قام المغرب مؤخرابتتبيث مراكز مراقبة قارة لفائدة شرطة الحدودية ورجال الدرك المغربي والجمارك في اطار مشروع متكامل لتأهيل معبر الكركرات، الهدف منه تأمين حركية المرور والعبور للبضائع وتنقل المسافرين، ومحاربة مهربي الأسلحة والمخدرات بعد سلسلة من أفعال التوتر التي تعرقل وتعيق ذلك. وهذا التصرف المغربي خلق ذعرا وتخوفا لدى قيادة واعلام البوليساريو، الذي اعتبر الفعل خرق لاتفاق وقف اطلاق النار، ومحاولة مغربية لتغيير الوضع القائم في المنطقة، واستفزاز يهدد الأمن في المنطقة، واحتفظت لنفسها بحق الرد، كما راسلت الأمين العام للأمم المتحدة في الموضوع. وفي هذا التحليل سنحاول البحث في الأسباب والخلفيات التي جعلت المغرب يتخذ هذا القرار بعد قرار الانسحاب من جانب واحد في صيف 2016؟ والنتائج التي تحكمت في القرار؟. أولا: إن المغرب يعتبر المنطقة اقليم وتراب مغربي، وتركه خاليا في عهدة ومسؤولية الأممالمتحدة بواسطة بعثة المينورسو لتقوم بمراقبة وقف اطلاق النار، وتبين كما تأكد للمغرب أن المنطقة اصبحت وأضحت مجالا وقاعدة لتهديد أمنه، وأمن وسلامة حركة مرور البضائع والمسافرين في طريق الكركرات، وتحولت الى ملاذ لهروب وفرار واختباء الجناة، ولانطلاقهم، ونفس الشيء في وجه المهربين وعصابات الجريمة المنظمة بمختلف اشكالها وانواعها. ثانيا: لقد سبق للمغرب أن عبر عن رفضه اقتحام البرليساريو للمنطقة العازلة ومحاولتها اقامة منشآت ادارية، ووجه تنبيها رسميا، ورسائل الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن وامريكا وروسيا وكل الدول صاحبة النقض والدول اصدقاء الصحراء والسويد لثلاث سنوات متتالية منذ 2017، 2018و 2019 على اثر اقتحام البوليساريو للمنطقة، وعبر بلغة شديدة أنه حازم على التصدي بأي وسيلة ولو باستعمال القوة لأي شكل من اشكال محاولات البوليساريو تغيير الوضع القائم في المنطقة العازلة. ثالثا: ان المغرب يعتبر المنطقة العازلة هي كل لا يتجزأ وغير قابل للانقسام، وهي كل الشريط الذي يقع خلف الجدار الدفاعي المغربي نحو الشرق في اتجاه الحدود المغربية الجزائرية او في منطقة الكركارات في اتجاه الحدود المغربية الموريتانية وفي اتجاه المحيط الأطلسي دون استثناء ودون فواصل ولا تحديد للمسافات. رابعا: إن اقتحام البوليساريو للمنطقة العازلة طرف ومحاولات اعمارها مدنيا واعتبارها” اراضي محررة”، والمخطط الذي يمتد الى 2014( تاريخ مصادقة مجلسها الوطني على ذلك)، وتأكد للأمين العام السابق بمعاينة عناصر بعثة المينورسوذ، وتوثيقه في تقريره لسنة 2015، واقدامها مباشرة ولعدة مرات على قطع الطريق والممر العابر لمنطقة الكركارات من طرف عناصرها المدنية او العسكرية، هو مس بسلامة وحرية المرور في المعابر الدولية. خامسا: إن مقتضيات القانون الدولي تعطي للمغرب حق استغلال واستعمال المعبر ، وفي ذات الوقت تجعل على عاتقه واحب والتزام بسط الأمن فيها وحفظ وضمان سلامة العابرين. خاصة ان المجتمع الدولي بما فيه الاتحاد الأوروبي جعل المنطقة تدخل في النطاق الجغرافي للاقليم المغربي دون اعتبار لوضع النزاع حول المنطقة. سادسا: ان اقامة البوليساريو لمنشآت إدارية وعسكرية في تيفاريتي وبئر لحلو ومحاولتها اقامة اخرى او نقلها في المحبس يعتبر فعلا مخلا باتفاق وقف اطلاق النار شأنه في ذلك شأن ظهور وتواجد عناصرها في الكركرات الموثق في لوائح وقرارات الأممالمتحدة منذ 2016، ولا أساس قانوني ولا تعاقدي يسمح للتمييز بين تلك المواق كمنطقة عازلة غير مسموح لها بالتواجد فيها، وهو فعل مستمر