رغم المساعي التي بذلت من قبل كل من مجموعة العمل من اجل فلسطين و العراق و الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني و جماعة العدل و الإحسان لإيجاد مخرج لمسألة الإعلان عن مسيرتين ، لا يفصل بينهما سوى أسبوع واحد ، فان التشبث بالموقف فوت بالنتيجة إدماج المسيرتين في مسيرة واحدة يشارك فيها الجميع و تعبر بقوة عن موقف الشعب المغربي المساند للقضية الفلسطينية ، مع أن فلسطين كانت و ما تزال مركز التقاء كل أحرار العالم و مجال تنتفي فيه تباينات مختلف التيارات السياسية.و رغم كل ما قيل حول خروج جماعة العدل و الإحسان و انفرادها بتنظيم مسيرة دعم الأقصى يوم الأحد 25/03/2012 من دون مكونات الشعب المغربي، فان الأطراف المعنية استسلمت أمام تمسك كل جهة بموقفها ولم تجد سبيلا إلى التخفيف من حدة الشرخ إلا بالدفع بكون الشعب الفلسطيني يستحق أكثر من تظاهرة و فتحت بذلك الباب أمام حرية المبادرة،مع أن الجميع يدرك حساسية الاختلاف على موضوع ظل محل إجماع، و هو ما يملي على المجموعة و الجمعية مزيدا من الانفتاح على كل التيارات السياسية بما فيها جماعة العدل و الإحسان ما دامت هاتين الجمعيتين ظلتا من الناحية التاريخية تمثل كل ألوان الطيف المغربي. لكن من جانبها جماعة العدل و الإحسان و بالنظر إلى الملف السياسي و ما شهده من تطورات، يبدو أنها رجحت النزول إلى الشارع لوحدها ، لإنهاء الشكوك التي حامت حول وضعية الجماعة عقب تسارع الأحداث التي شهدتها الساحة المغربية كصعود حزب العدالة و التنمية و فوزه في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة التي مكنته من قيادة الائتلاف الحكومي، فإذا استحضرنا هذا التحول الذي تقاس أهميته من خلال الموقع الذي يقف عليه كل طرف، فان جماعة العدل و الإحسان كمدرسة مختلفة عن مدرسة العدالة و التنمية و على الرغم من الموقف الذي عبرت عنه من ما استطاع المغرب أن يجنيه من ثمار فصل الربيع العربي و الذي رأت فيه الجماعة مجرد روتوشات لا ترقى إلى الشعارات التي تبنتها الجماعة طيلة شهور إلى جانب شباب 20 فبراير، فان هذه الأحداث سواء منها الذي توقعه المرء أو الذي لم يكن في حكم الوارد ، ما كان ليمر من دون أن يترك آثاره و صداه داخل جماعة العدل و الإحسان.و هذا من العوامل التي دفعت جماعة العدل و الإحسان إلى التحرك لإبراز استمرار قوتها و إبطال الشكوك التي حامت حولها و التي وضعتها في موقع لا يخلو من ضغط السؤال في ظل الانفراج النسبي الذي شهدته البلاد .و إذا أخذنا بعين الاعتبار خطاب جماعة العدل و الإحسان الذي ظل معارضا لسنوات طوال فان هذا الخطاب و مع وجود حزب إسلامي معتدل على رأس الحكومة الحالية خلط لديها أوراق كثيرة و وضع إستراتيجية جماعة العدل و الإحسان و مقاربتها للإشكالات السياسية و الاجتماعية التي تعيشها البلاد موضع تأمل و استفهام.و معلوم أن الحركات السياسية ليست جزرا معزولة عن ما يجري من حولها و جماعة العدل و الإحسان التي اشتهرت بعلاقاتها العمودية و قوة انضباط أعضائها ،لا يمكنها الانفلات من عقال هذه المسلمة ، فالربيع العربي الذي استهدف ديكتاتورية و شمولية النظم العربية ،استهدف في الوقت نفسه و بنفس القوة غياب الثقافة الديمقراطية داخل الأحزاب و القوى السياسية. لذا فخروج العدل و الإحسان من حركة 20 فبراير، بسبب ما رأت فيه توظيفا لجهودها ، هو ما فع بجماعة العدل و الإحسان إلى ترتيب فعالياتها بشكل مختلف . فبقاء الجماعة وسط تيارات سياسية يسارية لفترة جاوزت عشرة أشهر، لم يكن سهلا مع وجود تباينات قوية بين التيارين . و لعل هذا بدوره ساهم في الحد من حرية الجماعة ورهن حركتها باكراهات العمل الجماعي، وهو ما يفسر حاجة الجماعة إلى اختبار قوتها على الأرض و قطع الشك باليقين من خلال تظاهرة الأحد و دعوة أنصارها إلى الاستمرار في التظاهر يومه الجمعة ،فإلى جانب موقفها الداعم للقضية