مع تجدد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة وانهيار اتفاق وقف إطلاق النار بسبب رغبة حكومة نتانياهو في التراجع عن مضامينه وعدم المضي قدماً في مسلسل السلام الذي أصبح اليوم بعيداً عن التحقق بسبب مآلاته السياسية، خاصة المرتبطة بالمنطقة وتداعيات العدوان عليها، وهي تداعيات أعادت إلى الواجهة شبح الحرب والعدوان الذي استمر سنة ونصف وخلَّف آلاف الضحايا والشهداء من المدنيين، والدمار الذي أعاد قطاع غزة خمسين سنة إلى الوراء. شبح الحرب الذي عاد إلى الواجهة بسبب تجدد القصف الإسرائيلي أحيى روح التضامن الإنساني للشعوب مع الشعب الفلسطيني، وهي روح تضامنية، ذات بعد إنساني، تستنكر العدوان والقصف الهمجي، كما عادت معه مواقف الدول والحكومات إلى واجهة الفعل الدبلوماسي، والمغرب الشعبي والرسمي كان جزءاً من هذا التفاعل الدولي مع الفلسطينيين للإعلان عن رفض العدوان والحرب، وللمطالبة بالسلام الحقيقي، فمنذ انطلاق العدوان عادت المسيرات الشعبية للمطالبة بوقف الحرب وتوفير الحماية للمدنيين، وهي مسيرات شعبية ووقفات شهدتها مختلف المدن المغربية لإعلان موقف مغربي شعبي أصيل داخل أُمتنا، وهو موقف لا يختلف عما عبرت عنه الدبلوماسية المغربية من رفض للعدوان ومُطالبة بوقفه والسماح بالمساعدات الإنسانية للدخول من جديد إلى قطاع غزة، خاصة مع هذا الشهر الفضيل، في تعبير ليس عن رفض العدوان فقط بل في رغبة مغربية لحقن الدماء وحماية المدنيين الذين يعتبرون ضحايا هذه الحرب غير المتكافئة. المغرب الرسمي جدد تضامنه مع الفلسطينيين وأعلن عن رفضه للعدوان، ليس فقط من منطلق التزامه بدعم وقف إطلاق للنار، لكن من منطلقات متعددة يتداخل فيها الالتزام الوطني بالديني بالسياسي مع القضية الفلسطينية ومع شعبها وممثلها الشرعي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، التي تحتاج اليوم لدعم سياسي قوي ليكون لها دور في المرحلة المقبلة على أسس جديدة تراعي تطورات القضية الفلسطينية وتطورات الوضع، بناء على الوضع الجديد، الذي فرضه العدوان داخل قطاع غزة وداخل المنطقة، من انهيار لنظام الأسد وتراجع دور حزب الله بسبب الضربات التي تلقاها وانحصار دور إيران وعزلتها السياسية، كل ذلك ينضاف إليه صعود إدارة أمريكية جديدة ممثلة في الحزب الجمهوري بقيادة ترامب الذي يبدو أن له رؤية مغايرة لتدبير الملف. الدبلوماسية المغربية بقيادة أمير المؤمنين، وبصفته كذلك رئيساً للجنة القدس ظلت مواقفها على نفس الخيط الناظم، دعم واضح للشعب الفلسطيني ودعم للمدنيين، الرغبة في العودة إلى المسلسل السياسي وطاولة الحوار، مصالحة فلسطينية تقوي من الصف الوطني، وحل الدولتين على حدود 67، وهي كلها مواقف تعبر عن خارطة طريق واضحة للخروج من المأزق الحالي ومن جر المنطقة إلى الصراع الدموي الذي لن يتوقف في حال أصر نتانياهو على الاستمرار في العدوان، وفي مخططه الذي يريد من خلاله إنقاذ حكومته اليمينية المتطرفة. المغرب يعي جيداً أهمية التحرك الدبلوماسي سواء الأممي منه أو الثنائي، وهو تحرك تحكمه مواقف ثابتة، واضحة، ظل منذ بداية العدوان يعبر عنها، مواقف تنطلق من مسؤوليته تجاه القدس وفلسطين، ومن مسؤوليته الإقليمية في لعب دورٍ سياسي ودبلوماسي للمساعدة على إيقاف الحرب والعدوان، وقد ظل طيلة هذا العدوان يتدخل من أجل تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني بقطاع غزة من خلال إدخاله لها رغم القصف، هنا برزت قوته ونفوذه الدبلوماسيين، ثم استمراره في دعم القدس، وما التحركات الأخيرة التي قام بها بداية رمضان لدليل على هذا التوجه الثابت لدى المملكة المغربية تجاه القدس والمقدسيين. المغرب موقفه ثابت، لم ولن يتغير، ظل ثابتاً في رفضه لأي عدوان، وظل مدافعا عن المدنيين وعن تقوية الدور التفاوضي للمؤسسات الفلسطينية...وهو بذلك يكون منسجماً مع تاريخه ومع مسؤوليته تجاه القضية الفلسطينية.