لخرق وقف اطلاق النار. سابعاً: ان الانتهاك والاقتحام المزدوج لعناصر البوليساريو المدنية والعسكرية للمنطقة العازلة وتواطئها مع المهربين والعصابات داخل المنطقة، وبغض النظر عن طبيعة العلاقة بيوسومنهم، فان ذلك في حد ذاته يعتبر فعلا مخلا بطبيعة المنطقة ووضع المنطقة العازلة، التي لا تقبل هذا الحضور. وان كل ذلك فرض واستوجب على المغرب التدخل تنفيذا لتنبيهه ولتجسيد جديته في اصداره وتبليغه هذا الانذار الى كل المعنيين بالأمر ، وربط المغرب بذلك القول بالفعل، تفاديا للفهم الخاطىء من طرف البوليساريو وغيرها. ثامنا: ومن جهة أخرى، فان ما قد يكون قام به المغرب هو من قبيل أن ما يسري على البوليساريو في تواجدها في اجزاء من المنطقة العازلة، واقامتها منشآت فيها ومحاولة اعمارها يسري على المغرب أيضا، ولا مانع يمنعه من التواجد والبقاء فيها تبعا لذلك أمام تقاعس المينورسو عن القيام بدورها والتزامها في بسط رقابتها على المنطقة. فالبوليساريو ورغم التزامها في اتفاق وقف اطلاق النار بطبيعة المنطقة العازلة ، وتعهدها للأمين العام التقرير 2019 بالاخلاء وبعدم اقامة المنشآت ولا نقلها، ورغم القرار من مجلس الأمن بضرورة اخلاء المنطقة الفوري، وتغاضي مجلس الأمن عن كل ذلك ولم يتم كبح جماحها بالصرامة والحزم اللازمين في مواجهتها، و هو ما شجع البوليساريو الالتفاف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن وعدم احترامها وانتهاكها، بدليل تبوث استمرار تواجدها في المنطقة. تاسعا: إن التصرف المغربي رسالة لمجلس الأمن ولبعثة المينورسو، التي لم تستطع الاضطلاع بواجب مسؤوليتها في مراقبة المنطقة، وقد أقر الأمين العام نفسه في تقريره الأخير بصعوبة تلك المراقبة بذريعة شساعك المنطقة خلف الجدار الدفاعي المغربي، ،واعترفه بوجود تهديد حقيقي وداهم لقوات وأفراد وعناصر بعثة المينورسو، بل ان صحافة البوليساريو تحرض ضد هذه القوات ، راجع جريدة ( المستقبل الصحراوي، و خاصة مقال صاحبها سعيد زروال) . عاشراً: إن مصدر استفزازات البوليساريو آتية من منطقة الكركارات، وهي النقطة الصغيرة التي تختزل مجمل القضية، وعناصر الحل، وتوجد قيادة البوليساريو الآن في وضع صعب داخليا تبعا لغليان واحتجاجات سكان المخيمات، لعدة اسباب منها معاقبتها على التفريط في ورقة الكركارات،. و قد سبق لأمينها العام وقائدها في الشهر المنصرم أن هدد في شريط مصور بالعودة الى الحرب. واستنتجت شخصيا حينها في مقال بأخذ التهديد محمل الجد بالنظر الى الوضع الداخلي في المخيمات وولوضع في الجزاىر واتجاه المجموعة الدولية في رفض الأخيرة قيام دولة جديدة في المنطقة (حوار الرئيس السابق لموريتانيا محمد عبد العزيز مع الصحفي عبد الباري عطوان، والتقرير الأخير لجريدة وول ستريت جورنال الأمريكية الوارد فيه أن الرئاسة الأمريكية لا تؤيد ذلك، ، والدعم الذي تحظى به مبادرة المغرب بالحكم الذاتي). على سبيل الختم كل تلك الأسباب فرضت على المغرب اليقضة والحيطة والحذر من أي تهور ورعونة لأن الحرب مزاج بشري غير قابل للضبط، ومن الأفضل التنبؤ والاستعداد لها، فالبوليساريو تعيش ضغطا صعبا قد يعصف بها، وهي تتخبط، والحرب ضالتها لتهدئة الداخل وتصريفه الى الخارج، إلا أن ذلك تكلفة ذلك الاختيار كارثية في وجودها، وان قرار المغرب الحالي يحقق به نتيجتين فهو يضاعف من الضغط الممارس على قيادة جبهة البوليساريو من جهة، وهو حيطة وحذر واستعداد مطلوبين له لأي طارئ تقدم عليه . *محامي بمكناس، و خبير في القانون الدولي- الهجرة ونزاع الصحراء.