الفلسطينية و الذي لا يمكن التشكيك فيه ، عمدت الجماعة عبر نزولها القوي إلى الشارع إلى إبراز سلامة بنيانها و متانة لحمتها ، و هو ما نجحت فيه باقتدار كبير، بعد أن أغرقت شوارع العاصمة الرباط بأمواج بشرية حجت من مختلف مدن المملكة و قراها بشكل منظم ، تأكيدا منها على المسئولية و الانضباط و القدرة على التحكم في أنصارها و المنتسبين إليها. و الآن ماذا بعد هذا الإنزال الذي أبانت من خلاله جماعة العدل و الإحسان، انشغالها بقضية فلسطين بقدر ما أبرزت انشغالها بقضايا الراهن المغربي كما جاء على لسان العديد من رموزها و كوادرها؟ و كيف ستتعاطى الدولة و الجماعة مستقبلا ؟ و هل تستحمل البلاد بقاء جماعة بحجم العدل و الإحسان مقصية من العمل السياسي القانوني ؟ و الأهم من ذلك هل يكفي و يفي بالغرض ان تخاطب العدل و الإحسان كل الأطراف المعنية عبر لغة التظاهر في الشارع العام؟ و هل حاولت او تحاول الجماعة في الظروف الراهنة تسوية ملفها القانوني؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة سهلة و صعبة في نفس الوقت ،سهلة لان المنطق و الحكمة تقضي بتمكين جماعة العدل و الإحسان من كافة حقوقها السياسية التي يضمنها الدستور، خاصة بعد مسار التحول الذي شهده العالم العربي الذي لم يعد يسمح باستمرار التحكم و المقاربات الاقصائية و صعبة إذا بقيت الجماعة مستمرة في اعتماد لغة التظاهر و رفع سقف شعاراتها بشكل يجعلها خارج قاموس و مفردات العملية السياسية ،و هو ما يفرض على جماعة العدل و الإحسان بدل مزيد من الجهد لتوضيح مشروعها السياسي و رؤاها الفكرية، ومن جانبها، الدولة مطالبة بالتخلي عن لغة الاشتراطات المسبقة و تسهيل مرور الجماعة إلى ميدان التدافع السياسي و عدم وضع العراقيل أمام انتقالها إلى حزب سياسي يحمل على عاتقه الإسهام في البناء الديمقراطي و في تقدم البلاد و نموها ، و الأكيد آن جزء من المغاربة يتطلعون إلى معرفة ما تحمله هذه الجماعة من رؤى و تصورات عن مختلف المشاكل و الأزمات التي تعرفها البلاد. إن رفع يد الدولة عن المجال السياسي بما هو تدخل غير قانوني، تستعمل فيه آليات الرضا و السخط من شأنه دفع الأحزاب السياسية إلى الاعتماد على إمكانياتها و العمل بجدية على بناء أداة حزبية حقيقية ، كما أن أجواء المنافسة من شأنها الإسهام في تطوير الأحزاب و تقويتها. إن تعاطي الدولة مع الأحزاب السياسية في الماضي ساهم في إضعافها إن لم نقل قوض بعضها و هذا لم و لن يخدم مصلحة البلاد ، في وقت هي في أمس الحاجة إلى أحزاب حقيقية . ألا يسائلنا هذا الانكماش الرهيب الذي تعرفه معظم الأحزاب السياسية ؟ ما الذي يجعل جماعة العدل و الإحسان بامتداد شعبي متنوع بعكس غالبية الأحزاب السياسية التي تعاني حالة من الضعف و الهشاشة ؟ إن الإبقاء على جماعة العدل و الإحسان خارج اللعبة السياسية ، لوحده كاف للتشكيك في مدى جدية و مصداقية البدايات التي جاءت محمولة على أكتاف الربيع العربي ، و سيمثل لا محالة تمكين العدل و الإحسان من حزب سياسي لحظة نوعية يجني من ورائها المغرب ايجابيات لا حصر لها ، هذا إلى جانب شروع الجماعة في تبيئة نظرتها للواقع و تحدياته و كذلك في تدبيرها و مقاربتها لمختلف الأسئلة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. في الأخير ، تبدو الظروف ملائمة في ظل التحولات الكبرى التي ضربت معظم البلدان العربية و التي أنهت حالة الحضر الممارس على القوى الإسلامية، و بقاء المغرب استثناء في هذا المجال سيكون سلبيا للغاية . لذا فالظرف مناسب و وجود حزب العدالة و التنمية على رأس الحكومة الحالية من شأنه تسهيل عبور جماعة العدل و الإحسان إلى الساحة السياسية. و بدلا من لغة الرسائل عبر و وسائط الاتصال بين الجماعة و حزب العدالة و التنمية، يبقى الحوار مسلكا وحيدا لإنهاء وضعية شاذة في زمن بات عنوانه العريض الحرية و الكرامة و الديمقراطية.