 يوم من عملها على اعتبار أن تنصيبها رسميا تم في 24 يناير الماضي، إلا أن حصيلتها حتى الآن كما يقول ل DW "مهمة إذ استطاعت حل مجموعة من الإشكالات الكبرى" حيث تم توفير التمويل اللازم والمقدر ب 2 مليار درهم (اليورو يساوي 11 درهم) لإطلاق صندوق التغطية الصحية بالإضافة إلى برنامج الرعاية العائلية للأشخاص الذين يعانون من إعاقات، وكذلك محاربة الهدر المدرسي وإطلاق مشروع التكافل الإجتماعي الذي يشمل 40 ألف امرأة تعيل أسرة. الفقر والبطالة في الأحياء الشعبية بالعاصمة الرباط لكن محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية بجامعة مراكش يعتقد أن الحكومة حتى الآن تقوم فقط بالتسيير اليومي لشؤون المواطنين، ولم تنجز بعد خطوات استراتيجية مادامت لم تتم بعد المصادقة على قانون المالية(الموازنة)، وهذا لا يمنع، برأيه، ابداء ملاحظات حول عدد من المشاريع التي أنجزت حتى الآن. فبرنامج التغطية الصحية الذي تم إطلاقه "سيبقى حبرا على ورق في غياب اعتمادات مالية وخطوات تطبيقية". أما فيما يتعلق بملف الخريجين فيعتقد الغالي في حديثه ل DW أن عدد المناصب التي سيتم خلقها كما ورد في الموازنة (26 ألف منصب عمل) مهم وضاعف ثلاث مرات الرقم الذي جاء في القوانين السابقة. أما السبب في استمرار احتجاجات العاطلين، حسب الغالي، فيعود لعدم توصل الدولة إلى التنسيق بين سوق العمل وشهادات التخرج، فالأولى بحاجة للأطر واليد العاملة وهي موجودة، لكنها لا تتماشى مع متطلبات سوق العمل ولهذا فإن الاحتجاجات ستستمر. أما نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الإشتراكي الموحد فتعتقد في حديثها لDW أن مسألة توفير فرص العمل مرتبطة بمعدل النمو، والحكومة كانت أعلنت في التصريح الحكومي أن معدل البطالة سينزل من 9 إلى 8 بالمائة، وأن معدل النمو يرتقب أن يبلغ 4.5 بالمائة، بينما تقول التصريحات اليوم أن هذا المعدل سيتراجع إلى 2.5 في المائة، ومن الواضح أن المغرب بحاجة إلى معدل نمو بنسبة 7 بالمائة لخلق 150 ألف منصب عمل، علما أن عدد خريجي الجامعات سنويا يبلغ 200 ألف، كما أن مجال الاستثمار خصصت له فقط 20 بالمائة من موازنة الدولة وهو المعول عليه لخلق مناصب عمل. "خبرة المفسدين تفوق خبرة الحكومة في محاربتهم" الحكومة الحالية بكل ما حملته من مواصفات استثنائية، بدءا من كونها أول حكومة إسلامية في تاريخ المغرب إلى الظروف التي عينت فيها حيث استفادت من أجواء الربيع المغربي والعربي بصفة عامة في وقت صعدت فيه أسهم الإسلاميين في المنطقة ككل، شكلت الفترة القصيرة من توليها للحكم، برأي المراقبين، تحديا كبيرا لها، تجلى أساسا في محاولة كسب ثقة المغاربة في حكامهم "الجدد"، في بلد تعتبر فيه نسبة العزوف السياسي مرتفعة خاصة بين أوساط الشباب. ولعل البدء في "إصلاحات" بخصوص ملف الفساد واقتصاد الريع كان أولى هاته المحاولات، حيث تم الكشف لأول مرة في المغرب عن المستفيدين من رخص النقل(مأذونيات) والصحف المستفيدة من الدعم وكذلك الجمعيات المستفيدة من الدعم الأجبني، وإن كانت هذه الخطوات تتم لأول مرة وحظيت باهتمام إعلامي كبير إلا أن بعض المنظمات الحقوقية اعتبرتها "خطوات شكلية" لا ترقى لمستوى محاربة الفساد بشكل جذري لأن "خبرة المفسدين في المغرب تفوق خبرة الحكومة في محاربتهم". لكن مصطفى الخلفي يقول إن البرنامج الحكومي يشمل أزيد من خمسين إجراء لمحاربة الفساد و"ما تم حتى الآن هو ما طالبت به الهيئات المدنية وهو نشر لوائح المستفيدين". ويضيف الخلفي أنه أعلن منذ البداية عن نظام شفاف في كل سياسات الدعم العمومي المالي و العقاري. بيد أن منيب تعتقد أن ما تم في هذا المجال غير كاف ويجب أن يأخذ القضاء مجراه للمحاسبة على الأخطاء والتجاوزات في تدبير المال العام ووضع دفاتر تحملات وبرامج تعاقدية للحد من هذه الاحتكارات في الامتيازات. أما المحلل السياسي محمد الغالي فيعتقد أن ما قامت به الحكومة في هذا المجال مهم و يندرج أولا ضمن إيصال المعلومة للمواطن كما ينص على ذلك الدستور، لكن "حماس الحكومة لمتابعة هذا الملف بدأ يخف، وهو ما يطرح مخاوف لدى المواطنين من ممارسة اللوبيات الاقتصادية ضغوطا على الحكومة بدليل أنه لم يتم الكشف عن لوائح في مجالات أخرى". سهام نسائية ضد حكومة بنكيران قضايا المرأة هي الأخرى لم تغب عن الجدل الذي صاحب حكومة الإسلاميين، فالحركات النسائية والحقوقية في البلاد لم تخف حتى قبل بدء عمل الحكومة مخاوفها من حدوث تراجعات على مستوى المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية حتى الآن ومجال الحريات الشخصية. وبدأت أولى الانتقادات مع تعيين وزيرة وحيدة في الحكومة الجديدة وهو ما اعتبرته تلك الحركات أول تراجع، وهو الرأي الذي تشاطره منيب وتضيف"هناك تراجعات أخرى تمثلت في ظهور لجان النهي عن المنكر، والتي التزمت حيالها الحكومة الصمت بالإضافة إلى غياب إجراءات ملموسة بخصوص العنف والاغتصاب رغم وجود مخططات استراتيجية". لكن الخلفي يقول إن هذه التخوفات لا تستند إلى أي أساس، ويضيف أن حكومته أطلقت مرصدا وطنيا لتحسين صورة المرأة في الإعلام بالإضافة إلى سلسلة من الإجراءات لمحاربة العنف واستراتيجية شمولية للنهوض بأوضاع المرأة. مراجعة: منصف السليمي