يظن عديدون أن الربيع العربي هو نتاج لمجهودات شعوب عربية قررت أخيرا خلع رؤسائها و القضاء على الفساد و الاستبداد و حالة الضياع التي تعيشها، و هناك من صدق ذلك فعلا و أصبح يؤمن بقوة الشعوب المقهورة في فعل المستحيل، و لا حديث الا عن الثورة و ما حققته من انجازات. و في الحقيقة فإن ما يحدث و يدور في العالم الإسلامي ما هو إلا تطبيق لخطة محكمة، حبكت بعناية فائقة في بلاد العام سام، فصلت على مقاس إسرائيل و صدرت للمسلمين. فلا يخفى على أحد أن أمريكا هي المتحكم الوحيد و الأوحد في شؤون العالم، مستبيحة إياه طولا و عرضا بجمهورييها و ديمقراطييها مع اختلاف بسيط في التكتيك، فما كان يحققه الجمهوريين بالحرب يحققه الديمقراطيين عن طريق التجارة. لقد كان شعار الرئيس الامريكي أوباما أثناء حملته الانتخابية هو التغيير، أبرز ملامحه ظهرت من خلال خطابه في نيوهامشير في العاشر من يناير 2008 إبان تنافسه مع هيلاري كلينتون، و أول بشائر التغيير بدأت بوصوله كأول رئيس أسود لأمريكا لتنطلق منها إلى العالم الإسلامي. تصدير التغيير الى العالم الإسلامي لم يكن صدفة، بل كان أولوية لدى الديمقراطيين، و هو ما أكد عليه أوباما في خطابه الأول بعد تنصيبه في البيت الأبيض في 20 يناير 2009 عندما خص المسلمين دون غيرهم، بعد التأكيد طبعا على وحدة الجبهة الداخلية للبلاد، حيث قال في خطابه:" نقول للعالم المسلم أننا ننشد طريقا جديدا إلى الأمام ، يرتكز على المصلحة المتبادلة والاحترام المتبادل. ولأولئك القادة في جميع أنحاء العالم الذين يسعون إلى زرع بذور النزاع ، أو يحملون علل مجتمعاتهم على الغرب، نعرف أنه سوف يحكم الناس عليكم على ما تستطيعون أن تبنوه ، لا على ما تدمرونه". ليوجه بعد ذلك رسالة مباشرة للحكام المسلمين في نفس الخطاب قال فيها:" أولئك الذين يتمسكون بالسلطة عن طريق الفساد والخديعة وإسكات الرأي المخالف، اعلموا أنكم في الجانب الخاطئ من التاريخ، ولكننا نمد يدنا إذا كنتم على استعداد لإرخاء قبضتكم". البداية كانت من إيران في يونيو 2009، حيث اندلعت مظاهرات رافضة لنتائج الانتخابات التي فاز فيها أحمدي نجاد بولاية رئاسية جديدة، عرفت صدامات عنيفة بين المتظاهرين و قوى الأمن و خلفت ضحايا كثر، لكن النظام الإيراني تمكن من الصمود و تجاوز الأزمة رغم الثمن الباهض. بعد إيران كان الدور على تونس حيث سقط نظام ابن علي على خلفية ثورة الياسمين، لتليه فوضى مصر و سقوط الهرم الرابع حسني مبارك و نظامه. غير أنه إذا كان موقف الجيش في مصر و تونس منحازا الى الشعب، فإن الوضع كان مختلفا في ليبيا حيث كان الحسم العسكري و التدخل الأجنبي هو الفيصل لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي و اغتياله بعد ذلك. و هناك تحركات أخرى لم يكتب لها النجاح بعد، وما زالت متواصلة خاصة في المغرب،اليمن و سوريا، و الحبل على الجرار. الحرب الجديدة التي تشنها أمريكا على العالم الإسلامي تحت مسمى التغيير تتنوع وسائلها و تتعدد أهدافها. فالمرحلة تتطلب تبني أساليب جديدة و متطورة لتحقيق الأهداف المتوخاة تتماشى وشعار التغيير. فمن حيث الوسائل لا يختلف اثنان على أن مواقع التواصل الاجتماعي أو صحافة المواطن كان لها الفضل في تأجيج المظاهرات و شحن المتظاهرين و إيصال الحقيقة إلى العالم بأبسط الوسائل و أسهل الطرق، و بالتالي تجاوز التعتيم الإعلامي الذي تتنهجه الأنظمة الاستبدادية و التغلب