تظاهر جزائريون الجمعة للأسبوع الثلاثين على التوالي، في تحرك طغى عليه رفع شعار رفض إجراء انتخابات رئاسية متسرّعة، في وقت صادق البرلمان على قانونين من شأنهما فتح الطريق أمام تنظيم الاستحقاق قبل نهاية العام. وبرغم معارضة المحتجين الذين يرون في الانتخابات الرئاسية وسيلة ل”النظام” للبقاء في السلطة عن طريق التزوير، فإنّ الجيش الذي تسلمّ زمام الأمور بحكم الأمر الواقع يبدو مصراً على دفع هذا المسار قدماً. وقدّم وزير العدل بلقاسم زغماتي الأربعاء مشروعين لقانونين، وتمت المصادقة عليهما في غرفتي البرلمان في غضون يومين فقط. وصادق مجلس الشعب على النصين الخميس وسط تغيّب أحزاب معارضة، فيما صادق مجلس الأمة عليهما صباح الجمعة. ويتعلق المشروع الأول بإنشاء سلطة “مستقلة” مكلّفة تنظيم الانتخابات على أن تحوّل إليها “كل صلاحيات السلطات العمومية، أي الإدارية، في المجال الانتخابي”. وستكون من مهامها أيضاً “مراقبة (الانتخابات) والإشراف عليها في جميع مراحلها، من إستدعاء الهيئة الناخبة إلى غاية إعلان النتائج الأولية”. أما المشروع الثاني، فيتعلق بتعديل القانون الانتخابي ضماناً ل”الشفافية والنزاهة والحيادية”. وكانت الهيئة الوطنية للحوار اقترحت هذين القانونين، وهي هيئة تشكّلت بهدف التشاور مع الأحزاب والمجتمع المدني بغية تحديد آليات لإجراء الانتخابات الرئاسية بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2 نيسان/ابريل. غير أنّ الحراك الاحتجاجي رفض هذا الحوار. “هل قام باستفتاء؟” تأتي المصادقة على المشروعين في وقت لا يكف رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الرجل القوي في البلاد، عن الدفع نحو إجراء الانتخابات في آجال قريبة. وفي بداية سبتمبر، طالب قايد صالح بإصدار المرسوم الداعي إلى تنظيم الانتخابات في 15 سبتمبر حتى يتسنى تنظيم الاقتراع قبل نهاية السنة. غير أنّ الحراك الاحتجاجي يطالب بتفكيك الجهاز الموروث عن عقدين من حكم الرئيس بوتفليقة قبل إجراء أي انتخابات، كما يطلب بمؤسسات انتقالية، الأمر الذي ترفضه السلطات. وبرغم الأمطار الغزيرة التي تساقطت في العاصمة عشية التظاهرات، غير أنّ المتظاهرين كانوا على الموعد مجدداً يوم الجمعة. وانتشر حشد كبير في عدد من الشوارع المحيطة بمبنى البريد المركزي الذي تحوّل إلى نقطة تجمّع أسبوعية للمتظاهرين. وفي نهاية بعد الظهر، تفرّق المتظاهرون من دون وقوع اشتباكات مع الشرطة. وفي ظل غياب أرقام رسمية، يصعب تحديد أعداد المشاركين. وتساءلت المعلمة المتقاعدة هند بن احمد، “كيف يمكن لقايد صالح أن يكون واثقاً من انعقاد الانتخابات الرئاسية؟ هل قام باستفتاء أو استطلاع آراء؟”. وكان الفريق قايد صالح أكد مؤخراً أنّ الانتخابات ستجرى في اجل قريب، ودعا إلى “تسريع” الاستعدادات لتنظيمها. وكانت الانتخابات المقررة في 4 تموز قد جرى إلغاؤها لعدم وجود مرشحين. بدوره، تساءل مولود بن حسيم “من سيجرؤ على الترشح بينما يرفض الشعب إجراء انتخابات في هكذا ظروف؟”. “مهزلة” من جهتها، تذكّر فاطمة (معلّمة، 49 عاماً)، بعدد من مطالب المتظاهرين، بينها رحيل الحكومة الحالية “المتخصصة بالتزوير”، والإفراج عن سجناء الراي. ورفع المتظاهرون شعارات “لجنرو آلابوبال”، أي “الجنرالات إلى المزبلة”، و”لا انتخابات مع العصابة”، في إشارة إلى المقرّبين من الرئيس بوتفليقة الذين لا يزالون في السلطة. كما طالب المتظاهرون بالإفراج عن كريم طابو، أحد وجوه الحركة الاحتجاجيّة، الذي أوقف عشية التظاهرة الثلاثين بتهمة “إضعاف معنويات الجيش”. وقال المتظاهر الياس مصباح (مهندس، 48 عاماً)، إنّ “المقرّبين من بوتفليقة لا يزالون في السلطة، وإجراء انتخابات في هذه الظروف هي مهزلة ببساطة”. وذكرت مواقع الكترونية محلية وصحافيون أنّ مدناً أخرى شهدت تظاهرات الجمعة، بينها قسنطينة (شمال-شرق) ووهران (شمال-غرب) وعنابة (شمال-شرق).