على الإعلام الرسمي المضلل. فمواقع مثل تويتر و الفيسبوك و المدونات كان لها الدور البارز في تأجيج هذه الاحتجاجات و إنجاحها. و لعل تأجيل موقع تويتر لموعد صيانته السنوية في يونيو 2009، الذي تزامن مع ارتفاع حدة الاحتجاجات في إيران، بطلب من الإدارة الأمريكية حتى يتيح الفرصة للمحتجين لمواصلة تغريدهم و نشر احتجاجاتهم على نطاق أوسع، خير دليل على ذلك. بل إنه طلب من الإيرانيين المغتربين و المتعاطفين معهم القيام بوضع إيران كمقر تواجدهم بسجل معلوماتهم بموقع تويتر حتى يضخموا حجم الاحتجاجات و يظهروا أن السواد الأعظم من الإيرانيين منخرط في الاحتجاجات. نجاح تويتر في الحملة على إيران، و تقييد الصحافة التقليدية و منعها من العمل، جعل أمريكا تركز على مواقع التواصل الاجتماعي و تدعمها للقيام بدور السلطة الرابعة. فيما اكتفت هذه الأخيرة بنقل الإخبار عن مواقع التواصل الاجتماعي و القيام بالدعاية المجانية لهذه المواقع، و توجيه الرأي العام للتعامل معها. و هو ما قامت به العديد من القنوات و الصحف الكبرى كمجلة التايم الامريكية التي اختارت مؤسس موقع الفيسبوك مارك زاكربيرغ كشخصية السنة لعام 2010، و قبله المدونون و ناشطي الانترنت سنة 2006، و قبل ذلك الجنود الأمريكيين سنة 2003، فيما اختارت هذا العام شخصية المحتج كشخصية السنة. فأية علاقة تربط الجنود الأمريكيين بالمحتجين، و بالمدونين و نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي؟ عربيا كان للجزيرة القطرية الدور الأكبر في دعم صحافة المواطن و تأجيج الاحتجاجات العربية للإطاحة بالأنظمة الفاسدة، حيث تحولت الجزيرة من وسيلة إعلام الى وسيلة للتوجيه و التأطير للاحتجاجات خدمة للأجندة الأمريكية، ضاربة بمصداقيتها و أعراف الصحافة المهنية عرض الحائط. و يبدو أن ذلك جاء تتويجا لصفقة أمريكية قطرية متعلقة بتنظم كأس العالم 2022 لكرة القدم، و رغبة قطر في لعب دور أكبر في المنطقة العربية و التحكم في الجامعة العربية و إبعاد الأشقاء الكبار المنافسين لها، خاصة سوريا و مصر، و باتفاق مع الجزائر التي طالما طالبت بتدوير منصب الأمين العام للجامعة. و هو ما أكدته الزيارة الخاطفة للأمير حمد للجزائر و لقائه بالرئيس بوتفليقة يوم التصويت في الفيفا على استضافة كأسي العالم 2018 و 2022، و هي الزيارة التي طرحت العديد من علامات الاستفهام لا سيما من حيث التوقيت و الأهداف. من جهة أخرى أمريكا تعاملت مع المرحلة بمرونة و كانت تتبنى تكتيكات مختلفة حسب كل مرحلة مع حرصها على عدم الظهور في الصورة، وقد استغلت احتجاجات مولدوفا في البداية، و استفادت بعد ذلك من ملحمة كديم ايزيك بالصحراء الغربية و عممتها على العرب لأنها الأقرب إليهم و الأكثر نجاعة. كل ذلك كان الهدف منه ضرب عدة عصافير بحجر واحد في إطار التهيئ لشرق أوسط جديد يخدم الكيان الصهيوني، يركز على إضعاف الدول الإسلامية المحيطة به خاصة إيران و سوريا، و ضرب مصداقية حزب الله لدى الشعوب العربية بحكم موقفه من الاحتجاجات في سوريا و البحرين، و بالتالي إضعاف المقاومة و خلق نوع من الانقسام داخل أوساط الأمة الإسلامية بين مؤيد و معارض للاحتجاجات، لتطفو الاختلافات الاثنية كقضايا الشعب الامازيغي، الاكراد و الزنوج، وبالتالي كسر الإجماع حول القضايا المصيرية، و نشر نوع من الضبابية و اللبس و عدم الفهم مما ولد نوع من الحيرة لدى جميع المتتبعين لهذه الاحتجاجات.